أعراس أغنياء الجزائر.. سفه ضد تيار الأزمة
فستان الفرح أحد مظاهر البذخ
بينما يعاني شباب الجزائر من بطالة مرتفعة زادت وتيرتها بعد الأزمة المالية إلى نسبة 13.3 بالمائة، كما نقلت صحيفة "الشروق الجزائرية" الصادرة يوم 2 يوليو 2009 عن الخبير الاقتصادي الجزائري رشيد بو جمعة، لا تزال أعراس الأثرياء بالجزائر رافضة الاعتراف بمعاناة هؤلاء، وهو ما كشف عنه تقرير نشر بنفس العدد من الصحيفة.
وفي حين طالب الخبير الاقتصادي في تصريحاته بضرورة البحث عن حلول لمشكلة البطالة التي تزداد حدتها يوما بعد يوم، كشف التقرير عن أن مظاهر البذخ هي الأخرى في تزايد مستمر، مع ظهور تقليعات جديدة أصبحت ملازمة لكل الأعراس.
ويتراوح فستان الزفاف الواحد -وفق ما جاء بالتقرير- بين 15 و22 مليون سنتيم( مليون سنتيم يعادل عشر آلاف دينار جزائري ، والدولار يعادل 73 دينار)، ولا يقل ذهب العروس عن مليون، ويرتفع عند بعض العائلات إلى 500 مليون، ويصل سعر القاعة التي تستضيف العرس إلى 50 مليونا، وقد تصل أحيانا إلى 100 مليون، وذلك حسب نوع الأكل الذي يقدم للمدعوين، ويحيي الحفل مطرب لا يفاوض على مبلغ أقل من 50 مليونا للسهرة، أما كراء سيارة ليموزين العروس بأزهارها وأضوائها فيصل إلى 20 مليونا.
ولا ينتهي الأمر بانتهاء العرس بل يأتي بعد ذلك "فطور العروس"، حيث يصل الإسراف في تحضيره إلى درجة الجنون، ليبدو وكأنه عرس آخر، وتتعمد هذه العائلات الثرية التنويع في الأكل، وطهي كل أنواع اللحوم وتزيين الأطباق وعرضها في صور تبدو وكأنها لوحات تصويرية وليست أطباقا للأكل.
وإذا كان كاتب التقرير قد حذر في ختامه من أن هذه المظاهرة تخلق طموحا تافها عند البسطاء، فإن ذلك قد حدث بالفعل، فعلى باب القاعات التي تستضيف هذه الحفلات بدأت تنتشر حوادث السرقة تحت تهديد السلاح، والتي يقوم بها شباب عاطل.
وكانت نفس الصحيفة قد نشرت تقريرا يوم 28 يونيو 2009 يتحدث عن هذه المشكلة التي تزداد صيفا مع ازدياد حفلات الأعراس، حيث يصطاد الشباب فرائسهم بخدعة "التاكسي"، فعندما تركب معه السيدة، يدلف بها إلى مكان ناءٍ لسرقة مصوغاتها تحت تهديد السلاح.
في واد آخر
ورغم أن الحديث عن سلوكيات البذخ وتداعياته قد يبدو قديما، فإن إعادة طرحها يأتي من منطلق أن أبطالها يسبحون عكس التيار العالمي للتعامل مع الأزمة المالية، فبينما تتجه كل دول العالم نحو التقشف، حتى أن الأمريكيين تحت وطأة الأزمة بدءوا يتخلون عن كلابهم المنزلية وسلموها لمراكز رعاية بيطرية، يحرص أثرياء الجزائر على التمسك بهذه السلوكيات، فهل هم خارج إطار الأزمة العالمية، أم أنهم أيسر حالا من أثرياء أمريكا؟
الإجابة على هذا التساؤل تقودنا إلى الحديث عن الاقتصاد الجزائري ومدى قوته التي قد يستمد هؤلاء الأثرياء قوتهم منها، وفي هذا الإطار لا يخفى على أحد أنه اقتصاد قائم على قطاع المحروقات، وهو ما يجعله يتأثر بأسعارها هبوطا وارتفاعا.
وكشف تقرير لصندوق النقد الدولي عن أن انخفاض سعر برميل النفط في وقت سابق، إلى ما دون الـ57 دولارا وضع الحكومة الجزائرية في ورطة حقيقية، أربكت تعاملها مع مشاريع البنى التحتية التي أطلقتها في زمن الرخاء المالي، الأمر الذي حتم على الحكومة اللجوء إلى احتياطها من العملة الصعبة.
سفه غير مبرر
إذن، الاقتصاد الجزائري ليس بأحسن حالا من الأمريكي؟ فما السبب الذي يجعل أثرياء الجزائر ينفقون ببذخ، بينما يتقشف الأمريكيون.
نفس هذه الحيرة واجهت د. فتحي النادي أستاذ الموارد البشرية عندما حاول أن يصل لتفسير كيف ينفق المصريون 3 مليارات جنيه سنويا على المحمول، بينما يقطن 15 مليون مصري العشوائيات، ويعيش 52.7% على خط الفقر.
وكانت النتيجة التي خلص لها وأعلنها في ندوة استضافها مركز ساقية عبد المنعم الصاوي الثقافي بمنطقة الزمالك وسط القاهرة، أن هذا هو "سفه الفقراء" الذي يمكن اعتباره عجيبة الدنيا الثامنة لأن العقل يعجز عن تفسيره.
ومع الفارق، أستطيع القول: إن المقارنة بين سلوكيات الأمريكيين والجزائريين تقودني إلى عبارة "إنه سفه الأغنياء"، ويكتسب هذا السفه نفس القدر من التعجب الذي تثيره عبارة "سفه الفقراء" التي أطلقها د. النادي، لأنه يأتي في ظل أزمة مالية عالمية.
وليس معنى الربط بين السفه وظروف الأزمة المالية العالمية أننا نجيزه في غير وقت الأزمة، ولكن ما أردت قوله إنه يكون أكثر استفزازا وقتها، لأنه يصبح غير منطقي، وفي نفس الوقت يمكن أن يساهم في علاج مشكلات نتجت عنها، كالبطالة التي يؤدي ازدياد معدلاتها لمزيد من المشكلات الاجتماعية.