السلام عليكم
الأخت الكريمة الفاضلة
أولا: أهنئك برمضان وأسأل الله أن يجعله عليك بلسما شافيا يشفيك من خلال اجتهاده في قراءة القرآن.
ثانيا: أدرجت الدوله - على حد علمي - في جميع مستشفيات الأطفال أخصائي أرطفوني / مصحح الكلام/ فبإمكانك الاتصال بالمستشفيات وسوف لن يخذلوك.
ثالثا: تأقلمي مع مشكلتك واعتبريها حافزا من خلال رفعك للتحدي..
تقبل الله صيامكم ووفقتم لما فيه الخير
حرف الراء من الوجهة الصوتية:
وقد فطن اللغويون العرب قديماً إلى هذه الظاهرة الصوتية، في حدود معرفتهم ببعض لغات عصرهم ومغايرتها أحياناً للغة العربية في عدد من الحروف، ولعل أسبقهم الخليل الفراهيدي إذ قال(13): "وليس في شيء من الألسن ظاء غير العربية". ثم لاحظ الأصمعي مثل ذلك أيضاً وقال(14): "ليس للروم ضاد، ولا للفرس ثاء، ولا للسريان ذال". ولو أتيح للخليل أو للأصمعي في ذلك الزمن المبكر المزيد من المعطيات المعرفية لأضاف إلى قوله هذه العبارة مثلاً "وليس لأهل الصين راء..." وهذه حالة مستغربة في اللغة الصينية التي قد تكون الوحيدة ـ في حدود علمنا ـ على هذا الصعيد دون سائر اللغات.
أما حرف الراء من الوجهة الصوتية، وفي المنظور اللساني، فهو ذو خصوصية أخرى تميزه من سائر الحروف، وعلى صعيد كثير من لغات البشر.، إنه نادر الغياب عن بعضها، سائد الحضور في معظمها. وهو في الوقت نفسه مختلف الأداء على ألسنتها، وقلما يلفظ على نحو واحد وهذا معهود في اللغة الفرنسية وفي الإنكليزية والألمانية وغيرها. فالإنكليز، كما يصفهم العرب، يبتلعون الراء في كلامهم، على حين تبدو الراء على ألسنة الأمريكيين أجلى. وفي ذلك يذكر الدكتور كمال بشر(15): "إن الراء في الإنكليزية يختلف نطقها باختلاف موقعها. أما العرب فلا يميزون بين هذه الراء وتلك. ففي اللغة الإنكليزية النموذجية Standard British English لا تكاد الراء تلفظ إذا وقعت في آخر الكلمة مثل Singer، أو وقعت في وسط الكلمة غير متبوعة بحركة، كما في نحو Garden. وإنما تنطق الراء الإنكليزية إذا تبتعها حركة، سواء كانت في وسط الكلمة وأولها Present, Right, Red..." والراء كما يسميها علماء اللسانيات صوت مستلب أو مستل أو مفرد Flapped Consonant، ويحدث صوت الراء نتيجة طرقة واحدة من طرف اللسان على اللثة، ويصدر الوتران الصوتيان عند نطقها نغمة موسيقية فهذه الراء حرف صامت مجهور لثوي مستل(16) A Voiced alveolar Flapped consonant.
أما الراء في اللغة الفرنسية، وعلى نحو أخص في لهجة باريس الغالبة، فيلفظها الفرنسيون على نحو مغاير بحيث تكون شبيهة بصوت الغين العربية، أو الغين الخفيفة. والراء الألمانية أقرب ما تكون إلى هذه الراء الباريسية. "ويحدث صوتها حين تتذبذب اللهاة على أقصى اللسان، أي بحدوث طرقات سريعة متوالية، فتصدر عندئذ عن الوترين الصوتيين نغمة موسيقية عند تكوين الصوت، وهو صوت صامت مجهور...". فكلمة Frère الفرنسية أي الأخ تنطق "فغيغ". وليس لفظها هذا ميسراً بدقة على ألسنة العرب بوجه عام. وفي مقابل ذلك يصعب على الفرنسي بل يكاد يتعذر عليه أن ينطق الراء العربية ـ وهي صوت مكرر ـ كأهلها.
