الفصل الثاني المعاملات المالية و التجارية في الإسلام
إن تحريم الربا في الإسلام أمر لا خلاف عليه، فقد ثبت ذلك بنص الكتاب والسنة وإجماع المسلمين منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا. إضافة إلى حرمته في الكتب السماوية الأخرى رغم ما طرأ عليها من تحريف. فحرمة الربا من الأمور البديهية في الإسلام ومن المسلمات التي لا يجادل فيها إنسان على علم قليل بتعاليم الإسلام.
لكن الأمر المنكر هو ما بلي به المسلمون المعاصرون من التأثر بالمقولة الغربية الرأسمالية بأن تحريم الربا شيء يتعلق بالعواطف أكثر مما يتعلق بالواقع والحقيقة وبذلك فقد الإنسان المسلم القدرة على التمييز والفهم والإدراك بأن حرمة الربا ترتكز على المنطق العقلي والواقعي لأن الله عز وجل ما كان ليحرم شيئا ينفع الناس.
وقد وصل الأمر إلى ادعاء بعض علماء المسلمين المحدثين اللذين بهروا بالحضارة المادية المسيطرة بأن الحرمة تقتصر على القروض الاستهلاكية ، أما ما يقترض للاستغلال في التجارة والصناعة وغيرها من ضروب الأنشطة الاقتصادية الأخرى فلا بأس بأخذ الربا). وأن النظام الربوي المعاصر يختلف عن النظام الربوي الماضي , والكلام عن الربا في هذا المبحث سيكون حول معناه وتقسيماته والتركيز على أدلة تحريمه ونطاقه.
المبحث الأول:الربا في معناه و تقسيماته
المطلب الأول: مفهوم الربا
الفرع الأول: تعريف الربا
أولا _ تعريفه لغة:
كلمة ربا تعني الزيادة والنمو ، فقد جاء في لسان العرب بأن الأصل فيه هو الزيادة من ربا المال إذا زاد ( )وبهذا فان الربا بالمعنى اللغوي المجرد يفيد زيادة في ذات الشيء.
أما بالنسبة لمادة ربا كما وردت في القرآن الكريم فهي تفيد معنى من معاني النمو والعلو :- ففي سورة الحج جاءت كلمة ربت بمعنى ارتفعت في قوله تعالى : وترى الأرض هامدة ، فإذا أنزلت عليها الماء اهتزت وربت من الآية 5 .
بمعنى ارتفعت وعلت وزادت بالنبات إذا نزل عليها الماء بذاتها.
كما جاءت بمعنى المضاعفة في سورة البقرة: يمحق الله الربا ويربي الصدقات " الآية 276" بمعنى يضاعف الصدقات ويباركها . كما جاءت بمعنى الارتفاع فوق سطح الشيء كما في سورة الرعد فاحتمل السيل زبدا رابيا " الآية 17" أي بمعنى طافيا فوق سطحه.
من هذا المعنى اللغوي المجرد للكلمة وما يشتق منها يفهم معنى الزيادة والنمو كما أن القرآن أورد هذا المخصوم للزيادة في رأس المال في قوله تعالى : ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وان تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون " سورة البقرة آية 287.
وقوله تعالى: وما أتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله " سورة الروم الآية 39".
من هذه الآيات يظهر أن كل زيادة تحصل على رأس المال يقال لها ربا ، والقرآن الكريم لم يحرم الزيادة لكونها زيادة فقط فقد تحصل الزيادة في التجارة ولكن حرم الزيادة المخصوصة التي أطلق عليها القرآن لفظه الربا وقد كانت الجاهلية لا تفرق بين الزيادة التي تأتي عن طريق البيع والزيادة التي تأتي عن طريق الربا.
وقد أوضح القرآن هذا المفهوم السائد بما حكاه عنهم قوله تعالى : ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا " سورة البقرة آية 275" ، فالربا عبارة عن زيادة خاصة معروفة ، فقد عرف الفقهاء المسلمون الربا بأنه (الزيادة في أشياء مخصوصة)، ويقصد بهذه الزيادة المخصوصة هي زيادة أحد البدلين المتجانسين من غير أن يقابل هذه الزيادة عوض.
ثانيا _ تعريف الربا فقها :
ذكر الربا في القرآن الكريم في أربع مواضع :
1-في قوله تعالى في سورة الروم : وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفونآية 39.
2-في قوله تعالى : فبظلم من الذين هادوا حرصنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا ، وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل واعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما النساء آية 160 –161.
3-يقول تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون آل عمران آية 130.
4-بقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين البقرة آية 287.
أما ورد الربا في الحديث النبوي الشريف :
*عن عمرو بن الأحوص قال ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول :" ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع ، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون و لا تظلمون ".
*عن عبد الله بن مسعود قال: لعن الرسول صلى الله عليه وسلم آكل الربا ، وموكله ،وشاهده، وكاتبه
*عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" اجتنبوا السبع الموبقات. قيل: يا رسول الله وما هن ؟قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ".
وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم:" ما أجد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة
ما ورد عن فقهاء المسلمين بخصوص الربا :
*قال الرازي في تفسيره: "...وأما ربا النسيئة فهو الأمر الذي كان مشهورا متعارفا عليه في الجاهلية وذلك أنهم كانوا يدفعون المال على أن يأخذوا كل شهر قدرا معينا ويكون رأس المال باقيا ، ثم إذا حل الدين طالبوا المدين برأس المال ، فادا تعذر عليه الأداء زادوا في الحق والأجل ، هذا هو الربا الذي كانوا في الجاهلية يتعاملون به ".
*يقول الجصاص " الربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلى أجل بزيادة على مقدار ما ستقرض ، على ما يترضون به ، ولم يكونوا يعرفون البيع بالنقود وان كان متفاضلا من جنس واحد ، هذا كان المتعارف المشهور بينهم ، ولذلك قال الله تعالى : وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله فأخبر أن تلك الزيادة المشروطة وإنما كانت ربا في المال المعين ، لأنه لا عوض لها من جهة المقرض وقال تعالى : لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة إخبارا عن الحال التي خرج عليها الكلام من شرط الزيادة أضعافا مضاعفة فأبطل الله تعالى الربا الذي كانوا يتعاملون به . وأبطل ضروبا أخرى من البياعات وسماها ربا فانتظم قوله تعالى : ... وحرم الربا تحريم جميعها لشمول الاسم عليها عن طريق الشرع ، ولم يكن تعاملهم بالربا إلا على الوجه الذي ذكرنا من قرض درأهم أو دنانير إلى أجل مع شرط الزيادة .
ويقول القرطبي:" قوله تعالى : إنما البيع مثل الربا أي إنما الزيادة عند حلول الأجل أخر كمثل أصل الثمن في أول العقد ، وذلك أن العرب كانت لا تعرف ربا إلا ذلك فكانت إذا حل دينها قالت للغريم إما أن تقضى وإما أن تربى . أي تزيد في الدين ، فحرم الله سبحانه وتعالى ذلك.
*ويقول ابن العربي :" هذه الآية من أركان الدين وفيها مسائل :
المسألة الأولى :
في سبب نزولها : ذكر من فسر أن الله تعالى حرم الربا: قالت ثقيف وكيف تنتهي عن الربا وهو مثل البيع فنزلت هذه الآية.
المسألة الثانية :
قال علماؤنا قال تعالى: الذين يأكلون الربا كناية عن استجابة في البيع وقبضه باليد، لأن ذلك إنما يفعله المرابي قصد لما يأكله فعبر بالأكل عنه وهو مجاز من باب التعبير عن الشيء بفائدته وثمرته.
ثالثا _تعريف الربا اصطلاحا :
لأدراك المفهوم اللفظي للربا المحرم لابد من معرفة الحالة التي كانت عليها الجاهلية في تعاملها بالربا والتي جاء القرآن بتحريمها ، والصور التي كانت سائدة في العصر الجاهلي يمكن إجمالها على النحو التالي :
1-الزيادة عند حلول الأجل:
وقد أشار إلى هذه الصورة ابن جرير في تفسيره وهو ما حكاه عن قتادة رضي الله عنه بقوله : ( إن ربا الجاهلية يبيع الرجل البيع إلى أجل مسمى فإذا حل الأجل ولم يكن عند صاحبه قضاء زاده ، وأخر عنه ) ويقول مجاهد رضي الله عنه في ربا الجاهلية المنهي عنه ( كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول لك كذا وكذا تؤخر عني فيؤخر عنه)
2-القرض المؤجل بزيادة مشروطة:
فقد ذكر هذه الصورة أبو بكر الجصاص في كتاب أحكام القرآن بقوله : (انه معلوم أن ربا الجاهلية إنما كان قرضا مؤجلا بزيادة مشروطة فكانت الزيادة بدلا من الأجل فأبطله الله تعالى ).
ويؤكد هذه الصورة الإمام الرازي في تفسيره إن ربا النسيئة – التأجيل – هو الذي كان مشهورا في الجاهلية ( لأن الواحد منهم كان يدفع ما له لغيره إلى أجل على أن يأخذ منه كل شهر قدرا معينا ورأس المال باق بحاله فإذا حل طالبة برأس ماله فان تعذر عليه الوفاء زاده في الحق والأجل )، وهذه الصورة هي الصورة الغالبة في تعامل البنوك حاليا فالقرض بأي صورة كان سواء كان حساب جاريا مدنيا، أو سحب على المكشوف فان الفائدة تحسب يوميا وتسجل على حساب المدين وعليه أن يقوم في نهاية المدة بسداد أصل الدين وفائدته.
الفرع الثاني: أقسام الربا
يجري الرأي الغالب في الفقه الإسلامي إلى تقسيم الربا إلى نوعين: ربا البيوع وينقسم إلى ربا الفضل وربا النسيئة وربا الديون.
أولا_ ربا البيوع:
والأصل في تحريمه قوله صلى الله عليه وسلم" الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى" وفي رواية: " فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد " رواه البخاري ومسلم.
وربا البيوع لا يقع إلا في حالة المبادلة أو المقايضة بين نوعين من الأموال المبينة في الحديث وما معناه وهذه الأصناف الستة ( الذهب، الفضة،.....) تسمى في الفقه الإسلامي بالأموال الربوية.
وربا البيوع نوعان: ربا الفضل، ربا النسيئة.
1-ربا الفضل:
هو بيع الجنس بجنسه يدا بيد، متفاضلا أو هو الزيادة في أحد البدلين المتجانسين لى الآخر إذا كانت المبادلة فورية أي إذا تم فيها تقايض في المجلس " يدا بيد ".
كمن يبيع 100غ ذهبا معجلة بـ101 غ ذهبا معجلة، فالغرام الواحد هنا هو ربا فضل.
2-ربا النسيئة:
هو بيع الجنس بجنسه أو بجنس آخر من الأموال الربوية المشار إليها في الحديث بشرط تساويهما في المعيار الشرعي أيا كان مكيلين أو موزونين وكان أحد البدلين نقدا أي معجلا والآخر نسيئة ( مؤجلا) ولو كانا متساويين في المقدار.
كمن يبيع 100 غرام ذهبا معجلة بـ 100غ ذهبا مؤجلة الوزنان متساويان ولكن أحدهما مؤجلا والآخر معجلا والمعلوم أن المعجل خير من المؤجل فمن يقبض المعجل يربي على من يقبض المؤجل وهذا لا يسمى ربا فضل لعدم وجود زيادة في الوزن بل يسمى ربا نساء لوجود الأجل الذي لحق بأحد البدلين.
ويشترط لجريان ربا البيوع أن يكون كل من البدلين من ذات الأجناس المحددة في الحديث الشريف أو ما كان في مثل معناها، وفي ذلك تفصيلا وتفريعات واختلاف بين الفقهاء في تحديد الأموال الربوية التي يمكن أن تقاس على الأصناف الواردة في الحديث ولا مجال للخوض فيها هنا.
ونشير إلى أن ربا البيوع هي من الأنواع التي قد تضاءلت أهميته لانقراض التبادل عن طريق المقايضة وما بقي هو ربا النسيئة.
ثانيا _ ربا الديون :
هو محرم بالقرآن والسنة والإجماع وقد اشتهر باسم ربا النسيئة وهو ربا الجاهلية الذي حرمه القرآن الكريم وقال في الرسول عليه الصلاة والسلام : إن ربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أبدا به ربا العباس بن عبد المطلب " وربا الديون على صورتين .
الصورة الأولى:
هي الزيادة على القرض في صلب العقد أي القرض بزيادة مشروطة من العقد وأخذ هذه الزيادة مع القرض في أجله.
الصورة الثانية:
هي الزيادة على الدين نظير تأجيله مرة ثانية عند حلول أجل الوفاء به وعجز المدين عن الوفاء سواء كان الدين ناشئا عن البيع بثمن مؤجل أم كان ناشئا عن قرض.
المطلب الثاني : الأموال التي يجري فيها الربا وعلل التحريم
إن الهدف من دراسة الأموال التي يجري فيها الربا هو تحديد العلل التي من أجلها حرمت هذه الأموال والتي يمكن أن يحدث فيها الربا ، وإلى معرفة صور البيوع المباحة التي يمكن استخدامها كبدائل العمليات الإقراض البنكية . أما بالنسبة لربا الديون فليس محددا بعلة ولا قياس لأن الربا في هذه الحالة يشمل كل مال.
*أصل تحديد الأموال الربوية:
لقد حددت السنة المطهرة الأموال الربوية في عدة أحاديث ،وأهمها حديث أبي سعد الخدري رضي الله عنه والذي رواه البخاري ومسلم وأحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الذهب بالذهب مثلا بمثل يدا بيد والفضل ربا ، والفضة بالفضة مثلا بمثل يدا بيد والفضل ربا ، والحنطة بالحنطة مثلا بمثل يد بيد والفضل ربا ، والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد والفضل ربا ، والتمر بالتمر مثلا بمثل يدا بيد والفضل ربا ، فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد " وفي بعض الروايات كما في رواية البخاري ومسلم قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائبا بناجز".
*الآراء الفقهية حول تحديد الأموال الربوية:
يتفق الفقهاء جميعا على سريان الربا على هذه الأصناف الستة المذكورة في أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، أما ماعدا ذلك من أصناف الأموال فهناك اختلاف على جريان الربا حيث تنقسم الآراء إلى قسمين:
أولهما : يرى اقتصار الربا على هذه الأصناف الستة المسماة في الحديث مثل الظاهرية والذين لا يعتبرون القياس دليل شرعيا.
ثانيهما : وهو الغالب وعليه أئمة المذاهب يرون إدخال ماعدا الأصناف الستة في نطاق الأموال التي يجري فيها الربا ، لكن الاختلاف في العلة المناسبة ، مما ينتج عنه الخلاف في الصنف الواحد من المال حيث يكون ربويا في مذهب وغير ربوي في مذهب آخر، وفي ما يلي نعرض آراء المذاهب الفقهية حول هذه المسألة:
أولا _ ضوابط تحديد الأصول الربوية عند الأحناف والحنابلة:
يستند الأحناف والحنابلة في مذهبهم إلى أمران في تحليل الأموال الربوية و تحديدها
1-أن يكون المال مما يوزن كالذهب أو مما يكال كالحنطة والشعير والتمر وهو القدر أي معرفة القدر عن طريق الوزن أو الكيل .
2-أن يتحد الجنس في المالين المتبادلين: فعلة هؤلاء هو اتحاد الجنس والمعيار
-ترتكز حجج الحنفية والحنابلة في علة التحريم بالجنس والمعيار بأن بيع الحنطة لا يجري باسم الحنطة والاسم يتناول الحبة الواحدة ولا يبيعها أحد حيث أنها ليست بمال مقوم فعلم ضرورة أن المراد بالحنطة التي هي مال مقوم ولا يعلم ماليتها إلا بالكيل أو الوزن فصارت صفة الكيل ثابتة بمقتضى النص فكأنه قال الذهب الموزون بالذهب والحنطة المكيلة بالحنطة، ومن هنا قالوا لا يجري في مطعوم لا يكال ولا يوزن لما روى عن ابن عمران ، قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين ولا الصاع بالصاعين فاني أخاف عليكم الرماء"- وهو الربا – فقام إليه رجل فقال ، يا رسول الله أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس والنجدية بالإبل فقال لا بأس إذا كان يدا بيد" رواه الإمام أحمد في مسنده عن ابن حبان.
ويمكن إجمال حجج القائلين بأن علة الأموال الربوية هي الجنس والمعيار في ما يلي:
1-إن الأصناف التي ذكرت في الحديث لا تعرف ماليتها إلا بالكيل أو الوزن فصارت هذه الصفة ثابتة بمقتضى النص وما ثبت بمقتضى النص فهو كالمنصوص .
2-وجوب المماثلة هو الحكم في الأموال الربوية فالمحل الذي لا يقبل المماثلة لا يكون مال ربا أصلا، ويتبين من ذلك أن من المطعومات ما لا يكون مالا ربويا كما أن الأموال الربوية مالا يكون مطعوما، فالطعم علة واسعة تثبت الحكم على مخالفة الأصول وفي الوقت نفسه علة قاصرة لا تتعدى إلى الفروع "( ).
3-إن الطعم هو أعظم وجوه الانتفاع بالمال وكذلك الثمينة ( تبنى عن شدة الحاجة إلى الائتمان فهما ينبئان عن شدة الحاجة وتأثير الحاجة إنما يكون في الحرمة ولذا فانهما لذلك لا يصلحان أن يكونا علة للحرمة "( ).
ثانيا _ ضوابط تحديد الأموال الربوية عند الشافعية والمالكية :
يتفقون على أن علة الربا هي التمنبة بالنسبة للذهب والفضة أما في ماعدا ذلك فالعلة الاقتيات والادخار.
