تمهيــد:
خلال الحقبة الراهنة إنتابت العلاقات الدولية العديد من التطورات التي قذفت بظاهرة غسيل الأموال إلى بؤرة الاهتمام الأكاديمي والحكومي على حد سواء، كان أهمها قاطبة تنامي معدل العولمة الاقتصادية وما صاحب ذلك من ثورة معلوماتية رهيبة وإلغاء القيود المفروضة على حركة البضائع ورؤوس الأموال بين الدول، وشيوع أنماط التجارة الالكترونية وإنتشار وسائل المدفوعات الاقتراضية وتزايد أهمية عمليات المراسلة البنكية بصورة تتعدى قدرة الوسائل الرقابية التقليدية على ضبطها، الأمر الذي جعل الساحة شبه مفتوحة لزيادة كم عمليات غسل الأموال المعروفة من ناحية، ومن ناحية أخرى ظهور صور جديدة للتبييض لم تكن معروفة من قبل، والنتيجة في كلتا الحالتين هي المزيد من الانعكاسات السلبية على الاقتصاد العالمي عموما والاقتصاديات المحلية كل على حدى، وتدل التقديرات الواردة في هذا الصدى على أن هذه الظاهرة قد استفحلت بصورة تستدعي حتمية التعامل معها، فقد تكاتفت الدول على المحاربة هذه الظاهرة والتي أسفر تعاونها في هذا الشأن عن اتفاقية فينا وما جاءت به GAFI من توصيات للكف من تزايد هذه الجريمة من مخاطر والتي جعلت الدول العربية هي الأخرى تعقد المؤتمرات المختصة في شتى المجالات لمعالجة كافة التأثيرات المهتكة باقتصادها.
المبحث الأول: الأضرار والأخطار المترتبة عن غسيل الأموال
تتسبب عمليات تبييض الأموال في إحداث أضرار وخيمة على الاقتصاد، لذا سوف نبحث في الأضرار والأخطار التي تلحق بالبنوك والنظام المالي في المطلب الأول والأضرار والأخطار الاجتماعية في المطلب الثاني على التوالي:
المطلب الأول : الأضرار الاقتصادية
تلحق عمليات غسيل الأموال أضرارا بالبنوك والنظام المالي نوجزها فيما يلي:
1. انخفاض الدخل القومي:
الصورة الأولى: تبييض الأموال هو هروب الدخل الغير مشروع إلى الخارج وهذا يمثل استقطاعا من الدخل القومي ونزيفا للاقتصاد فالشخص الذي يحصل على الرشوة أو العمولات أو القروض من دون ضمانات من الجهاز المصرفي إنما يحصل على جانب مهم من الدخل القومي الحقيقي والمشروع الذي اكتسبه الأفراد، وخروج الأموال خارج الدولة يحرم الاقتصاد الوطني من استثمار هذه الأموال على أراضيها ومن زيادة الدخل القومي من خلال مضاعفة الاستثمار أي يحرم الدولة من علاج مشكلة البطالة وزيادة المعروض السلعي المحلي وما يرتبط بذلك من عدم استقرار للأسعار المحلية.
الصورة الثانية: تبييض الأموال هو الصورة العينية، وهذه الصورة يمكن أن تؤدي إلى زيادة معدلات الاستهلاك بشكل يفوق الدخل القومي وتساهم في حدوث خلل اقتصادي هيكلي نظرا لإنخفاض المدخرات مع زيادة الاستهلاك دون حدوث نمو مماثل في الناتج المحلي الإجمالي.
وعادة ما تكون الانشطة مرتبطة بعمليات غسيل الأموال أنشطة هاربة من سداد الضرائب المستحقة عليها من خزينة الدولة مما يؤدي إلى عجز الموازنة العامة وما يرتبط من ضغوط تضخمية.
إذا انخفض الدخل القومي لعمليات غسيل الأموال تلجأ الدولة إلى فرض ضرائب جديدة أو زيادة العبء الضريبي الحالي ومن ثم زيادة حجم المعاناة لأفراد المجتمع وانخفاض حجم مدخراتهم ومن شأن عمليات تبييض الأموال حدوث فجوة بين الدخل الرسمي والدخل الحقيقي، الأمر الذي يتعذر معه صعوبة قيام السلطات المختصة بالتخطيط لوضع برامج فعالة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
باختصار ينتج عن تبييض الأموال
- زيادة الدخول غير مشروعة
- سوء توزيع العبء الضريبي واختلاف توزيع الدخل القومي
- الحد من فعالية السياسات الاقتصادية.
2. انخفاض معدل الإدخار:
يعتبر غسيل الأموال دربا من دروب الفساد المالي والاقتصادي، لذلك فإن تأثيره على انخفاض معدل الإدخار،يظهر بدرجة ملموسة في كثير من الدول النامية، التي يمكن وصفها الدول الرخوة كما أسماها الاقتصادي " ميردال" Myrdal التي تشيع فيها الرشاوي والتهرب الضريبي وانخفاض كفاءة الأجهزة الإدارية وسوء تسييرها، وقد أوضح ميردال بصفة عامة أن الفساد يؤثر سلبا على معدل الادخار بشكل ملحوظ، وأعرب عن أسفه التي أهل الكتب ومقـالات التنمية والتخلف الاقتصادي لهذا العنصر الهام[1].
3. ارتفاع معدل التضخم:
تساهم عملية تبييض الأموال في زيادة المستوى العام للأسعار أو حدوث تضخم من جانب الطلب الكلي في المجتمع، مصحوبا بتدهور القوة الشرائية للنقود، ونظرا لأن عملية التبييض وما يرتبط بها من حركة الأموال عبر البنوك المتعددة،وهي على المستوى العالمي، فهي تساهم في التوسع في السيولة الدولية ومن ثم يمكن أن تؤدي الى حدوث ضغوط تضخمية.
4. تدهور قيمة العملة الوطنية:
تبييض الأموال يمكن أن يؤثر بشكل ضار على العملات ومعدلات الفائدة لأن القائمين بتبييض الأموال يعيدوا استثمار الأموال في مشروعات من المحتمل أن لا يتم الكشف عنها أو التفتيش عليها بدلا من استثمارها في أماكن تحقق معدلات عائدات عالية، ويمكن لتبييض الأموال أيضا أن يزيد من تهديدات عدم الاستقرار النقدي بسبب التخلص الخاطئ للنمو الناتج من تشويهات في أسعار السلع والأصول، إذ تؤثر هذه العمليات سلبا على قيمة العملة الوطنية، نظرا للارتباط الوثيق بين هذه العملية وتهريب الأموال إلى الخارج، وما يعنيه ذلك من زيادة عرض العملة الوطنية مع زيادة الطلب على العملة الأجنبية، وفي حالة عودة هذه النقود إلى الدولة تحدث تدهور للقوة الشرائية للنقود وانخفاض قيمة العملة الوطنية.
5. تشــويه المنافسة:
تؤدي عملية غسيل الأموال إلى تشويه المنافسة داخل القطاع المالي وتبقى بصورة مصطنعة على نشاط بعض المؤسسات المالية الضعيفة، التي تتأثر بإغراءات المبيضين مما يؤدي إلى تحويل هذه المؤسسات إلى محل لتبييض الأموال، وتقوم بمنافسة المؤسسات المالية الأخرى بطريقة غير مشروعة.
6. التأثير على مناخ الاستثمار:
لا يهتم القائمون بتبييض الأموال بخلق أو توريد أرباح من استثماراتهم، وإنما يهتمون بحماية أرباحهم وإيراداتهم وبالتالي فهم يستثمرون أموالهم في أنشطة ليست بالضرورة مفيدة اقتصاديا للدولة التي توجد بها هذه الأموال، علاوة على ذلك فإنه بقدر ما تعيد الجريمة المالية وتبييض الأموال توجيهالأموال من الاستثمارات السليمة إلى استثمارات أقل جودة تخفي أرباحهم الحقيقية بقدر ما يعاني النمو الاقتصادي.
وفي بعض الدول على سبيل المثال في الصناعة مثل البناء والتشييد، والفنادق يتم تمويلها ليس بالطلب الفعلي عليها، بل بسبب اهتمامات قصيرة الأجل للقائمين بتبييض الأموال، وعندما لم تعد هذه الصناعات تناسب القائمين بتبييضها فإنهم يهجرونها مما يترتب عليه انهيار هذه القطاعات وحدوث أضرار هائلة لا يمكنها تحمل هذه الخسائر.
7. تشويه صورة الأسواق المالية:
إن الأموال الغير مشروعة التي يجري تبييضها من خلال المصارف وغيرها من المؤسسات المالية، تمثل عائقا أمام تنفيذ السياسات الرامية إلى تحرير الأسواق المالية، من أجل اجتذاب الاستثمارات المشروعة وبذلك تشويه صورة الأسواق.
8. التأثيـر على نمـط الاستـهلاك:
نظرا لأن الأموال التي تخضع لعمليات التبييض عادة ما تكون من مصادر غير مشروعة، ولا تنتج من عمل أو جهد إنتاجي حقيقي، فإن أصحاب هذه الأموال لا يحصرون على تحقيق التعادل بين المنفعة الحدية للنقود والمنفعة الحدية للسلع والخدمات الاستهلاكية.
9. السياسـة النقديــة:
يترتب على وجود الاقتصاد الأسود ومن ثم تبييض الأموال زيادة الدوافع الأساسية للاحتفاظ بالنقود في صورة سائلة لأغراض إجراء المعاملات التي تتم فيه، غير أن مثل هذا الطلب على النقد لا يكون حساسا للتغيرات التي تحدث في معدلات الفائدة، لأن الحاجة إلى تجنب دفع الضريبة والرغبة في عدم الكشف عن ممارسة الأنشطة غير مشروعة قوي للغاية، وعلى ذلك يتسبب وجود الاقتصاد السود في قلة مرونة الطلب على النقود بالنسبة لمعدل الفائدة ككل، ويتوقف ذلك على حجم الاقتصاد الأسود إذ يؤثر على السياسة النقدية من خلال حركات الأساس النقدي أي احتياطات البنوك من النقود والأرصدة السائلة والتي يفترض أنها تخضع لسيطرة وتحكم البنك المركزي ، وبما أن نسبة النقود السائلة المستخدمة في الاقتصاد الأسود تعتبر مرتفعة فإن سياسة البنك المركزي لا يكون لها أي تأثير على حجم النقود المتجهة إلى ذاك الاقتصاد.
المطلب الثاني: المخاطر الاجتماعية والسياسية:
من بين هذه المخاطر الاجتماعية ما يلي:
1. البــطالة:
يتسبب تبييض الأموال باعتباره يشكل الجانب الغالب للاقتصاد الأسود في إعلان معدل مرتفع للبطالة على معدل الحقيقي لها، مما يؤدي بالحكومات إلى تطبيق سياسات اقتصادية توسعية بشكل مبالغ فيه حيث ينجم على عدم احتساب بعض الفئات التي تحصل على دخول عن الأنشطة التي تمارسها دون إمكانية الإبلاغ عنها، ضمن الفئات العاملة في المجتمع واعتبرهم غافلين في الواقع الأمر الذي يجعل معدل البطالة مرتفعا ، إذ يعتبر هذا المعدل من الأمور الهامة والحيوية من الناحية السياسية، ومن هنا تبدو أهمية هذه الأنشطة غير مشروعة بهدف توفير فرص عمل لهؤلاء الذين لم يتمكنوا من الحصول عنها في الاقتصاد الرسمي وليس الأدل على ذلك من انه في عام 1976م قدر GUTMAN الاقتصاد الأمريكي بـ 176 مليون دولار يقابله 8.2 مليون وظيفة وأوضح بأنه إذا كانت نسبة 20% منهم جاءت من البطالة الرسمية فإن إجمالي العمالة يفوق بذلك بمقدار 1.6 هو في الواقع4.5 فقط ويضيف contini بأن 4 مليون نسمة كانوا يعملون في الاقتصاد الأسود في ايطاليا سنة 1977م، في حين يذهب Matthews إلى أن 1.3 مليون عامل ممن يزعم الخرون بأنهم عاطلين في انجلترا في سنة 1983م كانوا بالفعل يعملون في الاقتصاد الأسود، وأوضح Deniuson أن الاحصائيات الرسمية في الولايات المتحدة الأمريكية عن العمل والعمالة وإجمالي الناتج القومي لم يفسدها وجود الاقتصاد الأسود ونموه، وأوضح Cassell أن سياسة الاستقرار يجب أن تركز على معدل البطالة المسجلة رسميا طالما كانت الهجرة للاقتصاد الأسود هي الناتج البطالة في القطاع الرسمي.
ويضيف قائلا : بأن البطالة هي التي تدفع العمال بالعمل في الاقتصاد الأسود وليس الاقتصاد الأسود هو الذي يقودهم إلى تسجيل أنفسهم على أنهم عاطلين[2].
2. انتشــار الأوبئة:
تؤدي عمليات تبييض الأموال وخاصة الناتجة عن الفساد الإداري إلى نتائج سيئة في إنجاز مشروعات معالجة المياه والصرف الصحي وذلك من خلال عدم تنفيذ الصحيح والدقيق لتلك المشاريع، والرغبة في زيادة الأرباح الناتجة عنها، فتصبح هذه الأعمال عند فشلها كارثة على المجتمع بدلا من أن تكون المناعة اللازمة مما ينعكس بشكل سلبي وخطير على انتشار الأوبئة والأمراض الاجتماعية التي تفتك بالإنسان، يمكن أن تؤدي إلى تدمير رفاهيته .
3. تدني مستوى المعيشة
تؤثر عمليات تبييض في توزيع الدخل على أفراد المجتمع بشكل سيء، وزيادة أعباء الفقر، واتساع الفجوة بينهم وبين الأغنياء ويعني ذلك وجود آثار سلبية اجتماعية لتوزيع الدخل.
4. حرمان أصحاب الكفاءات مجالات العمل:
إن تبييض الأموال وما ينتج عنه من وجود أشخاص يمتلكون رؤوس أموال ضخمة غير مشروعة ويؤدي إلى سيطرة هذه الأقلية على المراكز الاقتصادية والسياسية، ويمنعون بالتالي أصحاب الكفاءات من الوصول الى المراكز العليا، إما خوفا من تهديد مركزهم الذي وصلوا إليه بفضل تلك الأموال.
كما تؤدي عمليات تبييض الأموال إلى العديد من المخاطر السياسية التي تؤثر بشكل سلبي على كيان الدول واستقرارها ومن هذه المخاطر:
1. السيطرة على النظام السياسي:
إن الثروات والدخول الغير مشروعة والنجاح في إخفائها وتمويه مصدرها وإضفاء المشروعية عليها، في إطار عملية تبييض الأموال تؤدي إلى جعل أصحاب هذه الثروات والمداخيل مصدر قوة وسيطرة وسطوة على النظام السياسي، وإلى احتمالات فرض قوانينهم وإيراداتهم على المجتمع كله.
2. اختراق وإفساد هياكل بعض الحكومات:
إن ما يجنيه مبيضي الأموال من ثروات هائلة، مادية وغير مادية، منقولة وغير منقولة مكنتهم من اختراق وإفساد هياكل بعض الحكومات.
3. تمويل النزاعات الدينية والعرقية:
حيث يقوم المبيضون ببث الخلافات الداخلية وإشعال الفتن الدينية والعرقية، يعمدون إلى تمويلها بالسلاح والمساعدات وغيرها بواسطة الأموال الغير مشروعة.
المبحث الثاني: قانون الوقاية منها وكيفية مكافحتها
المطلب الأول: أهمية مكافحة غسيل الأموال
في الوقت الذي يسعى فيه مؤيدي مكافحة غسل الأموال إلى وضع التشريعات والضوابط لمكافحة هذه الظاهرة وحماية الاقتصاد القومي والعالمي، يصر معارضو مكافحة غسل الأموال على تقديم حجج التي يحاول تجسيد بعض الآثار السلبية لمكافحة غسل الأموال على المجتمعات الخاصة بالبلاد النامية.
1. حجج معارضو مكافحة غسل الأموال وتنفيذها:
1.1 اختلاف غسيل الأموال عن مكان الجرائم الأولية:
يرى المعارضون الإجراءات مكافحة غسل الأموال أنه لا يوجد أي ضرر تسببه عمليات غسل الأموال بالمؤسسات المالية الوطنية طالما كانت جرائم المصدر، أي الجرائم التي تحصلت منها هذه الأموال، قد ارتكبت في دول أخرى، كما أنه يمكن تأجيل إجراءات مكافحة غسل الأموال إلى ما بعد مرحلة البناء الاقتصادي.
يمكن الرد على هذه الحجة بأنه يوجد فارق كبير بين الأموال المتحصلة من الجريمة وتلك المستمدة من الأنشطة المشروعة، فالمجرمون لا يحترمون العواقب ويمكنهم القيام بأية أفعال في سبيل حماية وتنمية مصالحهم ولا شك أن التورط مع أموال الجريمة ينطوي على قدر كبير من المخاطرة بتلوث الأخلاق، فضلا عن تلوث الاقتصاد سواء كانت الجرائم التي استمدت منها هذه الأموال قد ارتكبت داخل البلاد أو خارجها، أما تأجيل إجراءات المكافحة إلى ما بعد مرحلة البناء الاقتصادي فهو أمر في غاية الخطورة، لأنه كلما قويت شركة الجريمة كلما ازداد تأثيرها السيئ على الاقتصاد والمجتمع واستحالت السيطرة على نموها وانتشارها.
