رجال من طينة العظماء
بقلم: عبد الغني بلقيروس
سعدت بلقاء الأسير المحرر الشيخ صالح العاروري، على هامش ملتقى داعم للقضية الفلسطينية عقد بالعاصمة الجزائرية مؤخرا، وأعجبت بالروح المعنوية العالية التي يتحلى بها الرجل، برغم سنوات الأسر الطويلة التي قاربت العقدين من الزمن في السجون والمعتقلات الصهيونية، جزء غير قليل منها في الحبس الانفرادي، سنوات كانت كفيلة بتكسير الفولاذ، لكنها عجزت عن كسر إرادة الشيخ صالح ورفاقه الأسرى الأبطال، وفي ثنيهم عن تبني خيار الجهاد والمقاومة كمنهج أوحد لتحرير الأوطان وتطهير المقدسات.
تحدث العاروري عن معانات الحركة الأسيرة في السجون الصهيونية، وعن الإرهاب النفسي الصهيوني لكسر إرادات الأسرى، كما تحدث عن الصورة الرائعة التي يرسمها الأسرى للوحدة الوطنية، ونبذ الفرقة والانقسامات والثبات والاصطبار على صلف السجّان وكرّ الشهور والأعوام.
لم ينفك محدثي عن التذكير برفاقه الأسرى في سجون الاحتلال: عبد الله البرغوثي، نائل البرغوثي، حسن سلامة، محمد الشراتحة، يحيى السنوار .....وغيرهم.
ـ طال أسرهم أليس كذالك؟
قالها بصوت خافت رخيم وهو يحبس دموع تدافعت إلى مقلتيه.
وجمت برهة لسؤاله المفاجئ، وشعرت بأنه تأنيب عن تقصيرنا تجاه أسرانا البواسل، أكثر منه سؤال ينتظر جواب، على أني داريت ارتباكي بجواب العاجز: عسى أن تزيد سنوات أسرهم في ميزان حسناتهم يوم القيامة.
ورحت أتأمل في هذه النوعية من الرجال وقد أمضت زهرة شبابها في السجون والمعتقلات بل والكثير منه ـ كما الحال مع محدثنا ـ في السجون الانفرادية، لم تلن لهم قناة ولم تسقط لهم راية، وظلوا دائما في الصفوف الأولى للدفاع عن حياض الأمة ومقدساتها، في مقابل صمت معيب من لدن أغلب أبناء المسلمين، وتقصير مخزي على القيام بواجباتهم تجاه هؤلاء الأسرى البواسل.
ويتساءل الكثير عن العمل الذي يتعين على الشعوب العربية والإسلامية القيام به، وهي بدورها تنتظر من يفك عنها أغلال حكامها المستبدين، ولا يملون من تكرار جمل: العين بصيرة واليد قصيرة، كان الله في عونهم، عسى لأن تكون صفقة شاليط فرجا لهم.....، متناسين أن هؤلاء الأبطال هم الطليعة، التي حفظت لهذه الأمة بعض شرفها المكلوم، وأنهم العزاء الذي نتحجج به أمام الأجيال القادمة على تفريطنا في فلسطين وخذلاننا لأبنائها.
إن دعم ونصرة أحرار فلسطين ليس تفضلا ومنّة، بل هو واجب عيني نسأل عنه أمام الله، وأفضل وسيلة لدعم الأسرى والتخفيف عليهم ألام السجن والسجّان هي مواصلة السير على ذات الطريق الذي قدموا أنفسهم في سبيله، ألا وهو طريق مقاومة العدوان والتمسك بالحقوق والمقدسات، وإبقاء جذوة الجهاد حية في القلوب والدروب، ومجابهة كل المخططات الاستسلامية للاجتزاء من الحقوق، والتنازل عن الأراضي والمقدسات، والارتهان لسياسة الأعداء.
كما لا ننسى واجب حماية أهالي الأسرى والمعتقلين وتوفير الرعاية المادية والمعنوية لهم، ومن لم يجد إلى ذالك سبيلا ـ خاصة لمن هم خارج فلسطين ـ فلن يعدم وسيلة لنصرة إخوانه في سجون الاحتلال الصهيوني، ليس أقلها استغلال التطور التكنولوجي في ميدان الملتيميديا والانترنيت، لنقل الصورة الحقيقية لأوضاع الأسرى وأهاليهم إلى أحرار العالم، والى الهيئات والجمعيات الحقوقية الدولية، حيث نجح الصهاينة في تضليلهم عن حقيقة الوضع، وصوّروا لهم وضعية الجندي الأسير جلعاد شاليط كأكبر مأساة يعيشها العالم، وكأن الثمانية ألاف أسير فلسطيني ومنهم ثمانمائة محكومين بالمؤبد يعيشون في جنات عدن، ولعمري تلك فرية نشترك جميعا في تكريسها، فهل من رجال من طينة صالح العاروري يحملون قضية الأسرى؟