تقوم حجج المذهب الشافعي في تعليل الحرمة بالربا في الأموال الربوية على الطعم و الثمنبة على مبدأ أن الشرع شرط لجواز البيع في هذه الأحوال شرطين وهما:
-المماثلة واليد باليد:
وان الموجب لهذه الزيادة بهذين الشرطين هو ما يبنى على زيادة الخطر ويتمثل هذا الخطر بالنسبة للذهب والفضة بالثمنية حيث أن الذهب والفضة وجدا لذلك وبالثمن به تحدد الأحوال ( ).
-تتلخص حجج الشافعية ومن يقول برأيهم من المالكية في ما يلي : ( )
1/-إن زيادة الشرطين الواردين في الحديث، وهي التماثل واليد حتى يتم البيع في الأموال الربوية يبنى عن الخطورة حيث أن الثمنبة من حياة الأموال والطعم حياة النفوس أما المعيار فلا ينبني عن زيادة خطر ، فالجص ومعظم مواد البناء توزن وتكال مع أنها شيء هين.
2/-إذا جعلت العلة هي الثمنية والطعم ظهر السر في إن الشارع ذكر هذه الأصناف الستة فقد ذكر جميع الأثمان في الذهب والفضة ، أما بالنسبة للمطعومات فقد نص من نوع على أعلاه فالحنطة من انفس مطعومات بني آدم والشعير انفس علف الحيوان والتمر أنفس الفواكه والملح أنفس التوابل ، أما إذا جعلت العلة في المعيار دل على أن ذكر الأشياء الأربعة تكرار لأن صفة المعيار لا تختلف في شيء منها فكلها أشياء مكبلة أو موزونة وحمل كلام الرسول على ما يعتبر أولى.
من دراسة الآراء حول تعليل الأموال الربوية وبالأخص الرأيين الأكثر شيوعا و اتباعا ، نجد أن موقف الشافعية يقوم على اعتبار اجتماعي اقتصادي أما الاعتبار الذي وقف عليه الأحناف والحنابلة في بعض أقوالهم فهو اعتبار منطقي أقرب إلى الشكل منه إلى الجوهر ، لذا نجد أنه روى في الإمام أحمد رضي الله عنه ثلاث روايات فهو يؤيد في الرواية الثانية رأي الشافعية ، وبهذا الرأي أخذ بعض أئمة الحنابلة المشهورين مثل ابن القيم في كتابه أعلام الموقعين حيث يقول : ( وأما الدراهم والدنانير فقالت طائفة أن العلة فيهما كونهما موزونة وهذا مذهب أحمد في الروايتين عنه ومذهب أبي حنيفة ، وطائفة قالت العلة فيهما الثمنية وهذا قول الشافعي ومالك وأحمد في الرواية الأخرى وهذا هو الصحيح بل الصواب فالتعليل بالوزن ليس فيه مناسبة فهو طرد محض بخلاف التعليل بالثمنية ، فان الدرهم والدنانير ائمان المبيعات والثمن هو المعيار الذي به يعرف تقويم الأموال فيجب أن يكون محددا ومضبوطا لا يرتفع ولا ينخفض.
المطلب الثالث: الشبهات الحديثة حول الربا
نظرا لانتشار البنوك التقليدية بكثرة في العالم العربي والإسلامي والتي تتعامل بالربا وتحت وقع الهزيمة وآفة تقليد الغرب حاول البعض أن يتحايل لإباحة الربا في التعامل مع البنوك وحاولوا إيجاد معايير ومسببات لتغطية معاملاتهم المحرمة فحاول البعض أن يقصر معنى الربا على قرض الاستهلاك بدعوى أن المسلمين ما عرفوا فروض الإنتاج ويعزر قولهم بدعوى أن المقرض كان الجانب القوى قديما وصور الجانب الضعيف اليوم أمام المصارف الضخمة التي تقوم بعملية الإقراض( ).
ذلك أن المتأمل في حال العرب قديما يجد أن الربا كان في قروض الاستغلال وليس قروض الاستهلاك ولكن أن فرض أن القرض كان للاستغلال أقرب إلى حال العرب من أن يكون للاستهلاك على أن اللفظ عام ولا يصح أن يخصص بقروض يفرضها العقل، و هي احتمال قريب أو بعيد فوق أن هذا التخصيص يناقض المعنى اللغوي للفظ ( ).
كذلك من وسائل التحايل كذلك محاولة البعض استخدام علم التفسير لإخراج القرض من حكم الربا وقصر الربا على دين البيع لأجل ومسندهم في ذلك أحدى صور الربا في الجاهلية حين كان يضاعف الربا عند عدم قدرة المدين على دفع ثمن المبيع فيهمله الدائن ويضاعف عليه ، ثم يأخذ هذا الوهم مظهر علميا بدعوى أن الألف واللام للعهد أن الربا المعهود في الجاهلية.
ولم تقتصر هذه المحاولات غير المعقولة وغير المنطقية على هذا بل حاول البعض استخدام اللغة العربية قاصدا أن يقصر تحريم ربا القروض على الأضعاف المضاعفة ليجيز ما هو اقل منها محتجا بأن تحديد المحرم من الربا ورد في الآية :" يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة " آل عمران آية 130. ومن البديهي أن النهي شرح لما يؤول إليه الربا ، أو ما نسميه اليوم الفائدة المركبة التي يتضاعف بها الربا.
وبعد الإشارة إلى بعض المحاولات التي قام بها البعض لتغطية المعاملات المحرمة وإخراجها من دائرة الربا ، نتطرق إلى أهم الشبهات الحديثة حول الربا المحرم والتي يطالب بالأخذ بها ويمكن للبنك الذي لا يقوم على أساس الربا ممارستها .وهي شهادات الاستثمار حيث تتجه بعض السياسات التي تتخذها الدول المعاصرة في توفير الأموال الخاصة إلى إصدار شهادات الاستثمار ، وتتميز هذه الشهادات بميزات اغرائية تتمثل في ( ):
1-ارتفاع معدل الفائدة مع إعفائها من الضريبة.
2-ضمان استرداد قيمة الشهادة مع فائدة أقل من الفائدة المحددة في حالة طلب قيمتها قبل انقضاء مدتها.
3-وقد أجيزت هذه الشهادات وبالتالي الفائدة التي يتلقاها المستثمر وذلك من قبل بعض علماء المسلمين وكذا أجازوا للبنك الإسلامي الغير ربوي التعامل بها .
-ومن بين أهم الحجج التي يستند إليها في إباحة هذا النوع من التعامل ما يلي :
السندات والصكوك التي يستثمر فيها البنك أمواله وتصدرها الدولة ويحصل المصرف منها على فائدة جائزة ومن ثم لا تعتبر الفائدة في هذه الحالة ربا.
وأساس هذه الحجة أنه يمكن للبنك الغير ربوي توظيف جزء من أمواله في شرا الأوراق المالية –شهادات الاستثمار –إذا كانت تمثل سندات حكومية أو سندات مصدرة من جهة أخرى يجوز أخذ الفائدة منها ، وهذه الحجة مستندة إلى من يقول بأنه يمكن أخذ الربا من الكافر أو النمي وهم علماء المذهب الأمامي بالإجماع و إجازة بعض علماء أهل السنة كالإمام أبي حنيفة بينما خالف هذا الرأي الإمام الشافعي والإمام مالك واللذان يرون أنه لافرق في تحريم الربا بين دار الإسلام ودار الحرب، وبالتالي فإسناد إباحة الفائدة الناتجة عن شهادات الاستثمار إذا كانت تمثل سندات مصدرة من جهة يجوز أخذ الفائدة منها هي حجة واهية تدل ضعف المستند فالحكم الشرعي لا يؤخذ جزئيا حسب الظروف وحسب الأوضاع وإنما يجب أن تخضع الظروف للحكم الشرعي.
هذه المعاملة لم تكن موجودة في عهد التشريع فتأخذ حكم المسكوت عنه والأخذ بالقاعدة الشرعية الأصل فيه أن أصل المنافع الإباحة وفي المضار الحظر، وهذه المعاملة فيها منفعة للبنك ولرب المال.
المبحث الثاني : المعاملات البنكية من الوجهة الشرعية
تتألف عوائد الأعمال البنكية من مصدرين رئيسين هما الفوائد والعمولات والفائدة التي يقابلها المصطلح الفرنسي "interret" هي عين الربا الذي لا خلاف على حرمته ، لأنه يتم تقاضيها على الأموال المقرضة لعملاء البنك ، أو العمولة والتي يأخذه البنك نظير خدمة يقدمها ، ولكن في بعض الحيان قد يشوبها الربا وذلك حين ارتباط العمولة بالمبلغ ، في هذا المبحث سوف نتناول طبيعة عوائد البنوك وأنواع العمولات ونناقش مدى ارتباطها بالربا
المطلب الأول : الخدمات البنكية والربا
تغطي هذه الخدمات عددا من الأعمال الأساسية للبنوك التجارية ، مثل الأعمال المتعلقة بحسابات الودائع وعمليات صرف الشيكات وتحصيلها وأعمال الحوالات وإيجار الخزائن ن إذ يمكن القول أن أهم الأعمال البنكية المعاصرة يمكن أن تتم ، دون أن يستلزم الأمر قيام البنك بدور المقرض.
أولا _الحسابات الجارية المدينة
تمثل عمليات فتح حسابات الودائع ، سواء الجارية أو لأجل ، بداية العلاقة بين البنك وعميله في نطاق الإيداع البنكي ، ويتصل بعملية فتح الحساب جملة من الخدمات التابعة مثل استلام المدفوعات لقيدها بالحساب ، وصرف الشيكات المسحوبة وتنفيذ الحوالات وأوامر الدفع ، هذه الخدمة تمثل للبنك نقطة بداية التعامل ، أما العميل المودع فانه يهدف من إيداع نقوده لدى البنك تحقيق عدة أغراض من أهمها حفظ نقوده وسهولة استعمالها بشكل يريحه من أعباء حملها وتداولها.
وقد اختلف الفقهاء في التكييف الشرعي للودائع ، فهناك آراء متفاوتة في إلحاق نظام الودائع المتبع في البنوك التجارية لأي من العقود الشرعية فيعتبرها بعضهم في حكم القرض لاتفاقها معه من حيث النتيجة في تملك عينها وتعلقها بذمة آخذها ورد مثلها في حالة مطالبة صاحبها بها ، ويثار حول هذا الرأي تساؤل بأنه يصعب استعمال الودائع كوسيلة دفع وأداة وفاء من الناحية الشرعية ، لأن القرض دين للمقرض في ذمة المقترض ، وحين استعماله كأداة لوفاء دين وقيام المقترض بالسداد نيابة عن المودع نجد أنفسنا أمام عملية " حوالة" من ناحية القبول بالدفع "ووكالة" عن الدفع نيابة عن المودع والقرض حسب تعريفه هو " دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله ويشترط. معرفة قدر القرض ووصفه "
الوديعة البنكية أموال تدفع للبنك، لا يقصد منها منفعة للبنك وإنما يهدف المودع من الإيداع الحفظ وأن تكون جاهزة، لكن البنك يستعمل هذه الوديعة ويخلطها بأمواله ويستغلها، وبهذا تخرج الوديعة حسب هذا الإجراء عن المفهوم الشرعي للوديعة وتأخذ صفة القرض، حيث أن للمقترض أحقية استخدام القرض والتصرف فيه وعليه ضمانة وبالتالي فإن تحويل الوديعة إلى قرض جائز وكان يفعله الزبير بن العوام- رضي الله عنه- فطبيعة هذا التعامل الذي يتم بين البنك التجاري والعميل يؤخذ صفة الوديعة والقرض والوكالة وبالتالي فهو عقد شامل لعدة عقود.
فالنسبة لشمول عقد الحسابات الجارية لعقد الوكالة فيتمثل في أن البنك يتولى نيابة عن صاحب الحساب استلام المبالغ المستحقة له، والدفع نيابة عنه بموجب إشعارات موقعة منه والوكالة تصح من كل من صح تصرفه في شئ بنفسه، وكان مما تدخله النيابة، ولذا فإنه يجوز التوكيل في الحوالة والرهن والضمان والكفالة والوديعة والإجارة والقرض كما يجوز التوكيل في المطالبة بالحقوق وإثباتها.
مماسبق يتضح إن طبيعة الحسابات الجارية، عقد متعدد الجوانب حيث يمتلك البنك الحق في الدفع والاستلام والتحويل وقبول أوامر الدفع نيابة عن صاحب الحساب والتصرف بالوديعة باعتبارها قرض ممنوح للبنك، والقرض بالمفهوم الشرعي هو القرض الحسن، أي لا يجوز للبنك أن يمنح فائدة للمودع عن المبالغ التي تم إيداعها، إلى إذا تم الاتفاق بين العميل والبنك أن تؤخذ هذه الوديعة صفة المشاركة في عقد مشاركة أو مضاربة أو مرابحة.
هذا النوع من العقود التي تستعملها البنوك الإسلامية سوف تتطرف إليه في الفصل الرابع من هذا البحث.
ثانيا_ تأجير الصناديق الحديدية:
إن طبيعة العقد الحاكم للعلاقة بين البنك والعميل، تتمثل في أنه عقد تأثير منفعة وهذه المنفعة هي استخدام المستأجر لضمان يوفره البنك ويتقاضى أجره لقاء هذا الاستخدام.
ثالثا_ خطاب الضمان :
يمثل خطاب الضمان كفالة يصدرها البنك للجهة المستفيدة يضمن فيه شخص ما ، بدفع قيمة هذه الكفالة في حالة إخلال المكفول بالتزاماته ، الأصل في الكفالة أو الضمان الجواز ويعرف الضمان شرعا بأنه " ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون في التزام الحق ويثبت في ذمتهما ، ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما". لهذا فان العمولة التي يتقاضاها البنك عند خطاب الضمان يمكن تخريجها على أنها جعالة للبنك مقابل الجهد المتمثل في الخدمة المؤداة والتي تشمل تسجيل الضمان وما يتبعه من إجراءات لكن يجب أن تكون قيمة هذه الجعالة منفصلة عن القيمة العالية للضمان وعن الزمن الذي يستمر فيه الضمان ، أما في حالة ارتباط خطاب الضمان الصادر من البنك لصالح العميل يأخذ الفائدة مقابل الالتزام وحساب هذه العمولة بنسبة معينة من قيمة خطاب الضمان ، فهنا يصبح ما يأخذه البنك من فائدة أو عمولة محرما وذلك لأن أخذ الفائدة مقابل ما دفعه البنك من مال عند عميله فانه يعتبر قرضا جر نفعا.
المطلب الثاني : الأوراق التجارية والربا
تشمل العمليات التي يؤديها البنك نيابة عن عملائه ، استلام الأوراق التجارية ، والمتمثلة في الأسهم والسندات والسفاتج ، بقصد الحفظ ، إلى أن يحين موعد استحقاق آداها ، حيث يتولى البنك مطالبة المدين ، واتخاذ الإجراءات الموكول إليه القيام بها ، كما تشمل تحصيل الفوائد المستحقة على السندات أو الأرباح بالنسبة للعميل بإعفائه من هذه الإجراءات ويتقاضى البنك أجر لقاء هذا العمل.
التكييف الفقهي لعملية حفظ وتحصيل الأوراق التجارية ، أنه عقد إجارة على حفظ ودائع بأجرة معلومة للطرفين، فإذا فوضى المودع البنك في بيعها أو تحصيل أرباحها فان هذا التفويض عقد وكالة يستحق عليه أجرا، إن ما يتقاضاه البنك لقاء هذه الخدمة جائز شرعا باعتبار أن الحاجة إلى المنافع كالحاجة إلى الأعيان فادا جاز العقد على المنافع وجب أن تجوز ألإجارة على المنافع وذلك بالنسبة للأسهم فقط، أما السندات فلا يجوز تحصيل الفائدة عليها حيث أن اصل المال حرام وما حرم أصله حرم ما ينتج عنه، كما أن خصم السفاتج لا يجوز شرعا، لأنه بمثابة إقراض بفائدة حيث أن البنك يقدم مالا حالا في مقابل مال غير حال.
المطلب الثالث: الإقراض المصرفي والربا
يتخذ الإقراض المصرفي أشكال متعددة إلا أن أهم هذه الأشكال وأكثرها وضوحا الاقتراض البنكي، ويأتي الاقتراض البنكي من عدة مصادر منها الاقتراض من بعضها أو من البنك المركزي، إلا أن أهمها ما يأتي عن طريق الودائع حيث تؤلف الشطر الأكبر من الأموال المتاحة للبنك وتفضل البنوك التجارية هذا المصدر على غيره لسببين:
الأول: إن أعمال قبول الودائع محصورة فيها حيث نتلقى الودائع على شكل ودائع تحت الطلب قابلة للسحب أو التحويل.
الثاني: تكلفة الودائع البنكية أقل بكثير من تكلفة القروض حيث أن الفوائد التي تدفعها للمودعين أقل من الفوائد التي تدفعها إلى المؤسسات الاقراضية الأخرى.
تحدد تكلفة الإقراض البنكي "بالفوائد المدفوعة" ويتفاوت معدل نسبة هذه الفوائد من لاشيء بالنسبة للحسابات الجارية، أو ما يعرف بالحسابات الجارية تحت الطلب في كثير من البلدان إلى أربعة أو خمسة بالمائة سنويا، أو أكثر من ذلك في البلاد التي تقيد نسب الفوائد بموجب قوانين تصدرها الدولة، لكن هذه النسب تتغير في حالة أن السحب من الحساب الجاري يكون خاضعا لإشعار مسبق تتراوح مدته بين 7-30 يوما أو أن يكون حسابا مربوطا لأجل حسب مدة متفاوتة شهر شهرين ثلاثة ستة سبعة .... الخ. تقيد الفوائد المستحقة بالحساب إما شهريا أو كل ستة أشهر مثل حسابات التوفير، وإما في موعد استحقاق الوديعة المربوطة في حسابات الودائع لأجل.