2.1 تهديــد التنمية:
يرى المعارضون إجراءات مكافحة غسل الأموال أن هذه المكافحة تحد من جذب وتدفق رؤوس الأموال والاستثمارات اللازمة للتنمية الاقتصادية ويمكن الرد على هذه الحجة بأن غاسلي الأموال يبحثون دائما عن ملا ذات آمنة وأساليب جديدة لغسل الأموال وتمثل الدول النامية التي تتراضى فيها التشريعات وتضعف فيها الرقابة على المعاملات المالية والتجارية أهدافا حادية لغاسلي الأموال حيث تسعى المنظمات الإجرامية إلى إفساد العاملين بالمصارف والمؤسسات المالية واستدراجهم للتواطؤ مع المجرمين، حتى تصبح هذه المؤسسات نفسها عضوا في المنظمات الإجرامية، وهذا من شأنه تشويه سمعة واستقرار المؤسسات المالية والعاملين بها.
ولاشك أن الأموال ذات المصدر الإجرامي وإن كانت محققة لنتائج ايجابية على المدى البعيد حيث تتجه المنظمات الإجرامية إلى استثمارعائداتها في الأعمال التجارية المشروعة بغرض توفير غطاء لأنشطتها الإجرامية وتسهيل المزيد من عمليات غسيل الأموال.
وتشكل هذه االعائدات خطرا كبيرا على الاستثمار العام ففضلا عن تشجيع الفساد، فإنها توفر للمجرمين منافسة مجحفة وغير عادلة مع الأنشطة التجارية المشروعة التي تلتزم بالقوانين والنظم الاقتصادية وقواعد السوق ولن تستطيع هذه الأنشطة المشروعة منافسة الأنشطة التجارية التي يديرها المجرمون بأقل التكاليف من خلال العنف والرشوة والفساد بالإضافة إلى السيولة النقدية المتوفرة بها، وهو ما يفرض على الأنشطة المشروعة إتباع ممارسات فاسدة مماثلة بهدف الاحتفاظ بقدرتها التنافسية الأمر الذي يؤدي إلى انتشار الفساد ببقية القطاعات الاقتصادية أو التجارية.
3.1 التعارض مع متطلبات التحرير الاقتصادي والمساس بسرية الحسابات:
يرى معارضو مكافحة غسل الأموال أن الإجراءات المكافحة تتعرض مع التحرر الاقتصادي حيث تتطلب مكافحة غسل الأموال المزيد من القيود التشريعيةوالتنظيمية، بالنسبة للقطاع المالي، وهو ما يتعارض مع الاتجاه العالمي نحو تحرير الاقتصاد وحرية المعاملات المالية، كذلك يرى معارضو غسل الأموال أن إجراءات المكافحة تستلزم قيام سلطات التحقيق بالكشف عن سرية الحسابات المصرفية والتنقيب عن مصادر حسابات الأشخاص على أموالهم من ملاحقة السلطات لها كما يتعارض مع سعي الدولة لدوافع حركة تداول الأموال الذي يقتضي عدم وضع قيود شديدة على عمليات الصرف وأسواق المال مما يؤدي إلى تشجيع عمليات الاستثمار.
والحقيقة أن التشريعات الجنائية والمالية لمكافحة غسل الأموال لا تتعارض مع متطلبات التحرر الاقتصادي ولا تؤثر على حرية المعاملات المالية المشروعة حيث أنها لا تقتضي الإلغاء التام لمبدأ المحافظة على سرية المعاملات المالية للعملاء باستثناء بعض الحالات المشتبه فيها، كما أنه يتعين التفرقة بين المستثمر الشريف والمستثمر غير مشروعة أمواله، فالأول لا يضره الكشف عن أمواله لأنها من مصادر مشروعة ويمكن حمايته عن طريق الضوابط الموضوعة للكشف عن سرية الحسابات، إلا إذا كانت هناك شبهات وأدلة حول عدم مشروعية مصدر تلك الأموال[3].
4.1 هروب الاستثمارات الوطنية إلى الخارج:
يرى معارضو مكافحة غسل الأموال أن فرض القيود على تداول الأموال والمساس بسرية الحسابات قد يؤدي إلى توقف المستثمرين الوطنيين عن إقامة مشروعاتهم داخل الدولة، مما يؤثر على حجم الأموال المستثمرة والإضرار بالاقتصاد الوطني والحقيقة في ذلك أن المستثمر الغير مشروعة أمواله هو الذي يهرب بأمواله إلى الخارج، كما أن الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الوطني من جراء هروب مستثمر بأمواله الناتجة عن مصادر غير مشروعة أخف من الأضرار التي ستلحق بالاقتصاد الوطني فيما لو استثمر هذه الأموال داخل البلاد.
5.1 الإخلال بأصول المحاكمات الجنائية:
يرى معارضو غسل الأموال أن القاعدة في أصول المحاكمات الجنائية هي عدم جواز معاقبة المتهم عن فعل واحد مرتين، فالمال غير مشروع موضوع الغسل متحصل أصلا عن جريمة، فلا يجوز عقاب الشخص عن تلك الجريمة، ثم عقابه مرة أخرى عن جريمة تبييض الأموال.
ويمكن الرد عن هذا الاتجاه بأن الأمر يتعلق بجريمتين مستقلتين كجريمة الاتجار في المخدرات، وجريمة غسل الأموال المتحصلة من هذا الاتجار، فالعقاب ليس عن جريمة واحدة ولكن عن جريمتين مستقلة إحداهما عن الأخرى.
المطلب الثاني: الجهود الدولية في مكافحة هذه الظاهرة:
1. مجموعة العمل المالي الدولية لمكافحة غسل الأموال (G.A.FI)
تعتبر مجموعة العمل المالي لمكافحة غسل الأموال، التي تأسست عام 1989م من قبل مجموعة الدول الصناعية السبعة، الإطار أو التجمع الدولي الأهم في جهود محاربة غسل الأموال ويصل عدد أعضائها الى31 دولة ثم أهم المراكز المالية في القارات الأوروبية والأمريكية والأسيوية بالإضافة إلى عضوية مجلس التعاون لدول الخليج العربي والاتحاد الأوروبي، وقد أصدرت توصياتها الأربعين الخاصة بمكافحة عمليات غسل الأموال.
وكذلك هناك نحو 21 منظمة من المنظمات والمؤسسات والهيئات الدولية والإقليمية التي تتمتع بصفة مراقب والتوصيات الأربعين التي جاءت بها G.A.FI ما يلي[4]:
1.1 على كل دولة ودون أدنى تأخير أن تتخذ بخطوات المناسبة التي تؤدي إلى التطبيق الكامل لمعاهدة فينا ، وأن تشرع فورا في تنفيذها.
2.1 يجب ألا تكون قوانين السرية المتعلقة بالمؤسسات المالية عائقا نحو تنفيذ هذه التوصيات.
3.1 يتعين أن يتضمن النظام الفعال لمكافحة غسيل الأموال تعاونا بين أطراف متعددة مع تعاون قانوني متبادل في خصوص الاستعلام والتحريات عن غسيل الأموال، وكذلك بمحاكمة المتهمين وتسليمهم لحكوماتهم عندما يكون ممكنا.
4.1 على كل دولة أن تتخذ الإجراءات اللازمة، بما في ذلك الإجراءات التشريعية لكي يجرم غسيل أموال المخدرات وفق ما هو مقرر بمعاهدة فينا.
5.1 على كل دولة أن تراعي معاملة غسيل أموال المخدرات كأي جرائم أخرى لها صلة بالمخدرات، وإذا لم يكن ذلك ممكنا فيمكن كأسلوب بديل، تجريم غسيل الأموال إستنادا إلى كل ما تسببه من أضرار جهوية.
6.1 يتعين أن تسري جرائم غسيل الأموال كما هو وارد بمعاهدة فينا على العلم بنشاطات غسيل الأموال ويتضمن ذلك أن العلم والمعرفة قد تكون بالاستنتاج من ظروف حقيقية وموضوعية.
7.1 عندما يكون ذلك ممكنا، فإن المنشآت ذاتها وليس موظفيها فحسب تكون عرضة للمساءلة الجنائية.
8.1 على الدول أن تتبنى إجراءات مماثلة لتلك التي وردت في معاهدة فينا عندما يكون دلك ضروريا، ويتضمن ذلك إجراءات تشريعية لتمكين السلطات المختصة لديها بمصادرة الممتلكات محل الغسيل وأيضا، الممتلكات التي لها قيمة تعادل قيمة الأموال المغسولة.
9.1 تنطبق التوصيات من (12) إلى رقم (29) من هذه الورقة ليس على البنوك فحسب بل أيضا على المنشآت غير المصرفية.
10.1 يتعين أن تتخذ السلطات المحلية المعنية بخطوات التي تكفل تنفيذ تلك التوصيات على أوسع نطاق يمكن أن تسمح به الجوانب العلمية.
11.1 يتعين أن تقوم أيضا مجموعة عمل بفحص إمكانية إعداد قائمة بالحد الأدنى من المؤسسات المالية بخلاف البنوك والمهن الأخرى التي تتعامل في النقدية التي ينبغي إخضاعها لهذه التوصيات.
12.1 يتعين على المؤسسات المالية ألا تحتفظ بحسابات غير محددة بالاسم أو حسابات يتضح لها أنها تحت أسماء وهمية.
13.1 على المنشآت المالية أن تتخذ الإجراءات المعقولة للحصول على معلومات حول حقيقة شخصية من يتم فتح الحسابات أو إجراء عمليات لصالحهم حال الشك فيما إذا كان العملاء مجرد واجهة ويعملون لحساب أشخاص آخرين وبصفة خاصة للجهات، سواء كانت شركات أو مؤسسات أو مكاتب أو أي صورة أخرى التي لا تمارس نشاطا صناعيا أو أي نشاط آخر سواء تجاري أو خلافه بالبلد التي يقع بها مكتبها المسجل.
14.1 يجب أن تحتفظ المنشآت المالية لمدة خمس سنوات على الأقل بكل السجلات المتعلقة بعملياتها المحلية والدولية لتتمكن من الوفاء بسرعة بما قد تطلبه السلطات المختصة من معلومات وينبغي أن تكون كافية.
15.1 يتعين أن تبذل المؤسسات المالية عناية كافية للتالي:
- العمليات الكبيرة بشكل غير معتاد.
- كل العمليات التي ليس لها غرض أو مردود قانوني أو اقتصادي واضح.
16.1 إذا كانت المؤسسات المالية تشك في آن المال قد نتج عن نشاطات إجرامية فمن المبتغي السماح لهذه المؤسسات أو مطالبتها بالإقرار بدقة حول شكوكها للسلطات المختصة وبالتالي فإنه من الواجب أن تكون هناك نصوص قانونية لحماية المؤسسات المالية وموظفيها من الخضوع لعقوبات جنائية أو مالية .
17.1 يتعين على المؤسسات المالية ومديريها وموظفيها عدم تحذير عملائها عندما يتم الإبلاغ عن البيانات المتعلقة بهم إلى السلطات المختصة.
18.1 عندما تكون هناك بيانات إلزامية يتم الإقرار عندما تكون هناك بيانات اختيارية متفق عليها، فإن إقرار المؤسسات المالية يتعين أن يتطابق مع تعليمات السلطات المختصة.
20.1 على المؤسسات المالية أن يتوافر لديها برامج ضد غسيل الأموال وينبغي أن يكون الحد الأدنى لتلك البرامج متضمنا تطوير سياسات وإجراءات وضوابط تتضمن تحديد مسؤول لمتابعة التزام المواقع المختلفة بالتعليمات الداخلية..
21.1 على المؤسسات المالية أن تبذل العناية الكافية لعلاقات العمل والعمليات مع الأشخاص، بما في ذلك الشركات والمؤسسات المالية.
22.1 على المؤسسات المالية أن تتأكد من التزام فروعها وكذا المنشآت التابعة لها بالخارج لهذه التوصيات، خاصة في الدول التي لا تطبقها أو لا تطبيقها بدرجة كافية.
23.1 إن تواجد إجراءات لفحص ومتبعة النقدية عند الانتقال عبر الحدود من دولة لأخرى أمر يجب دراسته، ويكون ذلك في إطار تواجد ضمانات حماية صارمة لتحقيق الاستخدام السليم للمعلومات ودون أي عوائق لحركة الأموال.
24.1 على الدول أن تراعي إمكانية وجدوى وجود نظام تقوم بموجبه البنوك وغيرها من المؤسسات المالية والوسطاء بالإقرار عن كل التحويلات النقدية المحلية أو الدولية.
25.1 على الدول أن تشجع بدرجة أكبر وبوجه عام تطوير نظم الاستخدام ووسائل تقنية آمنة لإدارة النقدية.
26.1 على السلطات المختصة التي تراقب البنوك والمؤسسات المالية الأخرى أن تتحقق أن المؤسسات محل الرقابة لديها نظما كافية للحماية ضد غسيل الأموال. وهذه السلطات عليها أن تتعاون وتغير خبرائها تلقائيا أو عند الطلب مع الجهات المحلية الأخرى المختصة بالتحريات.
27.1 يتعين أن يوكل إلى سلطة مختصة التحقق من التنفيذ الفعال لكل التوصيات مع ما قد يكون من رقابة إدارية وتعليمات في سائر المهن.
28.1 على السلطات المختصة أن تضع إرشادات تتطور من وقت لآخر ولا تكون في أي من الأوقات قد مر عليها الزمن التي تستخدم كأداة تعليمية لموظفي المؤسسات المالية.
29.1 على السلطة المختصة التي تنظم وتراقب المؤسسات المالية أن تتخذ المؤسسات المالية أن تتخذ الإجراءات القانونية الضرورية لحماية البنوك والمؤسسات المالية من سيطرة أو حيازة مساهمة تلك المؤسسات من مجرمين أومن ينوب عنهم.
30.1 على السلطات الوطنية الإدارية أن تراعي التسجيل على الأقل بشكل إجمالي للتحركات الدولية في النقدية من أي عملة وهذه البيانات تضاف إلى البنك المركزي فإن الناتج يتاح لصندوق النقد الدولي.
31.1 يجب أن تغطى السلطة للجهات الدولية المختصة، لجمع وتوزيع المعلومات للسلطات المختصة حول آخر التطورات في غسيل الأموال ووسائله.
32.1 يتعين أن تبذل كل دولة الجهود لتحسين التبادل الدولي للمعلومات فيما بين السلطات المختصة وفيما يتعلق بالعمليات المشبوهة.
33.1 على الدول أن تحاول التأكيد، سواء على المستوى الثنائي أو على المستوى المتعدد الأطراف، أن تعدد أنماط التعريفات بين دولة وأخرى واستعداد الدول لإمداد كل منهما الأخرى بالمساعدة القضائية المتبادلة.
34.1 يجب أن يدعم التعاون الدولي شبكة من الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف وتمر مبنية على مفاهيم قانونية عامة بغرض إمداد الإجراءات العملية بأوسع مدى ممكن من المساعدة المتبادلة.
35.1 على الدول أن تشجع المعاهدات الدولية، مثل مشروع معاهدة المجلس الأوروبي للمصادرة وللحصائل الناجمة عن عمليات إجرامية.
36.1 يتعين تشجيع التعاون بخصوص التحريات بين السلطات المختصة بالدول.
37.1 يتعين وجود إجراءات للتعاون المتبادل فيما يتعلق بمكافحة العمليات الإجرامية وذلك فيما يخص إجبار المؤسسات المالية والأشخاص الآخرين على عمل سجلات واستخدام وسائل إجبارية للبحث والحصول على دلائل حول الاستخدام في غسيل الأموال.
38.1 يتعين أن تكون هناك سلطات لإتخاذ إجراءات سريعة في شأن الاستجابة للدول الأجنبية لتحديد وتجميد ومصادرة الحصائل التي قد نجمت عن غسيل الأموال أو الجرائم المتضمنة لنشاطات غسيل الأموال.
39.1 لتفادي تضارب القوانين، ينبغي أن تولي العناية نحو تقسيم المهام وتطبيق الآليات لتحديد أنسب السبل لإدانة المتهمين لصالح العدالة وذلك في الحالات التي يكون فيها المتهم مدانا في أكثر من دولة.
40.1 يتعين أن يتواجد إجراءات لتسليم المجرمين، بخصوص الأفراد المتهمين بجرائم غسيل الأموال أو باتهامات متعلقة بها، وفيما يخص النظام القضائي المحلي على كل دولة أن تعامل جرائم غسيل الأموال باعتبارها جرائم يتم تسليم مجرميها لدولهم.
2. الأمم المتحدة ( اتفاقية فيينا) :
دخلت حيز التنفيذ دوليا عام 1995م وتهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز التعاون فيما بين الدول الأطراف حتى تتمكن من التصدي بمزيد من الفعالية بمختلف مظاهر مشكلة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية الذي له بعد دولي، وكذلك غسيل الأموال المستمدة من هذا الاتجار.
