في استقبال شهر رمضان المبارك
الحمد لله الذي جعل شهر رمضان موسماً للطاعات، وأفاض على الصائمين نعيم الرضوان والنفحات، وأشهد أن لا إله إلا الله شرع الصوم صحةً للأبدان والأرواح، وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله هيأ لأمته طريق الهدى والفلاح، اللهم صل وسلم على سيدنا محمدٍ وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي أولاً بتقوى الله تعالى وطاعته، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون}َ [البقرة/183, 184].
أيها الإخوة المؤمنون:
هذا شهر شعبان قد قوض للرحيل خيامه، وآذن بالفراق بعد الإقامة، وجاءت بشائر الهناء تهنئ الأمة بقدوم شهر رمضان، وتبشرهم بنيل الكرامة, وطالع السعد في أفق الهناء لنا ظهر، ولم يبق سوى أيام قليلة على حلول شهر رمضان المبارك.
سيهل عليكم هلال الشهر العظيم الأكبر, وسيهل عليكم موسم من مواسم الخيرات، يتجلى فيه ربكم بالرحمات والبركات، فتشهدون فيه بالخير والفضل من الله العلي المنان؛ إذ ستطوى صفحات شعبان، وتفتح لكم صفحات رمضان، وتغلق فيه أبواب النيران، وتفتح فيه أبواب الجنان، ويقال فيه : يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر،
فقد أتاكم شهر رمضان، شهر بركة وإحسان، ينزل الله فيه الرحمة، ويعمكم فيه بالفضل والنعمة، ينظر الله إلى تنافسكم في طاعته ويباهي بكم صنوف ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً, ألا فاستعدوا لصوم هذا الشهر ولا تحرموا أنفسكم من رحمات الله فيه؛ فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله، وابتعد عن رضوان الله, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أيها المؤمنون:
إن شهراً هذا بعض فضائله لحقيق بالإجلال والتعظيم, وجدير بالترحيب والتكريم، فمرحباً بك يا شهر رمضان, مرحبا بك شهر الطاعة والغفران، مرحبا بك شهر النور والبرهان، مرحبا بك شهر الهداية والفرقان، مرحبا بك شهر الإسلام والقرآن, مرحبا بك موسم العبادة والسعادة وأيام التوبة والإنابة.
لك أيها الشهر في قلوب المؤمنين أسمى مقام، وأعلى مكان، كيف لا وقد أكرمك الله وفضلك على الأشهر كلها، وفرض على المؤمنين صيام أيامك وضاعف في إجلالك وإكرامك ونزل فيك كتابه المبين {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة 185).
وقد جعلك الله حجة على الناس، فمن رعاك رعاه الله، ومن ضيعك ضيعه الله، وجعلك شهراً دوريًّا تأتي في الصيف والشتاء، وفي فصول السنة الأخرى وإذا ما جئت في الحر، كنت شهر محنة واختبار ليميز الله بك الخبيث من الطيب، ويفرق بين الصادقين وغير الصادقين، وبين المؤمنين والمنافقين، {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (العنكبوت 1, 3) وإذا ما جئت في البرد كنت غنيمة باردة للمؤمنين.
أيها الشهر المبارك: إن أيامك معدودات, وإنها تمر مرّ السحاب, فالسعيد السعيد من وقى نفسه وصانها من عبودية الشهوات، فصام نهارك وقام ليلك, فجئت له يوم القيامة شاهداً عدلا عند ربك فأكرمه الله بشهادتك ونعمه وجعله في عليين، والشقي الشقي من أضاعك وأضاع نفسه بالسقوط في أودية الشهوات المظلمة، فأفطر في نهارك وأساء في ليلك، فجئت عليه شاهداً عدلاً عند ربك، فأذله الله وأشقاه وجعله من الخاسرين.
أيها الشهر المكرم:
إن ربك العظيم قد خصك بمميزات ظاهرة وباطنة، فجعلك غرة شهور السنة، وفضل أيامك على أيام العام كله, وإن فيك ليلةً هي خير من ألف شهر {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}ِ (القدر4, 5).
