متن كشف الشبهات - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتب و المتون العلمية و شروحها ..

قسم الكتب و المتون العلمية و شروحها .. يعنى بجميع المتون من نظم و قصائد و نثر و كذا الكتب و شروحاتها في جميع الفنون على منهج أهل السنة و الجماعة ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

متن كشف الشبهات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-08-03, 16:36   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
العربي عبدية
عضو مبـدع
 
الصورة الرمزية العربي عبدية
 

 

 
الأوسمة
وسام الحفظ 
إحصائية العضو










افتراضي متن كشف الشبهات

بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم رحمك الله أن التوحيد هو إفراد الله سبحانه بالعبادة، وهو دين الرسل، الذي أرسلهم الله به إلى عباده. فأوّلهم نوح عليه السَّلام أرسله الله إلى قومه لما غلوا في الصالحين : ودّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر. وآخر الرسل محمد ، وهو الذي كسر صور هؤلاء الصَّالحين، أرسله إلى قوم يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله كثيرًا؛ ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله، يقولون: نريد منهم التقرب إلى الله، ونريد شفاعتهم عنده، مثل الملائكة وعيسى ومريم وأناس غيرهم من الصالحين، فبعث الله محمدًا  يجدّد لهم دين أبيهم إبراهيم ويخبرهم أن هذا التقرب والاعتقاد محض حق الله لا يصلح منه شيء لغير الله لا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل، فضلاً عن غيرهما، وإلا فهؤلاء المشركون مقرُّون يشهدون أن الله هو الخالق الرزاق وحده لا شريك له، وأنه لا يرزق إلا هو، ولا يحيي إلا هو، ولا يميت إلا هو ولا يدبّر الأمر إلا هو.
وأن جميع السماوات السبع ومن فيهن، والأرضين السبع ومن فيها كلها عبيده وتحت تصرفه وقهره.
فإذا أردت الدليل على أن هؤلاء المشركين الذين قاتلهم رسول الله  يشهدون لله هذه الشهادة فاقرأ قوله تعالى: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾(1) وقوله: ﴿قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ، قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾(2) ﴿ قُلْ لِمَنْ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(84)سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ(85)قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ(86)سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ(87)قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(88)سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّا تُسْحَرُونَ﴾[المؤمنون:84-89]،وغير ذلك من الآيات.
فإذا تحققت أنهم مقرُّون بهذا، ولم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله ، وعرفت أنت التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة الذي يسميه المشركون في زماننا (الاعتقاد) كما كانوا يدعون الله سبحانه ليلاً ونهارًا، ثم منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم من الله ليشفعوا له، أو يدعو رجلاً صالحًا مثل اللاتّ أو نبيًا مثل عيسى، وعرفت أن رسول الله  قاتلهم على هذا الشرك، ودعاهم إلى إخلاص العبادة لله وحده، كما قال تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾(1) وكما قال تعالى: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ﴾(3) وتحققت أن رسول الله  إنما قاتلهم ليكون الدعاء كله لله والنذر كله لله والذبح كله لله والاستغاثة كلها لله وجميع أنواع العبادة كلها لله وعرفت أن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام وأن قصدهم الملائكة أوالأولياء يريدون شفاعتهم، والتقرب إلى الله بذلك هو الذي أحل دماءهم وأموالهم، عرفت حينئذٍ التوحيد الذي دعت إليه الرسل وأبى عن الإقرار به المشركون، وهذا التوحيد هو معنى قوله: لا إله إلا الله. فإن الإله عندهم هو الذي يقصد لأجل هذه الأمور سواء كان ملكًا أو نبيًا أو وليًا أو شجرة أو قبرًا أو جنيًا لم يريدوا أنّ الإله هو الخالق الرازق المدبَّر، فإنهم يعلمون أن ذلك لله وحده، كما قدمت لك، وإنما يعنون بالإله ما يعني المشركون في زماننا بلفظ «السيد» فأتاهم النبي  يدعوهم إلى كلمة التوحيد وهي: لا إله إلا الله، والمراد من هذه الكلمة معناها لا مجرد لفظها والكفار الجهال يعلمون أن مراد النبي  بهذه الكلمة هو إفراد الله تعالى بالتعلق والكفر بما يعبد من دون الله والبراءة منه فإنه لما قال لهم: قولوا: لا إله إلا الله قالوا: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾
فإذا عرفت أن جهّال الكفار يعرفون ذلك فالعجب ممّن يدّعي الإسلام وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفار؛ بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشيء من المعاني، والحاذق منهم يظن أن معناها لا يخلق ولا يرزق ولا يدبر الأمر إلا الله فلا خير في رجل جُهَّالُ الكفار أعلم منه بمعنى لا إله إلا الله
إذا عرفت ما قلت لك معرفة قلب وعرفت الشرك بالله الذي قال الله فيه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾(2) وعرفت دين الله الذي أرسل به الرسل من أوَّلهم إلى آخرهم، الذي لا يقبل الله من أحد دينًا سواه، وعرفت ما أصبح غالب النّاس فيه من الجهل بهذا أفادك فائدتين:
الأولى: الفرح بفضل الله ورحمته كما قال تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾(2)
وأفادك أيضًا الخوف العظيم فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه وقد يقولها وهو جاهل فلا يُعذر بالجهل وقد يقولها وهو يظن أنها تقربه إلى الله تعالى كما كان يظن المشركون خصوصًا إن ألهمك الله ما قصَّ عن قوم موسى مع صلاحهم وعلمهم، أنهم أتوه قائلين: ﴿اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾(6) فحينئذٍ يعظم حرصك وخوفك على ما يخلّصك من هذا وأمثاله
واعلم أن الله تعالى بحكمته لم يبعث نبيًا بهذا التوحيد إلا جعل له أعداء كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾(2) وقد يكون لأعداء التوحيد علوم كثيرة وكتب وحجج كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ﴾(3)
إذا عرفت ذلك وعرفت أن الطريق إلى الله تعالى لابد له من أعداء قاعدين عليه أهل فصاحة وعلم وحجج، فالواجب عليك أن تعلم من دين الله ما يصير سلاحًا تقاتل به هؤلاء الشياطين الذين قال إمامهم ومقدمهم لربك عز وجل: ﴿لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾(2) ولكن إذا أقبلت على الله وأصغيت إلى حججه وبيّناته فلا تخف ولا تحزن ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾(1) والعامي من الموحّدين يغلب ألفًا من علماء هؤلاء المشركين، قال تعالى: ﴿وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾(6) فجند الله هم الغالبون بالحجة واللسان كما هم الغالبون بالسيف والسنان، وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح وقد منَّ الله تعالى علينا بكتاب الذي جعله ﴿تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾(1) .
فلا يأتي صاحب باطل بحجة إلا وفي القرآن ما ينقضها ويبيّن بطلانها كما قال تعالى: ﴿وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾(2) قال بعض المفسرين: هذا الآية عامة في كل حجةٍ يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة وأنا أذكر لك أشياء مما ذكر الله في كتابه جوابًا لكلام احتج به المشركون في زماننا علينا
فنقول: جواب أهل الباطل من طريقين مجمل ومفصّل.
أما المجمل فهو الأمر العظيم والفائدة الكبيرة لمن عقلها وذلك قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ﴾(1) وقد صح عن رسول الله ، أنه قال: «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمَّى الله، فاحذروهم»(1) مثال ذلك: إذا قال لك بعض المشركين: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾(3) أو إن الشفاعة حق، وأن الأنبياء لهم جاه عند الله، أو ذكر كلامًا للنبي  يستدل به على شيء من باطله وأنت لا تفهم معنى الكلام الذي ذكره فجاوبه بقولك: إن الله ذكر في كتابه أن الذين في قلوبهم زيغ يتركون المحكم ويتّبعون المتشابه، وما ذكرته لك من أن الله تعالى ذكر أن المشركين يقرّون بالربوبية وأن كفرهم بتعلقهم على الملائكة والأنبياء والأولياء مع قولهم: ﴿هَـؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ﴾(4) هذا أمر محكم بيّن، لا يقدر أحد أن يغيّر معناه، وما ذكرت لي أيها المشرك في القرآن أو كلام النبي  لا أعرف معناه ولكن أقطع أن كلام الله لا يتناقض، وأن كلام النبي  لا يخالف كلام الله عز وجل، وهذا جواب سديد ولكن لا يفهمه إلا من وفقه الله تعالى فلا تستهن به فإنه كما قال تعالى: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾(5)
وأما الجواب المفصّل: فإن أعداء الله لهم اعتراضات كثيرة على دين الرسل، يصدّون بها الناس عنه: منها قولهم: نحن لا نشرك بالله، بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا  لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، فضلاً عن عبد القادر أو غيره، ولكن أنا مذنب، والصالحون لهم جاه عند الله وأطلب من الله بهم.
