السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من منكم متدين ؟ من منكن متدينة ؟
سألت الرجال وبحثت بينهم عن رجل متدين فجائني الجواب :
- أنا متدين.. وأنا من تبحث عنه ؟
- كيف حكمت على نفسك بأنك متدين ؟
- أنا أصلي وأصوم ألا يكفيك هذا ؟
- أذن المؤذن فصلى الناس وعادوا وأنت لم تتحرك من مكانك !!
- وأين هي المشكلة ؟ سأصلي في المساء عندما أعود إلى البيت فهذه عادتي و..
- أعذرني لست من أبحث عنه..
ناداني رجل آخر من قريب..
- دعك منه فلعلك تبحث عني..
التفت إليه فأردف قائلا :
- أنا أصلي الأوقات في المسجد جماعة ولست كذاك الرجل الذي كان معك قبل قليل فهو...
- عفوا ! دعك من غيبة الناس ولست أنت من أبحث عنه...
واصلت بحثي سائلا الناس عن رجل متدين، فاستوقفني أحدهم قائلا :
- ربما أنا كذلك ..
- وكيف ذلك ؟
- لا تفوتني صلاة في المسجد جماعة، وأخرج زكاة مالي، وقد حججت واعتمرت و..
- وهل دفعت أجرة عمالك فقد سمعتهم يشتكون منك ؟
- سحقا لهم .. أنا بحاجة إلى المال للبدء في مشاريع أخرى ويمكنهم الصبر أكثر فهم لن يموتوا جوعا وعلى كل حال أنا لن آكل حقهم و...
- أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه.. آسف ! فلقد ضيعت وقتي..
- دعك منه فلقد نصحته كثيرا لكنه لم يسمع وإذا أردت رجلا متدينا فها هو يقف أمامك..
التفت جهة الصوت سائلا :
- ومن أنت ؟؟
- أنا إمام المسجد وأنا واعظ الناس ومعلمهم ومربيهم ألا يكفيك هذا ؟؟
- هنيئا لك ميراث الأنبياء ووظيفة من اصطفاهم الله لخدمة دينه من العلماء والصالحين فلا شك أنك على خير عظيم، ويبدو أنك على قدر المسؤولية يا إمام فلقد رأيتك مع فتاة متبرجة قبل قليل فلا شك أنك كنت معلما ومشردا وناصحا لها حتى تترك التبرج وترتدي الحجاب..
- لا لا.. لقد أخطأت التقدير فتلك ابنتي لم تجدني في البيت فكانت تنتظرني هنا حتى أعطيها مصروفا لتذهب لتتسوق وتتنزه هذا المساء..
- وماذا عن الحجاب يا واعظ الناس ومربيهم ومعلمهم ؟
- أنت تعرف بنات اليوم، فهي لم تقتنع به بعد و..
- عذرا على المقاطعة يا مربي الناس ابدأ بتربية أولادك وبناتك قبل أن تهتم لتربية الناس... سلام..
- عفو ! لا أريد أن أزكي نفسي لكن حتى لا تتعب نفسك في البحث فقد أكون أنا من تبحث عنه ..
نظرت إليه وقلت :
- تفضل ..
- قد لا يبدو ذلك من مظهري، لكن أنا أصلي كل الأوقات في المسجد وأتقرب إلى الله بنوافل العبادات من قيام وصيام وأقرأ القرآن وأصون لساني وبصري عن المحرمات واتقي الله ما استطعت واسأل صاحبي يشهد لي بذلك..
قال صاحبه :
- أجل هو كذلك وأنا مثله أقوم الليل وأصوم من الأيام ما هو مستحب ولا أخوض ببصري ولساني فيما لا يعنيني وكما ترى فأنا ملتزم أيضا فقد أطلقت لحيتي وقصرت ثوبي و تسننت بسنن الرسول عليه الصلاة والسلام...
- زادك الله أنت وصاحبك هدى وتقى وثبت قلبيكما على طاعته.. لكن سأستمر في بحثي لعلي أجد من أبحث عنه..
- ماذا ؟ ! ألسنا كمن تبحث عنه ؟؟
- لا.. أبدا لم أقل هذا فقد تكونان حقا كذلك فأنتما من أفضل ما رأيت ولا أزكي أحدا على الله .. لكن عذرا سأواصل بحثي..
- دعك من الرجال فقد تبدل حالهم وتبين لك مآلهم وصاروا كالإبل مائة لا تجد منها راحلة..
التفت نحو النداء فإذا بها فتاة..فأضافت :
- لعلك تجد جوابا عندنا نحن معشر النساء.. فأنا متدينة، أنا أصلي وأصوم و..
- عفوا ! وأين هو حجابك ؟؟
- لم أقتنع به بعد، وعلى كل حال الإيمان في القلب يا هذا وليس في المظاهر ..
- من فضلك دعيني وشأني واغربي عن وجهي..
ضحكت زميلتها وقالت :
- أنا المتدينة .. فأنا متحجبة كما ترى وأيضا أصلي و أصوم ..
- عذرا .. وهل تسمين هذا الفيزو الضيق وهذا المنديل على رأسك حجاب ؟؟ حجابك هذا شر من تبرج صاحبتك .. وآسف فلقد ضيعت الكثير من وقتي اليوم ..
- إذا فلا شك أنك تسأل عني..
التفت إلى صاحبة الصوت سائلا إياها :
- ولماذا أنت واثقة هكذا ؟
- أليس هذا واضحا ؟ فانظر إلى حجابي إنه ساتر وليس كحجاب الكاسيات العاريات وطبعا لا داعي للحديث عن الصلاة والصيام فكل الناس تصلي وتصوم.. وفوق هذا فقد اهتدى هذا الشاب على يدي فصار يصلي ..
- شيء جميل أن يهتدي الرجل على يد أخته فنادرا ما نسمع هذا في هذا الزمان..
- هو ليس أخي ..
- زوجك ؟
- لا..
- خطيبك ؟
- لا.. ليس بعد .. هو صديقي وزميلي في الدراسة في الجامعة..
- تتخذين صديقا وخليلا وتحسبين نفسك متدينة ؟ ! اتقي الله يا امرأة ..
- وأين المشكلة ؟ فكما أخبرتك فقد اهتدى على يدي وصار يصلي بعدما كررت له النصح ونحن نخطط للزواج في المستقبل و..
- خطوات شيطان يا أختاه
{ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ }النور21...
- كيف تقول هذا فأنا..
- آسف على المقاطعة فلست من أسأل عنها...
- معك حق.. لا يمكن لمن تتخذ خليلا أن تكون متدينة وقد نصحتها كثيرا أن تبتعد عنه لكنها لا تستمع لنصائحي..
- ومن أنت ؟
- أنا صديقتها ولعلك تجد ضالتك عندي ..
- تفضلي..
- كما ترى أنا متحجبة وملتزمة بواجباتي الدينية ولا أفرط فيها بل وأجتهد أيضا بما تيسر لي من نوافل العبادات من صيام وصلاة...
- لكن لماذا أراك تمشين مع صديقتك وهي لا تفارق صديقها ؟؟
- أحاول إقناعها بأن تبتعد عنه وأيضا عندما أكون معها فإنني أجنبها مواطن الشبهات.. فأن نكون ثلاثة أفضل من تكون وحدها معه..
- يا أختي الصاحب ساحب فإن لم تسحبي صديقتك للخير سحبتك للشر لا محالة، فأنت اليوم وصديقتك وصديقها ثلاثة وغدا أنتم الثلاثة وصديقك أربعة .. إن لم تستطيعي إقناع صديقتك فعليك لنجاة بنفسك من الفتن فمن حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه.. عفوا سأواصل بحثي...
- عفوا ! لعلي أكون ممن تبحث عنهم ...
قالت والحياء باد على وجهها..
- أسأل الله أن تكوني منهم.. تفضلي بيني لنا حالك ؟؟
- استجبت لله ولرسوله ولله الحمد والمنة، وتحجبت حجابا كاملا وصبرت على ذلك رغم ما يقال عني وعن حجابي.. أصوم وأصلي وأتقرب إلى ربي بالنوافل وأصون نفسي عما انغمست فيه أكثر نساء هذا الزمان، أذكر الله كثيرا وأدعوه وأقرأ القرآن ...
- زادك الله هدى وتقى وثبت قلبك على الحق وكثر من أمثالك، سأواصل بحثي الآن..
ألست تبالغ بعض الشيء ؟ هل يعقل ألايكون من تبحث عنه ضمن كل الذين التقيتهم إلى الآن ؟؟
التفت فإذا بعض من التقيتهم سابقا ينظرون إلي كأنما يدفعهم الفضول لمعرفة الصفة التي لا زلت أبحث عنها في الرجل المتدين والمرأة المتدينة.. فأجبتهم قائلا .
- حاشا لله أن أقول ذلك.. فلست حكما ولا قاضيا على أحد فأحكم عليه، فالله وحده أعلم بكم وهو أعلم بمن تزكى.. لكن هناك صفة في أهل الدين لا بد منها كنت أرجوا أن تحدثوني عنها لكنكم غفلتم عنها..
- وماهي ؟؟
- {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ }الملك 12.
فهل نحن ممن يخشى الله ويطيعه في الجهر والسر وفي العلن والخفاء ؟ إن كنا كذلك فنحمد الله على التوفيق ونسأله الزيادة من فضله.. أما إن كنا غير ذلك .. إن كنا ممن يخشاه ويطيعه في الجهر والعلن ويعصيه في السر والخفاء فنحن على خطر عظيم..
قال تعالى : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) النساء/108 .
و عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : (لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا) قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ ، قَالَ : (أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا) رواه ابن ماجه (4245) ، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" .
يقول ابن عباس رضي الله عنهما : "يا صاحب الذنب لا تأمن مغبة الذنب، ووالله إن قلة حيائك ممن على اليمين، وعلى الشمال وأنت تعمل الذنب أكبر من الذنب، ولفرح قلبك حين ظفرك بالذنب أكبر من الذنب، ولحزن قلبك إذا فاتك الذنب أكبر من الذنب، ولوجل قلبك إذا حركت الريح ستر بابك وأنت على الذنب أكبر من الذنب".
إياكم وذنوب الخلوات...