نتبع في حسابات الفوائد بالنسبة للحسابات الجارية تحت الطلب طريقة حسابية تعرف بنظام الأعداد أو الأرقام وتؤدي هذه الطريقة إلى توحيد المبالغ المختلفة على أساس يومي.
أما الجانب الآخر للإقراض المصرفي فيتمثل في دفع تلك الأموال المجتمعة في عروق الاقتصاد الوطني من خلال عملية منح التسهيلات الائتمانية، التي تقوم على قاعدة الربا. وتؤخذ التسهيلات الائتمانية صورا متعددة للإقراض البنكي،فمنها ما هو مباشر ومنها ما هو غير مباشر حيث يوؤل إلى الإقراض.
وفي مايلي سنتحدث عن الإقراض البنكي المباشر:
تعريفه:
ويقصد به منح النقود للقرض سواء بالدفع الفعلي أو بالتمكين منه عند اللزوم بناء على الاتفاق المسبق ويكون الإقراض المباشر عن طريق القرض العادي البسيط، أو بطريقة الاعتماد الذي يجعل للمقترض الحق في أن يكون مدينا للبنك، إلى المدى المتفق عليه وهو ما يعرف "بالسقف" كما يكون الإقراض البنكي المباشر بطريق خصم الأوراق التجارية قبل تاريخ استحقاقها بناء على تظهير هذه الكمبيالات تظهيرا ناقلا لملكيتها لأمر البنك المخصومة لديه.
يتشابه الإقراض في حالة القرض العادي البسيط والقرض بما يعرف بالحساب الجاري في أن كل منهما يبقى علاقته الدائنة والمديونية قائمة بين البنك من جهة وكل من المقترض وكفالته إن وجدوا من جهة أخرى أما الإقراض بطريق خصم الأوراق التجارية فإنه يتضمن إدخال فريق ثالث لم يكن طرفا في العملية من بداية الاتفاق على خصم الأوراق التجارية المخصومة حيث يصبح هؤلاء ملتزمين تجاه البنك نتيجة إنتقال ملكية الورق الخصومة بعد تظهيرها لأمره.
صور الإقراض البنكي المباشر:
يؤخذ صورتين:
الأولى: وتمثل أبسط صور الائتمان البنكي، تتمثل في تسليم النقود للمقترض إما مباشر أو بطريق القيد في الجانب الدائن لحسابه لدى البنك المقرض ويكون العقد متضمنا بيان الفوائد، والعمولة، وميعاد السداد، لكن هذه الصورة من الائتمان البنكي ليست هي الأسلوب الشائع في العمل، ذلك لأنها تعتبر غير مرنة ، كما أنها ليست ملائمة للحاجات التجارية في الواقع ، حيث أن التاجر يرغب في الائتمان لتلبية حاجياته في المستقبل وحسب متطلبات العمل ، من هنا برز ما يعرف في البنوك التجارية يفقد الحساب الجاري مدين كوسيلة ملائمة للعمل التجاري حيث يستطيع التاجر أن يطمئن إلى وجود المبلغ المعين من المال تحت تصرفه دون أن يكون مضطرا لسحبه إلا عند احتياجه إليه.
وبذلك فانه يتجنب دفع فائدة على مبلغ لم يستفد منه بالاستعمال . تتمثل عملية فتح الحساب الجاري مدين في وجود عقد بين البنك وعملية يتعهد فيه البنك بوضع مبلغ معين تحت تصرف العميل خلال مدة معينة على أن تحسب فائدة معينة على المبلغ المسحوب ، بحيث يتناسب مقدار حجم الفائدة مع حركة الحساب زيادة ونقصا.
الفائدة التي يتقاضاها البنوك التجارية على حساب الجاري المدين تمثل الثمن المدفوع نظير استعمال النقود ، والربا حسب المفهوم الشرعي هو الزيادة على رأس المال ن من أجل التأجيل ، ومن هنا فإنها تعتبر ربا لأنها تؤخذ ثمنا لاستعمال النقود والنقود ليست بيتا أو آلة أو شيئا فيه منفعة معتبرة في نظر المشرع.
المطلب الرابع: الفوائد المدفوعة والربا
اختلفت الآراء حول الفائدة المصرفية اختلافا بينا فبعض الفقهاء يرونها بأنها الربا المحرم بالآيات القرآنية الكريمة ويرى الآخرون فيها مجد شبهة الربا ويرى البعض الآخر إباحة التعامل بالفائدة عند قيام الضرورة أو الحاجة وبالمقابل ظهر تيار ينادي بإباحة الفوائد المصرفية وأخرجها من نطاق الربا المحرم شرعا.
الفرع الأول : خصائص الفوائد المصرفية
أولا _تعريف الفائدة:
الفائدة في اللغة العربية تعني " الزيادة " تحصل للإنسان، يقال : أفدته مالا أي أعطيته وأفدت منه مالا أي أخذته.
ومصطلح الفائدة كما هو مستخدم في مجال المعاملات المالية في الدول العربية و الإسلامية ليس إلا ترجمة دقيقة للمصطلح "interret" المعتمد في نفس المجال في العالم العربي ويعني المبلغ الذي يدفع مقابل استخدام رأس المال ، مع ضمان رد الأصل لصاحبه في نهاية مدة الاستخدام وبذلك تشكل الفائدة تكلفة إقراض النقود أو المقدار الواجب أداؤه للمقرض أو لمن يؤجل قبض مستحقاته النقدية فترة من الزمن.
وهذه التكلفة أو هذا المقدار يعبر عنه بسعر الفائدة الدائنة أو المدينة والفائدة الدائنة يفرضها المصرف لمقرضيه من أصحاب الرد دفع لآجله وسعر الفائدة بنوعيه عادة ما يعبر عنه بنسبة مئوية من أصل القرض أو الدين وهذه النسبة المئوية واجبة الأداء مع بقاء حق المصرف (المقرض)أو صاحب المال (المودع) في استرداد نقوده كاملة وذلك بعد انتهاء مدة القرض أو عند حلول أجل الدين.
ثانيا _الفائدة والربح :
الفائدة عائد مضمون ومحدد لصاحب راس المال مقابل تخليه عنه للغير يستخدمه أولا يستخدمه مدة من الزمن. أما الربح فهو عائد المنظم أو صاحب المشروع وهو عائد غير يقيني بحيث أنه مرتبط بمخاطرة العملية الإنتاجية إذ قد يتحقق وقد لا يتحقق .
وبذلك فالفرق بين الربح والفائدة يتمثل في مدى المشاركة في مخاطر الاستثمار فالفائدة عبارة عن زيادة ثابتة مشروطة ومحددة سلفا بنسبة معينة من رأس المال وهو عائد مضمون ويقيني لا يتوفر فيه الشرط الشرعي الغنم بالفرح والخراج بالضمان أما الربح فهو احتمالي في وجوده فقد يتحقق وقد لا يتحقق وهو احتمالي في مقدار فقد يكون قليلا وقد يكون كثيرا وهولا يتحدد يقينا إلا بانتهاء العملية الإنتاجية والتعرف على إيراداتها وتكاليفها الكلية.
ثالثا _ مميزات الفوائد المصرفية:
الفوائد المصرفية هي نسبة مئوية من رأس مال الوديعة أو القرض يدفعها القابض ويتسلمها الدافع وهي محسوبة على أساس مدة الوديعة أو القرض.
فهي إذن زيادة على الدين ، مستحقة للدائن واجبة على المدين وهي مقابل احتباس المدين للدين دون أي مقابل آخر وهي تحسب بناء على وحدة زمنية متكررة شهر أو ثلاثة اشهر أو ستة أشهر ، سنة...الخ .وقد تحسب جملة واحدة ومن الممكن أن تتخطى الفوائد رأس المال المدفوع أصلا والبنوك التقليدية تتلقى الودائع من عملائها بفائدة منخفضة وتقدمها في صور قروض واعتمادات للمقترضين بفائدة أعلى ويعتبر الفرق بمثابة الربح له .
وبالعودة إلى الربا بالصورة التي كان عليها في الجاهلية وقت نزول القرآن الكريم وهو القرض المشروط فيه الأجل وزيادة مال على المستقرض مقابل هذا الأجل على ما كان يتراضى به المتعاقدان لوجدنا أن عناصر هذا الربا ثلاثة ، دين وأجل وزيادة على اصل الدين مشروط في مقابل الأجل وهي نفس عناصر الفائدة المصرفية ذلك أن هذه الأخيرة هي نسبة مئوية من رأسمال القرض أو الوديعة ، محدد سلفا وتحسب على أساس المدة ومن يجري مقارنة بين عناصر التعريف القانوني للفائدة وعناصر التعريف الشرعي للربا لا يجد إلا فارق وحيد يتمثل في مصدر الزيادة فهذا المصدر في الفائدة هو إما العقد أو القانون بينما في الربا هو الاتفاق أو العقد وحده.
الفرع الثاني : الاتجاهات المختلفة في موضوع الربا والفوائد المصرفية
أولا _ الاتجاهات المبيحة للفوائد المصرفية:
سنحاول في هذا العنصر سرد بعض الاتجاهات لبعض الكتاب والأساتذة والذين أباحوا الفوائد المصرفية وذلك حسب وجهة نظرهم لتسهيل تعامل المسلمين مع البنوك.
يرى صاحب تفسير المنار الشيخ رشيد رضا أن ربا النسيئة عنده هو ربا الجاهلية الذي ينهى عنه القرآن فقط فالزيادة الأولى في الدين المؤجل هو من ربا الفضل وان كانت بهدف الانساء أي التأخير وربا النسيئة هو ما يكون بعد حلول الأجل بهدف الانساء أي التأخير وبناءا على ما سبق رأى انه يمكن إخراج القروض المصرفية بفائدة من مفهوم الربا المحرم فيجوز للمسلم ولا سيما في ظروف الفتوى أن يأخذ فائدة (من مفهوم الربا المحرم فيجوز للمسلم ولا سيما في ظروف الفقر) عن أمواله التي يودعها في البنك وبذلك يكون الشيخ محمد رشيد رضا قد حصر الربا المحرم شرعا في نطاق ضيق جدا يتمثل بالفوائد التأخيرية الاتفاقية وهي الحالة التي يتم فيها الاتفاق على الربا عند حلول اجل الدين ويكون بذلك قد أخرج من الربا المحرم بالنص كل صور الفوائد التعويضية سواء أكانت فائدة بسيطرته أو فائدة مركبة وسواء كانت فائدة قليلة أو فاحشة ويكون أيضا قد أخرج فيما عدا الصورة المشار إليها كل الصور التي تحرمها التشريعات الوضعية بما فيها التشريعات العربية وتعاقب عليها كأي جريمة جزائية.
وفي نفس الموضوع قدم الدكتور معروف ألدواليبي في أسبوع الفقه الإسلامي المنعقد في باريس عام 1951 محاولة لإباحة الفوائد المصرفية وملخص هذه المحاولة هو افتراض أن الربا المحرم يكون في القروض الاستهلاكية لا الإنتاجية نظرا لما في القروض الاستهلاكية من ظلم واستغلال وبرأيه يجب أن تباح قروض الإنتاج ولكن بقيود وبفائدة معقولة لأن الحكمة من التحريم وهي منع استغلال الغنى للفقير منتفيه.
وبرأيه يمكن أن تخرج إباحة مثل هذه القروض على قاعدة أن الضرورات تبيح المحرمات أو قاعدة تقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة كما لو تدرع العدو بمسلم فلابد من قتل المسلم حتى يمكن الوصول إلى العدول.
ولقد حاول الأستاذ فادي محمد لرفاعي في رسالة ماجستير بعنوان المصاريف الإسلامية التعليق على رأي الدكتور معروف الدواليبي فقال " (لقد ركز الدكتور معروف الدواليبي على عملية القرض عندما يكون المصرف مقترضا أي متلقيا للودائع وغفل عن أن المصرف لا يزال هو الجانب القوي سيكون مقرضا والمقترضون بالنسبة إليه جانب ضعيف يشغل البنك حاجتهم للقرض ولولا الحاجة لما اقتضوا ومن جهة ثانية إن القول بأن الحكمة من تحريم الربا هي منع استغلال الفقير فإذا انتفى الاستغلال جاز الربا هو تمام كمن يقول إن الحكمة من تحريم الزنا هو حفظ النسب فإذا انتفى ضياع النسب كما في حالة اتخاذ التدابير الوقاية أو العقم ، انتفى التحريم مع العلم أن الأحكام وحسب القواعد الأصولية تدور مع العلة وليس مع الحكمة).
ثانيا _ الاتجاهات المحرمة لفوائد البنوك
يرى بعض الفقهاء إن الزيادة التي يشترط دفعها فوق أصل الدين أو القرض مقابل تأجيله حرام لنها الربا المحرم بالقرآن والسنة بغض النظر عن نشأة الدين أو مقدار هذه الزيادة مهما كانت قليلة.
وبحسب هذا الاتجاه فالشريعة الإسلامية لا تميز في حكم الربا بين ما يسميه القانون قرضا إنتاجيا وقرضا استهلاكيا لن القرض متى تم تسليمه للمقترض أصبح حرا بتوظيفه كيفما شاء مادام سيفي به عند حلول الأجل المتفق عليه ولا تميز أيضا في الربا بين أموال القطاع العام وأموال القطاع الخاص والشريعة لا تنظر إلى شخص الدائن ولا إلى شخص المدين ولذلك فهي تساوي في تحريم الربا بين الرجل والمرأة والشخص العادي والشخص المعنوي والمواطن ( ).
ومن أنصار هذا الاتجاه المصارف الإسلامية والمؤسسات المالية الإسلامية (مجمع الفقه بمنظمة المؤتمر الإسلامي – مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة و مجمع رابطة العالم الإسلامي.
وهذه المؤسسات تأخذ في الأصل بأحكام الشريعة الإسلامية المحرمة للربا و التعامل به عموما دون البحث عن منافذ للتعامل بربا ولو بتغيير تسمية إلى فائدة.
ويرجع تحريم الربا في الشريعة الإسلامية إلى كونه نظاما يجلب كثيرا من المفاسد والأضرار فالمرابي يدعى انه حصل على الفائدة لأنه يعرض ماله لمخاطر عدم السداد وتساعده الفائدة على تعويض ما يخسره أو بعضه ، وهذه بلا شك حجة غير منطقية ذلك أن الأسلوب المنطقي لمواجهة المخاطر هو الحصول على تأمين شخصي أو تأمين عيني يبعد عن الدائن مخاطر السداد، أما الفائدة فليست أسلوبا منطقيا في هذا المجال لأنها لا تساعد الدائن على تجنب الخسارة إذا أفلس مدينة ، لأن عجز المدين يمتد إلى الأصل و الفائدة فلا يحصل عليها الدائن ( ) .
من خلال سرد الآراء المبيحة للفائدة المصرفية والأخرى المحرمة لها يتضح أن البعض يطرح فكرة أن الفائدة التي تأخذها البنوك أو التي تعطيها لا تعبر ربا بحجة أن الربا عقد بيع لابد له من صيغة أو ما يقوم مقامها وأن ما يتعامل به الناس الآن من أخذ المال قرضا وليس بيعا.
من هنا كان لابد أن تبيان أن الفائدة التي تتعامل بها البنوك لا تختلف عن الربا وهذا ما وضحه الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله ( ).
نصوص القرآن الكريم في تحريم الربا عامة ولم يقم دليل عن تخصيصها وفسرها النبي صلى الله عليه وسلم تفسير شاملا ن فقال في خطبة الوداع :" ألا أن ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أبدأه ربا عمي العباس بن عبد المطلب " فكل ما يعد ربا في الجاهلية حرام وقد صرحت الآية بما يعد ربا فقال سبحانه : وان تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون سورة البقرة الآية رقم 270.
كما أن افتراض أن العرب ما كان يقترض منهم إلا الفقراء، وما كان القرض إلا للاستهلاك وليس للاستثمار فرض عقلي بفرض على التاريخ من غير سند تاريخي يؤيده وقد تضافرت الأخبار وجاء النص القرآني بأن فريقا من أهل مكة كانوا يتجرون في تجارة عالمية وكانوا وسطاء التجارة بين اليمن والشام والفرس والرومان أيام كان الانتقال غالبا على وسائل النقل البري دون البحري ، ولقد صرح القرآن الكريم بذلك بعد بسم الله الرحمان الرحيم : لإيلاف قريش إلا فيهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، كان لقريش إذا تجارة وكان منهم من يتاجر أو يعطي ماله وان ذلك ليس فرضا عقليا ، بل هو حقيقة تاريخية واقعية ، فقد جاء في كتب السيرة عند الكلام عن غزوة بدر الكبرى أن غيرا لقريش خرجت فأرادها النبي صلى الله عليه وسلم عندما مرت ببدر فأرسل أبو سفيان بن حرب سينهض قريشا لحماية مالها وقد ذكروا أنه لم يكن بيت من بيوت قريش إلا له فيها مال.
إن كلمة رأس المال الواردة في القرآن الكريم هي كلمة رأس المال التي نغلبها ، وهي أصل المال وان كل ماعداه من الزيادة على ذلك الأصل تعد ربا.