ومن ضمن مبادئها جعل غسيل الأموال جريمة جنائية تتطلب قدرا كبيرا من التعاون والمساعدة الدولية في تبادل المعلومات وإجراء التحريات وفتح التحقيقات وما يتصل من إجراءات.
كما تضمنت الاتفاقية عددا من الأحكام التي تتيح وفق العمل بنظام السرية المصرفية عند تعلقه بأفعال إنتاج المخدرات والاتجار بها وغسيل أموالها فنصت في إحدى فقراتها على ضرورة تقديم الأطراف بعضها إلى بعض أكبر قدر ممكن من المساعدة القانونية المتبادلة في أي تحقيقات وملاحقات وإجراءات قضائية تتعلق بجرائم المخدرات، وبما في ذلك توفير النسخ الأصلية أو المصور المصدق عليها من المستندات والسجلات المصرفية أو المالية وسجلات العمليات التجارية، وأنه لا يجوز لأي طرف من الأطراف أن يمتنع عن تقديم المساعدة القانونية المتبادلة بحجة السرية المصرفية[5].
3.لجنة بازل للرقابة المصرفية
تقوم لجنة بازل في السعي لتعزيز سلامة الأنشطة المصرفية وضع استخدام العمليات المصرفية لغايات جرائم غسل الأموال ويتم ذلك من خلال المبادئ والإرشادات التي تصدر عنها.
كما أنها تشجع على تطبيق توصيات (GAFI) وخصوصا المتعلق منها بالقطاع المصرفي، وكان أول جهود هذه اللجنة هو إعلان ( بازل للمبادئ) الذي صدر عام 1988م والذي ينص على منع الاستخدام الإجرامي للنظام المصرفي لأغراض غسل الأموال.
كما أصدرت لجنة بازل عام 1990 إرشادات مرتبطة بمكافحة غسل الأموال أهمها إزالة القيود الخاصة بسرية الحسابات لتمكين جبهات الرقابة من تبادل المعلومات حول الحسابات المشبوهة وفق ضوابط محددة.
وفي شهرين عام 2001م أصدرت لجنة بازل المبادئ الأساسية والتي تتماشى تماما مع توصيات مجموعة العمل الدولي (GAFI)حول أربعة عناصر:
- المبادئ المتعلقة بسياسة قبول العملاء.
- المبادئ المتعلقة بمتطلبات ونواحي التعرف على العملاء.
- المبادئ المتعلقة بالإشراف والمتابعة المستمرة للحسابات والمعاملات
- المبادئ المتعلقة بإدارة المخاطر.
ويتمثل أحد الأهداف الهامة لعمل لجنة بازل للرقابة المصرفية، بتأمين رقابة دولية شاملة لجميع العالمية عن طريق إيجاد وسائل إنذار مبكر للمشكلات التي يمكن أن يتعرض لها النظام المالي العالمي، وذلك من خلال تحقيق مبدأين أساسين للرقابة على المستوى الدولي وهما: ألا يبقى مصرف أجنبي الرقابة، وأن تكون هذه الرقابة فعالة ومؤاتية[6].
4. التوجيه الملزم الصادر عن الاتحاد الأوروبي عام 1991م:
بشأن منع استخدام النظام المالي للأغراض غسيل الأموال يعطي لكل دولة عضو الحق في تحديد الأفعال التي يسري بشأنها هذا التوجيه والكشف عن شخصية مرتكبيها مع تكاليف المصارف بإخطار الجهات الرقابية عن كل عملية مصرفية تزيد قيمتها عن حد معين وفي كل حالة اشتباه بغسيل الأموال بصرف النظر عن المبلغ.
5. المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية: (IOSCO)
تهدف الإرشادات والتوصيات الصادرة عن المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية على صعيد مكافحة غسل الأموال والجرائم المالية، إلى تجنب استخدام أنشطة الوساطة في الأوراق المالية لأغراض غير مشروعة، وتجدر الإشارة إلى أن هذه المنظمة عبر اللجنة الرئيسية قد أصدرت في تشرين الأول في عام 1992 قرارا تضمن مجموعة إجراءات لمكافحة غسيل الأموال، يتعين على أعضائها الأخذ بها في إطار عملياتها الإٌشرافية على الأطراف الخاضعة لرقابتها وسلطتها وتتطلب هذه الإجراءات من هيئات الأوراق المالية النظر في الآتي:
- أسلوب جميع المعلومات وتسجيلها عن العملاء من قبل المؤسسات المالية الخاضعة لإشرافها لغايات تعزيز إمكانيات الكشف من المخالفين.
- أسلوب ومتطلبات حفظ السجلات لدى هذه المؤسسات لغايات تطوير إجراءات التعامل بالأوراق المالية.
- أسلوب أو نظام الإقرار أو الإبلاغ عن المعاملات المخالفة بالتنسيق مع الجهات أو الهيئات المسئولة عن مكافحة غسل الأموال.
- أسلوب وآليات تبادل المعلومات وكفاءتها حول عمليات غسل الأموال في إطار الصلاحيات المتاحة لهذه الهيئات[7].
6. مجموعة (Egmonts) لوحدات المعلومات المالية:
يرتكز نشاط مجموعة (Egmonts) التي باشرت أعمالها في عام 1995م حول العمل على تعزيز التعاون وتبادل المعلومات بين الوحدات الوطنية لمكافحة غسل الأموال على مستوى العالم، بغية تطوير القدرات الفنية والمؤسسة لهذه الوحدات لمكافحة عمليات غسل الأموال.
وقد توصلت إلى عدد من الانجازات أهمها[8]:
- إنشاء آلية خاصة لتبادل المعلومات بين الوحدات الوطنية عبر شبكة الانترنيت
- تقديم الدعم الفني والمؤسسي والتنظيمي للوحدات الوطنية
- إصدار مبادئ متعلقة بنواحي وشروط تبادل المعلومات بين الوحدات الوطنية.
المطلب الثالث: الجهود العربية لمكافحة غسيل الأموال :
لم تشكل عمليات غسل الأموال ظاهرة ملموسة في الاقتصاديات العربية في العقود والسنوات الماضية، كما أن القطاعات المالية والمصرفية العربية لم تكن حاضرة على الخارطة العالمية لمراكز أو قنوات غسل الأموال الملوثة،ويرتبط هذا الأمر بجملة من الأسباب:
- محدودية انفتاح معظم هذه الاقتصاديات على الاقتصاد العالمي
- وجود قيود على انتقال الأموال وحركة الرساميل في عدد منها بالإضافة إلى ضآلة حصة هذه الاقتصاديات من التدفقات المالية والاستثمارية الدولية وغياب العمق في القطاعات المالية والمصرفية، هذه العوامل ساهمت في عدم ترسخ غسل الأموال كظاهرة كبيرة أو ملموسة لدى معظم الدول العربية.
ولكن التحولات التي شهدتها الاقتصاديات العربية في السنوات الأخيرة والتين تمثلت في تعزيز التحرر المالي وتعميق الانفتاح على الاقتصاد العالمي.
إلى جانب تزايد الاهتمام الدولي بقضايا مكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الأنشطة غير المشروعة وظهور العديد من المعايير والمبادئ الدولية دفع بالسلطات العربية إتخاذ الإجراءات والضوابط الكفيلة بمنع تسرب هذه الظاهرة إلى الاقتصاديات العربية.
فقد حرصت الدول العربية على التعاون مع الجهود الدولية بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الأنشطة غير المشروعة والعمل على تطبيق المعايير والتوصيات الدولية في هذا الشأن، فقد استحدثت العديد من الدول العربية في الآونة الأخيرة تشريعات خاصة، بمكافحة عمليات غسل الأموال، وكذلك إنشاء لجان وطنية وأجهزة ووحدات متخصصة داخل وخارج المصارف المركزية ومؤسسات النقد معينة بمتابعة وتنفيذ سياسات وإجراءات مكافحة غسل الأموال.
وكانت الخطوة الأولى من الجهود والإجراءات المتخذة في الدول العربية تمثلت في إصدار السلطات النقدية لتعاليم وإرشادات خاصة وشاملة للمؤسسات المالية والمصرفية الخاضعة لرقابتها حول قضايا مواجهة غسل الأموال وهذه التعاليم والإرشادات كالأتي[9]:
- وضع متطلبات وشروط للتأكد من هوية العميل والوثائق المطلوبة لذلك سواء كان شخص طبيعي أو اعتيادي.
- ضرورة الاحتفاظ بالسجلات والبيانات عن المعاملات المالية والمصرفية .
