أجمعت الصحف الفرنسية على توظيف مصطلح ''الطرد'' في نقل خبر إطلاق سراح الوفد الإنساني الذي احتجزته إسرائيل في المياه الدولية. وأعتقد أن تلك الصحف أخذت الخبر حرفيا من وكالة الأنباء الفرنسية التي نشرت مقالا حرره مراسلها الإسرائيلي المتواجد في عين المكان؛ فجنسية المحرر لا تمكنه من استعمال غير تلك الألفاظ في توظيف المعلومة.
لكن ما يجلب الانتباه في القضية أن المواقع العربية أخذت العبارة نفسها ونشرتها بنفس الكيفية دون أن تشير إلى المصدر لرفع اللّبس.
إذا كنا نعرف خلفيات الإعلام الفرنسي كلما تعلق الأمر بإسرائيل، فإننا نتفهّم كيفية استعمال المفردات التي لا تنقص من شأن الصديق الحميم. لكن عندما يأخذها إعلام يعتقد أنه تجند للتنديد بما حدث من اعتداء سافر على بعثة إنسانية من قتل وجرح واعتقال، نتساءل عن ماهية التوظيف الأعمى لمصطلحات قاتلة.
إن الوفود التركية والعربية ومن 40 دولة لم تذهب تشحذ أمام باب إسرائيل أبدا. هؤلاء توجّهوا إلى غزة المحاصرة برّا وبحرا من دولة مارقة وأخرى متواطئة، حاملين تغذية وأدوية وألبسة، بهدف رفع الغبن عن أطفال ونساء وشيوخ في نار جهنم. فاعتدت عليهم إسرائيل في عملية قرصنة يشهد لها الجميع. احتجزهم عساكر ـ يفتقدون العزيمة القتالية ماداموا يطلقون النار على أناس لا يحملون سلاحا ـ واستنطقوهم وهدّدوهم واعتقلوهم ثم أطلقوا سراحهم تحت ضغط دولي غير مسبوق.
ثم يأتي القوم فيقولون إن إسرائيل ''طردتهم''، بما يوحي بأن في الأمر سيادة... يا عرب ويا عجم، هذه دولة اغتصبت أرضا ليست لها واستعبدت أهلها وجوّعتهم وسفكت دماءهم وشرّدتهم؛ لذا الوفود لم تذهب إلى إسرائيل ولن تفكر في ذلك. بل ذهبت إلى غزة السجينة حاملة رسالة شعوب كثيرة من العالم تعبّر عن وقوفها إلى جانبها مهما طال الزمن.
فتوظيف الكلام بهذه البساطة وتمرير السموم في ألفاظ ليست بريئة تحمل كل واحد منا مسؤولية وإن تصرف بسذاجة مطلقة. اسألوا يهود الجزائر الذين طردناهم ذات يوم ساخن فاستوطنوا في الضفة الأخرى من البحر واستحوذوا على وسائل الإعلام هناك فصاروا يوجهون الرأي العام حسب مقاصدهم. فحذار من الكلام غير المباح.
جريدة الخبر
المصدر :عبد القادر حريشان
2010-06-03