الحلال بين والحرام بين وبينهم أمور مشتبهات، وان الربا حرام لاشك فيه وان ربا النسيئة هو أن يقرض شخص آخر مقدار من المال إلى أجل، وبعد انتهاء الأجل يأخذ الأصل والزيادة فقد أجمع المسلمون من أقدم العصور إلى اليوم على تحريمه ولم يقل أحد قط انه حلال وكان إجماعهم على ذلك حيث انه الربا الذي جاء به النص القرآني الصريح ، لهذا فان الشبه التي تثار حول عدم حرمه الفائدة لا ترتكز على أساس منطقي ولا ديني وإنما هي محاولة لتحميل ما حرم الله.
الفصل الثالث ظهور البنوك الإسلامية
التعريف البنوك الإسلامية: من الشائع تعريف البنك الإسلامي على أنه مؤسسة مصرفية لا تتعامل بالفائدة أخذ وعطاء فالبنك الإسلامي يتلقى من الأفراد نقود هم دون أي التزام أو تعهد من أي نوع بإعطاء فوائد لهم وحينما يستخدم هذه النقود في نشاطاته الاستثمارية و التجارية وإنما يكون ذلك على أساس المشاركة في الربح و الخسارة وهذا ما يميز البنك الإسلامي عن البنوك التقليدية الربوية و قد عرفت المادة الأولى من مشروع قانون إنشاء المصارف الإسلامية في لبنان مثلا البنك الإسلامي بما يلي :<< المصرف الإسلامي هو مؤسسة موضوعها القيام بالعمليات المصرفية والمالية غير المسندة إلى تحديد مسبق للفائدة وبمختلف عمليات التمويل والاستثمار والتوظيف والصرفية والمساهمات والشركات وإدارة الأحوال والتركات وصناديق الاستثمار المشترك وعمليات الإيجار التمويلي والعمليات الائتمانية يكون لهذه المصارف القيام بجميع العمليات المتصلة أو المتممة لموضوعها>>.
إن اعتماد معيار عدم التعامل بالفائدة للتوفيق بين البنوك الإسلامية اللاربوية والبنوك التقليدية الربوية هو المعيار غير كافي ذلك أنه هناك بنوك غربية لا تستعمل الفائدة ومع ذلك لا تسمى بنوك إسلامية مثال بنوك القربة أو البنوك الادخار في ألمانيا في الثلاثينيات والتي تعتبر المصادر التي أوحت للدكتور أحمد النجار مؤسس أول بنك محلي إسلامي كما سنرى في نشأة البنوك الإسلامية كذلك المصارف في الكتلة الاشتراكية السابقة (الاتحاد السوفياتي) فقد كانت تعتمد منذ نشأتها على نظام التخطيط المركزي في تهيئة وتوزيع الموارد المالية على الاستخدامات الاستثمارية المختلفة على اعتبار أن النظام الفائدة رأسمالي بطبيعته وممارساته فلا يلزمها ولا يصلح لها( ).
وبالتالي وبناء على ما تقدم يتبين وجه القصور في فهم ماهية المصرف الإسلامي والذي يلزم تعريفه على نحو ما عرفه الدكتور عبد الرحمان يسري في مجلة الاقتصاد الإسلامي في مقال بعنوان <<دور المصارف الإسلامية في التنمية>> العدد 168 بأنه << مؤسسة مصرفية تلتزم في جميع معاملاتها ونشاطاتها الاستثمارية وإدارتها لجميع أعمالها بالشريعة الإسلامية ومقاصدها وكذلك بأهداف المجتمع الإسلامي داخليا وخارجيا >> وهذا ما سنلمسه عند دراسة خصائص البنوك الإسلامية لاسيما الصفة الاجتماعية والعقائدية للبنك.
المبحث الأول: نشأة البنوك الإسلامية
كانت المعاملات المالية جارية في جميع الحضارات وقد غطت أحكام الشريعة جميع المعاملات التي كانت سائدة في الدولة الإسلامية ولكن تأخر المسلمين في العصور الأخيرة وجمهور الفقه والفقهاء وصلة العالم الإسلامي بدول العالم الغربي المتطور وحلول الاستعمار على معظم البلاد الإسلامية واقترانه بالغزو الفكري والاقتصادي والعسكري والتربوي في عقر دار المسلمين أدى إلى الجمود والتأخر في المعاملات الفقهية الإسلامية أمام التطور في التجارة والنشاط الاقتصادي وتسرب البديل من الأنظمة الغربية إلى البلاد الإسلامية وظهرت المصارف الربوية في البلاد العربية ومما ساهم في ظهورها القوانين الوضعية المخالفة للشريعة الإسلامية في بلدان المسلمين والتي تم تشريع معظمها إبان مرحلة الاستعمار الغربي مما أتاح الفرصة لتكوين ونمو مؤسسات وشركات و أنشطة مصرفية واستثمارية على أساس نظام الفائدة الذي انعقد الإجماع الفقهي الإسلامي على ربو يته .
وتقوم هذه المصارف على الربا والمعاملات المحرمة شرعا فكان نشاطها محدودا و التعامل معها بحذر وقلق ولم تساهم فعليا بحل معضلات البلاد الإسلامية والمصارف التجارية العربية كانت مجرد تقليد أو فروع للمصارف التجارية الربوية في الغرب.
وثار العلماء والفقهاء على شيوع الربا وتطور الأمر منذ مطلع النصف الثاني من القرن العشرين للبحث عن حلول والخروج بالأفراد والدول الإسلامية من دائرة المعاملات المحرمة التي تجد حرجا كلما تعاملت مع هذه البنوك الربوية .
وللخروج من هذه التبعية للغرب والاستقلال بنظام مصرفي خاص بالعالم الإسلامي يحترم قواعد الشريعة الإسلامية ويحترم رغبات الأفراد الذين يتطلعون إلى الاستقامة على نهج الإسلام بتجنب ما نهى عنه الله سبحانه وتعالى من محرمات لاسيما الربا فقد بدأ فقهاء الأمة بالتحرك والنهوض للبحث عن الهوية الإسلامية والعربية أولا ثم التفكير في الحل البديل لمشكلات المجتمعات الإسلامية ثانيا ، وبدأت تظهر أول ردة فعل ضد الربا وآثاره السلبية وتمت في انعقاد مؤتمرات مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف خاصة المؤتمر الثاني الذي عقد عام 1965 والذي يعتبر فاصلا بين المرحلتين ما قبل 1965 وما بعدها لما قدمه من مساهمة كبيرة في تحديد موقف الشريعة الإسلامية من الأعمال المصرفية وقد كانت قرارات وتوصيات المؤتمر من القوة بحيث أحاطت بأغلب دعاوى الاتجاه الأول و الثاني اللذان ظهرا منذ بداية القرن أي بين من يرون أن البنوك الربوية ضرورية وأنه
لا حرمة فيها إطلاقا وبين من يرى العكس وقد اجمع العلماء المشاركون وهم 75 عالما على رأي واحد بخصوص المعاملات المصرفية بحرمة بعضها. ( ) .
وحاول العلماء الغوص في عمق الفقه الإسلامي الزاخر لإحيائه والدعوى إلى تطبيق القيم المدون منه في الكتب والحث على فتح باب الاجتهاد ودراسة المستجدات المعاصرة وقد بدأ تجربة المصارف الإسلامية في مدينة بيت عمر التابعة لمحافظة الدقهلية بمصر إلا أنها لم تستمر إلا بضع سنوات وهو ما سنتعرض له بالتفصيل بالإضافة إلى دراسة تجارب البنوك الإسلامية في العالم الإسلامي وتجارب البنوك التي أسلمت.
المطلب الأول: التجربة الأولى بنك الادخار ميت غمر
بدأ التفكير في إيجاد بنوك تجارية تستبعد الربا في معاملاتها بتحول إلى واقع عملي وذلك عن طريق إيجاد بنوك تمارس العمل المصرفي وفي نفس الوقت تبتعد عن الربا فنشأت فكرة البنوك الإسلامية من تجربة بنوك الادخار الألمانية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية والتي كانت سببا في إنعاش الاقتصاد الألماني وكان الدكتور أحمد النجار أول من ربط العلاقة بين هذين النوعين من البنوك رغم اختلافها في إحدى الأسس الرئيسية والمتمثلة في استعمال الفائدة (الربا) فأخذت من بنوك الادخار تنظيمها وتسييرها وحذف منها المعاملة بالفائدة .
بقيت التجربة الأولى لبنك إسلامي (لا ربوي) أنشأ في مصر عام 1963 طي الكتمان ولم يعلن عنها صراحة بل سميت بنوك الادخار المحلية وكان من أهم الأسباب كما يقول الدكتور أحمد النجار المؤسس الأول لها:<< هل هناك قبول لفكرة العودة إلى الإسلام في فترة الستينات في مصر ؟ إن الشواهد كلها تؤكد تأكيد صارخا إن الاتجاه في مصر يسير نحو وجهة أخرى غير الإسلام كما تؤكد الشواهد إن كل الاتجاه الإسلامي والحركات الإسلامية في مصر لا تجد غير المصادرة والفتك والبطش لذلك كان لابد من تغليف الهدف إذا أريد له أن يتحقق ولا بد من عدم الإسفار عنه وقلت في نفسي ماذا يعني أن أعلن عن الهدف منذ البداية أو أعلن طالما أن مفردات التطبيق كلها تلتزم بالشريعة الإسلامية بل أن عدم الإعلان عن الصيغة الإسلامية في بداية الطريق يسمح بألا تحسب التجربة على الإسلام فيما لو قدرها ألا تؤتي ما يرجى منها من ثمار ويتيح الفرصة للمراجعة حتى تنسجم انسجاما كاملا مع مبادئ الشريعة الإسلامية ( ).
هذه التجربة الأولى للبنوك الإسلامية تمثلت في بنك <<ميت غمر>> سنة 1963 بمحافظة الدهلقية والذي قام في أول الأمر كنوع من بنوك الادخار المحلية في مدينة <<ميت غمر>> وتحتاج هذه التجربة إلى إعطاء بعض التفصيلات وخاصة وأن بروزها في مصر خلال الفترة من 1963 وحتى 1966 فهي تعتبر ظاهرة اجتماعية في المجتمع يرتبط نظامه السياسي بالنظام الاشتراكي وبروز بنك يرتكز في منطلقاته الفكرية على قواعد الشريعة الإسلامية يتطلب مزيدا من إلقاء الضوء عليه لنجاح التجربة التي دفعت بالنظام السياسي آنذاك إلى قبرها كما أشار إلى ذلك صاحب الفكرة ومنقحها الدكتور أحمد النجار .
وبدأت فكرة بنك الادخار في ميت غمر عام 1961 حيث ناقش الدكتور النجار الفكرة مع عدد من اللجان التي شكلت من وزارتي الاقتصاد والخزانة والبنك المركزي وصندوق توفير البريد وبعد الاقتناع بفكرته تشكلت لجنة من وزارة الاقتصاد والخزانة لتقرير جهة الانتماء الرسمية لهذا البنك وخلال هذه الفترة صدر قرار جمهوري بإنشاء المؤسسات النوعية وانشئت المؤسسة العامة للادخار وعهد إليها بالسير في إجراءات تنفيذ المشروع واعتمد مبلغ عشرة آلاف جنيه(10000) كميزانية للسنة الأولى لتنفيذ المشروع أما في السنة الثانية فقد بلغت 87 ألف جنيه مصري وفي عام 1964/1965 بلغت الميزانية المقدمة 49 ألفا من الجنيهات واعتمد في السنة المالية 1965/1966 مبلغ 165 ألف جنيه وكانت هذه المبالغ من أجل المرتبات والمصروفات الإدارية الأخرى وفي 25 جويلبة افتتح البنك رسميا واستمر نشاطه حتى نهاية فيفري عام 1967 بلغ عدد بنوك الادخار التي تسير على أساس لمنهج غير الربوي تسعة بنوك وبلغ عدد بنوك المدخرين (251152) مدخرا، والمبالغ المدخرة (1828375) جنيه مصري( ) .
وقد تلت هذه التجربة تجارب عديدة حققت نجاح كبيرا على مستوى العالم الإسلامي وامتدت إلى الدول الغربية التي تضم أقليات إسلامية.
المطلب الثاني: التجارب المالية لبنك الادخار
لم يكتب للتجربة الأولى النجاح بغض النظر عن أسباب فشلها بعد 5 سنوات من العمل وابتداء من 1968 شرع في توزيع وإدماج البنك وفروعه في البنوك التجارية وبالتالي بداية العمل بسعر الفائدة.
وفي مايلي سنتعرض إلى أهم التجارب التي ظهرت في العالم الإسلامي.
الفرع الأول: بنك ناصر الاجتماعي
التجربة الثانية للبنك لا ربوي بدأت في مصر عام 1971 في شهر ماي عندما أعلن الرئيس المصري عن عزمه على إنشاء بنك لا يعمل بسعر الفائدة وتم بالفعل تحضير الإطار التشريعي للبنك في نفس السنة والذي ينص صراحة على عدم التعامل بالفائدة أخذ وإعطاء وسمي هذا البنك باسم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وعرف ب<<بنك ناصر الاجتماعي>> وكان الهدف الرئيسي لهذا البنك هو تقديم القروض بدون فائدة للأفراد خاصة الذين لا يتبعون لنظام التأمين الاجتماعي وبنك الاجتماعي هو امتداد للتجربة الأولى ميت غمر.
الفرع الثاني: البنك الإسلامي للتنمية
يعد البنك الإسلامي للتنمية اليوم من أكبر البنوك الإسلامية في العالم ويتفرع عنه العديد من البنوك الفرعية في مختلف الدول العربية والإسلامية ويساهم هذا البنك بشكل كبير في التنمية والاستثمار ومساعدة الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية وتمويل مشاريع الشباب في مختلف المناطق بالتعاون مع البنوك المحلية في البلدان العربية.
وقبل التطرق إلى سياسة هذا البنك في التعامل مع الأفراد والدول سنحاول الإشارة إلى نشأة هذا البنك والمبادئ التي قام عليها.
خلال مؤتمر وزراء الخارجية الإسلامي الثاني الذي انعقد في كراتشي في الفترة مابين 21/28 ديسمبر 1970 قدم الوفد المصري والوفد الباكستاني اقتراحين منفصلين بشأن إنشاء بنك إسلامي أو اتحاد للبنوك الإسلامية وبعد مناقشة الاقتراحين أوصى المؤتمر بتكليف مصر بمسؤولية القيام بدراسة شاملة لهذا المشروع وتقديمها إلى الأمين العام للمؤتمر خلال ستة أشهر مع إعطاء إمكانية المشاركة في هذه الدراسة إلى أية دولة ترغب في ذلك .
وفي عام 1972(7/9 فيفري) دعت مصر إلى مؤتمر خبراء موسع لمناقشة الدراسة التي تم إعدادها وشارك في هذا المؤتمر 18 دولة فيها الجزائر تم خلاله وضع الصيغة النهائية للدراسة واشتهرت هذه الوثيقة منذ ذلك الحين باسم << الوثيقة المصرية>> والتي عرضت فيها الأركان الأساسية للبنك الإسلامي والمتمثلة في :
1- الأخذ بمبدأ المشاركة.
2- خلو المعاملات التي يقوم بها البنك من أية محظورات شرعية والأخذ بالمسائل الشرعية للمعاملات الإسلامية المتعارف عليها.
3- اشتمال تنظيم البنك على صندوق الزكاة.
4- إنشاء صناديق خاصة بالبنك كصندوق لبيت المسلمين .
واهتمت الدراسة أيضا بالضمانات التي تكفل سلامة استخدام أموال البنوك الإسلامية وكذا بالوظائف ونظم العمل وشكل الأجهزة على المستوى الدولي والمحلي مثل كيانه القانوني وأهداف ووظائفه ورأس المال والودائع والموارد الأخرى وإدارة البنك وتوزيع الأرباح.
أدرجت الدراسة المصرية في جدول أعمال المؤتمر الثالث لوزراء الخارجية الإسلامي المنعقد في جدة بتاريخ 29 فيفري إلى 3 مارس 1972 وبعدما مناقشة هذه الدراسة قرر المؤتمر تأجيل اتخاذ القرار واقترح إرسالها إلى الدول الأعضاء لإبداء رأيها فيها.
وبتاريخ ديسمبر1973 انعقد المؤتمر الأول لوزراء مالية الدول الإسلامية الذي قرر البدء بإصدار تصريح بالعزم على إنشاء البنك الإسلامي وكونت لجنة لإعداد مشروع البنك الذي سمي بالبنك الإسلامي للتنمية.
وفي أوت 1974 انعقد مؤتمر وزراء المالية الإسلامي لمناقشة مشروع اتفاقية إنشاء البنك ووافق عليها
تنص المادة الأولى من الاتفاقية صراحة على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في ميدان التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويمكن أن نجمل ما نصت عليه الاتفاقية فيما يلي:
- التنمية بطريق الاستثمار .
- المشاركة في رأس مال المشروعات المنتجة.
- قبول الودائع واجتذابها.
- منح قروض لتمويل المشاريع والبرامج الإنتاجية في القطاعين العام والخاص وقد أشار الدكتور أحمد علي مدير البنك الإسلامي للتنمية حاليا إلى أهمية المشاريع الصغيرة للنهوض بالاقتصاد الوطني والآلية التي تمكن المستثمر الصغير من أخذ القرض من البنك وذلك عن طريق وسيط بينه وبين البنك الرئيسي والوسيط هي المؤسسات الوطنية المحلية ، البنوك الإسلامية المحلية.
- وفي جويلية 1975 انعقد بالرياض مجلس المحافظين حيث تم في هذا الاجتماع تعيين رئيس البنك والمديرين التنفيذيين.
وقد بدأت هذه التجربة كمنظمة دولية ب 22 دولة سنة 1975 واليوم تنظم 56 دولة إسلامية.
الفرع الثالث: بنك دبي الإسلامي
إن بنك دبي الإسلامي هو أول بنك إسلامي محلي ظهر للوجود ، إذا استثنينا بنوك الادخار المحلية وبنك ناصر الاجتماعي في مصر نظرا لخصوصيتها وعدم الإعلان صراحة على ذلك في شهر مارس 1975 وقع حاكم دبي مرسوما بتأسيس بنك دبي الإسلامي ومما ينص عليه المرسوم مايلي: <<تلتزم الشركة بصفة أساسية بأن تقوم بجميع أعمالها طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية أخذا وعطاء>>.
ينصب النظام الأساسي على أن الشركة تباشر جميع أنواع أعمالها على غير أساس الربا و ما في حكمه ويقوم البنك كسائر البنوك الإسلامية المحلية بجميع الخدمات والعمليات المصرفية لحسابه أو لحساب الغير ويقوم بأعمال الاستثمار مباشرة أو شراء مشروعات أو بتمويل مشروعات أو أعمال مملوكة للغير وأن يقبل الودائع النقدية على اختلاف صدورها للحفظ والاستثمار.
ونكتفي بهذه الأمثلة عن بعض البنوك الإسلامية لأن عددها كبير جدا بلغ حاليا 100 بنك إسلامي تقريبا.
المطلب الثالث : تجارب البنوك التقليدية (الربوية) التي أسلمت
لقد كان ظهور البنوك الإسلامية سواء في العالم الإسلامي والعالم الغربي إلى جانب البنوك التقليدية ولم يتم الاستغناء عن البنوك الربوية بصفة قطعية وذلك حسب رأي أصحاب القرار هو عدم اكتمال التجربة الإسلامية واستقرارها غير أنه هناك استثناء وهي الدول التي أسلمت أنظمتها المصرفية بصفة كلية ومنها السودان باكستان وإيران وفي مايلي سيتم عرض التجربة الباكستانية التي أسلمت أنظمتها المصرفية.
التجربة الباكستانية:
في شهر سبتمبر من عام 1977 كونت لجنة لوضع التوصيات المناسبة لإلغاء الفوائد وأعدت هذه اللجنة خلال جانفي 1978 تقريرا مؤقتا لأسلمة ثلاث مؤسسات مالية وهي:
*شركة الاستثمار الوطنية.
*مؤسسة الاستثمار الباكستانية.
*مؤسسة تمويل السكن.
وفي عام 1980 سلمت اللجنة تقريرها النهائي لمجلس الشؤون الإسلامية الذي أقره مع بعض التعديلات، ويتناول هذا التقرير اختيارات مختلفة:
• البدء في إقامة بنك نموذجي يتعامل بعيدا عن الفوائد.
• إعداد مشروع شامل للتحويل الكامل دفعة واحدة إلى نظام اقتصادي خالي من الفوائد .
• إمكانية تخليص النظام الاقتصادي من الفوائد.
• إمكانية البدء بإنشاء أقسام في المصارف التجارية تعمل بالنظام اللاربوي.
وتتواجد إلى جانب الوحدات الأصلية التي تعمل على أساس النظام الربوي على أن يعطي المدعون حق الاختيار بين النظامين.
وتبنى المجلس الإسلامي النظامين الثالث والرابع في نفس الوقت وهكذا حددت مدة زمنية يتم خلالها أسلمت جميع المصارف الباكستانية وهي 6 سنوات تبدأ من جويلية 79 إلى جويلية 1985.
وقد مرت التجربة الباكستانية وإسلام مصارفها ب ثلاث مراحل أساسية هي :
المرحلة الأولى: من جويلية 1979 إلى جانفي 1981, وفي هذه المرحلة تم ما يلي:
1-أسلمة المؤسسات المالية الثلاثة التالية:
شركة الاستثمار الوطنية:وهي عبارة عن بنك استثمار يتعامل بالربا ويستثمر العالم في أسهم وسندات مالية.أما بعد التحول إلى نظام عدم التعامل بالفائدة فإن النظام الجديد يقتضي من المؤسسة أن تحل الأسهم محل السندات ذات الفائدة المحددة وبذلك يتحتم أن تعيد إنشاء محفظتها المالية من جديد.
-شركة الاستثمار الباكستانية: وهي بنك الاستثمار واهم نشاطاته صندوق الموارد المالية المشتركة ولهذه الموارد شهاداتها المغلقة التي تباع وتشترى عن طريق بورصة الأوراق المالية وقد نص التقرير على أن تتخلص محفظة أوراقها المالية من الشهادات والسندات ذات الفائدة المحددة ومن ثم تتحول إلى أسهم.
-شركة تمويل السكن: وهي مؤسسة مالية وقد حولت نشاطها من الإقراض نظير فائدة محددة إلى المشاركة في الدخل والمتحصل من الإيجار المقدر.
2- تم إنشاء شبكة من الشركات المالية تعمل على أساس المشاركة في الربح منها 11 مؤسسة تنمية و11 مؤسسة استثمار.
المرحلة الثانية: من 1 جانفي إلى جوان 1984.
خلال الفترة أسلمة خمسة بنوك تجارية وطنية وهي:
• بنك باكستان المنظم.
• بنك جنيب المحدود.
• البنك الإسلامي التجاري المحدود.
• بنك باكستان الوطني .
• بنك الاتحاد المحدود .
• وانظم إلى هذه المجموعة بنك عمان للنقد الأجنبي وكان هذا الانضمام عن طواعية .
المرحلة الثالثة: من جويلية 1984إلى جويلية 1985
خلال هذه المرحلة أصدر بنك الدولة الباكستاني تنفيذ القانون 1982 التعليمات الضرورية إلى كل الشركات المصرفية أن تبدأ في تطبيق نظام الصرفية الإسلامية حسب القواعد التالية:
1- من جويلية 1984إلى ديسمبر 1984 يتم فيها إلغاء تسهيلات رأس المال والتسهيلات التي كانت تمنح على أساس الفوائد.
2- بداية من أول أفريل 1985 يكون التمويل حسب الأساليب التي تدخل تحت قنوات التمويل الإسلامية.
3- أول جويلية 1985 عدم قبول الودائع على أساس الفوائد إن تعليمات المرحلة الثالثة تستثني من مجال تطبيقها ودائع الحسابات الأجنبية في باكستان والقروض الأجنبية.
بالإضافة إلى التجربة الباكستانية هناك التجربة الإيرانية حيث تضمنت دستور جمهورية إيران الإسلامية في المادة 43 قواعد اقتصادية محددة من بينها منع الربا والاحتكار وبناءا على ذلك النص الدستوري فقد تم إصدار القانون المصرفي الإسلامي في أول أيلول عام 1983 ووضع موضع التنفيذ في 12/3/1984 وظهر الاتحاد الدولي للمصارف الإسلامية عام 1977 بمكة المكرمة كجهاز يهدف إلى دعم الروابط بين البنوك الإسلامية وتوثيق أدار التعاون بينهما والتنسيق بين أنشطتها وتأكيد طابعها الإسلامي ويعمل على نشر فكرة المصارف الإسلامية و يساهم في إنشائها.
المطلب الرابع: أقسام البنوك الإسلامية
بعد الحديث عن نشأة البنوك الإسلامية وأهم هذه البنوك كان من الضروري تبويب هذه البنوك وتقسيمها إلى أنواع وذلك حسب معايير مختلفة أختلف المؤلفون والكتاب في تحديدها.
فالبرغم من أن البنوك الإسلامية وقد ععدها العالم الإسلامي تتفق في مجموعها في أنها تسعى إلى القيام بالعمليات المصرفية وفق الشريعة الإسلامية إلا أن التطبيق العملي لفكرة البنك الإسلامي أوجدت أنماطا مختلفة لكل منها صفاتها المتميزة مما يدفعنا إلى القول بأن هناك أشكالا وأنماطا كما أن امتداد نشاط البنوك الإسلامية وتشعبها وازدياد حجم معاملاتها أدى إلى ضرورة تخصصها في أنشطة اقتصادية معينة وإلى إنشاء مصارف إسلامية متخصصة تقوم بتقديم خدمات معينة للعملاء وللبنوك الإسلامية الأخرى.
وكما قلنا فان من كتب في هذا المجال لم يتفقوا على تقسيم موحد بل قسم كل منهم هذه البنوك حسب وجهة نظرهم :
1- تقسيم قدمه الدكتور محمد عبد الله إبراهيم الشبابي في كتابه بنوك تجارية بدون ربا.
حيث يرى أن البنوك الإسلامية الحالية تنقسم في أسلوب تعاملها البنكي إلى مجموعتين لكل مجموعة طابعها المميز.
المجموعة الأولى: يغلب عليها العمل الاستثماري فهي بنوك استثمار مثل المصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية والذي أنشئ في القاهرة عام 1980 ودار المال الإسلامي والتي أنشأت عام 1981 وتهدف إلى إنشاء مؤسسات مالية إسلامية والشركة الإسلامية والتي أنشأت عام 1981 وتهدف إلى إنشاء مؤسسات مالية والشركة الإسلامية للاستثمار الخليجي بالشارقة والتي تقوم بطرح صكوك استثمار.
المجموعة الثانية: المجموعة البنكية التي تمارس العمل البنكي العادي من حيث توفير الخدمات البنكية التي يحتاج إليها التاجر مثل قبول الودائع الجارية وفتح الحسابات الاستثمارية التي يستحق المودعون فيها نصيب من أرباح الاستثمار حسب قدر الوديعة ومدتها من أهمها بنك فيصل الإسلامي والمصري والسوداني وبيت التمويل الكويتي والبنك الإسلامي الأردني للتمويل والاستثمار وبنك دبي الإسلامي.
2- تقسيم :
يقسم البنوك الإسلامية وفقا لمعايير معينة وهي كالتالي:
1-تصنيفها بحسب أغراضها:
• مصارف تهدف إلى تحقيق التنمية مثل بنك ناصر الاجتماعي.
• مصارف تهدف إلى جمع المدخرات للأفراد مثل دار المال الإسلامي.
• مصارف مركزية مهمتها إصدار الأوراق المالية للدول ومراقبة اللإئتمان .
وتطور العمل المصرفي في الدول مثل البنك المركزي في الدول التي أسلمت أنظمتها المصرفية .
• مصارف متعددة الأغراض وهذا ما تهدف إليه معظم المصارف الإسلامية المعاصرة
2- تصنيفها وفق النطاق الجغرافي: إلى
*مصارف (بنوك) إسلامية محلية النشاط:
وهي بنوك تعود ملكيتها لدولة واحدة ويقتصر نشاطها على الدولة التي تحمل جنسيتها والتي تمارس فيها نشاطها و لا يمتد عملها خارج هذا النطاق الجغرافي المحلي وهذه حال غالبية البنوك الإسلامية .
*مصارف إسلامية دولية النشاط:
وهذه البنوك تتسع دائرة نشاطها وتمتد إلى خارج النطاق المحلي وهذا الامتداد قد يتخذ له أشكالا مختلفة مثل إقامة مكاتب تمثيل خارجية في سائر الدول العربية والأجنبية الأخرى أو فتح فروع للمصرف بالدول الخارجية أو إنشاء مصارف مشتركة مع بنوك أخرى في الخارج ويعد البنك الإسلامي للتنمية في جدة نموذجا لهذا النوع من المصارف.
3- تصنيفها وفقا للمجال التوظيفي للمصرف(البنك):
*مصارف إسلامية صناعية:
وهي التي تتخصص في تقديم التمويل للمشروعات الصناعية وتحتاج الدول الإسلامية برمتها ودون أي استثناء إلى مثل هذا النوع من البنوك خاصة بعدما أصبحت التنمية الصناعية المحور الأكثر أهمية وفاعلية في تطوير القدرات الإنتاجية لهذه الدول.
*مصارف إسلامية زراعية:
وهي التي يغلب على توظيفاتها ميلها للنشاط الزراعي باعتبار أن لديها المعرفة اللازمة لهذا النوع من النشاط.
*مصارف إسلامية تجارية:
وهي التي تقوم بجذب الودائع واستثمارها فضلا عن أداء الخدمات المصرفية المختلفة وأغلب المصارف الإسلامية القائمة هي من هذا النوع وبالرغم من هذا التعدد في النماذج إلا أن الاتجاه الغالب في المصارف الإسلامية التي قامت حتى الآن هو المصارف التجارية التي تأخذ شكل الشركات المساهمة و لا يخرج عن هذه الصور سوى <<بنك التنمية الإسلامي>>،<<بنك ناصر الاجتماعي>> وهو مؤسسة حكومية تهتم أساسا بالخدمات الاجتماعية وتقديم القروض الحسنة.
ومما يجدر بالإشارة هنا أنه لا يوجد تقسيم موحد اتفق عليه الفقهاء والمؤلفون بل نجد أن كل واحد من هؤلاء تصور تقسيم معين يتماشى وطبيعة البنوك ووظيفتها في كل مجتمع.
المبحث الثاني: خصائص البنوك الإسلامية
سبق وأن عرفنا البنوك الإسلامية على أنها عبارة عن مؤسسات مالية تزاول النشاط المصرفي والاستثماري في ظل الشريعة الإسلامية ومن خلال هذا المفهوم فان للبنوك الإسلامية خصائص تميزها عن باقي المصارف التقليدية .
فإذا كان جزء كبير من نشاط هذه المصارف يقوم على عملية الوساطة المالية إلا إن طبيعة هذه العملية هنا تختلف عنها في البنوك التقليدية.( ) .
فالبنوك الإسلامية تتبع أسلوب خاص من جمع الموارد المالية من أصحاب الفائض كما تعتمد أساليب خاصة في توزيع هذه الموارد على أصحاب الحاجة ومن هنا تتحدد طبيعة وأسلوب نشاط هذه البنوك في مجال الخدمات المصرفية المختلفة من غيرها من البنوك التقليدية وأهم الخصائص التي تتميز بها البنوك الإسلامية:
*الصفة التنموية للمصرف الإسلامي.
*الصفة العقيدية والاجتماعية للبنك الإسلامي.
المطلب الأول الصفة التنموية للمصارف الإسلامية
1-لقد كان من قرارات مؤتمر وزارة الخارجية والذي أقترح فيه إنشاء بنك إسلامي يخضع لمبادئ الشريعة الإسلامية إنه نص صراحتا في المادة الأولى منه أن أهداف البنك تتمثل في تحقيق التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية وبالتالي إن من أهم الخصائص التي تتحقق أهداف البنوك الإسلامية هي خاصة التنمية بطريق الاستثمار.
2-التنمية بطريق الاستثمار : لا تسمح المبادئ الإسلامية كما سبق وان ذكرنا للبنك القيام بعمليات الإقراض بفائدة نظرا لأن الإسلام يحظر التعامل بالربا ومن هنا سعى القائمون على إعداد اتفاقية البنك إلى ابتداع أنواع جديدة من البدائل لتؤدي الأهداف التي قام البنك من أجل تحقيقها وتكمن هذه البدائل في :
أولا _المشاركة في رأس مال المشروعات المنتجة:
وبهذه الصورة يصبح البنك شريكا في ملكية المشروع الاستثماري وشريكا في إدارته وكذا في الأرباح والخسائر كما يمكن للبنك الخروج من هذه المشاركة عن طريق بيع حصته في رأس مال الشركة المعنية سواء كان هذا البيع لشريك آخر في ذات المشروع أو للدولة التي يوجد فيها المشروع أو للغير.
مزايا هذا النوع من الاستثمار:
- يحقق العدالة ويبعد عن الاستغلال المتمثل في القرض بفائدة حيث يحصل المقرض على الفائدة من المقترض دونما نظر للأثر المترتب على مثل هذا الإقراض من خسارة أو ربح.
-هذا النوع من المشاركة تدفع البنك إلى دراسة المشاريع المشاركة فيها دراسة متأنية والتأكد من مصداقيتها وقدرتها على العمل بطريقة رشيدة فضلا عن فائدتها للدولة التي توجد فيها.
-يؤدي العمل بهذا النظام إلى تنشيط عمليات التنمية في العالم الإسلامي بدرجة أكبر من الحالة التي يتم فيها اللجوء إلى القروض بفائدة.
-يراعي البنك الظروف الاجتماعية في الدول الإسلامية التي يساهم في المشروعات المختلفة فيها كذلك درجة تقدمها واحتياجاتها الاجتماعية في هذا الخصوص .
ثانيا_القروض دون فائدة :
يهتم البنك الإسلامي بتقديم قروض للدول الأعضاء وكذا المشروعات القائمة في هذه الدول وذلك على النحو التالي:
- مجالات تقديم القروض دون فائدة:
القروض تمويل طويل الأجل يقدمه البنك للدول الأعضاء لتنفيذ مشروعات التنمية فيها ، وأهم هذه المشروعات ما يتصل بتنمية القطاع الزراعي مثل مشروعات قنوات الري والاستفادة من الملكية الصغيرة من الأراضي الزراعية وإصدار الري بالمياه وتنفيذ مشروعات البنية الأساسية المساعدة مثل تطوير وسائل النقل والخدمات الاجتماعية وبناء المدارس والمستشفيات .
- شروط وأحكام تقديم القروض:
يقدم البنك القروض بدون فائدة ويحصل في المقابل على رسم خدمة لتغطية النفقات الإدارية الخاصة بإجراءات ومتابعة دراسة المشروع ويتم الوفاء بمبلغ القرض على أقساط نصف سنوية ولفترة تتراوح بين 15 و25 سنة مع فترة سماح تتراوح بين 3-5 سنوات ويعتمد تحديد الفترة على وضع الدولة العضو ونوعية الشروع.