فجاوبه بما تقدم؛ وهو أن الذين قاتلهم رسول الله  مقرّون بما ذكرت، ومقرّون أن أوثانهم لا تدبّر شيئًا وإنما أرادوا الجاه والشّفاعة، واقرأ عليهم ما ذكر الله في كتابه ووضّحه. فإن قال: هذه الآيات نزلت فيمن يعبد الأصنام، كيف تجعلون الصالحين مثل الأصنام أم كيف تجعلون الأنبياء أصنامًا؟ فجاوبه بما تقدم، فإنه إذا أقر أن الكفار يشهدون بالربوبية كلها لله، وأنهم ما أرادوا ممن قصدوا إلا الشفاعة، ولكن إذا أراد أن يفرق بين فعلهم وفعله بما ذكر، فاذكر له أن الكفار منهم من يدعو الأصنام، ومنهم من يدعو الأولياء الذين قال الله فيهم: ﴿أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾(1) الآية، ويدعون عيسى بن مريم وأمه وقد قال الله تعالى: ﴿مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ، قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾(2) واذكر له قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ، قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ﴾(3) وقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ﴾(4) فقل له: أعرفت أن الله كفَّرَ من قصد الأصنام وكفَّر أيضًا من قصد الصّالحين، وقاتلهم رسول الله  فإن قال الكفار يريدون منهم، وأنا أشهد أن الله هو النافع الضار المدبر، لا أريد إلا منه، والصّالحون ليس لهم من الأمر شيء، ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم فالجواب: أنّ هذا قول الكفار سواءً بسواء واقرأ عليه قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾(5) وقوله تعالى:﴿وَيَقُولُونَ هَـؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ﴾(6).
واعلم أنّ هذه الشبه الثلاث هي أكبر ما عندهم فإذا عرفت أن الله وضّحها في كتابه، وفهمتها فهمًا جيدًا فما بعدها أيسر منها.
فإن قال: أنا لا أعبد إلا الله، وهذا الالتجاء إليهم ودعاؤهم ليس بعبادة.
فقل له: أنت تقر أن الله افترض عليك إخلاص العبادة لله وهو حقه عليك، فقل له بين لي هذا الذي فرضه الله عليك وهو إخلاص العبادة لله وحده وهو حقه عليك، فإنه لا يعرف العبادة ولا أنواعها.
فبيّنها له بقولك: قال الله تعالى: ﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾(6).
فإذا أعلمته بهذا فقل له: هل علمت أن هذا عبادة لله؟ فلا بد أن يقول: نعم. والدعاء مخ العبادة:
فقل له: إذا أقررت أنه عبادة ودعوت الله ليلاً ونهارًا خوفًا وطمعًا، ثم دعوت في تلك الحاجة نبيًا أو غيره هل أشركت في عبادة الله غيره؟ فلا بد أن يقول نعم فإذا عملت بقول الله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾(3) وأطعت الله ونحرت له، هل هذا عبادة؟ فلا بد أن يقول: نعم، فقل له: فإذا نحرت لمخلوق، نبي أو جني أو غيرهما، هل أشركت في هذه العبادة غير الله؟ فلا بد أن يقر ويقول: نعم.
وقل له أيضًا: المشركون الذين نزل فيهم القرآن هل كانوا يعبدون الملائكة والصّالحين واللاتّ وغير ذلك؟ فلا بد أن يقول: نعم.
