الورقة الواحد والثلاثون..
امرأة من شعر..
ها أنتِ ذي ! ها أنتِ ذي ! ها أنتِ ذي !
شامخة كالشمس .. واثقة كالرمح.. مغرورة كالسحاب جميلة كليلة العرس..
وها أنا ذا !
أنظر إليك .. أحاول .. بالعيون التي احترقت ألف مرة..
أتحدث إليك .. أحاول .. باللسان الذي فقد الذاكرة..
أمد إليك .. أحاول .. اليد لم تعد تحسن الأخذ .. ولا العطاء..
يا الله ..
وقد كان مضمارنا وحداً ..
فكيف كبرتُ ولم تكبري؟!
أقولها مع جميل بثينة..
فهل ولدتِ " خارج الزمن " كصديقة صلاح عبد الصبور؟
ومن أين أبدأ الحديث ؟
رحلة السندباد السابعة ؟!
مغامرات " جلفر " في بلاد الأقزام؟!
طرائف " أليس " في بلاد العجائب؟!
يوميات ابن بطوطة؟!
لا! لا تقولي شيئاً!
أخشى أن تلاحظي ما لاحظته صاحبة أبي فراس!
" .. لقد أزرى بك الدهر بعدنا .. "
أخشى أن تسألي مع ليلى شوقي :
" أترى قد سلوتنا *** وعشقت المها الاُخَر؟! "
دعيني ، إذن ، أقف صامتاً .. أتأمل .. أحاول .. الشمس الرمح السحاب ليلى العرس..
تتحول امرأة من شعر ..
أقف صامتاً .. ثم أمشي!
الورقة الثانية والثلاثون..
رسالة من باريس..
وأخيراً ..
هذه مدينة المدائن!
السين ..
والغروب والعشاق والأرض المرصوفة بالقوافي..
والرصيف المصنوع من الفلسفة و أغنية عن الرجل والمرأة ..
الحي اللاتيني وقصة " عصفور من الشرق "
والطلبة والطالبات ..
يفلسفون الحياة ويحيونها حتى الثمالة ..
برج إيفل ..
يثبت للتاريخ أن الأهرام لم تكن حمق الإنسان الأخير..
أسير في الشانزليزية ..
أبحث عن عرس همنجواي المتنقل..
أحاول أن أتقمّص باريس..
أن أتحرر من جسدي المغيّر..
تصحو باريس تحتسي شربة البصل..
في المطاعم الصغيرة ..
وأنا ما زلت في الشوارع..
أبحث عن همنجواي..
أسأل نفسي :
أي باريس أحببت؟
باريس التي رأيت؟
أم باريس التي قرأت؟!
الورقة الثالثة والثلاثون..
عن الحب والعقل..
((مترجمة عن الشاعر إقبال))
هذه الأغنية ..
يا عندليبي المشدوه ..
لم تكتمل بعد ..
دعها في صدرك بعض الوقت ..
العقل ينضج مع الاتزان..
أنا الحب المتزن ..
لم ينضج بعد..
لقد قفز الحب ..
دون خوف..
في نار نمرود..
أما العقل فقد كان يراقب مذهولاً من السقف..
يا غمامة الربيع !
حتى متى أكتفي بهذه القطرات الضئيلة من الندى ..
و زنابقي الجبلية لا تزال ظمأى إلى الماء ؟
هذا النسيم عبر الحديقة ..
يحمل خبراً عن إقبال :
لقد اصطيد طائره الجديد..
ولكنه لا يزال يقاوم في الشبكة..
الورقة الرابعة والثلاثون..
العقــاد شاعــراً... (( 1 ))
الولادة..
قضيت ببطن السجن تسعة أشهـــــــر *** وها أنا ذا في ساحة المجد أولـــــد!
ثقيل..
حيــــــــاتك شؤم على العالمـــــــــــين *** وموتــــــــك شؤم على الآخـــــــرة
إثم الحب..
من علّم الناس أن الحـــــــب مأثـــــمة *** حتى كأن ليس غير البغض إحسان؟
بعد الرحيل..