- ضرورة إبلاغ السلطات القضائية والجهات المختصة الأخرى بأي حالات مشبوهة.
- ضرورة توفير الإجراءات والضوابط الداخلية لدى كل مصرف ، بالإضافة إلى إصدار هذه الإرشادات والتعاليم، فقد تمثل تشريع قوانين وطنية خاصة بقضايا مكافحة غسل الأموال وقد جاءت متماشية مع القوانين الدولية في هذا المجال وتمثل القضايا التي عالجتها هذه القوانين :
- تجريم عمليات غسل الأموال وإقرار العقوبات المناسبة لها.
- تحديد مسؤوليات والتزامات المؤسسات المالية والمصرفية.
- وضع الإطار المؤسسي لمكافحة غسل الأموال.
- التعرض لـقضايا التعاون الدولي وتبادل المعلومات.
المبحث الثالث: الإستراتيجية المتبعة من قبل البنوك لمكافحة مشكل تبييض الأموال:
نظرا للخطورة التي تشكل جريمة غسيل الأموال على الصعيد الدولي، الإقليمي والمحلي سارعت مجموعة من الدول إلى البحث عن أنجح الطرق لمكافحتها، إذ تعتبر البنوك من أهم المنافذ التي تساهم في تبييض الأموال وإن كان ذلك بطريقة غير مباشرة ولذا تسعى هذه الأخيرة إلى التصدي لها قبل مرورها، بمراحلها الثلاث.
المطلب الأول: دور البنوك للوقاية منها في مراحلها الثلاثاء
الفرع الأول: دور البنك في مرحلة الإيداع
تعد مرحلة الإيداع من أهم المراحل التي يحاول غاسلو الأموال النفاذ منها إلى مرحلتين الترقيد والدمج وذلك بناءا على[10]:
1. الحيطة والحذر كأساسيات للعمل المصرفي:
إذ تعد من أهم الأساسيات التي تقوم عليها الأعمال المصرفية من خلال:
1.1 اختــيار العملاء:
فالبنك يعتبر تاجر ومن حقه اختيار عملائه وبعد هذا الاختيار لابد من التحقق من شخصيتهم لتحديد صاحب الحق في التعامل مع البنك، ومن أهم هذه الأمور فتح الحسابات المصرفية بكل أنواعها:
2.1 مراقبة بعض العمليات:
والتي تقوم على أساس المسؤولية إذا توفرت فيها الخصائص التالية:
- تنفيذ المعاملات المالية والمصرفية التي تتم نقدا مثل : الازدياد الضخم في الودائع النقدية دون سبب واضح لأي شخص.
- حسابات الأشخاص كفتح حسابات لدى عدة بنوك ضمن منطقة جغرافية واحدة ثم تحويل أرصدة تلك الحسابات إلى حساب واحد وتحويل هذا المبلغ إلى جهة خارجية.
- الحوالات التي تأخذ شكلين:
· تحويل إيداعات في الحسابات إلى الخارج دفعة واحدة أو عدة دفعات
· تحويلات بمبالغ متماثلة ( يوميا أو أسبوعيا) تكون في مجملها مبالغ كبيرة
- تعاملات ذات صلة لإستثمار وذلك من خلال شراء أوراق مالية للإحتفاظ بها في صناديق الأمانات لدى البنوك ، حيث لا يتناسب مع مكانة ذلك الشخص.
- المعاملات المصرفية والمالية الدولية كالإيداع المتكرر للشيكات بالعملات الأجنبية أو شيكات سياحية في حساب الشخص، وبما لا يتناسب مع طبيعة حركة ذلك الحساب.
- التسهيلات المصرفية مثل طلب الحصول على قروض مقابل رهن أصول مملوكة من قبل طرف ثالث بحيث يكون مصدر تلك الأموال غير معروف لدى البنك.
- الخدمات المصرفية الالكترونية وقد تأخذ المظهر التالي:
- تلقي الحساب عدة تحويلات مالية صغيرة بالطريقة الالكترونية وبعد ذلك إجراء تحويلات كبيرة بنفس الطريقة إلى بلد آخر.
3.1 تدريب موظفي البنك:
إن تدريب وتأهيل وتوعية موظفي البنوك من خلال الدورات والندوات للتعريف بعمليات غسيل الأموال ضامنة أكيدة لحماية البنك والعاملين فيها من الأخطار التي قد يقعون فيها مستقبلا، وضع برنامج وقائي ضد عمليات تبييض الأموال التي يمارسها بعض العملاء، يشرف عليهم مختصون.
بالإضافة إلى تدريب الموظفين على إتباع الأساليب العلمية والعملية في أداء أعمالهم فالتدريب هو مفتاح لحماية البنك وموظفيه، ويساهم في منع استغلال المؤسسات المصرفية من قبل عصابات غسيل الأموال.
4.1 تبني البنوك للمبادئ الصادرة عن لجنة بازل:
تعد مقررات لجنة بازل من الأمور المهمة جدا للوقاية من عمليات غسيل الأموال، فهي تساعد على حماية البنوك والعاملين فيها من هذه الجريمة وتشمل هذه المبادئ، مبدأ تعرف على عميلك، وضمان وجود آثار للعمليات المالية، والحرص واجب، والتقييد بالقوانين والتعاون الفعال بالبنوك والأجهزة الأمنية، وإجراءات الرقابة الداخلية الكافية وبرنامج لتدريب الموظفين.
2. المؤشرات الدالة على ضعف أنظمة البنوك:
إن ضعف النظام القانوني يمكن غاسلي الأموال من القيام بأعمالهم الإجرامية لأطول فترة ممكنة، نظرا لطبيعة عمليات تبييض الأموال لكونها تحتاج إلى فترة طويلة ومتواصلة لإتمام جميع مراحلها الثلاث ومن أمثلة على ضعف الإجراءات ما يلي:
- الدول التي تتبع نظام السرية المطلقة في نظامها المصرفي، مما يعوق مكافحة عمليات غسيل الأموال.
- الدول التي تسمح بتأسيس الشركات ضمن شروط ميسرة، وخاصة إصدار أسهم لحامليها عند تأسيس الشركات.
- عدم وجود رقابة على المعاملات المالية الأجنبية من حيث دخولها وخروجها.
- الحالات التي تقوم البنوك بإصدار أدوات نقدية لحاملها، مما يجعل تناقل هذه الأدوات بأيدي غير معروفة فيستحيل معه تتبع مصدر هذه الأموال.
- الدول التي لديها أسواق مالية للمعادن الثمينة حيث يسهل التعامل معها ودون رقابة جدية وفعالة.
- الدول التي يسمح فيها بالتعامل الحر بالدولار الأمريكي وبالتحديد قبول البنوك الإيداعات النقدية منها.
- الدول التي فيها أنظمة مصرفية تسهل عملية فتح حسابات وخصوصا المناطق المعفاة من الضرائب أو التي تطبق مبدأ التجارة الحرة.
الفرع الثاني: دور البنك في مرحلة الترقيد
تعد مرحلة الترقية المرحلة الوسطى بين مرحلة الإيداع ومرحلة الدمج، فهي مرحلة التمويه للأعمال الغير مشروعة، مما يدخل هذا النشاط ضمن النشاط المشبوه، ويختلف هذا الوضع في المؤسسات المالية والمصرفية وسلوك العميل وإثبات شخصيه، والعمليات التي يجريها سواء منها النقدية أو التحويلات، وعمليات الإئتمان والحسابات الجارية، تمويل التجارة الخارجية والنشاط المشبوه للاستثمار وموظفي البنك وهذا ما سوف نستعرضه في النقاط التالية[11]:
1. النشاطات المشبوهة المتعلقة بالمؤسسات المالية والمصرفية
قد تثير بعض العمليات التي ينفذها العميل أو المتعامل مع البنك المشبهة حول هذه العمليات ويسعى جاهدا لطمس أثر الأموال الغير مشروعة ومن هذه الأمور:
- العميل الذي يرفض تقديم وسائل إثبات شخصيته وتوضيح الغرض من العملية المالية.
- العميل ذو السوابق الإجرامية والمشترك في التعاملات مالية ضخمة.
- العميل الذي يسيطر عليه شخص آخر عند حضوره إلى البنك.
- العميل الذي ينفذ تعاملات نقدية في حين أن طبيعة نشاطه ينتج عنها أو تتطلب هذا الحجم من التعامل النقدي مما يدل على وجود نشاط آخر للعميل.