فقل له: وهل كانت عبادتهم إياهم إلا في الدعاء والذبح والالتجاء ونحو ذلك. وإلا فهم مقرون أنهم عبيده وتحت قهره وأن الله هو الذي يدبّر الأمر ولكن دعوهم والتجؤوا إليهم للجاه والشفاعة وهذا ظاهر جدًا
فإن قال: أتنكر شفاعة رسول الله  وتبرأ منها. فقل لا أنكرها ولا أتبرأ منها؛ بل هو  الشَّافع والمشفَّع وأرجو شفاعته، ولكن الشفاعة كلها لله تعالى كما قال تعالى: ﴿قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾(1) ولا تكون إلا بعد إذن الله كما قال تعالى: ﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾(2) ولا يشفع النبي  في أحد إلا بعد أن يأذن الله فيه، كما قال تعالى ﴿وَلا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضَى﴾(3) وهو سبحانه لا يرضى إلا التوحيد، كما قال تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ﴾(4) فإذا كانت الشفاعة كلها لله ولا تكون إلا من بعد إذنه، ولا يشفع النبي  ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيه، ولا يأذن الله إلا لأهل التوحيد، تبيّن لك أن الشفاعة كلها لله وأطلبها منه فأقول: اللهمَّ لا تحرمني شفاعته اللهمَّ شفّعه فيّ، وأمثال هذا
فإن قال: النبي  أعطي الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله تعالى. فالجواب: أن الله أعطاه الشفاعة ونهاك عن هذا فقال تعالى: ﴿فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾(6) فإذا كنت تدعو الله أن يشفّع نبيّه فيك فأطعه في قوله: ﴿فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾، وأيضًا، فإن الشفاعة أعطيها غير النبي  فصح أن الملائكة يشفعون، والأفراط(7) يشفعون والأولياء يشفعون أتقول: إن الله أعطاهم الشفاعة وأطلبها منهم فإن قلت هذا رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكرها الله في كتابه. وإن قلت لا بطل قولك: أعطاه الله الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله
فإن قال: أنا لا أشرك بالله شيئًا حاشا وكلا؛ ولكن الالتجاء إلى الصّالحين ليس بشرك. فقل له: إذا كنت تقر أن الله حرّم الشرك أعظم من تحريم الزنى، وتقرُّ أن الله لا يغفره، فما هذا الأمر الذي حرمه الله وذكر أنه لا يغفره، فإنه لا يدري فقل له: كيف تبرئ نفسك من الشرك وأنت لا تعرفه؟ كيف يحرم الله عليك هذا ويذكر أنه لا يغفره ولا تسأل عنه ولا تعرفه؟ أتظن أن الله يحرّمه ولا يبيّنه لنا؟
فإن قال: الشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام فقل له: ما معنى عبادة الأصنام؟ أتظن أنهم يعتقدون أن تلك الأخشاب والأحجار تخلق وترزق وتدبّر أمر من دعاها؟ فهذا يكذّبه القرآن، كما في قوله تعالى ﴿قل من يرزقكم من السماء والأرض﴾الآية، وإن قال: هو من قصد خشبةً أو حجرًا أو بنية على قبرٍ أو غيره يدعون ذلك ويذبحون له يقولون: إنه يقربنا إلى الله زلفى ويدفع الله عنا ببركته ويعطينا ببركته فقل صدقت وهذا هو فعلكم عند الأحجار والأبنية التي على القبور وغيرها فهذا أقر أن فعلهم هذا هو عبادة الأصنام فهو المطلوب.
ويقال له أيضًا: قولك: (الشرك عبادة الأصنام) هل مرادك أن الشرك مخصوص بهذا، وأن الاعتماد على الصّالحين ودعاءَهم لا يدخل في ذلك؟ فهذا يردّه ما ذكر الله في كتابه من كفر من تعلق على الملائكة أو عيسى أو الصّالحين، فلا بد أن يقر لك أن من أشرك في عبادة الله أحدًا من الصّالحين فهذا هو الشرك المذكور في القرآن وهذا هو المطلوب.
