الدعوة الى الله واجب على كل مسلم ومسلمة لتحقيق شهادتنا على الناس كما قال الله تعالى :{ وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً } هى مهمة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم فهى شرف عظيم ومنزلة سامية وثوابها عند الله عظيم ، وهى فى نفس الوقت مصدر وافر لزاد التقوى والإيمان .
و الشعور بهذا الشرف وهذه المنزلة العالية المتمثلة فى قول الله تعالى :{ ومن أحسن قولاً ممن دعا الى الله وعمل صالحاً وقال إننى من المسلمين } يدفع الداعى الى أن يكون أهلاً لهذا الشرف وتلك المنزلة ، فلا يبدو من أقواله أو أفعاله مالا يليق بجلال هذه المهمة وفى مصاحبة هذا المعنى له زاد دائم ورقيب يقظ .
القضية الأساسية فى الدعوة الى الله هى قضية الإيمان أى توحيد الله وعبادته وفى قيام الداعى الى الله بتوصيل هذا المعنى الى الناس وإحياء قلوبهم بمعرفة الله وحثهم على طاعته ما يجعل إيمانه هو متجدداً ونامياً وقلبه متصلاً دائماً بالله وفى هذا زاد كبير .
الداعى الى الله يقضى جزءاً كبيراً من وقته يرتع فى رياض الجنة فهذه اللقاءات التى يجتمع فيها بمن يدعوهم الى الله هى مجالس ذكر الله تحفهم فيها الملائكة وتتغشاهم الرحمة وتتنزل عليهم السكينة ويذكرهم الله فيمن عنده وهذا فى حد ذاته خير كبير وزاد عظيم .
الداعى الى الله يدعو الناس ويذكرهم بكل معانى الخير و فضائل الأعمال وبكل ما من شأنه أن يسمو بهم ويصلح حالهم ويجنبهم الزلل و الشرور ، وفى هذا تذكير مباشر له فيستفيد هو كما يفيد غيره بخلاف من لا يقوم بواجب الدعوة الى الله فقد يغفل عن كثير من هذه المعانى ويكون فى حاجة الى من يذكره .
من يتعرض الى الدعوة الى الله يحرص على أن يكون قدوة صالحة لمن يدعوهم فى كل ما يدعوهم إليه من خير ويخالفهم فيه ، ولا ينهاهم عن منكر ويأتيه مستشعراً الخوف من غضب الله وعقابه واضعاً نصب عينيه الآيات الكريمة :{ أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنت تتلون الكتاب أفلا تعقلون } ، { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون } }
الداعى الى الله يتخير المعانى الهامة والأساسية المتصلة بدعوة الله ودين الله ويستشهد فى حديثه بآيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة ، ومعلوم ما لكلام الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم من تأثير طيب يجدد الإيمان ويزيده ، خاصة إذا كان الداعى الى الله متفاعلاً بقلبه بما يجرى على لسانه ، وهذا أمر لازم للداعى كى يؤثر فيمن يدعوهم فما خرج من القلب يصل الى القلب ، وما خرج من اللسان لا يتجاوز الآذان ، فيتزود هو كما يعطى غيره زادا .
الداعى الى الله يطوع وقته وجهده وماله وبدنه بأسفاره المتكررة فى سبيل الدعوة الى الله ، وفى هذا ترويض للنفس وتخليص لها من كل معانى الكسل و البخل و الوهن و الجبن ، يرفع صوته بكلمة الحق ولو كان مراً غير هياب ... وفى هذا الترويض و التطويع خير كثير فى بناء شخصية الداعى الى الله وزاد مطلوب على طريق الدعوة .
الداعى الى الله يتولد عنده الحرص على الاستزادة من العلم و التحصيل و البحث و الدراسة و المدارسة لكى يكون عنده رصيد طيب يعينه على العطاء وتقديم الخير للناس ولكى يتمكن من الإجابة عما يوجه إليه من أسئلة وفى السعى لإنماء هذا الرصيد زاد مطلوب على الطريق .
ممارسة الدعوة الى الله تكسب صاحبها صفة التبين و الدقة فى صحة ما يحدث به الناس بحيث لايكون فى حديثه خطأ أو انحراف أو أى شىء يخالف كتاب الله وسنة رسوله لما يترتب على ذلك من إثم انتشار هذا الخطأ و العمل به وصعوبة حسره بعد ذلك وإصلاح ما يترتب عليه وفى تعود الدقة فى القول وتحرى الصواب خير كثير فى بناء شخصية رجل الدعوة .
وكما يستشعر الداعى الى الله مسئوليته أما الله عن حسن توجيه من يدعوهم ، كذلك يجب عليه أن يشعر بمسئوليته عن أوقاتهم فيلتزم بالحضور فى الموعد ولا يضيع عليهم وقتاً فى الانتظار أو يحدثهم حديثاً قليل الفائدة ، وفى تعود ذلك والإلتزام به كسب للداعية فى معنى الحرص على الوقت وحسن استغلاله فالوقت هو الحياة و الواجبات أكثر من الأوقات .
الداعى الى الله يعمل لله وابتغاء مرضات الله فلا يطوع هذه الوظيفة السامية لمغنم دنيوى أو لحساب أحد مهما كان سلطانه فإنه لو فعل ذلك لحبط عمله واستجلب غضب الله باستخدامه الدعوة الى الله لتضليل الناس ولصار من أخسر الناس الذين يبيعون آخرتهم لدنيا غيرهم .
الداعى الى الله الواجب عليه أن يتبع تعاليم الله فى دعوته إليه و التى اتصف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى دعوته للناس من لين الجانب و الرحمة و الحكمة و الموعظة الحسنة و الجدال بالتى هى أحسن و الصبر على أذى من يدعوهم ، وهكذا ، وصدق الله العظيم :{ فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم } { ادع الى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن } { ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا } ، وهذا الشعور من بالإشفاق على الناس بسبب إعراضهم عن دعوة الله :{ فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً } وهكذا تتولد هذه الصفات فى نفس الداعى الى الله خلال ممارسته للدعوة وفى هذا كسب كبير وزاد عظيم .
الداعى الى الله لايجوز أن يعوقه عن أداء مهمته تعب ولا نصب ولا ألم ولا سفر ولا سهر ولا بذل ولا تضحية ، لأن ذلك كله من الزاد المؤكد نفعه وفائدته فى سفره الطويل البعيد الى الآخرة ، بل إنه سيجد فى تعبه راحة وفى ألمه لذة وفى بذله ربحاً وفى تضحيته عوضاً مضموناً .
الداعى الى الله يروض نفسه ألا يداخلها الغرور إذا وجد الإقبال المتزايد من المستمعين إليه والى أحاديثه ، كما لا يداخلها يأس أو فتور إذا وجد عكس ذلك ، ومهما كان حال من يدعوهم سيئاً فقد يخرج من القلة خير أكثر من الكثرة .... وليعلم أن عليه أن يدعو وليس عليه أن يستجيب الناس فالهدى هدى الله :{ وما على الرسول إلا البلاغ } :{ إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء } وفى إخلاء النفس من الغرور ومن اليأس زاد كبير .
على الداعى الى الله أن يواصل دعوته الى الله مهما تعرض للأذى بسبب ذلك ، هكذا كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقابل أذى المشركين بالدعاء لهم
اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون ) ويستمر فى دعوته رغم ذلك ، وكان الإمام الشهيد حسن البنا يقول للإخوان فى هذا المعنى : كونوا مع الناس كالشجر يرمونه بالحجر ويرميهم بالثمر ، وفى ترويض النفس على مقابلة الإساءة بالحسنة زاد كبير وصدق الله العظيم :{ ولا تستوىالحسنة و لا السيئة ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } .
الداعى الى الله بقدر نجاحه فى مهمته بقدر ما ينال حب من يدعوهم حباً خالصاً لله ، وهذا فى ذاته خير ونعمة من الله محروم منها كثير من الناس ، ويكفى الداعى أن ينال ممن أحبوه دعوة صالحة بظهر الغيب أونظرة حب فى الله يغفر الله له ولهم بها .
الداعى الى الله يفوز بثواب كبير من الله إذا وفقه الله وجعل حديثه سبباً فى هداية الكثير وتحولهم من الغواية الى الهداية ، وفى الحديث الصحيح عن رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم
لأن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ) وفى هذا الأجر الكبير زاد وأى زاد .
وعلى الداعى الى الله الصادق أن يعلم أم ما يوفق إليه فى حديثه مع الغير من معان طيبة مؤثرة هى مما يفتح الله عليه وليس براعة أو مقدرة شخصية فلا يتعالى بل يتواضع لله ويتقيه ويشكره ويحسن اللجوء إليه فيزيده الله فتوحاً :{ واتقوا الله ويعلمكم الله } :{ لئن شكرتم لأزيدنكم } .
الداعى الى الله بتطوافه وأسفاره الى البلاد المختلفة سيزداد دراسة ومعرفة للشعوب الإسلامية وظروفها المحلية وقضايا العالم الإسلامى ، وفى هذا زاد لرجل الدعوة على طريق الدعوة كما أنه سيزداد دربة وخبرة فى مخاطبة المستويات المختلفة من مثقفين وأميين وعمال وفلاحين ، وكذا سيتعرض الى أقوام يعيشون الجزئيات دون الكليات ، والى آخرين ورثوا انحرافات وبدع وخرافات ومن يعيشون النظرة السطحية دون العمق ومن يعيشون النظرة اللحظية دون النظرة البعيدة و التقدير لعواقب الأمور وهكذا فى التعامل مع هؤلاء وتصحيح أفهامهم ونظراتهم وما يحتاجه من حكمة وخبرة وصبر ... زاد وكسب للداعى الى الله لايصل إليه من لا يمارس الدعوة الى الله مثله .
الداعى الى الله المخلص يتقى الله ويزن الأحداث الجارية وموقف الدين منها بالميزان الإسلامى الصحيح دون نفاق أو مجاملة أو خوف من أحد مهما كان سلطانه فلا يلبس الحق مع الباطل فى أذهان الناس ويميز الله به الخبيث من الطيب ويتعلم الناس منه الموازين الربانية وفى هذا خير كثير لدعوة الله .