- العميل الذي يرسل أو يستقبل بشكل متكرر الحوالات
2. سلوك العميل المشبوه:
قد يخفي سلوك العميل خلفه نوايا يسعى إلى تحقيقها بشتى الوسائل والطرق ومنها عمليات غسيل الأموال، ففي كثير من الأحيان يؤثر السلوك على تصرفات العميل فتجعله محل الشبهة ومن هذه التصرفات الأتي:
- العميل ذو السلوك العصبي الواضح والمفرط أحيانا
- العمليات المصرفية المرتبطة مع الوحدات المصرفية الخارجية (offshore) وتتشابه أسماؤها بعض المؤسسات المصرفية الشرعية والمعروفة بسمعتها الجيدة.
- العميل الذي يتصرف بشكل غير طبيعي
- العميل الذي يطلب استبدال الصغيرة للأوراق النقدية لفئات أكبر.
- العميل الذي يرسل حوالات بشكل غير منتظم ويجري عمليات تبديل عملات وبمبالغ كبيرة.
3. الظروف المشبوهة لإثبات شخصية العميل:
قـد تحوم الشبهات حول إثبات شخصية العميل، فيسعى جاهدا لعدم تمكين البنك من الحصول على معلومات أو الإفصاح عن أقل قدر ممكن من المعلومات أو إعطاء معلومات مضللة ومن هذه الأمور:
- العميل الذي يرفض على تزويد البنك بمعلومات شخصية الخاصة به عند فتح الحساب.
- العميل الذي لا يقدم الوثائق من وضعه الوظيفي سابقا عند تقديمه لطلب قرض من البنك.
- العميل الذي يفتح حسابا دون وجود وثائق إثبات شخصية أو عنوان محلي.
4. العمليات النقدية المشبوهة:
قد يقوم العميل بعمليات نقدية من إيداعات وسحوبات، لتحقيق هدفه بتمويه مصدر هذه الأموال والتي قد تأخذ أحد المظاهر الآتية.
- العميل الذي يفتح عدة حسابات باسم واحد أو عدة أسماء.
- العميل الذي ينفذ عدة عمليات نقدية ضخمة في عدة فروع للبنك في اليوم نفسه.
- العميل الذي ينفذ عددا غير عادي من عمليات الصرف وتبديل العملات الأجنبية
- العميل الذي يشتري بشكل متكرر الأدوات النقدية.
- العميل الذي ينفذ عمليات السحوبات والإيداعات النقدية وبمبالغ كبيرة دون سبب واضح يتعلق بنشاطه.
5. عمليات التحويل البرقي المشبوهة:
يستخدم التحويل البرقي لإخفاء وتمويه مصدر الأموال وذلك بتحويل الأموال من مكان إلى آخر وباستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة، ويستفيد من ذلك لأن هذه الحوالات تنفذ دون وجود حساب للعميل ومن هذه العمليات ما يلي:
- قيام شخص – لا يحتفظ لحساب لدى البنك- بتحويل برقي باستخدام أدوات دفع مختلفة.
- وجود حوالة برقية واردة مع تعليمات بتحويل قيمتها إلى شيكات، ثم إرسالها بالبريد إلى شخص ليس له حساب بالبنك.
- الحوالات البرقية والمنفذة لمبالغ ضخمة إلى دول تتميز بالسرية المصرفية.
- قيام المستفيد من الحوالة الواردة فورا بشراء أدوات نقدية مختلفة ويكون المستفيد منها طرف ثالث.
- العميل الذي يودع أوراق لحاملها في حسابه، ثم ينفذ برقيا حوالة إلى طرف ثالث.
6. النشاطات المشبوهة والمتعلقة بالحسابات الجارية للشركات
قد نستخدم الشركات لغسيل الأموال من خلال مزج الأموال الغير مشروعة بأموال النشاط التجاري لشركة،ويظهر ذلك من خلال حساب الشركة لدى البنك ويستخدم نشاط الشركة لإخفاء الأموال الغير مشروعة ومحاولة تمويه مصدرها لقطع الصلة به لتبدو وكأنها أموال مشروعة ومن الأمور التي قد تمارس كنشاط مشبوه باسم الشركة ما يلي:
- العميل الذي يقدم بيانات عن نشاطه التجاري يختلف بشكل واضح عن الشركات الأخرى التي تمارس النشاط التجاري.
- قيام شركات كبيرة نسبيا لتقديم بيانات مالية للبنوك لم يتم اعتمادها من محاسب قانوني حسب الأصول.
- احتفاظ الشركة بعدد من الحسابات يبدو مبالغ فيها مقارنة بنوع نشاطها
- حساب الشركة أو المؤسسة التي تظهر نشاطا قليلا أو غير منتظم ذلك بشكل دوري.
7. الظروف المشبوهة لعملية تمويل التجارة:
يعد الاعتماد المستندي من أهم وسائل تسوية التجارة الخارجية لتمويل الاستيراد والتصدير، وقد تستخدمه لطمس أثر الأموال الغير مشروعة في مرحلة الترقيد ومن هذه المظاهر ما يلي:
- العميل الذي يتقدم بطلب لتمويل عمليات الاستيراد والتصدير لسلع أساسية.
- العميل الذي يغير اسم المستفيد من اعتماد مستندي صادر، وذلك قبل دفعه، ويتطلب ذلك موافقة كل الأطراف.
- العميل الذي يغير مكان الدفع في الاعتماد المستندي ، وذلك إلى حساب في دولة، بخلاف دولة المستفيد.
الفرع الثالث: دور البنك في مرحلة الدمج:
تعد مرحلة الدمج المرحلة الأخيرة من مراحل غسيل الأموال، إذ بعد هذه المرحلة تدخل الأموال النشاط الاقتصادي وتصبح كاستثمارات حقيقية يصعب التفريق بينها وبين الأموال المشروعة، وإذا ما نجح مبيضو الأموال في الوصول إلى هذه المرحلة فإنه يصعب معرفة مصدر هذه الأموال وتصبح أموال غير مشروعة ويصعب تتبعها بسبب الحواجز التي تحول دون ذلك.
1. طرق دمج الأموال الغير مشروعة في الاقتصاد:
ويتم ذلك عن طـريق:
- شراء وبيع عقارات
- الشركات الوهمية
- الاقتراض من البنوك
2. تواطؤ البنوك
3. معـوقات مكافحة عمليات غسيل الأموال:
بالرغم من المحاولات التي تبذلها دول العالم لمكافحة عمليات غسيل الأموال، إلا أن طبيعة هذه الظاهرة وارتباطها بالأموال، والتي تعد عصب الحياة، والتي يسعى إليها الناس بشتى الوسائل لمواجهة متطلبات الحياة، أوجدت في مواجهة هذه الجريمة الكثير من المعيقات والتحديات منها قانونية وأخرى اقتصادية وصلت إلى درجة التعقيد وهي كالتالي:
1.2 المعوقات والتحديات التي تواجه البنوك:
تعد السرية المصرفية، وتسهيل البنوك لعمليات غسيل الأموال، وحاجة موظفي البنوك للتدريب، وانتشار بطاقات الصراف الآلي، والبطاقات الائتمانية واستخدام الوسائل الحديثة بالتحويلات المصرفية واختراق أجهزة الحاسب لدى البنوك والمؤسسات المالية من أكثر المعوقات والتحديات أمام البنوك في مواجهة مكافحة عمليات غسيل الأموال.
3.2 المعوقات القانونية والاقتصادية والإدارية:
إن الاختلاف في القوانين والأنظمة أو عدم وجودها أو عدم تطبيقها في مكافحة عمليات غسيل الأموال في العالم، وعدم اشتراك بعض الدول في الاتفاقيات الدولية لمكافحة الاتجار بالمخدرات، ومكافحة الإرهاب وضعف التعاون الدولي، وخضوع قضايا غسيل الأموال لقواعد الإثبات، وتشجيع الاستمارات الأجنبية، وتضارب دور أجهزة الرقابة ، والنزاعات الإقليمية والأزمات السياسية كلها تعد معوقات لمكافحة غسيل الأموال.
المطلب الثاني: موقف المشرع الجزائري منها وعمل الجزائر على مكافحتها
تعد الجزائر من بين الدول السباقة إلى المصادقة على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالجريمة المنظمة التي ليس لها حدود جغرافية أو اتجاهات إيديولوجية أو عقائدية، إلا لكسب السريع للأموال المتأتية من مصادر غير مشروعة.
لقد صادقت الجزائر بتحفظ على كل الاتفاقيات المتعلقة بمكافحة ظاهرة تبييض الأموال وهي: [12]
- اتفاقية فينا لسنة 1988م الخاصة بمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية، وذلك بموجب مرسوم رئاسي رقم 95-45 المؤرخ في 28/01/1995.
