السلام عليكم والله حاولت البحث عما تصبو إليه و لكن أرجو أن أكون وفقت في هذا الطرح غير المباشر قد يساعدك لأنك على ما أظن ملم بموضوعك قد تستخلص شيءا ما
تعريف العمل المؤسسي:
كل تجمع منظم يهدف إلى تـحـسـيـن الأداء وفـعـالية العمل، لبلوغ أهداف محددة، ويقوم بـتوزيع العمل على لجان كبرى وفرق عمل وإدارات مـتخـصـصـة: علمـيـة، ودعــويـــة، واجتـماعية؛ بحيث تكون لها المرجعية وحرية اتخاذ القرار في دائرة اختصاصها... يعتبر عملاً مؤسسياً.
وليس المراد بالعمل المؤسسي العمل الجماعي المقابل للعمل الفردي؛ إذ مجرد التجمع على العمـل، وممارسته من خلال مجلس إدارة، أو جمعية أو مؤسسة لا يجعله مؤسسياً، فكثير من الـمـؤســســـات والمنظمات والجمعيات التي لها لوائح ومجالس وجمعيات عمومية إنما تمارس العمل الفــردي؛ لأنها مرهونة بشخص منها؛ فهو صاحب القرار، وهذا ينقض مبدأ الشورى الذي هو أهم مبدأ في العمل المؤسسي.
مزاياه وفوائده :
1 - تحقيق مبدأ التعاون والجماعية الذي هو من أسمى مقاصد الشريعة.
2 - تـضـيـيـق الفـجــوة بين عمل الدعاة، وردم الهوة بينهم بتحقيق ذلك المبدأ، وتأسيس الأعمال المشتركة بـيـنهم؛ فإن ذلك يقلل التصادم والنزاع، وهي الطريقة المتبعة بين الدول في تأسيس اللجان والمجـالـس الـمـشتركة، وهو ما لم يشعر بعض الدعاة بأهميته وضرورته بعد.
3 - تحقـيـق الـتكامل في العمل، وذلك في عمل الفرد عزيز، فكثيراً مما يحصل من القصور في عمل الفرد يـتـلاشــى في عمـل المؤسسة؛ إذ المفترض حدوث التكامل باجتماع الجهود، والمواهب، والخبرات، والتجارب، والعلوم، مع التزام الشورى، والتجرد للحق.
وأيضاً: فإن العمل الفردي يصـطـبـغ بصبغة الفرد، بينما المفترض أن يخلو العمل المؤسسي من ذلك.
4 - الاســتـقـرار النسبي للعمل، بينما يخضع العمل الفردي للتغير كثيراً - قوة وضعفاً أو مضموناً واتجاهاً - بتغير الأفراد، أو اختلاف قناعاتهم.
5 - القرب مـــــــن الموضوعية في الآراء أكثر من الذاتية؛ حيث يسود الحوار الذي يَفْرض قيامُه وضعَ معايير محددة وموضوعية للقرارات تنمو مع نمو الحوار، في حين ينبني العمل الفردي على قناعة صاحبه.
6 - دفع العمل نـحـو الــوسـطـيـة والـتـوازن؛ إذ اجـتـمــــاع الأفراد المختلفين في الأفكار والاتجاهات والقدرات يدفع عجلة العمل نحو الوسط، أما الـفــرد فلو توسط في أمر فلربما تطرف - إفراطاً أو تفريطاً - في آخر.
7 - توظـيـف كـافة الجهود البشرية، والاستفادة من شتى القدرات الإنتاجية؛ وذلك لأن العمل المؤسسي يوفــر لها جو الابتكار والعمل والإسهام في صنع القرار، بينما هي في العمل الفردي أدوات تنفيذيــة رهن إشارة القائم بالعمل، ويوم أن أعرض المسلمون عن هذا العمل خسروا كثيراً من الطاقات العلمية والعملية، فانفرد أصحابها بالعمل، أو فتروا عنه.
8- ضمان استمرارية الـعـمـــــل - بإذن الله تعالى - لعدم توقفه على فرد يعتريه الضعف والنقص والفتور، ويوحشه طول الطريق وشدة العنت وكثرة الأذى.
وللمثال: فقد كان من أقوى أســـبــاب استمرار التعليم قوياً في الدولة الإسلامية - حتى في عصور الضعف السياسي -: قيامه على المؤسسات العلمية القوية التي تمدها الأوقاف، كما تمد سائر الجهود الدعوية والإغاثــيــة - التي لـم يُـتـجرأ عليها إلا في العصر الحديث - واليوم نرى استمرار المؤسسات الغربية قوية تساندها جمعيات كثيرة.