ولا تذكروني بالبــــــــــكاء ... وإنـــــــما *** أعيدوا على سمعي القصيد فأطربـا
الوداع..
فهــــــــب لوداعي من رقــــــــادك ليلة *** تمر... فإني قـد وهبــــــــــت حياتيا
الرزايا..
حسنات الزمــــــــان تمضي ســــــراعاً *** والرزايـــــــــا تلّج في الإبـــــــــــطاء
العشاق..
ندنو إلى نــــــــور السراج ... ونـــــــوره *** يردى ... ونسقط فيه وهو لهيــــــب
بعد الموت..
ستغرب شمس هذا العــــــــمر يــــوماً *** ويغمـــــــــــــض ناظري ليل الحمام
فهل يرى إلى قبــــــــري خيــــــــــــال *** من الدنيا بأنبــــــــــــــــــــاء الأنام؟!
ضحك القلوب..
وإني لأسمع ضحــــــــك القلــــــــــوب *** بين الجوانح ... مهما اســـــــــــتتر!
موت الفؤاد..
مـــات الفـــــــــــــؤاد ... فـــــــها أنـــــا *** حي يعـــــيش بـــــــلا فــــــــــؤاد!
اعتداد..
إني لأصغر أرضــــــــا ليس يعـــــــمرها *** من الخلائق أندادي وأمثــــــــالي!
أنت..
كان في الدنيا جمال لا يعد .. لحتا
فعددنا الحسن طراً فهو فرد .. هو أنتا
ذهبي الشعر..
ذهبي الشعر .. ساجي الطرف .. حلو اللفتات ..
وحييٌّ .. لا يحييك بغير البسمات..
الورقة الخامسة والثلاثون..
العقــاد شاعــراً... (( 2 ))
زهر الربيع..
واقتطف زهــــــــر ربيعٍ مونــــــــــــــــقٍ *** نحن إن لم نقطف الزهــــر فمن؟!
خازن الأفراح ..
فيــــــــا خازن الأفراح .. ما لقلـــــــــوبنا *** خــــــــواءٌ .. وأفراح الحياة كثيرة؟!
أنا الليل..
أنا الليل ! .. فاطرقني على غير خشية *** ولج أحلامي .. وجُلْ في خاطري
فتكة الجمال..
ولا تعيــــــــب الجمـــــــــال فتكتــــــــه *** الفتك حــــــقٌ لكل من قــــــــدّرا!
الحبيبة ..
فإذا صحــــــــوت فأنتِ أول الخــــــــاطر *** وإذا غــــــفا جفني .. فأنت الآخر!
الطفل..
لو درى الطفل بما ســــــــوف يـــــــرى *** شَقِيَ الطفلُ بما سوف يـــــــكون
اليأس..
مــــا الأمــــــــاني؟ إنــــــــها خــــــــُدعٌ *** ما الغــــــــواني ؟ إنها دِمَــــــنْ ؟!
البدر..
وأنظــــــــــــــــــر لا أرى بـــــــــــــــــدراً *** أ أنتِ الليــــــــلة البــــــــــــــــدْرُ!؟
آه..
آه لو يبقى على الــــــــدهر الصبــــــــا *** آه لو يرأف بالحــــــــب الفنـــــــــاء
الشفاء..
تسأل اللــــــــــــــه شفــــــائي .. ولقد *** جعل الله شفائي في يديــــــــك؟!
موت الحب..
ولد الحــــــــب لنا .. و ا فرحــــــــــــتاه! *** وقضى في مهده .. و ا أســـــــفاه!
مات لم يدرج .. ولم يلعــــــــب .. ولــــم *** يشهد الدنيــــــــا .. ولم يعرف أباه!
الحب الضعيف..
إن الحب يا قلب ليس منسيك جمال الحبيب .. حب ضعيف!
أنا وأنت ..
مرّ عــــــــام .. منذ سرنا حيث ســـــرنا *** لا تبالي ما أتى .. أو سوف يأتــــي
منذ ما كنـــــــا غريبيــــــــن فصرنــــــــا *** كلَّ شيء .. أنا في الدنيــــــا وأنتِ!
الورقة السادسة والثلاثون..