وفي هذا الصدد، من حيث اقتراب صوت الراء في لغات الغرب الأوربي من صوت الغين، يرى الدكتور محمود فهمي حجازي(17): "أن عدداً من اللغات الأوروبية لا تميز الراء عن الغين من الناحية الفونيمية... ولذا يجد أبناء اللغة الألمانية مثلاً صعوبة في التمييز بين الراء والغين عند تعلمهم اللغة العربية. ويصعب هذا الأمر لو التقى الصوتان في كلمة واحدة مثل (مغرب)، فتسمع هذه الكلمة عند كثير منهم كما لو كانت بغين مشددة"...
ويتجلى الأمر نفسه، أي تداخل صوتي الراء والغين، في كلام صغار الأطفال من أي قوم. "إذ يغلب لديهم أن تكون الراء لهوية، وهذا سبب قربها من الغين لتقارب مخرجيهما"(18).
والإسبان، خلافاً للإنكليز، يلفظون الراء شديدة النبرة والوضوح. ولا تختلف الراء الأرمنية عن الراء العربية إلا قليلاً، إذ إنها صوت مكرر أي مشدد. وهي مبثوثة في داخل الألفاظ وفي نهاياتها، لكن الألفاظ في الأرمنية التي تبدأ بحرف الراء قليلة بل نادرة لا تتجاوز عشر كلمات، وهذه في معظمها دخيلة على اللغة الأرمينية، كما أنها أخفت نطقاً من سائر الراءات(19).
وإذا كان لهذا التداخل الصوتي بين الراء والغين لدى الأطفال وفي العديد من اللغات من دلالة، فهي أيضاً صعوبة نطق الراء، ومن ثم ترجرج أصوات هذا النطق وتعدد أوجهه. وقد يؤدي ذلك إلى اللثغة في تعدد أشكالها أيضاً، على غرار ما سيتضح بعد صفحات وربما كانت هذه الصعوبة المتحكمة في النقط أشق على الطفل، بحيث تدفعه إلى إسقاط الراء جملة من كلامه عوضاً عن البحث عن حرف بديل. وقد نقل الدكتور إبراهيم أنيس(20) عن أحد الأدباء الفرنسيين أن طفله نطق كلمة Merci (Meci)، أي من دون راء، وذلك وفق قانون الاستسهال المعهود.
***
والراء من الوجهة الصوتية حرف منطوق لدى الأمم، قديمها وحديثها، وله حيز في لغات العالم القديم وكتاباتها، ومنها السومرية والأكادية والهيروغليفية والسنسكريتية والإغريقية وسائر اللهجات الكنعانية واللاتينية.... ونجد هذا الحرف مثلاً في كلمات "أرض" العربية، Erestu' الأكادية، وErd في العربية الجنوبية، وEres في العبرية(21).... وتعد الراء عند علماء العربية قديماً من أكثر الحروف دوراناً على لسان العرب"(22).
وحرف الراء هو الحرف العاشر من حروف الهجاء العربية وفق الترتيب الألفبائي، وموقعه الحرف العشرون على حسب الترتيب الأبجدي. وهو يرمز إلى العدد مئتين 200 فيما يعرف (بحساب الجمّل)(23). ومن المصادفات أن يكون موقع الراء هو العشرين أيضاً في الترتيب الحلقي للخليل الذي بنى عليه معجمه "العين"، وأن يحافظ هذا الحرف أيضاً على موقعه العشريني في تعاقب حروف معجم "البارع" لدى أبي علي القالي، وكذلك في معجم "تهذيب اللغة" لدى معاصره الأزهري...(24).
وقد حظيت الراء، ومعها أحرف أخرى قليلة وهي الضاد والجيم باهتمام اللغويين والأدباء من العرب الأقدمين، وكانت لهم فيها دراسات مسهبة ودقيقة. وحين ألّف الخليل معجمه الرائد وجعل ترتيب الحروف على حسب مخارجها في الفم بدءاً من أقصى الحلق وانتهاء بالشفتين، غدا بذلك واضع علم الصوتيات Phonlogie. ثم مضى الذين أتوا بعده في تناولهم حروف الهجاء ومحاولتهم تبيين مخارجها، والكشف عن آلية النطق بها. كما عني تلميذه سيبويه ولفيف من اللغويين، وفي طليعتهم ابن جني برصد مخارج الحروف في ألفاظ العربية على أساس صوتي من حيث الجهارة والهمس، فجعلوها في صنفين، فهي إما مجهورة، كالهمزة والضاد والراء...، وإما مهموسة كالهاء والحاء(25). وكان الخليل هو الأسبق إلى التفريق بين المجهور والمهموس.