9- عمـوم نفعه للمسلمين؛ لعدم ارتباطه بشخصية مؤســــســه، وهــذا بدوره ينمي الروح الجماعية الفاعلة، ويحيي الانتماء الحقيقي للأمة، وهذا مكمن قوتها.
10- مواجهة تحديات الواقع بما يناسبها؛ فإن الأمة اليوم يواجهها تحدٍّ من داخلها، في كـيـفـيـــة تطـبـيـق مـنهـج أهل السنة مع الاستفادة من منجزات العصر، دون التنازل عن المبادئ، كما يواجـهـهـــا تحدٍّ من خارجها مؤسسي منظم؛ والقيام لهذا وذاك فرض كفاية لا ينهض به مجرد أفـــراد لا ينظمهم عمل مؤسسي، كما لا ينهـــض أفــراد الناس لتحدي العمل المؤسسي في مجالات الحيـــاة الاقتصاديـــة، أو السياسيـــة، أو الإعلامية، أو غيرها.
11- الاسـتـفــــادة من الجهود السابقة والخبرات التراكمية، بعد دراستها وتقويمها بدقة وإنصاف وحياديـــــــة، وبذلك يتجنب العمل تكرار البدايات من الصفر الذي يعني تبديد الجهود والعبث بالثروات.
لماذا الإحجام عن العمل المؤسسي؟
ولسائل أن يقول: عَمَلٌ بهذه المزايا ما الذي حدا بالأمة اليوم أن تحجم عنه؟
ويجاب: بأن للأمر خلفيات وأسباباً، منها:
1 - طـبيعة المجتمعات الإسلامية المعاصرة عامة، وعدم ترسخ العمل المؤسسي في حياتها؛ لما اعتراهــــا من بُعد عن الدين أدى إلى تأصل الفردية، وضعف الروح الجماعية، والحوار والمناقشة والمـشــاركة، ولما حلّ بها من تخلف حضاري أقعدها عن الأخذ بأسباب الفاعلية والنجاح، فأصابها التأخر وتبدد الطاقات.
2 - ضعف الملكة الإدارية لدى كثير من العاملين في الحقل الإسلامي، بسبب إهمال العلوم الإنسانية التي أفــــاد منها الغرب، وهذا مما ورثه العاملون عن مجتمعاتهم. وقد أدى هذا الضعف إلى الجهل بالـعـمـل المؤسسي ومقوماته وأسباب نجاحه فتلاشت الخطط، وأغلقت دراسة الأهداف وإقامة المشـاريع، وصار العمل مجرد ردود أفعال غير مدروسة أو عواطف غير موجهة.
3 - حــاجــــة الدعوة إلى الانتشار، مع قلة الطاقات الدعوية المؤهلة؛ مما حدا بكثير من الدعاة إلى التركـيـز على الكم لا الكيف، والغفلة عن قدرة العمل المؤسسي على الموازنة بين الكم والكيف، وتحقيق أكبر قدر منهما.
4 - الخلط بين الـعـمـــل الجماعي والمؤسسي، والظن بأن مجرد قيام الجماعة يعني عملاً مؤسسياً، في حين أن كـثيراً من التجمعات والمؤسسات لا يصدق عليها حقيقة هذا الوصف؛ لانعدام الشورى، والمركزية في اتخاذ القرار.
5 - الشبهات العارضة الـتـي يـتـذرع بـهــا المانعون من العمل الجماعي، بحجة بدعيته؛ فأحجموا بذلك عن العمل المؤسسي انطلاقاً من هذه الشبهة.
6 - حداثة العمل الإسلامي المعاصر، فإنه إذا مـــا قورن عمره بعمر المؤسسات الغربية بان قصيراً جداً. يقال هذا لئلا تُهضم الحقوق، ولكي نقـتـرب بـالـحـديـث مـن الإنصاف لهذه الصحوة المباركة؛ حيث نرى بوادر الاهتمام بالمجالات الإدارية أكثر من ذي قبل.
لكي ينجح العمل المؤسسي:
للتربية الإيمانية المتكاملة أكبر الأثـر فـي بـنـــاء الطاقات، وتنميتها، واستثمارها استثماراً مناسباً، وهذا عماد العمل المؤسسي، ويمكن تفـصـيـل المقومات اللازمة لنجاحه على النحو الآتي:
1 - تـوفــــــر القناعة الكافية بهذا الأسلوب من العمل؛ بإدراك ضرورته، وخاصة في زمن القوة، وبمعرفة مزاياه وثمراته، وفهم مقومات نجاحه للوصول به إلى المستوى المطلوب.
2 - صدور القــرارات عـــن مـجـالـس الإدارة، أو اللـجــان ذات الصلاحية، حرصاً على خروجها من أدنى مستوى ممكن، لتكون أقرب إلى الواقـعـية وقابلية التنفيذ، ولا يجوز أن يكون المصدر هو الفرد أو المدير؛ فإنه يستمد صلاحياته - هـــــو أيضاً - من المجالس، لا العكس، ويجب أن تملك المجالس واللجان صلاحية مراجعة قــرارات المديرين ونقضها.
