رغم مظاهر التدين التي تطبع المجتمع الجزائري، ورغم إطالة اللحية وانتشار النقاب والجلباب، وكل أنواع الحجاب في الشارع الجزائري، ورغم انتشار عبارة “أقسم باللّه”، التي يرددها الكبير والصغير في مدن ومداشر الجزائر، ورغم اكتظاظ المساجد يوما بعد يوم بالمصلين، إلا أن الواقع المعيش، للأسف، يبعدنا كل البعد عن فلسفة الدين الإسلامي الحنيف.
ففي السابق، عندما كنت أسمع عبارة “أقسم باللّه” يقشعر بدني، لعظمة العبارة، التي نادرا ما كنا نسمع مثلها، لكن اليوم صارت هذه العبارة مرادفا للكذب والنفاق المعلب بغلاف الدين، نعم يقسمون بالله ويتلون على مسمعك دروسا في الدين، يفتون في اللحية وفي المظهر وفي “العقيقة” والحج ويكثرون من السفر إلى العمرة والحج، ويلجأون في المقابل إلى الغش والربا والخداع!
لم نسمع قبل اليوم أن تاجرا تجرأ وفعل فعلا مثل هذا، أن يلجأ جزار إلى مواد حفظ الجثث ويضعها في اللحوم الفاسدة كي لا تصدر منها رائحة الفساد، و”يرهج” بها مسلمين آخرين في هذا الشهر الذي كان من المفروض أنه شهر التوبة والرحمة والتقرب إلى اللّه.
لم نسمع قبل موضة التدين الفائق هذه، أن جزارا باع لحم حمير في شهر الصوم لمسلمين صائمين أو غيرها من أساليب الخداع التي يقشعر لها البدن، إذ كيف لمسلم أن يغش مسلما آخر ويدس له في طعامه مواد لحفظ الجثث، وهو يدري مدى خطورة هذا الفعل على صحة الزبون، ومدى خطورتها على المجتمع الذي ستتأثر الثقة بين أفراده، ويزداد تشتتا وتنتشر الكراهية بينهم.
المصيبة أن مثل هذه الأفعال تزداد انتشارا في شهر رمضان، الشهر الذي تختفي فيه كل مظاهر الأخوة والرحمة والتكافل بين أفراد المجتمع، وتزداد فيه وتيرة الربا والنفاق والغش، على العكس تماما من الهدف من حكمة الصوم وفلسفته التي أرادها اللّه طريقا يكتشف من خلاله المسلم معاناة الفقراء والمعوزين لتنتشر الرحمة والمحبة بين الناس.
لا أدري، بعد لحم الحمير ومواد حفظ الجثث في اللحوم، ماذا يخبئ لنا “الذكاء” الجزائري من أساليب غش وخداع لتسميمنا قبل أن يذهبوا للاعتكاف في العشرة الأواخر في المساجد؟!