راحلة يا زمن الآهات

[امبراطور البحر1]

..


ضاعت الكلمات ..
واندثرت الأحلام ...
وذبلت الابتسامات ...
وشحبت الوجوه ... وزاغت العيون ...
وزعزعت الإنسانية ... من منبت الورود ....

ولكن بقي الكثير ..
بقيت الدموع تبلل وجوه الفلاحين ... والظلم ما زال سائداً على بعض السود الهائمين ..
وأطفال تحلم بملابس العيد ... وكسرة الخبز لا تكاد تجد طريقها إلى أفواه الجائعين ..

هاهو صوت آت من بعيد ...
كأني ألمح النحل يبكي على أكاليل الياسمين ..
والأشـجـار تنـعـى أوراق الخريـــف ...

أين أغصان الزيتون ... أما كانت يوماً ترمز للسلام .. ؟؟!
أين أشجار البرقوق .. أين الحنّون .. ؟؟!
أما كان صوته يترنم بين ورد الجوريِّ ... يتسابق مع أشعة الشمس حين تبدأ بمداعبة الجفون .. ؟؟!

يا عالمُ ... يا كون .. !!
أين العدل ؟؟ .. بل أين الإنسانية .. ؟؟؟
لم لا ألتفت حولي ... فلا أجد غير التشرد والقهر ..

قتلتم الطفولة ... الأمومة ... والشيخوخة ...
أضعتم الماضي ... والحاضر ... والمستقبل ...

فما بقي أحلام نحلم بها ...
بل واقع مرير .. يفرض نفسه بتعالٍ وغرور .. !!

أين أنت يا أماه ... ؟؟!
لتكفكفي دمع هذه الأمة ..
فقد عظمت جراحاتها ... وكثر مُصابيها ...
ولا تنسي أن تضعي بضع قطرات من الإنسانية ...

أما علمت يا أماه .. ؟؟! ... ما عاد هناك من إنسانية .. !!
فقد تفتت وضاعت .. بل انكسرت ...
وما عاد إنسان البارحة ... كإنسان اليوم ...
قتلوا كل ما هو بشري ... بكل ما يحمل من مشاعر ومعاني سامية عميقة ..

ماذا فعلتم بحق الكون .. ؟؟؟!
لم المبادئ والأخلاق والقيم أصبحت مضرجةً بالدماء الحمراء القانية .. ؟؟!

هاهي زهور الأمس تبكي شبابها الضائع .. !!
وهاهو البحر يتلو صلاته الأخيرة .. ينعى زمن الأشواك المرة ...

أين هو القطار ليحملني .. ؟؟ ... وأين وشاحي الأسود الملطخ بالألوان .. ؟؟!
فأنا مغادرة .. بل أنا مسافرة .. !!
سأترك خلفي الدمار .. وأمشي فوق الجروح والأحزان ..
فما عاد قلبي الضعيف يحتمل ...

يا أيها الزمن البعيد ... خذني ..
إلى جزيرة نائـيـة ... ولا تلمني ..
فما أنا بصانعة قدري ..
ولكن الكون مؤلم ... بما فيه من عـلل ِ ..
فإما أن أقدر أو لا أقدر ..
وها أنا أعترف بعجـزي ..
باتت محاولاتي فاشـلـةً ..
أمام الشر المستطير المعربد ِ ..
سلواي أن الله منتقم ..
من كل ظالم ٍ جبار ٍ متكبر ِ ..

لا تبكي خلفي يا جراحاتي ..
وهاتي دموعك أمسكها ..
دعيني أمسح عن خدودك ِ ..
أوجاع وآهات الماضي ..

فأنا راحلة من زمن القبح .. الغيظ والتجافي ...
فقد جف الدمع من المـآقـي ...
يوم .. شهر .. أم سنوات ... ؟؟!
أعود أو لا أعود ؟؟ ... أسئلة هي لك يا زمن .. أجبها أو لا تجب ..

وداعاً يا ذاتي التي اغتالوها بقسوة ...
وداعاً .. يا حاضراً تجرع الترهات .. والأحقاد ...
وداعاً يا أيها الماضي السحيق .. ويا أيها المستقبل المجهول ...

وعدي لك أيها الزمـان .. بأن أنساك أو أتناساك .. وأمحوك من ذاكرة الآلام ...
فلا مكان لك عندي بعد اليوم ...
فأنت قررت الصوم عن الإنسانية .. وأنا اخترت الإضراب عن قرارك .. ورمي عجرفتك بعرض الحائط ...
وها أنا أعلن الرحيل .. عن كل أرض ٍ لك بها نفس ..
أجل .. أنــا راحــلــة ... !!!