• يستخدم القرض في العادة لتغطية كل أو جزء من تكلفة عناصر معينة من المشروع بالعملات الأجنبية ويمكن في حالات معينة وبصفة خاصة في الدول الأعضاء الأقل نموا يجوز أن يغطي القرض أيضا أجزاء من التكلفة بالعملة المحلية.
• من أحكام القروض دون فائدة أيضا أن المستفيد يساهم في تمويل المشروع كما يمكن أن تكون هناك مشاركة في التمويل من مؤسسات تمويلية أخرى .
• يمكن أن يستفيد من هذه القروض دول أخرى غير عضو في البنك لا سيما في حالة ما إذا يكون القرض مزدوجا مع نوع آخر من أنواع التمويل من وجارو البيع لأجل .
- شروط الحصول على القرض:
• أن يكون المشروع الممول من المشاريع التنموية التي تتحقق تنمية اقتصادية .
• أن يكون المشروع يدعم التعاون والتبادل والتضامن بين الدول وبالتالي فالبنك يعطي اعتبارا خاصا للمشروعات الإقليمية التي تخدم التكامل الاقتصادي بين دولتين.
كيفية طلب تمويل المشروع وتقييمه وتنفيذه ( ) البنك الإسلامي للتنمية كنموذج.
1- يجب أن يقدم طلب التمويل عن طريق محافظ البنك الإسلامي للتنمية عن الدولة العضو المعنية بالأمر مع توضيح كل المعلومات والبيانات المطولة مثل وصف المشروع والتكلفة التقديرية وخطة التمويل وفترة تنفيذ المشروع و الطريقة المقترحة لتنفيذه والجهة المنفذة ومبررات المشروع وبقية البيانات اللازمة .
2- يرسل البنك بعثات إلى الدولة العضو لتقييم المشروع بغرض إعداد تقرير شامل لتقديمه إلى مجلس المديرين التنفيذيين للنظر واتخاذ القرار اللازم.
3- بعد اعتماد التمويل يتم توقيع اتفاقية القرض بين البنك وبين المقترض ويبدأ بعد ذلك تنفيذ المشروع.
4- يتم شراء السلع والخدمات التي يمولها البنك في العادة عن طريق المناقصة الدولية ويتم الحصول على الخدمات الاستشارية وتعطى الأفضلية في الحالات كثيرة للشركات من الدول الأعضاء بالبنك.
5- يتم السحب على أساس التنفيذ الفعلي للمشروع..
6- يقدم المقترض إلى البنك تقارير مرحلية عن المشروع ويجوز للبنك أن يوفد هيئات متابعة لتقرير مدى تنفيذ المشروع( ) .
ويتقاضى البنك رسم خدمة مقابل المصرفات الإدارية يحدد هذا الرسم من حيث مقداره وطريقة تحصيله عن طريق البنك ، على آن يتعلق الأمر بالمصاريف الإدارية الحقيقية الفعلية فقط وتتراوح هذه النسبة بين 2.5%، و3% ( ).
ثالثا_ البيع لأجل
يعتبر البيع لأجل نوعا من أنواع التمويل متوسط الأجل وقد بدأ العمل به في البنك منذ علم 1974م .
1- طريقة تقديم الطلب:
يقدم طلب التمويل لعملية بيع لأجل من الجهة الحكومية أو من المؤسسة الخاصة بالدولة العضو عن محافظ البنك الإسلامي للتنمية عن الدولة العضو المعنية بالأمر والذي هو في الغالب وزير المالية أو الاقتصاد آو التخطيط وآن يدعم هذا الطلب الرسمي بدراسة جدول آو بالوثائق اللازمة للمشروع.
2- متطلبات الإجراءات :
يتطلب تقديم التمويل لعمليات البيع لأجل إبرام عقد بين البنك والمستفيد يقوم البنك بمقتضاه بشراء أصل ثابت أو أصول ثابتة ثم يعيد بيعها للمستفيد بثمن أجل يدفع على أقسام يحقق للبنك ربحا مناسبا.
3- مجال التمويل:
يمول البنك شراع السلع الإنتاجية بنوعيها ، المصنعة محليا آو المستوردة من الخارج وفي الظروف الخاصة يمول البنك الخدمات التي يحتاج المشروع آو العملية الممول عليها وكذلك الإشراف على التنفيذ والحد الأدنى للتمويل المباشر مليونا دينار إسلامي ويصل الحد الأقصى إلى عشرين مليون دينار إسلاميي ( والدينار الإسلامي وحدة حسابية للبنك تعادل قيمة وحدة من الوحدات حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي). ويمكن أن يكون حجم تمويلات البنك أكبر من ذلك إذا وضعنا في الاعتبار نوافذ التمويل.
4- السلع المؤهلة ونوع الخدمات:
نشمل السلع المؤهلة لعمليات البيع لأجل معدات البناء والآلات والمعدات الصناعية والسفن وناقلات النفط وشباك وأدوات صيد الأسماك الآلية وأنابيب إمدادات المياه وأنابيب خطوط توزيع المواد النفطية وخطوط توصيل وتوزيع الكهرباء والمولدات الكهربائية وغيرها وأهم معيار لأهلية السلعة هو أن لا يقل عمرها الاقتصادي لصلاحية استخدامها عن فترة الوفاء للبنك الإسلامي للتنمية بأقساط بيعها للمستفيد..
5- الشروط والأوضاع:
يدفع ثمن المبيع على أقساط نصف سنوية وغالبا ما تكون فترة الوفاء عشر سنوات بما فيها فترة التنفيذ (السماح) ويمكن تمديد هذه الفترة 12 سنة في حالات الشراء لمشروعات البنية الأساسية أما الحد الأقصى لتمويل العملية الواحدة فهو 10 ملايين دينار إسلامي( ) .
6- هامش الربح:
يتراوح هامش الربح في الوقت الحاضر ( ) بين 7.5 و8.5% ويعتمد تحديده على طبيعة المشروع والوضع الاقتصادي للدولة العضو المعنية وهناك حافز بتقديم ما نسبته 15% من الربح إذا تم الوفاء بالانتظام في أرباح الاستحقاق الأقساط حسب الجدول.
7- الضمان المطلوب:
على المستفيد أن يقدم ضمانا مقبولا عن كل عملية يتم تمويلها بالبيع لأجل ويختلف الضمان حسب الجهة المستفيدة فإذا كان المستفيد مؤسسة حكومية فيكفي تقديم الضمان من الحكومة أما إذا كان المستفيد من القطاع الخاص فلابد من تقديم الضمان من بنك تجاري من بنوك الدرجة الأولى .
8- الشراء:
يتم شراء السلع طبقا لإجراءات الشراء بالبنك أي أن يطرح المشروع في ظل للتنافس العالمي ، أما طرحه في عطاء محلي أو في عطاء محلي محدود فيمكن السماح به في ظروف خاصة وأن يقوم المستفيد بكل إجراءات الشراء بوصفه وكيلا عن البنك الإسلامي للتنمية.
9- السحب:
يتم السحب للمشروع من البنك بعد أن يتم تحديد التكلفة وتربية العطاء وإبرام عقد الشراء ويطلب البنك المستفيد فتح خطاب الاعتماد لصالح المورد الذي يتم التعاقد معه ويتم الدفع رأسا إلى هذا المورد( ) .
رابعا_ التمويل عن طريق المشاركة في الفوائد:
وسع البنك الإسلامي من صور التمويل وذلك لتتماشى ووظيفة التنمية التي تقوم عليها البنوك الإسلامية لذلك ظهر هذا النوع من التمويل عن طريق المشاركة في الفائدة وهو ما نصت عليه م 2/2 من الاتفاقية المنشئة للبنك الإسلامي للتنمية( ).
وهذا النوع من التمويل يختلف عن المشاركة في رأس مال المشروع المعني كما يختلف أيضا عن القرض فهو عوان بين هذا وذاك..
القواعد المنظمة لهذا النوع من التمويل:
أ-لا يحق للبنك القيام بتقديم قرض إلى المشروع ساهم في رأس ماله وفقا للصورة المعروضة وهذه القاعدة العامة يجوز الخروج عليها استثناءا حال صدور قرار بالموافقة عليه من ثلثي عدد أصوات مجلس المديرين التنفيذيين ( ) .
ب- يحق للبنك الدخول إلى المشروعات التي يساهم في رأس مالها ويحق له أيضا تفتيشها وذلك إعمالا للشروط الواردة في عقود المساهمة والتي تتضمن تقرير هذه الحقوق( ).
ج-يشترط موافقة الدولة التي يوجد فيها المشروع صراحة أو ضمنيا على تمويل هذا الأخير لإمكان ذلك( )
د-تتحدد مدة التمويل وفقا لطبيعة المشروع وتاريخه الاقتصادي وتوقعاته المالية والوضع الاقتصادي للدولة المعنية مثل الحالة العامة للتنمية وأوضاع ميزان المدفوعات وخصائص المشروع وعوائده المالية( ).
هـ-تعطي المشروعات المستفيدة فترة سماح يصل حدها الأقصى 10 سنوات بحيث يلتزم المشروع بمدة سداد المبالغ التي استلهمها من البنك( ).
خامسا_ تلقي الودائع:
يمكن للبنك أن يتلقى الودائع ويعتبر ذلك بديلا عن الاقتراض بالفائدة من الغير ويحصل أصحابها على حصته من أرباح البنك لقاء ذلك وفضلا عما تقدم يحق للبنك إصدار وثائق استثمارية يحق لأصحابها الحصول على نسبة من أرباح البنك مقابل شراء هذه الوثائق.
المطلب الثاني: الصفة العقيدية والاجتماعية للمصارف الإسلامية .
إن من أهم الخصائص المميزة للبنك الإسلامي والتي تكاد تكون منعدمة في البنوك التقليدية خاصة الاهتمام بالتنمية الاجتماعية والخضوع للمبادئ الإسلامية وهما خصيتان متلازمتان ذلك أن الحديث عن المبادئ سعت البنوك الإسلامية منذ تأسيسها إلى جعل النشاط الاجتماعي في مقدمة أولوياتها فضلا عن اهتمامه بالتنمية الاقتصادية كذلك .
الفرع الأول: الصفة العقيدية للمصرف الإسلامي.
تنطلق البنوك الإسلامية من أساس عقيدي ينبثق عنه مبدأ الاستخلاف والذي معناه أن ملكية المال تعود لله سبحانه وتعالى وملكية الإنسان له بالوكالة ويترتب على ذلك أن تصرف الإنسان فيما يملك مقيد بإدارة المالك الأصلي ووفق أوامره ونواهيه وموضوع الخلافة وحلها هو عمار الأرض ويكون ذلك من خلال الإنتاج والاستثمار فالبنوك الإسلامية بذلك تستمد أساسها العقائدي من الشريعة الإسلامية في كل ما يتعلق بمعاملاتها المالية ومن أهم الأسس التي تعتمدها البنوك في تعاملاتها والتي تدل على خضوعها لأحكام الشريعة الإسلامية :
1-عدم تعاملها بالفائدة باعتبارها من الربا:
وهذا الموضوع قد تطرقنا له بالتفصيل في علاقة الفوائد البنكية بالربا ومختلف الاتجاهات المحرمة للفائدة واعتبارها من الربا المحرم شرعا .
2-تصحيح وظيفة رأس المال في المجتمع:
من منطلق أن البنوك الإسلامية تستمد إيديولوجيتها من الشريعة الإسلامية فمن هنا كانت نظرتها للنقود ووظيفتها مختلفة عما ينظر إليه البنك التقليدي هذا الأخير يرى أن النقود هي سلعة تتم المتاجرة بها بيعا وشراء وبالتالي يحقق أرباحه من خلال الفرق بين سعر الفائدة المدينة وسعر الفائدة الدائنة.بينما الفكر الإسلامي فلا يرى للنقود وظيفة أكثر من كونها وسيلة تبادل ولذلك يرفض البنك الإسلامي أن يكون تاجرا للنقود فلا يقرضها ولا يقترضها إنما يستخدمها في تحريك النشاط الاقتصادي من خلال الاستثمارات الحقيقية وبأساليب المشاركة وليس بأسلوب القرض ويترتب على اعتماد البنك الإسلامي لهذا الأسلوب نتائج مهمة ومميزة وهي:
قيام العلاقة بين البنك الإسلامي وعملاته على أساس مشاركة الموت مع البنك في تحمل نتائج العمليات الاستثمارية على عكس البنوك التقليدية وهذا ما تحدثنا عنه في المطلب الأول المتعلق بخصائص البنوك الإسلامية ، التنمية عن طريق المشاركة وهو ما سنتعرض إليه بالتفصيل أكثر في عقود المشاركة في الفصل الرابع.
اعتماد البنوك الإسلامية على نظام الاستثمار في التعامل مع عملاتها على عكس العلاقة التي تحكم البنك التقليدي بعملاته المفترضين.
الفرع الثاني: الصفة الاجتماعية للمصرف الإسلامي:
يعتبر القطاع الخاص بالتكافل الاجتماعي جزء من الهيكل التنظيمي للبنك الإسلامي ويركز هذا القطاع خصوصا على تقديم الخدمات الاجتماعية والإشراف على جمع وتوزيع الزكاة وفي ما يلي سنتعرض إلى:
أولا _ موارد الخدمات الاجتماعية:
تستعين البنوك الإسلامية للقيام بدورها الاجتماعي بموارد مالية يتم تخصيصها للقيام بهذه الأنشطة على اختلافها وتشمل هذه الموارد( ) :
- أموال الزكاة ممن تستحق عليهم سواء كان البنك أو المساهمين فيه أو المودعين أو غيرهم من الجهات الخاصة أو العامة.ويتم تجميع هذه الأموال في حساب مالي مستقل حاليا ويعرف في معظم البنوك الإسلامية ب صندوق الزكاة.
- الأموال الخيرية بأنواعها المتعددة من هبات وتبرعات.
- الحسابات الخيرية المخصصة لفئة من أبناء المجتمع المسلم ( أيتام، أرامل، فقراء) .
- الحسابات الخيرية المخصصة لاستخدام معينة كالقرض الحسن.
- الحسابات الخيرية المخصصة لأفراد بعينهم.
ثانيا_توزيع الموارد التكافلية والاجتماعية:
تتم عملية التوزيع على الشكل التالي:
1- صندوق الزكاة:
يتم توصيل الزكاة إلى مستحقيها من خلال لجنة صندوق الزكاة في البنك ذلك أن معظم البنوك الإسلامية تنشأ صندوق للزكاة والتي من خلاله تعمل على مساعدة الفقراء والمساكين وتساعد في تنفيذ المشروعات التي توفر فرص العمالة وغطي مشاكل البطالة .
وقبل الحديث عن مصارف الزكاة ومجالاتها نتحدث قليلا عن الحكمة من الزكاة والهدف منها (أن الزكاة حكم ولكل حكم فيها حكم يعجز عنها العقل فالزكاة تأخذ من الأصل أو الأصل والناتج وهذا يؤدي إلى تفكير الشخص في المشروع الذي يوظف فيه أمواله أما في الاقتصاد الوطني فالضريبة تكون على الربح مما يؤدي إلى التلاعب في الدفاتر ولذلك جعلت الزكاة ركن من أركان الإسلام والله هو الرقيب عليها سبحانه وتعالى وللشيخ لشعراوي تفسير للآية الكريمة <<والذين هم للزكاة فاعلون>> فالله سبحانه وتعالى لم يقل للزكاة حاسبون وذلك لأنه في بداية السنة نخطط أين سنستثمر أموالنا مثلا لدينا 400دج نقسمها كما يلي :
100 في الخزينة ،و 100في التجارة، 100في الزراعة، 100زراعة صعبة
وعند حلول أجل الزكاة تكون هذه الأموال قد أصبحت كالتالي:
100خزينة بقيت 100نأخذ منها 2.5.
100الزراعة السهلة أنتجت 20دج نأخذ منها 2.5
100زراعة صعبة أنتجت 30دج نأخذ منها نسبة الزكاة وبالتالي في السنة القادمة توضع الأموال بقدر الإمكان في الزراعة الصعبة لآن الإنسان بطبيعته وهذا تخطيطا من أول العام وسبحان الله ( ).
-صرف الزكاة :
حدد الله تعالى 8 مصارف للزكاة ولم يترك تحديدها للرسول صلى الله عليه وسلم أو الخلفاء والفقهاء وذلك في قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم في الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم
-الفقراء :
والفقير هو من لا يملك النصاب فائضا عن حاجاته الأصلية مهما بلغت هذه الحاجات وتؤكد الإحصاءات أن قرابة 90% من الجائعين والمشردين في العالم هم من المسلمين وفي الوقت نفسه نجد أن عددا كبيرا من المسلمين مصنفين من أغنى أغنياء العالم.( )
-المساكين:
هم من لا يملك شيئا ودخله لا يكفيه والرسول صلى الله عليه وسلم استعاذ من الفقر ودعا أن يحشر المساكين ولا بد من إعطائهم الثمن من الزكاة لجعلهم قادرين على إعطاء الزكاة في المستقبل .
• العاملين عليها: وهم العمال والأجراء الذين يعملون في جمع أموال الزكاة والحكمة من ذلك أن نفيدهم وان لا يطلبوا الرشوة . وقد يرى البنك الإسلامي أن تكون أجورا ومصاريف هؤلاء العمال من ضمن نفقات البنك وقد يرى أنه يمكن تمويلها من أموال الزكاة.
• المؤلفة قلوبهم:وهم ضعاف الإيمان والإسلام والذين يخشى من ارتدادهم ويدفع إليهم البنك من أجل الدفاع عن الإسلام والدعوى إليه خاصة في المناطق التي تحتاج إلى تكثيف الدعوة فيها.
