في الفترة الأخيرة ومع عموم البلوى بفتنة ما يسمى بـ ((حوار الأديان)) والتي أصابتنا لوثتها في بلاد الحرمين حتى انعقد لها مؤتمر الحادي في الحرم المكي الشريف مؤخراً،
وبهذه المناسبة يسرنا ان نضع بين أيديكم المقال الذي كتبه د. عبدالرحيم بن صمايل السلمي والمقتبس من موقع الألوكة
ونظرا لطوله سنقوم بسرده على شكل حلقات
الحلقة الأولى
المقـدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أمابعد:
فإنَّ اختلاف الناس في أديانهم وعقائدهم سنة قدرها وقضاها رب العالمين لحكمة عظيمة وغاية جليلة وهي الابتلاء والاختبار. يقول تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [سورة هود: 118-119] والمراد بالاختلاف هنا: الاختلاف في الدين[1] وليس في الألوان والأذواق واللغات ونحوها. وأعمق خلاف بين الأديان هو الخلاف الواقع بين المسلمين وأهل الكتاب (اليهود والنصارى) على وجه الخصوص.
فمنذ أن حاربهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإلى آخر الزمان عندما ينزل عيسى عليه السلام، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، والخلاف مستمر والصراع محتدم بأساليب متنوعة وطرق متباينة.
وفي هذا الوقت وبالتحـديد منذ منتصف القرن الماضي بعد المجمع الفاتيكاني الثاني (1962 - 1965م) ظهر تطور جديد في أسلوب التنصير والتبشير وهو التنصير تحت عباءة الحوار والتقارب والتفاهم مع الآخر والاعتراف به والتعاون على القضايا المشـتركة بين الأديان.
وهذا التطور الجديد عند النصارى هدفه بالدرجة الأولى تدارك النصرانية التي نُكِّست أعلامها بعد هزائمها المتتالية أمام العلمانيين، لا سيما وأن المجتمع الغربي يحمل تصوراً سلبياً عن الكنيسة في العصور الوسطى وعصر النهضة والعصر الحديث مما جعل العالم الغربي المفتوح - الآن - للأديان يشكل خطراً على الكنيسة في المستقبل، لا سيما مع الازدياد الملحوظ في الدخول في الإسلام بين النصارى.
وقد جاء ت فكرة الحوار بين الأديان عند الكنيسة الكاثوليكية مع تجديدات أخرى في الدين النصراني في المجمع الفاتيكاني الثاني (1962 - 1965م) ومنها: توسيع مفهوم الخلاص ليشمل النوع الإنساني بأكمله، وتبرئة اليهود من دم المسيح، والتعاون بين فرق النصرانية المختلفة (الأرثوذكس - والبروتستانت).
ويعتبر هذا التطور في الديانة النصرانية أبرز التطورات بعد مجمع نيقية الذي عقد في سنة 325م الذي قرروا فيه عقيدة التثليث، وأعلن ديناً رسمياً للدولة الرومانية بعد اعتناق قسطنطين للنصرانية.
فهذه الفكرة "الحوار بين الأديان" منشؤها الأصلي من الكنيسة الكاثوليكيّة وأكثر جمعيات الحوار ومؤتمراته منها، وهذا في حدِّ ذاته مؤشرٌ للأهداف الخبيثة فيه. ومع كثرة المؤتمرات واللقاءات المعقودة في هذا الشأن إلا أنها لم تفد شيئاً يذكر في مجال التقارب الحقيقي و بناء أعمال مؤسسية لهذا الغرض. فبعد مفاوضات مرثونية طويلة ومملّة لم يتوصل الإسلاميون المشاركون فيها إلى الاعتراف من النصارى بأن محمد صلى الله عليه وسلم نبيناً من الأنبياء، وله رسالة صحيحة كغيره من الأنبياء، وهذا ما أغضب بعض المشاركين بدرجة كبيرة في المؤتمرات الأخيرة إلى درجة التلويح بمقاطعة هذه الحوارات العقيمة.
والحقيقة أنَّ نيل الاعتراف لسنا بحاجة له من أتباع دين مـحـرف تـلاعب به الأحبار والرهبان - باعترافاتهم - ولكن الهزيمة النفسية التي يعاني منها بعض الإسلاميين تنتج نماذج كهذه النماذج التي لا تشعر بعظمة دينها وقوته الحقيقية. ولو اشتغل المشاركون في هذه المؤتمرات بدعوة النصارى إلى دين الإسلام، وإقامة الحجة والحوار البناء الذي يوضح العقائد الصحيحة لأنتجوا فائدة عظيمة، لا سيما ونحن نرى أن الدخول في الإسلام من قبل عموم النصارى كثير جداً، ولكن الاشتغال فيما لا يعني ومنها هذه الحوارات أفقدتنا فرصة ثمينة للدعوة إلى الله تعالى والحوار البناء القائم على منهج النبوة.
بل وصل الحال والمخالفة لمنهج النبوة إلى درجة الاتفاق في بعض هذه المحاورات على ترك الدعوة إلى الدين بين الطرفين، ولا شك أن الخاسر فيها هو الطرف الإسلامي لأن الأعداد المتكاثرة التي تدخل من النصارى في دين الإسلام لا تقارن بالذين ينسلخون من الإسلام إلى النصرانية، مع أن النصارى لم يلتزموا بهذا الشرط، فلا تزال إرساليات التنصير تجوب بلاد المسلمين طولاً وعرضاً، بل تقوم الحكومات اللادينية بدعمهم وزيادة إمكانياتهم، ويكثر وجودهم في النقاط الملتهبة في بلاد المسلمين مثل أفغانستان والعراق أو الفقيرة مثل الدول الإسلامية الافريقية وإندونيسيا وغيرها، ولو التزم النصارى بهذا الشرط الجائر لما جاز للمسلمين الالتزام به، وإيقاف الدعوة وهداية الخلق باسم الحوار.
فالفكرة الموجودة الآن التي تعقد المؤتمرات لها لم تكن في الأصل بمبادرة إسلامية ولم ترسم أهدافها وخطتها في بلاد المسلمين بل جاءت بطلب من الفاتيكان بعد الدراسة العميقة لها - عندهم - وتحديد أهدافها وغاياتها، فتقبلها بعض المسلمين وظنوا أنها تحقق بعض المصالح وترد بعض المفاسد، وأعطوا فكرة التقريب هذه مفهوماً فضفاضاً وعائماً وهو (الحوار) وبهذا المفهوم العام يختلط على السامع الغاية من الحوار بين الدعوة وإقامة الحجة إلى التقريب والتعاون المشترك أو التعايش أو الوحدة أو التوحيد بين الأديان.
ولم يكن لدى العلماء المسلمين سابقاً في التعامل مـع الأديان إلا الدعوة أو الجهاد بحسب الشروط الموضوعية والأحوال المتغيرة في التعامل مع أهل الأديان المخـتلفة التي واجهوها، ولم يكن هناك ثمة رأي يرى الحوار مع الأديان لتحقيق مصالح مشتركة مع الإهمال الكامل للدعوة وإقامة الحجة وبيان
الحق وإبطال الشرك، لأن مهمة المفاوضات الدنيوية ليس لها علاقة بوصف الأديان؛ فهي متعلقة بالحكومات السياسية وليس بالأديان والمذاهب والأفكار.
ولهذا فإنَّ من العدل والإنصاف عند الحكم على المفهوم العام الاستفصال والتفريق بين الأنواع المختلفة وإعطاء كل ذي حق حقه ووزن كلَّ نوعٍ على حدة ليتميز عن غيره، وقبل الحكم لابد من معرفة المنهج الشرعي في الحوار بين الأديان وتميزه عن المناهج المنحرفة فيه.
وهذا هو موضوع هذا البحث، وقد قسمته إلى فكرتين رئيسيتين:
......يتبع .....