3 - أن تكون مجالس الإدارة أو اللجان غير محصورة في بيئة واحدة محكومة بأطر تنشئة وتربية وتفكير محددة مما يؤثر على طبيعة اتخاذ القرار، فوجود أفراد من بيئات مختلفة ضمن هذه المجالس يثري العمل المؤسسي بتوسيع أنماط التفكير وتعديد طرق التنفيذ.
4 - أن تسود لغة الحوار، حتى تتلاقح الآراء للخروج بأفضل قــرار، وأيضاً حتى يخضع الرأي الشخصي لرأي المجموعة.
ويذكر هنا بالمناسبة:نزول النبي صلى الله عليه وسلم على رأي أصحابه في أحد،وخروجه من المدينة تلبية لرغبتهم، مع ميله للبقاء في المدينة، وتأييد رؤياه لرأيه، وبـعـدمـــا حصل ما حصل لم يصدر منه لَوْم لأولئك المقترحين للخروج.
5 - تحديد ثوابت ومنطلقات مشتركة للعاملين في المؤسسة تكون إطاراً مرجعياً لهم، توجه خطة العمل، وتناسب المرحلة والظروف التي تعيشها المؤسسة.
6 - الـتـسامي عن الخلافات الشخصية، وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، وهذا يتم بتحـسـيـن الاتصال والتواصل بين أفراد المؤسسة بعضهم مع بعض، وبينهم وبين سائر العاملين في الحقل الإسلامي.
وهذا أساس قوي للـنـجـــاح؛ فـفـي استفتاء لعدد من القياديين الناجحين اتضح أن الصفة المشتركة بينهم هي القدرة على التعامل مع الآخرين، ولن يتم ذلك لأحد ما لم تتربَّ أنفسنا على العدل والإنصاف، ومـعـرفـة ما لدى الآخرين من حق، ومحاولة فهم نفسياتهم من خلال نظرتهم هم لأنفسهم، لا من خلال نظرتنا نحن.
7 - الاعتدال في النظرة للأشخاص؛ فـإنــه فـي حـيـن يصل الأمر لدى المنحرفين عن أهل السنة والجماعة في نظرتهم للأشخاص إلى حد الغلو والـتقـديس، فإنَّا نجده عند بعض أهل السنة - الذين سلموا من الغلو - بالغاً إضفاء هالة على بـعـض الأشــخـاص تـؤثـر في مدى استعدادهم لمناقشة رأيهم، أو احتمال رفضه مع بقاء الاحترام الشخصي، وهؤلاء يشـكـلون ضغطاً على العمل المؤسسي وتوجيهاً غير مباشر للآراء.
وكأن هذا ما أراده عمر - رضي الله عنه - حين عزل خالد بن الوليد - رضي الله عنه - خشية تعلق الناس به، وربطهم النصر بقيادته.
8 - إتـقــان التخطيط، وتحديد الأهداف لتنفيذها، وتوزيع الأدوار، وهذا يتطلب مستوى جيداً في إعـــداد الـقـــادة والمسؤولين، وتدريب العاملين مع الاستفادة من كل الإمكانات، وتوظيف جميع الطاقات، بعد التعرف عليها جيداً.والمهم هو التركيز في جــــداول الأعـمـال على الـمـنطلقات والأسس والخطوط العامة، دون الانهماك في المسائل الإجرائية، والتي قـد لا تحـتـاج إلا لمجـرد قــرار إداري أو إجـــراء تقليدي، ودون المسائل التي يكثر الجدل والخلاف حولها.
ولضبط الخطط، وإتقان تنفيذها، وبلوغ الأهداف، يراعى الآتي:
أ - الأنــاة في التخطيط، والحماسة في التنفيذ(؛ فالأول: لمراعاة القدرات والإمكانات، ومعرفة الـتـحـديــات وحسن تقدير العواقب، وتحاشي مخاطر السرعة، والثاني: لاستباق الخيرات، وكسب الزمان، واغتنام الهمة، ومبادرة العزيمة.
ب - أهمية قيام المــؤسسات بأداء أعمالها بأساليب علمية حكيمة تكفل استمرارها وأداءها لعملها على الوجه المـطـلـــــوب، وحتى لا تتعرض لكيد الكائدين وأساليب المغرضين، ولا ينبغي أن يكون أهل النفاق أكـثـر حـنـكــة منا؛ فكم نالوا أهدافهم من جمعياتهم وأعمالهم حتى بلغوا مناهم(
.اللهم ألهمنا رشدنا، وأعذنا من شر أنفسنا