وسر المسألة أنه إذا قال: أنا لا أشرك بالله فقل له: وما الشرك بالله، فسره لي؟ فإن قال: هو عبادة الأصنام فقل وما معنى عبادة الأصنام فسرها لي: فإن قال: أنا لا أعبد إلا الله، فقل: ما معنى عبادة الله فسرها لي؟ فإن فسّرها بما بيّنه القرآن فهو المطلوب، وإن لم يعرفه فكيف يدَّعي شيئًا وهو لا يعرفه؟
وإن فسر ذلك بغير معناه، بيّنت له الآيات الواضحات في معنى الشرك بالله وعبادة الأوثان وأنه الذي يفعلونه في هذا الزمان بعينه، وأن عبادة الله وحده لا شريك له هي التي ينكرون علينا ويصيحون فيه كما صاح إخوانهم حيث قالوا: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾(2)
فإذا عرفت أن هذا الذي يسميه المشركون في زماننا هذا كبيرُ الاعتقاد هو الشرك الذي نزل فيه القرآن وقاتل رسول الله  الناس عليه، فاعلم أن شرك الأولين أخف من شرك أهل زماننا بأمرين:
أحدهما: أن الأولين لا يشركون ولا يدعون الملائكة والأولياء والأوثان مع الله إلا في الرخاء وأما في الشّدَّة فيخلصون لله الدين كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا﴾(3) وقوله: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتَكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ﴾(4) وقوله: ﴿وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثم إذا خوله نعمة نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار﴾(5) وقوله: ﴿وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾(6). فمن فهم هذه المسألة التي وضحها الله في كتابه وهي أن المشركين الذي قاتلهم رسول الله يدعون الله تعالى ويدعون غيره في الرخاء وأما في الضر والشدة فلا يدعون إلا الله وحده لا شريك له، وينسون ساداتهم تبيّن له الفرق بين شرك أهل زماننا وشرك الأولين، ولكن أين من يفهم قلبُه هذه المسألة فهمًا راسخًا؟! والله المستعان
والأمر الثاني أن الأولين يدعون مع الله أناسًا مقرّبين عند الله إما أنبياء وإما أولياء، وإما ملائكة، أو يدعون أشجارًا أو أحجارًا مطيعة لله ليست عاصية، وأهل زماننا يدعون مع الله أناسًا من أفسق الناس، والذين يدعونهم هم الذين يحكمون عنهم الفجور من الزنا والسرقة وترك الصلاة وغير ذلك والذي يعتقد في الصّالح أو الذي لا يعصي مثل الخشب والحجر أهون ممن يعتقد فيمن يُشاهد فسقه وفساده ويشهد به .
إذا تحقَّقت أن الذين قاتلهم رسول الله  أصح عقولاً وأخف شركًا من هؤلاء، فاعلم أن لهؤلاء شبهة يوردونها على ما ذكرنا وهي من أعظم شبههم فأصغ سمعك لجوابها وهي: أنهم يقولون إن الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا الله ويكذّبون الرسول  وينكرون البعث ويكذّبون القرآن ويجعلونه سحرًا ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ونصدق القرآن ونؤمن بالبعث ونصلي ونصوم فكيف تجعلوننا مثل أولئك؟
فالجواب أن لا خلاف بين العلماء كلهم أن الرجل إذا صدّق رسول الله  في شيء وكذّبه في شيء فإنه كافر لم يدخل في الإسلام، وكذلك إذا آمن ببعض القرآن وجحد بعضه، كمن أقرّ بالتّوحيد وجحد وجوب الصلاة أو أقرّ بالتوحيد والصلاة وجحد وجوب الزكاة أو أقرّ بهذا كله وجحد الصوم، أو أقرّ بهذا كله وجحد الحج، ولما لم ينقد أناس في زمن النبي  للحج أنزل الله في حقهم: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾(1).
ومن أقر بهذا كله وجحد البعث كفر بالإجماع وحل دمه وماله كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً، أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا﴾(2).
فإذا كان الله قد صرح في كتابه أن من آمن ببعض وكفر ببعض فهو الكافر حقًا زالت هذه الشبهة وهذه هي التي ذكرها بعض أهل الأحساء في كتابه الذي أرسله إلينا.
ويقال أيضًا: إذا كنت تقرّ أن من صدّق الرسول  في كل شيء وجحد وجوب الصّلاة فهو كافر حلال الدم والمال بالإجماع، وكذلك إذا أقرّ بكل شيء إلا البعث، وكذلك لو جحد وجوب صوم رمضان وصدَّق بالباقي وهنا لا تختلف المذاهب فيه وقد نطق به القرآن كما قدمنا.
فمعلوم أن التوحيد هو أعظم فريضة جاء بها النبي  وهو أعظم من الصلاة والزكاة والصوم والحج. فكيف إذا جحد الإنسان شيئًا من هذه الأمور؟ كفر ولو عمل بكل ما جاء به الرسول ، وإذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل كلهم لا يكفر؟! سبحانه الله ما أعجب هذا الجهل!