• فك الرقاب: ومحاربة كافة صور الرق وفك أسرى المسلمين في حروبهم مع الأعداء.
• الغارمون: والغارم هو المدين الذي لزمته ديون وعجز عن سدادها كمن غرقت تجارته واحترق مصنعه.
• في سبيل الله: وهو أمر يشمل كافة مصالح المسلمين وإن كان بعض الفقهاء يقصره على الصرف على الجهاد في سبيل الله والدفاع عن الأمة وتجهيز الجيوش للجهاد.
• ابن السبيل: وهو المسافر الذي انقطع عن بلده وأهله وبعد عنه ماله واحتاج إلى مال لإتمام مهمته وتحقيق غايته والعودة إلى أهله ووطنه.
واتفق العلماء على أن الزكاة تصرف في البلد الذي جمعت منه ولا تنتقل إلى غيره من البلاد الإسلامية إلا بما يفيض من المجموع يصرف في الجهاد في سبيل الله.
وبذلك تكون الزكاة عامل هام في التكافل الاجتماعي أولا وعامل تنمية اقتصادية ثانيا بما تنتجه من زيادة الاستهلاك الذي يؤدي بدوره إلى زيادة الإنتاج فزيادة فرص العمل الأفراد الأمة.
وأخيرا يكون من الأفضل من الناحية الإدارية والشرعية الفصل بين إدارة الزكاة وإدراك البنك خوفا من أن يتم استخدام أموال الزكاة كوسيلة لتغطية الفشل الإداري( ).
2- القرض الحسن:
وهو مشروع خيري لغايات إنسانية كحالات الزواج والعلاج والديون والكوارث وحوادث الوفيات وإنشاء المشروعات الصغيرة وغيرها مما يخضع لتقدير اللجان المتخصصة في البنك،ويعد القرض الحسن من أهم أدوات البنك الإسلامي في تنفيذ رسالته الاجتماعية .
أ- أساس فكرة القرض الحسن:
تستمد القروض الحسنة أساسها وتسميتها من قوله سبحانه وتعالى:<< من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم>>الآية 11.
<< من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم>> الآية 18 من سورة الحديد.
ب- من السنة:
قوله صلى الله عليه وسلم : << كل قرض صدقة>> أخرجه الطبري وقوله أيضا :<< ومن سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة وأن يظله تحت عرشه فلينظر معسرا>>.
أخرجه الطبراني في الأوسط بإسناد صحيح وقال أيضا صلى الله عليه وسلم:<< من انظر معسرا فله كل يوم صدقة قبل أن يحل الدين فإذا حل الدين فأنظره بعد ذلك فله كل يوم مثيله صدقة>> أخرجه الإمام أحمد وابن ماجة والحاكم.
هذا وقد أبرزت الأنظمة التأسيسية للبنوك الإسلامية هذا الدور الاجتماعي ونصت عليه ضمن وظائف البنك ومن ذلك أن يوظف البنك جزء من أمواله للوفاء بالمسؤولية الاجتماعية تجاه المستحقين من عملائه بأسلوب القرض الحسن الذي لا يرد فيه المقترض سوى مقدار القرض( ) وتقدم البنوك الإسلامية عادة بتكوين رصيد معين كصندوق مستقل يخصص مبلغه لتمويل منح القروض الحسنة في الحدود التي لا تضر بمصالح البنك ومصالح مودعه .
ومن جملة المآخذ على البنوك الإسلامية أن بعضها يتقاضى أجورا على القروض الحسنة التي تمنحها للعملاء مثلا بنك ناصر الاجتماعي الذي يقوم باقتطاع ما قدره 1% من قيمة القرض الحسن كمصاريف إدارية( ).
3- مساعدة المتعاملين في عثراتهم:
وذلك من خلال الوقوف إلى جانب المتعاملين معها لمساعدتهم في عثراتهم وعدم رفع الدعوى عليهم لمجرد تعثرهم في دفع الأقساط المستحقة والصبر عليهم للوصول معهم إلى حلول تضمن استمرار المتعاملين معها في نشاطهم مع ضمان حقوق المودعين تطبيقا لقوله سبحانه وتعالى: وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة البقرة الآية 28.
ومن خلال هذا المبدأ تظهر آثار الطابع الإسلامي لهذه البنوك ذلك أن الإسلام يحث على مثل هذه الأخلاق في التعامل مع الناس .
4- الاهتمام بالمعايير الاجتماعية:
نأخذ البنوك الإسلامية في الاعتبار عند استثمارها لأموالها ولمواردها مدى العائد الاجتماعي للمسلمين فتقدمة المشاريع ذات النفع العام وتلبي الحاجات الأساسية وتقدمها على غيرها وهي تعمل على استثمار أموالها داخل المجتمعات التي تمارس نشاطاتها فيها وفي غيرها من المجتمعات الإسلامية مع الاهتمام بتنمية القطاعات الاقتصادية خاصة تلك التي تساعد على تحقيق الاكتفاء الذاتي للمجتمع.
5- نشر الوعي الإسلامي الثقافي والمصرفي:
أنشأت البنوك الإسلامية عدة مراكز للاقتصاد الإسلامي بجدة والأزهر وعددت من البلدان أهمها المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب في البنك الإسلامي للتنمية بجدة وتم إنشاء مركز للتدريب والتطوير في بنك دبي الإسلامي ليقوم بتدريب موظفي البنك على المستوى العلمي والعملي المنشود ومركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي بمصير كما قامت البنوك الإسلامية بإصدار نشرات للتعريف بها ثم أصدرت مجالات متخصصة في الاقتصاد الإسلامي كمجلة جامعة الملك عبد العزيز كذلك مجلة <<البنوك الإسلامية>> التي تصدر عن الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية وأيضا مجلة الاقتصاد الإسلامي في البنك دبي الإسلامي.
الفصل الرابع أعمال البنوك الإسلامية
المبحث الأول: الخدمات في البنوك الإسلامية
إن أعمال البنوك تقوم أساسا على الخدمات التي تقدمها هذه الأخيرة من أجل تسهيل عمليتي التجارة وتداول الأموال كما تساهم في تسيير المعاملات التجارية الدولية والبنوك الإسلامية لا تختلف كثيرا عن البنوك التربوية في تقديم هذه الخدمات ولا يبرز الاختلاف إلا في الخدمات التي تتضمن الائتمان.
المطلب الأول:أعمال الخدمات في البنوك الإسلامية
إن أغلبية الخدمات التي تقدمها البنوك الإسلامية وغير الإسلامية لا تنتج فائدة بل تتطلب عمولة تأخذها البنوك مقابل المؤداة ومن ضمن هذه الخدمات نجد:
تأجير الصناديق.
تحصيل الأوراق المالية ووفائها.
نتج الحسابات الجارية للعملاء بما في ذلك من عمليات الوفاء والخصم والتحصيل.
شراء الأوراق المالية وبيعها وحفظها لصالح العملاء.ويأخذ البنك الإسلامي عمولة عن الخدمة التي يقدمها.
أما الخدمات الأخرى المتعلقة بالائتمان الاعتماد المستندي وخطابات الضمان والكفالة المصرفية فإن البنوك الإسلامية قلما تمارسها لما في ذلك من خطورة على سيولتها النقدية ووضعها المالي خصوصا أن العمولة التي تأخذها عن هذه الخدمة لا تغطي حجم المخاطرة التي يتعرض لها البنك وأن حصل وأن قام البنك بمثل هذه العمليات فإنه يطلب من المكفول تقديم الضمانات الكافية لتغطية قيمة الضمان لأنه لا يأخذ فائدة عن ذلك وهذا الإجراء قد يأخذ وقتا طويلا مما لا يتماشى ومبدأ السرعة والائتمان المتعارف عليه في التجارة.
المطلب الثاني:الفوائد المدفوعة في البنوك الإسلامية
عرفنا أن مفهوم الوديعة يأخذ شكل عقد متعدد فهو عقد وديعة وقرض ووكالة ويتاجر بها على أن يقدم نسبة من الربح لصاحب الوديعة حسب الاتفاق المبرم بين المودع والبنك فيكون البنك هو "المضارب" والمودع هو "صاحب المال" (سنتناول عقد المضاربة بالتفصيل في المبحث الموالي) ويستطيع البنك بصفته وكيلا عن المودع أن يفتح هذا المال لشخص آخر ليتاجر .
-على سبيل المضاربة-ويكون للبنك نسبة من الربح وفي هذه الحالة يأخذ البنك صفة صاحب المال والتاجر هو المضارب.
نلاحظ أن البنك يأخذ صفة المضارب حينا وصيفة صاحب المال حينا آخر وفي كل الأحوال يكون شريكا في المتاجرة بهذا المال وله نسبة من الربح.
إن مفهوم الفائدة يختلف في البنوك الإسلامية عن البنوك التجارية الربوية حيث أن البنك الإسلامي يقدم أرباحا لعملائه إذا كان مدينا ويأخذ نسبة من الربح إذا كان دائنا لهم يقدم "بالمشاركة في الغنم والغرم"في المعاملات التجارية الإسلامية وتنقسم الودائع في البنوك الإسلامية إلى نوعين.
أولا: الودائع التي يضعها العملاء بغرض الربح فيصبحون شركاء مع البنك على حسب نسبة مشاركتهم في المشروع ويقسم البنك الأرباح بينه وبين جميع شركائه عند نهاية السنة المالية وللمودع أن يسترجع وديعة حسب الاتفاق.
ثانيا: الودائع التي يضعها العميل بغرض الحفظ فيكون البنك مسؤول عن هذه الوديعة وأن يقدمها لصاحبها عن الطلب والبنك لا يقدم أرباحا عن هذا النوع من الودائع لأنها لم تدخل في تجارة وله أن يأخذ عمولة نظير الجهد المقدم في عملية الحفظ.
المبحث الثاني: الاقتراض في البنوك الإسلامية والبدائل التي وضعت لنظام الفائدة
عندما حرم الإسلام الربا أعطى البديل النظيف الذي يحقق العالة والمساواة بين صاحب المال من جهة وصاحب الجهد من جهة أخرى وعلى هذا الأساس انتهجت البنوك الإسلامية نظام المشاركة في الأرباح والخسائر وانتهت إلى أنواع من العقود ندرجها كما يلي:
المطلب الأول: عقد المرابحة
المرابحة في اللغة مصدر من ربح وهي الزيادة في اصطلاح الفقهاء البيع برأس المال ويربح معلوم وصورة المرابحة في المالكية كما جاء في موطأ الإمام مالك<< الأمر المجمع عليه عندنا في البر يشتريه الرجل ببلد ثم يقدم به ببلد آخر فيبيعه مرابحة >> والمرابحة تأخذ عدة صور في المذهب المالكي ولكل صورة حكمها ومنها المساومة على إعطاء ربح عن كل مائة عشرة أو أكثر أو أقل ففي هذه الحالة لا يشتمل سعر السلعة على نفقة أو لا يكون عليها نفقة فان كان عليها نفقة فإما أن تكون النفقة عينا ثابتة قائمة للسلعة فحكم هذا أن يضاف إلى الثمن باعتباره كالثمن ويحسب له الربح بنسبته بشرط توضيح ذلك للمشتري أو يكون ما انفق عليه غير قائم بالمبيع ولكن يختص به مثل السمسرة فلا يحتسب من أصل الثمن ولا يحسب له ربح أو يكون غير قائم بالمبيع ولكن يختص به أي عمل يعمله التاجر بنفسه مثل طي الثوب وشده أما ما لا يتولاه بنفسه مثل أجرة النقل فإنه يحسب ولكن لا يحسب له ربح ويشترط تبيانه.
مما سبق ندرك أن بيع المرابحة يتم بناءا على وجود السلعة ومعلومية الثمن والربح والاعتمادات المسندية التي تمنحها البنوك في عصرنا يقوم الشراء فيها على ما يعرف ببيع البرنامج وهناك تشابه في أسلوب منح الاعتماد وأسلوب البيع على البرنامج ولتحديد التشابه لا بد من إيضاح الخطوات التي يتم بها فتح الاعتماد حسب الإجراءات المتعاون عليها بين البنوك وهي:
1-إصدار أمر الشراء: حيث يرسل المستورد طلب البضاعة المراد استيرادها إلى المصدر مبينا فيه وصفا كاملا للبضاعة والكمية والوزن والسعر وشروط وطريقة الشحن ومكان التسليم.
2عقد البيع: إذا تم الاتفاق يتم تسديد قيمة البضاعة بإحدى الطرق التالية :
أ-دفع قيمة البضاعة بالكامل مقدما.
ب- دفع قيمة البضاعة بعد الشحن في هذه الحالة يرسل المصدر المستندات الثبوتية لشحن البضاعة إلى المستورد عن طريق البنك أي لا تسلم المستندات إلى المستورد إلا بعد دفع قيمتها.
ج-يتم دفع قيمة البضائع عن طريق فتح اعتماد مستندي بواسطة بنك المستورد لصالح المستفيد ولا يتم دفع قيمة الاعتماد المستندي من قبل مراسل البنك إلا إذا قدم المصدر البيانات الدالة على شحن البضاعة.
والبيع على البرنامج كما هو في المذهب المالكي ينفق مع ما يعرف في بقية المذاهب ( موصوف في الذمة) .وهذا النوع من البيوع يقاس عليه جواز البيع عن طريق فتح الاعتمادات المستندية إلا أن كيفية البيع على البرنامج أو البيع على الصفة كما جاءت في المذاهب غير ممكنة التطبيق من قبل البنك الذي لا يتعامل مباشرة مع السلعة المراد استيرادها خاصة أن السلع متعددة الأنواع والمستوردين لهذه السلع متعددون ويحتاج استيرادها لمدة معينة لا تقل عن الشهرين إلى ثلاثة أشهر حتى يتم وصولها والتصرف فيها لذا فإن البنك يقوم باستخدام وعد بالشراء يلزم فيه التاجر بالشراء بحيث يمثل اتفاقا مبدئيا على الشراء عند ورود البضاعة أو استلام مستنداتها .
إن دمج شروط بيع المرابحة مع شروط البيع على البرنامج هو الحل الذي وجدته البنوك السلامية لتوفير التمويل بدون الوقوع في الربا خاصة في وأن الإمام مالك أجاز البيع على الصفة ممن لا يمتلك السلعة مثل البنك.
فمشروعية عقد المرابحة يقوم كما عرفنا على معلومية ثمن الشراء للمشتري ومقدار الربح المطلوب من البائع مع تحديد مواصفات السلعة المنوي شرائها مرابحة في حالة عدم وجودها لدى البائع في مجلس العقد.
إن الصورة الواقعية الممارسة في عقد المرابحة كما تستخدمها البنوك الإسلامية تتمثل في توقيع عقد سابق يتضمن شروط المرابحة العامة ونوعية السلع ونسبة الربح والحد الأعلى للمبلغ الذي سوف يقوم البنك بالتمويل في حدوده بعد التوقيع يقوم العميل بتقديم وصف كامل للبضائع إلى البنك كما يقدم عادة قائمة الأسعار التي أرسلها المصدر والتي بموجبها يتم فتح الاعتماد المستندي وبعد ذلك يتم فتح حساب خاص باسم العميل وعند ورود المستندات الخاصة بالاعتماد تحسب التكلفة حسب سعر العملة في يوم وصولها للبنك ويتم إشعار العميل المتعاقد معه على الشراء لاستلام المستندات ثم يتم تحديد قيمة الكمبيالة بحصر كافة النفقات المصروفة على الاعتماد بجانب قيمة الاعتماد مع إضافة نسبة الربح المحددة حسب العقد ثم يقسم المبلغ على فترات سداد هذه الكمبيالة والتي تمثل في مجموعها قيمة بيع المرابحة.
المطلب الثاني: عقد المضاربة
المضاربة مأخوذة من الضرب في الأرض وهو السفر والمشي مأخوذ عن قوله تعالى: وإذا ضربتم في الأرضسورة النساء الآية 101 ، والعامل مضارب، حيث يخص بالضرب في الأرض كما تسمى المضاربة قراضا أو مقارضة وهي مشتقة من القرض وهو القطع سميت بذلك لأن المالك قطع قطعة عن ماله ليعمل فيه بجزء من الربح والعامل قطع لرب المال جزءا من الربح الحاصل بسعيه، والمضاربة عند الفقهاء هي عقد بين اثنين يتضمن أن يدفع أحدها للآخر مالا ليتاجر فيه بجزء شائع معلوم من الربح.
اتفق الفقهاء على مشروعية المضاربة ودليل مشروعيتها عن القرآن ما جاء في قوله تعالى: وآخرون يضربون الأرض يبتغون من فضل الله آية 20 من سورة المزمل.
أما الإجماع فهو إجماع الصحابة على جواز المضاربة ولم ينكر عليهم أحد وقد تعامل الناس بذلك منذ عهد رسول الله (ص).
ولصحة المضاربة لا بد من توافر عدد من الشروط:
1- شروط تتعلق بصيغة المضاربة فلابد أن تكون الصيغة منجزة غير مضافة إلى زمن ولا معلقة ولا مؤقتة .
2- شروط تتعلق بالمتعاقدين وقد اشترط فيهما ما يشترط في الموكل والوكيل فكل من صح تصرفه في شيء بنفسه وكان مما تدخله النيابة صح أن يوكل فيه.
3- شروط تتعلق برأس المال وهي الشروط بشكل إجمالي:
أ- لابد أن رأس المال من النقود فلا تصح المضاربة بالعروض.
ب- لابد أن يكون رأس المال عينا دينا.
ج-تسليم رأس المال للمضارب.
ومن متعلقات رأس المال خلط مال المضاربة مع المضارب فقد أجاز المالكية والأحناف ذلك ولمعرفة كيفية استخدام هذا العقد كبديل للآتمان التجاري الذي تمنحه البنوك الربوية للتجار لابد من استعراض الخطوات الواجب على البنك الإسلامي إتباعها لمنح التمويل للمضاربين .
أولا : دراسة وضع التاجر وكفاءته التسويقية للتأكد من أن وضعه المالي جيد.
ثانيا: طلب من العميل أعداد ميزانية تقديرية بهدف تحديد حجم المبالغ التي يمكن البنك المساهمة بها وهي الميزانية التقديرية للمبيعات والمشتريات والميزانية التقديرية للأجور والمصروفات العمومية مع إعداد قوائم المالية التقديرية وهي حساب الأرباح والخسائر التقديرية .
ثالثا: طلب من العميل كشف النفقات النقدية المبنية على الميزانية التقديرية والتي تمثل الركيزة الأساسية في تحديد عجز التمويل الذي يحتاج إليه العميل.
فكشف التدفقات النقدية والميزانية العمومية التقديرية يحددان مقدار مال المضاربة النقدي الذي سوف يساهم به البنك ويخلطه مع إجمالي الاستثمار ومن ثم تحديد نسبة العائد ( أي الربح الذي سوف يناله البنك على مقدار مساهمته في إجمالي الاستثمار)
رابعا: اشتراط على العميل الحق في التدقيق والمراجعة من قبل موظفي البنك على أعماله وبالالتزام بنصوص عقد المضاربة.
المطلب الثالث: عقد المشاركة
الشركة في المفهوم اللغوي تعين خلط أحد المالين بالآخر بحيث لا يتميزان عن بعضهما أما في الاصطلاح الفقهي فتختلف باختلاف أنواعها ولكل مذهب من المذاهب الفقهية تقسيمه الخاص فالمذهب المالكي يقسم الشركة إلى قسمين القسم الأول شركة الملك وتنقسم بدورها إلى قسمين جبر واختيار والجبر هو الاشتراك قهرا مثل الإرث والغنيمة والاختيار ملك عين باختيار الشريكين.
والقسم الثاني شركة العقود وهي عبارة عن عقد أفتتح بين اثنين فأكثر للاشتراك في مال وربح وتنقسم شركة العقود إلى نوعين وكل نوع ينقسم إلى نوعين مفاوضة وعنان .
فالأول ا لشركة بالمال:
وهي أن يتفق اثنان أو أكثر على أن يدفع كل واحد مبلغا من المال لاستثماره ولكل واحد جزء معين من الربح على أن تكون نسبة توزيع الربح بقدر رأس المال .
والثاني الشركة بالأعمال:
وهي اتفاق صانعان أو أكثر بالعمل دون المال والصحة شركة الأعمال يجب أن تكون الصنعة واحدة أو الصنعتان متكاملتان وشركة العنان هي اشتراك اثنان في نوع واحد من أنواع التجارة أو في جميع أنواع التجارة ولا يشترط تساوي الشركاء في رأس المال مع عدم جواز تصرف أحد الشريكين إلا بإذن صاحبه.
دليل مشروعية المشاركة في القرآن الكريم قوله تعالى: وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم سورة ص آية 24.
والخلطاء هم الشركاء ومن السنة ما رواه أبو داود : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما فإذا خان صاحبه خرجت من بينهما.
ومما سبق ندرك أن نوع أقسام الشركات الذي يمكن استخدامه في تمويل حاجة قطاع المقاولات من السيولة النقدية شركة العنان حيث يمكن الاشتراك في فرع واحد من أنواع التجارة مثل التشديد والبناء كما أنه ليس ضروريا تساوى رأس المال مع إعطاء نسبة من الربح للمقاول لقاء عمله فطبيعة عمل المقاولات يسمح بالاشتراك في مشروع واحد وأكثر وأن المقاول يمكن أن يشارك آخرين كما يمكن تحديد تكاليف كل مشروع على حده بمعرفة تكاليفه وقيمته وبالتالي تحديد المبلغ المستثمر فيه ومن المعروف حسابيا أن هناك أسلوبين لكيفية معالجة حسابات المقاولة لتحديد النتيجة المالية سنويا أولهما إتباع نسبة الإنجاز والتالي إتباع طريقة المقاولة المنتهية.
الأسلوب الثاني :أقرب وأيسر للتطبيق عند المشاركة بين البنك والمقاولة أو شركة المقاولات .
كيفية تطبيق عقد المشاركة: الأسلوب الذي يمكن إتباعه لتطبيق المشاركة في تمويل احتياجات قطاع المقاولات من المال بدون اللجوء إلى الربا تطبيق عقد المشاركة بين البنك والمقاولات لتحويل عملية معينة ضمن قواعد شركة العنان يجب توافر الشروط التالية :
1- أن يكون المعقود عليه قابلا للوكالة فيه أي فيما يمكن أن ينعقد فيه التوكيل .
2- أن يكون رأس المال من النقدين آو من عروض التجارة بعد أن يقوم حساب قيمته يوم .
قبضه أو نقدا أوعروض تجارة أو أن يكون رأس المال من النقدين حاضرا ،معلومية الربح بنسبة محددة أي انتقاء مجهولية الربح وغير معين بمبلغ معين3
الفصل الخامس القانون الجزائري و البنوك الإسلامية
عندما تحدثنا عن طبيعة أعمال البنوك الإسلامية كما هي ممارسة في الواقع أشرنا إلى أن أهم أعمالها هي القروض والتسهيلات البنكية التي تعتمد على نظام الفائدة أما البنوك الإسلامية وإن كانت تسير على نفس أسلوب البنوك التجارية الحديثة في معاملاتها المصرفية فهي تختلف عنها في الغاية والهدف إذ تعتمد على نظام المشاركة في الغرم والغنم لكن هل يمكن لهذا النظام المستحدث أن يجد في الدول التي ورثت نظامها البنكي عن الدول الاستعمارية الغربية.
في هذا الفصل سوف نلقي الضوء على نظام البنوك في الجزائر وسنحاول أن نعرف من خلاله إلى أي مدى يمكن تطبيق نظام البنوك الإسلامية في الجزائر.
المبحث الأول:نظام العمليات المصرفية في القانون الجزائري
ينص الدستور في المادة 22/فقرة 15 أن نظام إصدار النقود ونظام البنوك والقرض والتأمينات يخضع لتشريع البرلمان وبناءا عليه صدر القانون رقم 62/144 المؤرخ في 13 ديسمبر 1962 المتضمن إنشاء البنك المركزي الجزائري وتحديد قانونه الأساسي وصدر الأمر رقم 03/11 المؤرخ في 16/09/2003 المتعلق بالنقد والقرض والمعدل والمتمم للقانون 90/10 المؤرخ في 14أفريل1990.
هذا القانون يعطي للبنك المركزي الجزائري (بنك الجزائر)حاليا صلاحيات واسعة في مجال النقد والقرض والصرف نصت عليها المادة 62.
من بينها إصدار النقد اعتماد البنوك والمؤسسات المالية وتحديد المقاييس والنسب التي تطبق عليها ويمارس مجلس النقد والقرض سلطاته عن طريق الأنظمة.
في هذه الدراسة سنسلط الضوء على النظام رقم 94-13 المؤرخ في 02جوان 1994 والمحدد للقواعد العامة المتعلقة بشروط البنوك المطبقة على العمليات المصرفية تنص المادة 04 من هذا النظام على ما يلي:<< تحدد البنوك والمؤسسات المالية بكل حرية ومعدلات الفائدة الدائنة أو المدينة وكذا معدلات ومستوى العملات المطبقة على العمليات المصرفية عبر أنه يمكن لبنك الجزائر أن يحدد هامش أقصى يستوجب احترامه من قبل البنوك والمؤسسات المالية>>.
وتنص الماد\ة الخامسة على ضرورة احترام الشروط التي تحددها البنوك ولزوم تبليغ عملائها بها.
أما المادة 72 من الباب الثاني من الكتاب الخامس من قانون النقد والقرض فتنص على ما يلي:
<<يمكن للبنوك والمؤسسات المالية أن تجدي جميع العملات ذات العلاقة بنشاطها بالعمليات الآتية:
- عمليات الصرف.
- عمليات على الذهب والمعادن الثمينة والقطع المعدنية الثمينة.
- توظيف القيم المنقولة وكل متوج مالي واكتسابها وتسييرها وحفظها وبيعها.
- الاستشارة والمساعدة في مجال تسيير الممتلكات.
- الاستشارة والتسيير المالي والهندسة المالية وبشكل عام كل الخدمات الموجهة لتسهيل إنشاء المؤسسات والتجهيزات وإنمائها مع مراعاة الأحكام القانونية في هذا المجال.
كذلك فالمادة الثانية من القانون التجاري تعتبر أن كل عملية مصرفية تعد عملا تجاريا بحسب موضوعه وبالتالي فإن البنوك تخضع لأحكام القانون التجاري.
فنستنتج من كل ذلك أن المشرع الجزائري ترك مجالات واسعة للبنوك في ممارسة أعمالها نظرا لما لها من أهمية في النشاط الاقتصادي والتجاري كما ترك لها حرية واسعة تحديد الشروط والعمولات التي تطبقها على عملياتها المصرفية.
ومن جانب آخر فإن المشرع وضع رقابة صارمة تتجسد في السلطات الرقابية الواسعة التي منحها لبنك الجزائر ومجلس النقد والقرض وذلك اعتبارا لما لنشاط البنوك من خطورة على استقرار الاقتصاد الوطني.
المبحث الثاني: مدى ملائمة نظام البنوك الإسلامية للنظام البنكي الجزائري
من خلال دراسة النظام المحدد للقواعد العامة المحددة لشروط المطبقة على البنوك وخصوصا المادة 04 نجد أن القانون لا يفرض على البنوك التعامل باربا بالنسبة للإقراض أو الاقتراض لكن للبنك المركزي دور في تحديد أقصى حد للفائدة على البنوك احترامه مهما كانت هذه البنوك وطنية أو دولية.
وعليه فالبنك الإسلامي غير ملزم حسب ذات القانون بتقديم فائدة على الودائع وله الحرية في عدم فرض فائدة على القروض التي يقدمها لعملائه كذلك للبنك الإسلامي حرية تامة في اختيار البنوك التي يتعامل معها سواء كانت بنوك إسلامية أو بنوك ربوية.
كما أن العقود التي اعتادت البنوك الإسلامية على عقدها مع عملائها كحق المرابحة والمضاربة والمشاركة وإن كانت غير مألوفة إلا أنها جائزة قانونا وهي لا تخالف النظام العام وقانون النقد والقرض لا يمنع هذه المعاملات التجارية بل يشجعها والدارس للقانون الجزائري يجد أنه لا يمنع البنوك من ممارسة نشاطها حسب مقتضيات الشريعة الإسلامية إلا إن هناك بعض الإشكالات التي قد تحدث للبنوك لكن من السهل تفاديها وهي الإشكالات التي تحدث عن يصادف أن يكون البنك مدينا لبنك الجزائر ويطبق عليه هذا الأخير شروطه التي قد تتعارض وشروط المعاملات التجارية في الإسلام هذه الحالات نصت عليها المواد 42-43-45 من قانون النقد والقرض والتي تتعلق بالقروض التي تمنحها بنك الجزائر لمختلف البنوك.
أما الإشكالية التي لا يمكن للبنوك الإسلامية أن تتجاوزها فهي أن القانون يفرض على البنوك أن تفتح حسابا جاريا دائنا لدى بنك الجزائر وعلى شروطه فقد نصت على ذلك المادة 52من قانون النقد والقرض : "يجب على كل بنك يعمل في الجزائر أن يكون له حساب جاري دائنا مع البنك لتلبية حاجيات المقاصة ".
فالبنوك الإسلامية غير مجبرة على الاقتراض بالشروط التي تخالف الشريعة كما يمكنها أن تتفادى الاقتراض من البنك الجزائر وذلك عن طريق القيام بعمليات محاسبة دقيقة وشريعة كما يمكنها أن تعتمد في التمويل على الودائع المختلف التي يضعها العملاء تحت تصرفها وقد تكون قيمة هذه الودائع كبيرة نظرا للشروط المغرية التي تقدمها البنوك الإسلامية وهذا الإغراء يتمثل في تقديم ربحا عن الوديعة بدلا من تقديم الفائدة.
الخاتمة:
لقد كان من الضروري البحث طريقة للخروج بالمعاملات البنكية من وحل التعامل بالربا وذلك لما يسببه من خرج للمسلمين المودعين أموالهم في هذه البنوك وجاءت تجربة البنوك الإسلامية كما رأينا لتحاول وضع سياسة بنكية جديدة تستبعد الربا في معاملاتها ورغم العثرات التي واجهة هذه التجربة إلا أنها حققت نجاحا وتطورا كبيرا واستطاعت هذه البنوك أن تفرض تواجدها في معظم البلاد الإسلامية بل وحتى الدول الغربية.
ولقد كانت الجزائر من بين الدول الإسلامية التي احتضنت فكرة البنوك الإسلامية وهذا ما يؤكده القانون الجزائري والذي يسمح ويجيز إنشاء بنوك إسلامية بالإضافة إلى انضمامها إلى مجموعة البنك الإسلامي للتنمية ومما هو ملاحظ أن الجزائر لا تعارض فكرة استبعاد الربا من المعاملات البنكية حيث منح القانون الجزائري للبنوك التجارية مطلق الحرية في تحديد سعر الفائدة (الربا)حيث يمكن لهذه البنوك أن تتخلى عن استعمال الفائدة نهائيا كما يمكن لها أن ترفع فيها كيفما تشاء.
لكن رغم فتح الباب أمام البنوك لاستبعاد الفوائد البنكية (الربا)وبالتالي احترامها لمبادئ الشريعة الإسلامية فإنه من جانب آخر تقع البنوك الإسلامية في شبهات الربا والمتمثلة في آلية تعاملها مع البنك المركزي حيث أنه من أهم مصادر أموال البنوك ومدخراتها ما تقرضه من البنك المركزي وهذا الاقتراض يترتب عليه بالضرورة التعامل بالربا مما يثير تساؤل وهو كيف يمكن تسمية هذه البنوك بالإسلامية وهي تتعامل بالربا عندما تكون مدين (مقترض)وتستبعده فقط عندما تكون دائن (مقرض)
غير أنه من غير المعقول أن تستبعد القوانين المعمول بها دوليا تطبق نظم البنوك الإسلامية التي لا زالت في طريقها إلى التطور والانتشار بل ينبغي على هذه البنوك أن تعزز من تواجدها بكل دول العالم والدول الإسلامية بصفة خاصة وأن تساير القوانين القائمة مع مراعاة عدم الوقوع في شبهة الربا إذ يمكنها ذلك إذا كانت عملياتها الممارسة سريعة ودقيقة.
ومن ثم إذا استطاعت أن تكرس تواجدها وتنافس البنوك التجارية الربوية جاز أن نتحدث عن تغيير القوانين التي تربط علاقتها بالبنك المركزي .
إن تجربة البنوك الإسلامية في العالم العربي تجربة ناجحة وتدعمك الهوية الإسلامية بشكل كبير وتحتاج إلى رعاية خاصة من كل من يطمح لتجديد الفكر الإسلامي ووصوله إلى مرتبة الريادة.
قائمة المصادر والمراجع:
1-محمد عبد الله إبراهيم الشباني:بنوك إسلامية بدون دراسة نظرية وعملية ،دار عالم للطباعة والنشر والتوزيع،الطبعة 2/2002.
2-هشام خالد /البنوك الإسلامية الدولية وعقودها مع الإشارة خاصة لنظام التأجير التمويلي،قسم القانون الخاص كلية الحقوق طنطا2001،دار الفكر العربي.
3-محمد بو جلال:البنوك الإسلامية مفهومها ونشأتها ،تطورها،نشاطها،مع دراسة تطبيقية على مصرف إسلامي،المؤسسة الوطنية للكتاب1990.
4-فادي محمد الرفاعي:المصارف الإسلامية ،ماجستير في الحقوق،تقديم العميد البروفيسور ريمون يوسف فرحات.
5- يوسف كمال مجد:المصرفية الإسلامية الأساس الفكري،دار النشر للجامعات،مصر.
6-عبد الحميد الشواربي:عمليات البنوك في ضوء الفقه،القضاء/التشريع.
7-د:حسن بن منصور:البنوك الإسلامية بين النظرية والتطبيق.
المجلات:
1-مجلة البنوك الإسلامية عدد 45ديسمبر 1985 الصادرة عن الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية.
القوانين:
1- ألأمر03/11 المؤرخ في16/09/2003 المتعلق بالنقد والقرض المعدل والمتمم للقانون رقم 90/10المؤرخ في 19رمضان الموافق 14افريل1990.
النظم:
1-النظام 92/08المكؤرخ في 17 نوفمبر 1992 والمتضمن مخطط الحسابات المصرفي والقواعد المحاسبية المطبقة على البنوك والمؤسسات المالية.
2-النظام رقم94-13المؤرخ في 2جوان 1994 والمحدد للقواعد العامة المتعلقة بشروط البنوك المطبقة على العمليات المصرفية.
المراجع:
1-أساسات العمل المصرفي الإسلامي،دراسة مصرفية تحليلية مع الملحق بالفتاوى الشرعية،دار وائل للنشر والتوزيع،عمان رام الله.
2-ندوة للدكتور أحمد محمد علي مدير مؤسس مجموعة البنك الإسلامي للتنمية بتاريخ 8ذي الحجة 1428الموافق ل8جانفي 2006 في عرفات.
3-محاضرة للدكتور صالح عبد الله كامل عن الاقتصاد الإسلامي .