عن أفعى الشهرة ..
تريدين إذن أن أحدثك عن الشهرة ..
لا تصدقي ،في البداية، أن إنسانا اشتهر رغماً عنه..
ولا تصدقي أن أحداً صحا ذات صباح ليجد نفسه مشهوراً كما زعم اللورد بيرون..
كل المشاهير ، بلا استثناء ، كافحوا وصارعوا وقاسوا وشقوا وجدوا واجتهدوا..
حتى تمكنوا من اقتناص أفعى الشهرة ..
لا تقاطعيني .. فأنا أعرف أن جاكلين أوناسيس تهرب من الصحفيين ..
وأن فرانك سيناترا لكم أكثر من مصور على أنفه..
كل ما يعنيه هذا هو أن المشاهير يريدون تطويع أفعى الشهرة ..
فلا تعبث بمواعيد نومهم ولا ترافقهم إلى الحلاق ..
ولا تتبعهم إلى جزرهم الحالمة البعيدة ..
ولكن أفعى الشهرة الملساء المشتهاة ترفض التعاون..
فهي تطارد صاحبها حتى في الحمام.. حتى في الأحلام ..
ولا تكتفي الأفعى بهذا ولكنها تبدأ في بث سمها اللذيذ تدريجيا..
يبدأ الشهير يعتقد أنه إنسان مختلف عن الآخرين..
أنه أشد نبوغاً وأكثر ذكاءً .. ويبدأ التصرف على هذا الأساس..
كان قيصر روما يعيّن موظفاً يقف وراءه وهو يتلقى تمجيد الجماهير ..
ليكرر في إذنه " تذكر أنك بشر فانٍ يا قيصر! تذكر أنك بشر فانٍ يا قيصر! "
ومه ذلك فقد ادعى أكثر من قيصر الألوهية .. بل أن قيصراً معتوهاً نصب حصانه إلهاً !!
أفعى الشهرة هي التي تحول الفنانين في العالم الصناعي إلى ساسة ..
وتحول الساسة في العالم الثالث إلى فلاسفة ..
ملهمين ومعلمين منظّرين وقادة ملهمين ..
ثم تغوص أفعى الشهرة في قلب صاحبها تطارد فراشات السلام واحدة تلو واحدة وتفترسها..
ويضيع الشهير في حلقة مفرغة من التشبث بالشهرة والخوف من فقدها والضيق بتبعاتها..
هل رأيت إنسانا استطاع أن يجمع بين الشهرة والسعادة ؟!
أما أنا.. فلم أر كائناً كهذا ..
ولا أتوقع أن أراه..
الورقة السابعة والثلاثون..
العنوان..
تسألين : كيف أعرف عنوانك؟!
كيف أجهله ؟
عنوانكِ حيث تأوي العصافير مجهدة تشقشق بعد رحلة نهار طويلة ..
عنوانكِ حيث تتفتح الورود في ربيع دائم بلا شتاء ولا صيف ولا خريف..
عنوانكِ حيث تؤوب الأمواج لتستريح من عناء المد والجذر..
عنوانكِ في تلك الغيمة البعيدة التي تزورها القمر خفية كيلا تغار الشمس..
وإلى عنوانكِ تصل قصائدي..
أما أنا لا أستطيع الوصول ..
وكيف أصل إليك؟
وأذني لا تسمع شقشقة العصافير..
و شذا الورود ضاع من ذاكرتي..
وعيني لا ترى الأمواج العائدة ..
والسماء لا تعرفني على غيومها..
كيف أصل إليك؟
وبيننا هذا العالم المحنّط المثلج .. يسد الطريق..
وبيننا هذا الآدمي الماكر.. يسد الطريق..
وبيننا القرون والعصور والأحقاب .. تسد الطريق..
عنوانكِ؟؟؟
من قال إني أعرف عنوانك؟!!!
الورقة الثامنة والثلاثون..
قالوا عن الشعر..
• إذا لم يجيء الشعر طبيعياً كما تنمو الأوراق على الأشجار فخير له ألا يجيء..
كيتيس
• الشعر علم دقيق شأنه شأن الهندسة تماماً..
فلاوبرت
• حتى عندما يكون للشعر معنى فمن الأفضل ألا تستخرجه كلّه..
هاوسمان
• هذا ليس شعراً ... إنه نثر جنون ..
بوب
• النثر هو الكلمات في أجمل نظام ..
الشعر هو أجمل الكلمات في أجمل نظام..
كولريدج
• الشعر هو سجل لأروع الدقائق وأسعدها في أسعد العقول وأروعها..
شيللي
• - سيدي ... ما هو الشعر؟
- من الأسهل ، يا سيدي ، أن أصف لك ما ليس بشعر..
جونسون
الورقة التاسعة والثلاثون..
على بحيرة جينيف..
الفجر يعتنق البحيرة ..
ثم يفترش البحيرة ..
ثم يمتزجان .. فالفجر البحيرة ..
والخلايا في الخلايا..
كنتِ أنتِ الفجر..
إني أتيتكِ مرهق الأعصاب..
والأشعار .. محترقا..
بأشجاني وآهات البرايا..
وأتيتني أندى من الأنداء..
أحلم في صباك بما تطاير من صبايا..
يا أنتِ ! .. ليلتنا الزمان..
توهج التاريخ بالشوق القديم..
تلهف الأجيال للحسن الذي ..
جُنت لمرآه المرايا..
في كل زاوية أساطير..
معتقة .. فما أحلى التغرب ..
في الزوايا
والفجر يعتنق البحيرة .
الورقة الأربعون..
المســــرح..
(( مترجمة عن شكسبير ))
العالم بأسره مسرح..
وكل الرجال والنساء مجرد ممثلين ..
يدخلون المسرح ويخرجون منه في أوقات محددة ..
وكل رجل في زمانه يلعب عدة أدوار..
تمثل سبعة أعمار..
في البداية : الطفل يبكي ويتقيأ على ذراع مربيّته..
ثم طالب المدرسة كثير التذمر بحقيبة كتبه..
و وجهه الملتمع في الصباح ..
يزحف كالقوقعة إلى المدرسة ..
دون أي رغبة ..
ثم العاشق : يتنهد كالفرن بأغنية حزينة عن أهداب حبيبته..
ثم الجندي : يخطر ماشياً بالشتائم الغريبة ، مطلقاً لحية كلحية النمر..
تراه غيوراً على العرض ، سريعاً إلى العراك..
يطلب فقاعة الشهرة .. حتى في فم المدفع..
ثم القاضي : ببطنه الجميل ، المستدير ، المغطى بالقماش الفاخر ..
بعيونه القاسية ولحيته الرسمية .. يردد الأقوال الحكيمة ..
والمواقف الأخلاقية , هكذا يلعب دوره ..
أما العمر السادس فيرتدي سراويل ضيقة مرقطة..
النظارات على عينيه ، والجيوب الدهنية تحتها..
ضمرت ساقه وضمر صوته الرجولي .. فعاد إلى غناء الأطفال وضجيجهم ..
يصفر عندما يتكلم..
أما المشهد الأخير .. الذي ينهي هذا التاريخ الحافل..
فطفولة جديدة تسير إلى النسيان.. بدون أسنان..
بدون عيون .. بدون طعم .. بدون شيء!
الورقة الواحدة والأربعون..
دموع وابتسامات من ابن الرومي
الشبيب..
وقفت مسلماً للشـــــــــيب:أهلاً***بهادي المخطئين إلى الصـواب..
ألست مبشـــــــــرى في كل يوم***بوشك ترحّلي بعد الشبــــــاب..
البعيد القريب..
طـــواه الروى عني فأضحى مزاره***بعيداً على قرب قريباً على بعد..
وجه الشاعر..
شغفت بالحزد الحشــــــــــان وما***يصلح وجهي إلا لــــــــــذي ورعِ..
حظ الشاعر..
عكست أمري النحوس فعنـــــزي***أبداً حائل .. وتيسي حلــــــوب!
هواها..
عن يميني .. وعن شمالي.. وقدامي.. وخلفي.. فأين عنه أحيد؟!!
الأولاد..