وفي الوقت نفسه رأى سيبويه أن حروف العربية مطبقة أو غير مطبقة، فالمطبقة تضم الضاد والصاد والطاء والظاء....، تقابلها حروف غير مطبقة أي منفتحة ومنها الدال والزاي والسين... وهي تشكل غالبية حروف العربية، وفي عدادها حرف الراء. "والأصوات المطبقة عند سيبويه، أن ينطبق اللسان إلى ما يحاذي الحنك الأعلى، أي ارتفاع طرف اللسان وأقصاه نحو الحنك، وتقعر وسط اللسان"(26)، والإطباق في اللغة العربية كما يرى برغشتراسر(27) نوع من الاستعلاء الذي هو رفع أقصى اللسان نحو ما يليه من الحنك، ويزاد على ذلك تقلّص ما في الحلق وأقصى الفم".
وعلى صعيد ثان، من حيث شدة الحروف أو رخاوتها وجد سيبويه أن حروف الهجاء العربية تقع ضمن ثلاث مجموعات أو زمر، الأولى حروف شديدة، وهي الهمزة والقاف، والكاف والجيم...، والثانية هي الرخوة، وتضم الهاء والحاء والخاء والسين.... إلخ.. ووجد زمرة ثالثة هي بين بين، أي بين الرخاوة والشدة، وفيها الراء والنون واللام. وهذه الصفة تعرف في الدراسات اللغوية الحديثة بأنها حرف مائع Liquide(28).
ومن جهة أخرى أو على صعيد ثالث لاحظ سيبويه في حرف الراء سمة تميزه من سائر الحروف، فهو حرف منفرد لا يشاركه على صفته حرف سواه، وهي التكرير الصوتي، قال(29): "ومنها المكرر. وهي حرف شديد يجري فيه الصوت لتكريره وانحرافه إلى اللام، وهو الراء". وقال في موضع آخر(30): "الراء إذا تكلمت بها أخرجت كأنها مضاعفة، والوقف يزيدها إيضاحاً"، والمقصود بذلك هو تكرار اهتزازات اللسان في أثناء النطق به. "ويصنف حرف الراء أيضاً في الدراسات المعاصرة بأنه وحده من الصوامت المكررة Rolled Consonants(31).
وفي "باب الإدغام" يصنف سيبويه في كتابه أصوات الحروف المجهورة على أساس قوامه الجهر والهمس، ويذكر إن الأصوات المجهورة تبلغ تسعة عشر حرفاً، وفي عدادها حرف الراء. أما الأصوات الأخرى أي المهموسة فعددها عشرة أحرف. ثم يقول مفصلاً(32): "فالمجهور حرف أشبع الاعتماد عليه في موضعه، ومنع النفس أن يجري معه حتى ينقضي الاعتماد عليه، وأما المهموس فحرف أضعف الاعتماد في موضعه حتى جرى النفس معه".
كذلك عين صاحب "الصحاح" هذا الصوت المجهور بقوله(33): "ومخرج الراء من طرف اللسان، بينه وبين ما فوق الثنايا العليا".
ويبدو لنا أن أبا الفتح بن جني كان الأقدر في هذا الصدد، إذ استطاع تعيين آلية نطق الراء على اللسان، وبيان مخرجه في الفم، وفي ذلك قال(34): "الراء هو الصوت المنحرف، لأن اللسان ينحرف فيه مع الصوت، وتتجافى ناحيتا مستدق اللسان عند اعتراضهما فويقهما على الصوت، فيخرج الصوت من تينك الناحيتين ومما فويقهما". وقال في موضع آخر "ومن الحروف المكررة، وهو الراء، وذلك أنك إذا وقفت عليه رأيت طرف اللسان يتعثر بما فيه من التكرير، ولذلك احتسب في الإمالة بحرفين". وذكر غير هؤلاء أيضاً سمة التكرير(35) بقوله: "الراء يقال لها الحرف المكرر لأنك إذا نطقت بها كنت كأنك ناطق براءين". ثم فصّل الدكتور كمال بشر هذه السمة بقوله(36): "يتكون هذا الصوت بأن تتكرر ضربات اللسان على اللثة تكراراً سريعاً. وهذا هو السر في تسمية الراء بالصوت المكرر، ويكون اللسان مسترخياً في طريق الهواء الخارج من الرئتين، وتتذبذب الأوتار الصوتية عند النطق به، فالراء صوت لثوي مكر مجهور".