- اتفاقيـة قمع تمويل الإرهاب لسنة 1995م وذلك بموجب مرسوم رئاسي رقم 02-55 المؤرخ في 23/12/2002م
- اتفاقية الجريمة المنظمة عبر الوطنية لسنة 2000م بموجب مرسوم رئاسي رقم 2000 -445 المؤرخ في 25/02/2002م
- وتعد المصادقة على هذه الاتفاقيات في نظر القانون الدولي التزام من الدولة على تطبيق ما ورد فيها من ترتيبات، باتخاذ ما يلزم من التدابير التشريعية والإدارية وفقا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي، فالقاضي الجزائري ملزم بتطبيق الإجراءات الواردة في الاتفاقيات المذكورة أعلاه وذلك بموجب المادة 132 من الدستور الجزائري الذي تنص على أن " المعاهدة التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون".
ونجد المشرع الجزائري أصدر عدة نصوص تشريعية لها علاقة بتجريم تبييض الأموال وهي:
- الأمر رقم 96-22 المؤرخ في 09/07/1996 المتعلق بقمع مخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج
- المرسوم التنفيذي رقم 02-127 المؤرخ في 07/04/2004م يتضمن لإنشاء خلية معالجة الاستعلامات وتنظيمية وعملها.
- القانون رقم 02-11 المؤرخ في 24/12/2002م المتضمن قانون المالية لسنة 2003م
- القانون رقم 03-11 المؤرخ في 26/08/2003م المتعلق بالنقد والقرض
- القانون رقم 05-01 المؤرخ في 06/02/2005م المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتها الذي ألغى أحكام المواد 104 إلى 110 من قانون 02/11/127 المتعلق بقانون المالية لسنة 2003م.
- بالنسبة للأمر رقم 96-22 المتعلق بقمع مخالفة التشريع والتنظيم النقدي الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج وفيه جرم المشرع التصريح الكاذب للأموال المودعة لدى المصارف أو المؤسسات المالية ليجعل على المصرف لتحري عن مصدر الأموال المودعة لديها أي مراقبة أول مرحلة في عملية تبييض الأموال وهي مرحلة التوظيف.
- بالنسبة للمرسوم التنفيذي رقم 02-127 المؤرخ في 07/04/2002 المتضمن إنشاء خلية معالجة الاستعلام المالي وتنظيمها وعملها، (CTRF) وقد أنشأ المشرع هذا الجهاز المستقل للتحريات المالية بوزارة المالية مباشرة بعد المصادقة على الاتفاقية الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية وتتولى هذه الأخيرة المهام الآتية:
- تستلزم تصريحات الاشتباه المتعلقة بكل عمليات تمويل الإرهاب أو تبييض الأموال التي ترسلها إليها الهيئات والأشخاص الذين يعنيهم القانون.
- تعالج تصريحات الاشتباه بكل الوسائل والطرق المناسبة
- ترسل عند الاقتضاء الملف المتعلق إلى وكيل الجمهورية المختص إقليميا كلما كانت الوقائع المعاينة قابلة للمتابعة الجزائية.
- تقترح كل نص تشريعي أو تنظيمي يكون موضوعه مكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال.
- تضع الإجراءات الضرورية للوقاية من كل أشكال تمويل الإرهاب وتبييض الأموال وكشفها.
وبذلك يكون المشرع الجزائري قد حذا حذو نظيره الفرنسي الذي أنشا هيئة (TRACFIN) بموجب المرسوم المؤرخ في 09/05/1990 بالإضافة إلى المادة 5 من القانون 90/614 المؤرخ في 12/07/1990 المتعلقة بمشاركة الهيئات المالية لمكافحة تبييض الأموال الناجمة عن المتاجرة غير المشروعة في المخدرات وكذلك الوقاية من الرشوة.
ولهذه الخلية كل الصلاحيات للمطالبة بكل الوثائق والمعلومات الضرورية لإنجاز المهام المسندة إليها من الهيئات والأشخاص الذين يعنيهم القانون وقد حدد المشرع الجزائري عدد أعضاء الخلية (CTRF) بستة أعضاء يختارون بسبب كفاءتهم الأكيدة في المجلين المالي والقانوني وذلك لمدة أربعة سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة وقد تم تعيين أعضاء الخلية بموجب مرسوم رئاسي المؤرخ في 10/02/2004م وهذا بهدف واحد وهو تجريم جريمة تبييض الأموال والعمل على مكافحتها بشتى الطرق والوسائل المتوفرة لديها وتعتبر هذه الأخيرة مركز معلوماتي تختص بتلقي تصريحات الاشتباه من طرف المؤسسات المالية، وبالتالي تعتبر كبرج مراقبة لحركة الأموال والدولة بذلك تقوم بحماية هذه المؤسسات من كل الهجمات والإهانات من أي طبيعة كانت.
تقريــربنك الجزائر 2008 :
المهمة التي سعى بنك الجزائر في 2007 إلى تحقيقها بمشاركة ثمانية مؤسسات من أجل حضور اجتماع في مكان منظم من طرف بنك الجزائر وتم الإعلان فيه عن تدخل المراقبة العامة في مكافحة آليات تبييض الأموال في مختلف الأجهزة البنكية والمؤسسات المالية الموضوعة تحت رقابتها مهام التقييم الملائمة للأجهزة لمكافحة تبييض الأموال رخصة لاستخلاص نتائج اختلاف درجة مطابقة للقانون لمختلف الأنظمة وذلك من أجل ضمان نتائج ملائمة لّلأجهزة البنكية والمالية[13].
خاتمــة جزئية:
تعد جريمة تبييض الأموال من الجرائم الخطيرة، لما تفرزه من آثار سلبية وخيمة على الجانب الاقتصادي والاجتماعي وحتى السياسي.
فقد أصبحت بحق ظاهرة مقلقة تتخطى الحدود، وتهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، لأنها ببساطة تعبر عن لوبيات بعناوين مختلفة: فمرة المخدرات ومرة أخرى السلاح، وتارة الدعارة ومرة أخرى نهب المال العام.
إن مثل هذه الجرائم، ما أن تتموقع في نسيج مجتمع أو دولة أو أمة، إلا وقوضت أركانه وهددت أمته وسلامته وبالتالي فهي عائق يقف حجر عثرة في طريق التطور والنمو في شتى المجالات ، هذا ما جعل الدول منذ عهد ليس بالقريب، تكثف جهودها في البحث عن آليات مالية وتشريعية وتقنية تساعد على التقليل من خطورتها خاصة منها الدول المتقدمة.
بل أكثر من ذلك حيث عملت هذه الأخيرة على دفع الدول للتعاون في هذا المجال عن طريق إبرام المعاهدات والاتفاقيات من أجل تسهيل تبادل المعلومات، والخبرات قصد التحكم أكثر في هذه الظاهرة.
[1] د. محمود سعيفان " ( التحليل وتقييم دور البنوك في مكافحة عمليات غسيل الأموال)، جامعة عمان للدراسات العليا سابقا سنة 2007 ص126.
[2] " د .عبد الحكيم مصطفى الشرقاوي" ( العولمة المالية و تبييض الأموال) أستاذ المالية والاقتصاد، دار الجامعة الجديدة، 38-40 شارع سوتير الإزاريطة سنة 2008- ص255-256.
[3] تبييض الأموال وسرية أعمال المصارف " آليات مكافحة ومعالجة غسل الأموال" بحوث وأوراق وملتقى غسيل الأموال المنعقد بالشارقة في فبراير 2007،ص259-260.
[4] صلاح الدين حسن السيسي" ( القطاع المصرفي .... والاقتصاد الوطني)، دراسات عليا جامعة القاهرة ، خبير مالي ومصرفي لعام 2003م ص169-179.
[5] الكتاب السابق ( صلاح الدين حسن السيسي) ص167-168.
[6] المحامية " هيام الجراد" ( المد والجزر بين السرية المصرفية وتبييض الأموال بنيابة الزين- شارع القنطاري- مقابل السفارة الهندية لعام 2004) ص148-149.
[7] الكتاب السابق ( المحامية هيام الجراد) ص 150.
[8] علي لعشب " ( الإطار القانوني لمكافحة غسل الأموال ) الساحة المركزية بن عكنون الجزائر 2007م ، ص 83-84.
[9] الكتاب السابق ( المحامية هيام الجراد ) ص154،155،156
[10] د. محمد محمود سعيفان " المرجع السابق ص133-138.
[11] الكتاب السابق ( محمد محمود سعيفان) ص151-152.
[12] علي لعشب " ( الإطار القانوني لمكافحة غسل الأموال)، ديوان المطبوعات الجامعية بن عكنون – الجزائر ، لعام 2007م، ص67-72.
[13]Le rapport de la Banque d’Algérie 2008 P137.