أولادنـــــــــــــــــا ! أنتم لنا فتـــــن***وتفارقون فأنتم محــــــــــــــن..
الوطن..
فإذا تمثل في الضميــــــــــــر رأيته***وعليه أغصان الشباب تميــــد..
المطرب المزعج..
ومسمعٍ لا عدمـــــــــــــــــت فرقته***فإنها نعمة من النعــــــــــــــــم..
كأنني طول ما أشـــــــــــــــــاهده***أشرب كأسي ممزوجة بدمــــي..
الجد والمزاح..
والمــــــــــــزاح الجــــــــــــد..إن فكّــــــــــرت.. والجــــــــــــد المـــــــــــزاح!
الوسيلة والغاية..
ألامن يريني غايتي دون مذهبي***ومن أين ؟ والغايات بعد المذاهب..
الاندماج..
كأن فؤادي ليس يشفى غليـــله***سوى أنيرى الروحين يمتزجان..
كساد النساء..
أخشى كساداً على النســاء إذا*** سُننتُ .. والسنّ حجة الخبل
الورقة الثاني والأربعون..
الحب والصراع..
تستغربين هذا الصراع الذي يوشك أن يكون قاعدة في العلاقة بين حبيبين .. كل حبيبين..
تتساءلين :ألا يمكن لاثنين يحب أحدهما الآخر بعمق وصدق أن يعيشا دون خصام, دون صراخ,,
دون فترات غضب وقطعية..
الحق أقول لك : يمكن ... ولكن يصعب!
دعيني أ وضح الأمر ..
في كل حبّ هناك رغبة خفية أو ظاهرة في التسلط على الطرف المحبوب..
ومن هنا فكثيراً ما تبدو علاقات الحب وكأنها علاقات حرب ..
في كل حب نكهة استعمار كما يقول نزار قباني..
خذي الأطفال مثلاً..
نحن نريد أن نحول أطفالنا إلى نسخ مصغرة منا، تحب ما نحب ومن نحب، وتكره ما نكره ومن نكره,,
وتذهب إلى نفس مدارسنا وتحترف نفس المهن التي نحترفها..
ونحن نبرر هذا الطغيان السافر باسم الحب..
كذلك في العلاقة بين الحبيبين..
يتوقع الرجل من المرأة أن تكون مجرد امتداداً أنثوي لشخصيته,,
أن يتحول وجودها إلى ملحق تابع لوجوده, أن تنطفئ كل طموحاتها وآمالها وتطلعاتها في سماء حبّه..
وتتوقع المرأة من الرجل أن يعيد رسم نفسه على التحو الذي يلائمها ..
فيتخلص من عاداتة السيئة (( في نظرها )) ,, ويطلق شاربه أو يحلقه على (( حسب الأحوال )) ..
ويقلل ساعات عمله , ويتنكر لأقاربه وأصدقاء طفولته ..
تتوقع منه ,باختصار, أن يتفرغ لحبها..
ويبدأ الصراع ويتذخذ ألف شكل وشكل.. أما الجوهر فواحد لا يتغيّر ؛
رغبة كل في الاحتفاظ بشخصيته وذاتيته وتميزه أمام خطر الذوبان والانصهار والاندماج..
تسألين : ألا يوجد حل؟
بلى ثمة حل.. وحل ناجح ..
إمزجي الحب بشيء من الصداقة, فالصداقة بخلاف الحب ..
تعترف بالاستقلال والسيادة والحدود الإقليمية لكل صديق..
وامزجي الحب بشيء من المودة .. فالمودة أهدأ من الحب أعصاباً ، وأقصر أنياباً ، وأكثر حكمة..
الورقة الثالثة والأربعون..
عن الأربعين..
تقولين :لماذا تحمّل الأربعين مالا تطيق؟!
لماذا تكثر الشكوى منها .. ومما فعلت بك؟!
تقولين أن الأربعين سن هادئة متزنة تخلصت من حمق العشرين ومن غرور الثلاثين .. وقبلت أن تتعايش بسلام..
مع نفسها ومع العالم..
ما تقولينه ، أيتها الصديقة ، صحيح ومنطقي..
ولكن منذ متى اعترف الشعراء بالصحيح والمنطقي؟!
الشعراء يرون في الأربعين رحيل الشباب وقدوم الكهولة ، سفر الربيع ووصول الخريف ، هروب النهار وهجوم الليل..
والشعراء -كل الشعرا- يخافون الكهولة يخافون الخريف ، ويخافون الليل..
ومن هنا فقد كانت الأربعون هاجساً دائماً من هواجس الشعراء ، والعرب منهم بالذات..
بدأً من الشاعر القديم الذي أعلن للعالم أنه جاوز حد "الأربعين" إلى الشاعر المعاصر الذي كتب "قصائد في الأربعين"..
ولو تحمس باحث لاصدار كتاب "نفح الياسمين عن الشعر الذي قيل في الأربعين" لتجمع له مجلّد ضخم..
وأنا ، يا سيدتي ، أخاف أن تقلّم الأربعون أظافري ، أن تكسّر أقلامي ، أن تحنطني ، أن تعطيني قلباً صناعياً ،
أن تجعلني مليئاً بالوقار .. والقش..
أود أن أظل في طفولة لا تنتهي..
والأربعون هجوم كاسح على الطفولة ..
تقولين : ولكن الطفل يبقى في الروح..
يبقى .. يبقى.. ولكنه يوشك أن يختنق..
ثمة كلمة أخيرة .. سأكف عن الحديث عن الأربعين ..
لسبب آخر..
ذلك أن الحديث عن الأربعين بعد أن تجاوزتها.. بخمس سنين قد يعتبر من باب التضليل!...
الورقة الأربعة والأربعون..
رسالة من امرأة عاشقة ..
لو كنت أستطيع أن أكتب لك رسالة ..
لكتبتها بخط مذهل مذهل..
مصقول كالمرآة .. صاف كالعسل..
ترقص عبره دوائر القرمز.. والأزرق والأخضر..
لجاءتك رسالتي ندية من شاطئ البحرين ..
مملوءة ، حتى الثمالة بالشمس..
تلمع كل نقطة فيها وتبرق..
كأشد اللآلئ بياضاً..
لوجدت زهور الذهب تتابع اسمك..
وتلاحقه عبر الصفحات..
لروت لك رسالتي..
كل حكايا شهرزاد القديمة ..
واسترسلت تقص حكايا جديدة..
لم يسمعها أحد من قبل..
لو كنت أستطيع ..
أن أكتب لك رسالة..
لكتبتها على ورق يعبق بشذى العود..
وأودعتها كلمات رقيقة ..
كالبراعم الصغيرة..
إلا أن هذه الكلمات ..
ستوقظ الرغبة الظامئة في قلب كل ورقة ..
حتى تشتعل الرسالة كلها في بحر أحمر..
من الورد الدمشقي..
لو كنت أستطيع !..
الورقة الخامسة والأربعون..
أوسكار وايلد .. ساخراً
*إنني أستطيع مقاومة كل شيء ... ما عدا الإغراء!
*إنه يعرف سعر كل شيء ... ولا يعرف قيمة أي شيء!
*التجربة هي الاسم الذي نطلقه على أخطائنا..
*صائد الثعلب على الخيل في انجلترا : الذي لا يطاق يطارد الذي لا يؤكل..
*هناك شيء واحد أسوأ من أن يتكلم الناس عنك .. وهو ألا يتكلّم الناس عنك..
*ليس عندس ما أعلنه سوى عبقريتي.. (( قالها لمفتش الجمرك ))
*الطيبون انتهوا نهاية طيبة .. والأشرار انتهوا نهاية سيئة ... هذا ما نعنيه عندما نقول أن القصة خيالية..
*السطحيون وحدهم هم الذين لا يحكمون على الظاهر..
*على الإنسان أن يكون في غاية الحذر عندما يختار أعداءه..
*إنني الإنسان الوحيد في العالم الذي أتمنى لو عرفته جيداً..
*ليس لديه عدو واحد .. ولا يوجد من أصدقائه من يحبه..
* لا تقل لي إنك تتفق معي .. عندما يقول الناس لي ذلك أشعر أنني على خطأ..