فيك أيها الشهر الجليل تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وتصفد وتقيد مردة الشياطين بالسلاسل والأغلال.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين)) رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
والصائم المحتسب فيك لا يرد الله دعوته، ففي الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم )) رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
وفيك أيها الشهر الكريم تزكّى الأجساد من أدرانها، وتطهر الأنفس من شهواتها فلكل شيء زكاة كما ورد في الحديث، وزكاة الجسد الصوم، والصوم نصف الصبر، والصبر ثوابه الجنة، والصوم جنة ووقاية من عذاب الله.
هكذا يجزي الله فيك العاملين أيها الشهر المبارك، فأنت أيها الشهر موسم التقوى، وعيد المؤمنين, وفيك تشترى الجنان, فمرحباً بك وبقدومك الميمون. فعظموا عباد الله شهركم؛ فإنه شهر عظيم, وقوا أنفسكم عذاب الجحيم، واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله سيد المرسلين، وإمام المتقين، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله:
اتقوا الله تعالى وأطيعوه .
أيها الإخوة المسلمون إن لشهر رمضان فضائل لا تحصى, وكرامات لا تستقصى فهي منحة إلهية كبرى، وفرصة حقيقية عظمى لمن أراد أن يذّكر أو أراد شكورا.
عباد الله: لقد كان سلفنا الصالح رضي الله عنهم يجتهدون في عبادة ربهم اجتهاداً عظيماً, ليس في رمضان فحسب وإنما طوال الشهور والأيام، يجتهدون في قراءة القرآن، وفي قيام الليل، وفي الصدقة وفي الذكر والاستغفار، وفي الصيام والطاعة وكل ما يقرب الله تعالى، فهم رهبان بالليل فرسان بالنهار يقول الله عز وجل في كتابه الكريم
في وصف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} (الفتح: 29 ).
فعلينا معاشر المسلمين، أن نقتدي بأولئك السلف الأخيار, والأصحاب الأطهار في الاجتهاد في الطاعة والعبادة، والتقرب إلى الله تعالى ولو في هذا الشهر الكريم على أقل الأحوال، الذي تتهيأ فيه الأجواء لذلك، فضلا من الله تعالى ونعمةً، والله واسع عليم.
فأجيبوا داعي الله إن كنتم مؤمنين، وادخلوا دار الصوم راشدين، واحرصوا على شعائر الدين, واحذروا أن تكونوا متهاونين, من الذين فسدت قلوبهم، وضلت عقولهم، وساءت تربيتهم, فيفطرون في رمضان، ويعرضون عن ربهم الديان، ويهدمون من الإسلام الأركان فيحلهم الله دار البوار، جهنم يصلونها وبئس القرار .
وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه عموما بقوله تعالى – ولم يزل قائلاً عليماً-: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب: 56).
فأكثروا من الصلاة والسلام عليه تكونوا من الفائزين، اللهم صل وسلِّم عليه، وارض عن الأربعة الخلفاء، وبقية العشرة الكرام، وأزواج نبيك المصطفى، وعن عمي حبيبك وسبطيه ذوي الإخلاص والصفا، وعن الأنصار والمهاجرين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا معهم بمنّك، وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهُمَّ حبِّبْ إلَيْنَا الإيمانَ وزيِّنْهُ في قُلُوبِنَا، وكرِّه إلَيِنَا الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ، واجعلنا من الرَّاشِدينَ.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمةُ أمرِنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كلِّ خيرٍ، واجعل الموتَ راحةً لنا من كلِّ شر.ّ
ٍاللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك المجاهدين في كل مكان يارب العالمين
اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ونفس كرب المكروبين واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم
اللهم لا تدع لنا في هذا اليوم اليوم ذنبا إلا غفرته ولا مريضا إلا شفيته ولا عيبا إلا سترته ولا بلاء إلا رفعته ولا ضآلا إلا هديته ولا ظالما إلا قصمته ولا تائبا إلا قبلته ولا مدينا إلاقضيته عنه ياذا الجلال ةالإكرام
اللهم صل وسلم وبارك على على عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة ومن تبعهم وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون