رقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــان

حين انتزعوني من الفراش الدافىء الى سلاسلهم الباردة ،لم تستطع ذاكرتي المفجوعة حمل أي وجه أو صورة تتعدى العيون المعصوبة بعناية..
وحدها صورة أمي اختزنتها مع الصراخ والصفعات المتتالية.
الليل والمطر واللفظ الفاحش ثالوث نزف بعنف وغزارة فوق رأسي تلكالليلة،صفعات الجلاد تنهال على الخد المستسلم فتحول لونه إلى لاشيء فيعالم الألوان...التهمة واضحة الغموض:العفو عن اللحية والانتماء للحزبالمحظور..شهر واحد من الصلاة بانتظام خلف الإمام في مسجد الحي ألبسني هذهالتهمة.
يوم بارد من أيام السنة العاصفة..1992..الوجهة..رقان،صفراء فاقع لونهاتشتهي التيه والضياع في كثبان تتمايل في تعال..رمال تصارع الريح والعواصفدون منتصر..الخيم تتواضع خجلة أمام هذا الصراع والإصفرار والتعالي..يومالحشر دون إنذار ،الجوع والبرد والخوف..والجلاد حارس خبيث في سجن لاباب لهولافرصة للهروب.
تتجلى أمامي صورة أمي،كما لم تتجلى يوما..بكل تفاصيلها بانتظام،دون انتظام تباغتني..وداخل الجسدالمنهك تبكيني دون دموع..
ماذا تفعلين في غيبتي ياأمي؟الحرقة والنبض القابض على الصدر.. سامحينيياأمي..أنت المفجوعة بي منذ ولادتي سامحيني إن رميتك بين أنياب القلقوالحسرة..إن قدر لي أن أعود إليك سأعود طفلا وديعا لأحضانك متنازلا عنالشارب واللحية والرجولة وأشياءأخرى..أعود فقط.
رقان والجلادوالسوط والأنين ..ليلة واحدة في المعتقل صفعة واحدة كادتتذخلني عالم النحيب الأبدي..ماذاأفعل هاهنا؟؟..القوم حولي،أقراني فيالتهمة تتملكهم الحماسة والشعور بتاريخية الإعتقال..وسام يثرون بهمستقبلهم النضالي..يتضاحكون ويبادلون الجلاد التحدي والصمود.
الجلاد ،الأخرون غيري..عالمان متنافران ،عالم أسود وآخر أبيض وأنا وسطهمضبابي مغيب التفاصيل بشكل غريب..تسكنني الحرقة ،يقتلني القرف والسأم.
ماذا أفعل في رقان؟.. بدأت الصلاة منذ شهر ،لما بلغت العشرين تحديدا
واضبت على أدائها في المسجد لم تهمني خطب الإمام النارية..كنت شغوفابلحيتي ..أعجبني منظري ثوري الملامح بمقاس تشي غيفارافي سكونه الأبدي.
عفوت عنها،أتحسسها بافتخار وأحسب كل من يرمقني بنظرة معجب يحسدني عليها.
حولي مناضلون وجلاد ما انتهى الجلاد وماانتهى المناضلون..وحدها صورة أميتنتشلي من عالم الذهول الطويل..الليل في رقان ستون ساعة، والنهار ثمانونأويزيد..كذب علماء الفلك أو من حدد هذه الخزعبلات..
ماذاأفعل في هذا الوقت المتمدد في استرخاء..أكتب؟ لاأجد ماأكتب ياأمي إذاكتبت لاأجد من يقرألي..أقرأ؟ ماذا أقرأ..لاأحد يراسلني هنايا أمي حتى أنتغابت رسائلك..المعتقل عا لم ورقان عالم آخر فكيف إن ارتبطت رقان بالمعتقلأو ارتبط المعتقل برقان لا يهم الترتيب ..في عالمهما المتحد لا وجودللكاتب أو القارىء أو الساعي بينهما..اختزلوا كل شيء في السوط
ومحسناته من فاحش اللفظ وسب الملة من أول جد..رقان ياأمي لاأحد يكاتبني .......
هذه هي الجزائر الحقيقة