*لا تثق بامرأه تخبرك بعمرها الحقيقي.. مثل هذه المرأة لا يمكن أن تؤتمن على السر ..
الورقة السادسة والأربعون..
رسالة من نيويورك ..
قال الدليل : معذرة ..
تمثال الحرية يحتاج الى اصلاح ولهذا لن نتمكن من رؤيته اليوم..
قال الدليل : انظرو إلى هذه العمارات ..
لقد حرقها أصحابها.. واستلموا التأمين وتركوها للفئران ..
والسود .. ورعايا بورتوريكو..
قال الدليل : هنا في منهاتن بيعت شقة .. بسبعة ملايين دولار..
وتلمّظ..
قال الدليل : هذا مبنى الأمم المتحدة ..
وضحك طويلاً..
قال الدليل : في هذا الميدان يجتمع المدمنون من كل أنحاء أمريكا..
يتسولون .. ويشربون النبيذ الرديء..
وينامون بدولارين في الليلة ..
قال الدليل : هذه المسرحية عن القطط ..
وتعرض في برود واي..
من خمس سنوات..
وسعر التذكرة في سوق السوداء..
خمسون دولاراً..
ماذا أقول لكِ عن نيويورك...
ألم يقل الدليل كل شيء؟!!
الورقة السابعة والأربعون..
لو! ..
آه لو نهــــرب يا سلمى***لونهرب من دنيا البشــــرِ
لو نسكن نجماً مسحوراً***لا تسكنه غير الصـــــــورِ
آه لو نبــــــحر يا سلمى***لو نبحر الدهشة والخطرِ
تقذفنا الصبـــوة من جُزرٍ***ملأى بالشعرِ ..إلى جُـزُرِ
لو نحيــا يوماً ذهبيــــــــاً***يتألق في سأم القمـــــرِ
الورقة الثامنة والأربعون..
يا أبا النبل..
أواه يا نبيل !
ومرت السنوات .. سنة .. سنتان .. ثلاث .. تأخذ سنة بعنق أخرى..
تتمسك سنة بذيل أخرى ..
كيف مرت السنوات ..
خمس عشرة سنة !..
أواه يا نبيل!!
تعرف ؟!
هدأ جرح الفراق .. لم يندمل ولكنه خلد إلى نوم متقطع كئيب ..
سكن خنجر اللوعة .. لم يغادر مكانه من الأضلاع ولكنه كفّ عن التمزيق..
ارتاحت غصة الموت .. لم تبارح موقعها في الروح ولكنها لم تعد تشتعل..
تعرف؟!
لم أعد أصحو في منتصف الليل ..
لأسأل نفسي هل كان رحيلك كابوساً ثقيلاً سينقشع ..
ولكنك لا تزال تزور في الاحلام ..
لم تعد ذكراك تطبق على القلب فكاً حديدياً ... يعتصر الدماء قطرة فقطرة ..
ولكنها تحولت إلى مزيج مأساوى من الفرح والألم..
الفرح ؟!
اضحك يا نبيل وأنا اعود إلى مواقفنا الباسمة (صيد النجوم ) معاً..
ونقاش "الندوة" .. وحرف الثاء .. قائمتك التي تحوي الثقلاء الذين يجب تفاديهم بأي ثمن..
وتعليقاتك اللاذعة عن "الأناقة القذرة" والصديق الذي " يهرف بما لا يعرف"..
"والحيوان الذي لا يخلو من عنفوانه"
الألم؟!
أتعذب يا نبيل وأنا أتذكر مواقفنا الدامعة .. ملحمتك الشامخة مع المعاناة..
رحلتك المريرة مع الغربة والمرض ومواسم الجفاف..
والفراق الساحق الصاعق بلا كلمة وداع..
يا أبا نبيل!
لقد كان الحب قضيتك الكبرى .. لا ! كن الحب قضيتك الوحيدة ..
تعرف؟!
لازلت في حب حبنا تعيش وتنمو وتتجدد..
فسلام عليك من الله ورحمة ..
وجادك الحب إذا الحب همى .. !!