ويقال أيضًا: هؤلاء أصحاب رسول الله  قاتلوا بني حنيفة وقد أسلموا مع النبي  وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله (عبده ورسوله) ويؤذّنون ويصلّون فإن قال إنهم يقولون إن مسليمة نبي قلنا هذا هو المطلوب. إذا كان من رفع رجلاً إلى رتبة النبي  كفر وحل ماله ودمه ولم تنفعه الشهادتان ولا الصلاة فكيف بمن رفع شمسان أو يوسف أو صحابيًا أو نبيًا إلى رتبة جبار السماوات والأرض سبحان الله ما أعظم شأنه: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الذين لا يعلمون﴾(3).
ويقال أيضًا: الذين حرّقهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالنَّار كلهم يدّعون الإسلام وهم من أصحاب علي رضي الله عنه وتعلموا العلم من الصحابة ولكن اعتقدوا في علي مثل الاعتقاد في يوسف وشمسان وأمثالهما، فكيف أجمع الصحابة على قتلهم وكفرهم؟ أتظنون أن الصحابة يكفّرون المسلمين؟ أتظنون أن الاعتقاد في تاج وأمثاله لا يضر والاعتقاد في علي بن أبي طالب يكفّر؟
ويقال أيضًا: بنو عبيد القداح الذين ملكوا المغرب ومصر في زمان بني العباس كلهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويدّعون الإسلام ويصلون الجمعة والجماعة، فلما أظهروا مخالفة الشريعة في أشياء دون ما نحن فيه أجمع العلماء على كفرهم وقتالهم وأن بلادهم بلاد حرب وغزاهم المسلمون حتى استنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين.
ويقال أيضًا: إذا كان الأولون لم يكفروا إلا لأنهم جمعوا بين الشرك وتكذيب الرسول  والقرآن وإنكار البعث وغير ذلك فما معنى الباب الذي ذكره العلماء في كل مذهب (باب حكم المرتد) وهو المسلم يكفر بعد إسلامه ثم ذكروا أنواعًا كثيرة، كل نوع منها يكفّر ويحل دم الرجل وماله حتى إنهم ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه أو يذكرها على وجه المزح واللعب.
ويقال أيضًا: الذين قال الله فيهم : ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ﴾(1).
أما سمعت الله كفّرهم بكلمة مع كونهم في زمن رسول الله  ويجاهدون معه ويصلّون معه ويزكّون ويحجّون ويوَحِّدون.
وكذلك الذين قال الله فيهم: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ، لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ﴾(2)
فهؤلاء الذي صرّح الله أنهم كفروا بعد إيمانهم وهم مع رسول الله  في غزوة تبوك قالوا كلمة ذكروا أنهم قالوها على وجه المزاح(3) ،
فتأمل هذه الشبهة هي قولهم تكفّرون من المسلمين أناسًا يشهدون أن لا إله إلا الله ويصلون ويصومون
ثم تأمل جوابها فإنه من أنفع ما في هذه الأوراق
ومن الدليل على ذلك أيضًا ما حكى الله تعالى عن بني إسرائيل مع علمهم وصلاحهم أنهم قالوا لموسى: ﴿اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ وقول أناس من الصحابة « اجعل لنا ذات أنواط»(3) فحلف النبي  أن هذا مثل قول بني إسرائيل لموسى: ﴿اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا﴾،
ولكن للمشركين شبهة يُدلُون بها عند هذه القصة وهي أنهم يقولون: إن بني إسرائيل لم يكفروا بذلك وكذلك الذين قالوا للنبي  :« اجعل لنا ذات أنواط » لم يكفروا.
فالجواب أن تقول: إن بني إسرائيل لم يفعلوا وكذلك الذين سألوا النبي  لم يفعلوا. ولا خلاف أن بني إسرائيل لو فعلوا ذلك لكفروا. وكذلك لا خلاف أن الذين نهاهم النبي  لو لم يطيعوه واتخذوا ذات أنواط بعد نهيه لكفروا، وهذا هو المطلوب ولكن هذه القصة تفيد أن المسلم بل العالم قد يقع في أنواع من الشرك لا يدري بها فتفيد التعلم والتحرز ومعرفة أن قول الجهال: التوحيد فهمناه، أن هذا من أكبر الجهل ومكايد الشيطان، وتفيد أيضًا أن المسلم المجتهد إذا تكلم بكلام كفر وهو لا يدري فنبّه على ذلك وتاب من ساعته فإنه لا يكفر كما فعل بنو إسرائيل والذين سألوا النبي  ، وتفيد أيضًا أن لو لم يكفّر فإنه يغلّظ عليه الكلام تغليظًا شديدًا كما فعل رسول الله  ولهم شبهة أخرى يقولون إن النبي  أنكر على أسامة قتل من قال لا إله إلا الله وقال: « أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله»(1) وكذلك قوله : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله»(2) وأحاديث أخر في الكف عمن قالها.
ومراد هؤلاء الجهلة أن من قالها لا يكفر ولا يقتل ولو فعل ما فعل.
فيقال لهؤلاء المشركين الجهّال: معلوم أن رسول الله  قاتل اليهود وسباهم وهم يقولون لا إله إلا الله وأن أصحاب النبي  قاتلوا بني حنيفة وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويصلّون ويدّعون الإسلام، وكذلك الذين حرَّقهم علي بن أبي طالب وهؤلاء الجهلة مقرُّون أن من أنكر البعث كفّر وقتل ولو قال لا إله إلا الله وأن من جحد شيئًا من أركان الإسلام كفّر وقتل ولو قال لا إله إلا الله. فكيف لا تنفعه إذا جحد شيئًا من الفروع وتنفعه إذا جحد التوحيد الذي هو أصل دين الرسل ورأسه؟ ولكن أعداء الله ما فهموا معنى الأحاديث.
فأما حديث أسامة فإنه قتل رجلاً ادّعى الإسلام بسبب أنه ظن أنه ما ادّعاه إلا خوفًا على دمه وماله، والرجل إذا أظهر الإسلام وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يخالفه ذلك وأنزل الله في ذلك: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ﴾(3) أي فتثبّتوا فالآية تدل على أنه يجب الكف عنه والتثبت. فإن تبين منه بعد ذلك ما يخالف الإسلام قتل لقوله: (فتبيّنوا) ولو كان لا يقتل إذا قالها لم يكن للتثبت معنى.
وكذلك الحديث الآخر وأمثاله معناه ما ذكرناه: أن من أظهر الإسلام والتوحيد وجب الكف عنه إلا إن تبين منه ما يناقض ذلك. والدليل على هذا أن رسول الله  الذي قال : « أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله »(1) وقال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله»(2) هو الذي قال في الخوارج : « أينما لقيتموهم فاقتلوهم. لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل عاد»(3) مع كونهم من أكثر الناس عبادة وتهليلاً حتى إن الصحابة يحقّرون أنفسهم عندهم. وهم تعلموا العلم من الصحابة فلم تنفعهم لا إله إلا الله ولا كثرة العبادة ولا ادعاء الإسلام لما ظهر منهم مخالفة الشريعة.
وكذلك ما ذكرناه من قتال اليهود وقتال الصحابة بني حنيفة، وكذلك أراد النبي  أن يغزو بني المصطلق لمَّا أخبره رجل أنهم منعوا الزكاة حتى أنزل الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾(4) وكان الرجل كاذبًا عليهم(5) ، فكل هذا يدل على أن مراد النبي  في الأحاديث التي احتجوا بها ما ذكرناه
ولهم شبهة أخرى وهي ما ذكر النبي  أن الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم، ثم بنوح ثم بإبراهيم ثم بموسى ثم بعيسى فكلهم يعتذر حتى ينتهوا إلى رسول الله  ، قالوا فهذا يدل على أن الاستغاثة بغير الله ليست شركًا.
فالجواب أن نقول: سبحان من طبع على قلوب أعدائه، فإن الاستغاثة بالمخلوق على ما يقدر عليه لا ننكرها كما قال في قصة موسى: ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾(3) وكما يستغيث الإنسان بأصحابه في الحرب وغيرها من الأشياء التي يقدر عليها المخلوق ونحن أنكرنا استغاثة العبادة التي يفعلونها عند قبور الأولياء أو في غيبتهم في الأشياء التي لا يقدر عليها إلا الله.
إذا ثبت ذلك، فالاستغاثة بالأنبياء يوم القيامة يراد منها أن يدعوا الله أن يحاسب الناس حتى يستريح أهل الجنة من كرب الموقف، وهذا جائز في الدنيا والآخرة أن تأتي عند رجل صالح حي يجالسك ويسمع كلامك وتقول له: ادع الله لي، كما كان أصحاب رسول الله  يسألونه ذلك في حياته، وأما بعد موته فحاشا وكلا أنهم سألوه ذلك عند قبره، بل أنكر السَّلف على من قصد دعاء الله عند قبره، فكيف بدعائه نفسه
ولهم شبهة أخرى وهي قصة إبراهيم عليه السّلام لما ألقي في النّار اعترض له جبريل في الهواء فقال له ألك حاجة؟ فقال إبراهيم: أما إليك فلا(1) فقالوا: فلو كانت الاستغاثة بجبريل شركًا لم يعرضها على إبراهيم.
فالجواب: أن هذا من جنس الهيئة (الشبهة) الأولى فإن جبريل عرض عليه أن ينفعه بأمر يقدر عليه فإنه كما قال الله تعالى فيه: ﴿شَدِيدُ الْقُوَى﴾(2) فلو أذن الله له أن يأخذ نار إبراهيم وما حولها من الأرض والجبال ويلقيها في المشرق أو المغرب لفعل، ولو أمره أن يضع إبراهيم عليه السلام في مكان بعيد عنهم لفعل، ولو أمره أن يرفعه إلى السماء لفعل. وهذا كرجل غني له مال كثير يرى رجلاً محتاجًا فيعرض عليه أن يقرضه أو أن يهبه شيئًا يقضي به حاجته فيأبى ذلك الرجل المحتاج أن يأخذ ويصبر حتى يأتيه الله برزق لا منّة فيه لأحد، فأين هذا من استغاثة العبادة والشرك لو كانوا يفقهون؟
ولنختم الكلام إن شاء الله تعالى بمسألة عظيمة مهمة جدًا تفهم مما تقدم ولكن نفرد لها الكلام لعظم شأنها ولكثرة الغلط فيها فنقول: لا خلاف أن التوحيد لابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل، فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلمًا، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند كفرعون وإبليس وأمثالهما، وهذا يغلط فيه كثير من الناس، يقولون هذا حق ونحن نفهم هذا ونشهد أنه الحق ولكن لا نقدر أن نفعله ولا يجوز عند أهل بلدنا إلا من وافقهم، وغير ذلك من الأعذار ولم يدر المسكين أن غالب أئمة الكفر يعرفون الحق ولم يتركوه إلا لشيء من الأعذار كما قال تعالى: ﴿اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً﴾(3) وغير ذلك من الآيات كقوله: ﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾(4).
فإن عمل بالتوحيد عملاً ظاهرًا وهو لا يفهمه ولا يعتقده بقلبه فهو منافق وهو شر من الكافر الخالص: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾(5).
وهذه المسألة مسألة كبيرة طويلة تتبيّن لك إذا تأملتها في ألسنة النّاس، ترى من يعرف الحق ويترك العمل به لخوف نقص دُنيا أو جاه أو مداراة وترى من يعمل به ظاهرًا لا باطنًا فإذا سألته عمّا يعتقد بقلبه فإذا هو لا يعرفه ولكن عليك بفهم آيتين من كتاب الله أولاهما ما تقدم من قوله : ﴿لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾(1) فإذا تحققت أن بعض الصحابة الذين غزوا الروم مع رسول الله  كفروا بسبب كلمة قالوها على وجه اللعب والمزح، تبيّن لك أن الذي يتكلم بالكفر أو يعمل به خوفًا من نقص مال أو جاه أو مداراة لأحد، أعظم ممن تكلم بكلمة يمزح بها.
والآية الثانية قوله تعالى: ﴿مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على ألآخرة﴾(2) فلم يعذر الله من هؤلاء إلا من أكره مع كون قلبه مطمئنًا بالإيمان. وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه سواء فعله خوفًا أو مداراة أو مشحة بوطنه أو أهله أو عشيرته أو ماله، أو فعله على وجه المزح أو لغير ذلك من الأغراض؛ إلا المكره.
والآية تدل على هذا من جهتين
الأولى من قوله: ﴿إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ﴾ فلم يستثن الله إلا المكره ومعلوم أن الإنسان لا يكره إلا على العمل أو الكلام وأما عقيدة القلب فلا يكره أحد عليها.
والثانية قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ﴾(3) فصرّح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد أو الجهل أو البغض للدين أو محبة الكفر، وإنما سببه أن له في ذلك حظًا من حظوظ الدنيا فآثره على الدين،
والله سبحانه وتعالى أعلم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.









 


رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
الشبهات


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 08:07

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc