عودة اللقالق - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الثّقافة والأدب > قسم الإبداع > قسم القصة ، الرّواية والمقامات الأدبية

قسم القصة ، الرّواية والمقامات الأدبية قسمٌ مُخصّصٌ لإبداعات الأعضاء في كتابة القصص والرّوايات والمقامات الأدبية.

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

عودة اللقالق

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-12-10, 11:59   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
sollo44
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية sollo44
 

 

 
إحصائية العضو










New1 عودة اللقالق

انفلتت الذكريات في تلك الليلة من غير إنذار مسبق ، و جلس إلى مكتبه بعضلات متكسرة ، تحسس تحت ضوء المكتب الخفيف دفتره البني ، فتحه عند ورقة مثنية في أعلى جهتها اليمنى ، هي الصفحة التي توقف عندها البارحة و طفق يقرأ بعينين ضعيفتين تستقويان بنظارات العميان : ..........." اليوم يا دليلة سأبرهن عن حبي لك ، سأطلق العنان لقلبي المتوثب للخروج من صدري ، سأطلق العنان لجنونه و تهوره و خياله ، اليوم سأتسلل في الليل خلسة إلى بستان بيتكم ، و بسكيني الصغير سأكتب بأنني أحبك ، سأكتبها على درنة التين الهندي الذي يحيط ببيتكم ، فقط استيقضي صباحا و توجهي للبستان و هناك ستكتشفين قدر الجنون الذي يعبث بقلبي ، و ليس قلبك وحده من سيصدقني و لكن عقلك أيضا "........... توقف عن القراءة و ضحك ضحكة صغيرة متوترة لإخفاء حنينه لتلك الأيام ،و قال كأنه يكلم نفسه : أنا أتكلم عن ذكريات عمرها الأن ثلاثون سنة ، و هذا ما بقي لي منها ، جسد هزيل و يد مرتجفة ، قلب نابض بالحب و ذاكرة من حديد ، ...........قصة حبي لدليلة عشتها في مدينتي القديمة المتواضعة ، مدينة لطالما عشش الفقر و المرض بها لعقود ، مدينة محرومة من الانارة و الهاتف و الغاز ، مدينة تنتشر بها الكلاب الضالة و تتوالد في أقبيتها المظلمة ، تتناثر بها حقول القمح و الشعير و البطاطا ، و يقف الجبل فوقها بشموخ كحارس أمين تتكلل قممه بالغابات و الثلج و الضباب ...
و رغم بساطة مدينتي إلا أنني أحببتها ، أحببتها بعنف لا يعادله إلا حبي لدليلة و قلت لنفسي ذات مرة : سأعيش في هذه الأرض الطيبة و أتزوج من دليلة فأموت هنا و أدفن هنا ، و كانت دليلة يومها فتاة متألقة باسمة ، يسطع الحنان و الجمال في وجهها كسطوع القمر ، و كنت كلما رأيتها خيل إلي أنني أرى الحياة تمشي على قدمين ، رؤيتي لعيونها اللوزية هي اللحظة الوحيدة التي أشعر فيها بالضعف و البساطة و الحب و السحر و السكينة ، ........ كانت أنثى بمعنى الكلمة ، عاشقة و قوية و متمردة ، كانت مسحورة بجمال المدينة البسيط ، في النهار تنظر إلى حقول الزرع فترى الريح تعبث بها مشكلة أمواجا غير نهائية من السنابل المتراقصة ، و في الليل تتأمل نجوم السماء فتربط بعضها ببعض مشكلة أشكالا لحيوانات أو رموزا قديمة من حضارات بائدة ، حتى أنها ذات مرة فاجأتني قائلة : لقد تمكنت البارحة من كتابة اسمك على صفحة السماء .......... خيالية كانت و رومنسية ، عجيبة هذه الفتاة هكذا وصفتها ذات مرة في مذكراتي ، في مدينتي كانت اللقالق تعشش جنبا إلى جنب مع الفقر ، كانت تعشش فوق الأشجار الضخمة الميتة منذ عهد بعيد ، فتبني لها أعشاشا ضخمة مكورة ، و تقف فوقها قبالة الريح و الشمس على قدم واحدة ، اللقالق الرشيقة ، ذات الريش الأبيض و الأسود ، و المنقار الأصفر الطويل المكلل بعينين داهشتين . إنها تعود في كل عام لمدينتي لتكمل فيها دورة الحياة الملغزة ، و أنا و دليلة كنا نرقب و نحن صغارا هذه العودة كل سنة ، و كانت دليلة تقول بلهجة مسائلة : اللقالق تعود للمدينة كل عام فهل بها حنين للرجوع ؟؟
و منذ ذلك اليوم و انا أتساءل ببراءة : لماذا نحن إلى مدننا القديمة ؟؟ لماذا تشدنا قوة سحرية خفية إلى ترابها و هوائها ؟؟ أي سر عجيب هذا ؟؟ ......... اليوم و بعد أن تزوجت من دليلة و أنجبت منها سلسلة من الأبناء الناجحين و الفاشلين ، و تغربت في كل أنحاء الوطن بحثا عن الخبز و العمل ، و بعدما عشت معها حياة جميلة تعثرت في بعض مراحلها ، و تجافينا أحيانا و تصافينا أحيانا أخرى ، بعد ذلك كله عدت لمدينتي القديمة كما كانت اللقالق ترجع إليها ، آن للغز أن ينكسر ، و آن للسؤال أن يتحطم بقبضة الجواب القوية ، تساءلت كما كنت أتساءل في طفولتي الاولى : لماذا رجعت إلى مدينتي القديمة ؟؟ أي سر في ذلك و أي قوة سحرية هذه ؟؟
و لكنني قبل ان أضفر بجواب ، ألقيت نظرة خاطفة على مدينتي القديمة ، تغيرت مدينتي .... تغيرت حتى كدت لا أعرفها ، و لكنها تعرفني و لا شك ، انتشرت بها البنايات الشاهقة و العمارات المتلازقة ، و زحف الزفت فيها على الطرقات حتى عبدها ، انحصرت حقول الزرع و البطاطا لتختنق بالمصانع و الغازات الضارة ، تحولت الساحة التي تعلمت فيها المشي ، و جريت بها لسنوات عديدة ، و مارست فيها مع أترابي لعبة الشرطة و اللصوص تحولت إلى بناء ضخم ظننته سجنا ، ارتفعت المآذن في مدينتي بشكل لافت ، و لم يعد للكلاب الضالة أثرا و لكن بدلهم وجدت شوارع المدينة تضج بالمجانين الذين أنهكتهم الحياة الجديدة القادمة من الغرب ، أعتقد انك تتساءل عن اللقالق و لا شك ؟؟..... لقد تزامنت عودتي إلى المدينة مع عودتها ، رجعت كعهدها في السنوات الماضية و لكن أعشاشها تحولت من قمم الأشجار الميتة إلى اعمدة الكهرباء و الهاتف و بروج الإرسال و مآذن المساجد .
أعتقد انني وجدت بعد هذه السنوات كلها جوابا لسؤالي الطفولي ، نحن نحن لمدننا القديمة لانها تتغير باستمرار ، في حين تبقى ذكرياتنا التي اكتسبناها منها صورة جامدة لا تتغير و لا تقبل الاستحالة لشيئ جديد ، و متى ما التقت ذكرياتنا بالمدينة يحدث صراع في الزمان يمتد لأجيال عديدة ، صراع يحاول إرجاع الانسان لنقطة الصفر ، نقطة الانطلاق و التي غالبا ما تكون نقطة النهاية ، ......... و لكن شيئا واحدا لم يتغير طيلة تلك السنوات هو حبي لدليلة و عشقي لها بجنون و هوس تركته مخلدا في صفحات مذكراتي .









 


رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
اللقالق, عودت


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 11:09

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc