بسم الله الرحمن الرحيم ---مع الجزء الثالث من السلسلةالتي بداناها بي كلام الله بين الاشاعرة في الجوهرة وعقيدة السلف ،واليوم مع جزء جديد تحت عنوان البيجوري ومفهوم الايمان :
يقول اللقاني:
وفســر الإيمان بالتصديق *** والنطق فيه الخلف بالتحقيق
وفسر البيجوري هذا النظم بقوله:
إن الإيمان هو مطلق التصديق ، والإيمان والعمل الصالح متغايران ، ومن صدق بقلبه ولم يتفق له الإقرار في عمره لا مرة ولا أكثر من مرة مع القدرة على ذلك فهو مؤمن عند الله تعالى ؛ ولكنه شرط في إجراء الأحكام الدنيوية .
قال: والراجح أن الإيمان هو التصديق وهو غير الجزم
هل الإيمــــان هو التصديق فقط؟!!
إن القول أن الإيمان هو التصديق خطأ كبير ، ذلك لأن فيه اقتصاراً على المعنى اللغوي فط ، والإسلام قد أضاف للألفاظ معان شرعيّة زيادة على المعاني اللغوية ، مع أن الإيمان في بعض وجوه الأصل اللغوي تفيد العمل " .
مع أن هناك اعتراض على قولهم بأن الإيمان في اللغة عبارة عن التصديق بمنع الترادف بين التصديق والإيمان ، وهب أن الأمر يصح في موضع ، فلم قلتم إنه يوجب الترادف مطلقاً؟ وكذلك اعترض على دعوى الترادف بين الإسلام والإيمان. ووما يدل عىل عدم الترادف: أنه يقال للمخبرَ إذا صدق: صدّقه ، ولا يقال آمنه ولا آمن به ؛ بل يقال آمن له ، كما قال تعالى: {فآمن له لوط}. {فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف}. وقال تعالى: {يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين}. ففرق بين المعدّى بالباء والمعدى باللام ، فالأول يقال للمخبرَ به ، والثاني للمخبر. ولا يرد كونه يجوز أن يقال: ما أنت بمصدقٍ لنا ، لأن دخول اللام لتوقية العامل ، كما إذا تقدم المعمول ، أو كان العامل اسم فاعل ، أو مصدراً "5" فاقتصار الإيمان على التصديق فقط اقتصار مرفوض ، ذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أوقفنا على معاني الإيمان وعلمنا من مراده علماً ضرورياً أن من قيل إنه صدق ولم يتكلم بلسانه بالإيمان مع قدرته على ذلك ولا صلى ولا صام ولا أحب الله ورسوله ولا خاف الله ؛ بل كان مبغضاً للرسول معادياً له يقاتله: أن هذا ليس بمؤمن .
ومن هنا التصديق لا يطلق على المعنى المجرد عن اللفظ ولذا لم يجعل الله أحداً مصدقاً للرسل بمجرد العلم والتصديق الذي في قلوبهم حتى يصدقوهم بألسنتهم ولا يوجد في كلام العرب أن يقال فلان صدق فلاناً أو كذبه إذا كان يعلم بقلبه أنه صادق أو كاذب ولم يتكلم بذلك
وقد نفى الله الإيمان عمن صدق بقلبه ولم ينطقها بلسانه فقال سبحانه: {وما هم بمؤمنين}.
وقد بين الله سبحانه حال أقوام صدقوا بقلوبهم وأبوا أن يقروا بألسنتهم بأنهم كفرة مكذبين للرسل وللحق قال سبحانه: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنائهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون}.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
والمشــاهد أن هناك خلقاً من الكفار يعرفون في الباطن أن دين الإسلام حق ويذكرون ما يمنعهم من الإيمان إما معاداة أهلهم وإما ما لا يحصل من جهتهم يقطعونه عنهم وإما خوفهم إذا آمنوا أن لا يكون لهم حرمة عند المسلمين كحرمتهم في دينهم قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ } والمفسرون متفقون على أنه نزلت بسبب قوم ممن كان يظهر الإسـلام وفي قلبه مرض وخاف أن يغلب أهل الإسلام فيوالي الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم للخوف الذي في قلوبهم لا لاعتقادهم أن محمداً كاذب واليهود والنصارى وغيرهم للخوف الذي في قلوبهم لا لاعتقادهم أن محمداً كاذب واليهود والنصارى صادقون فقد روي أن عبادة بن الصامت قال: يا رسول الله إن لي موالي من اليهود وإني أبرأ إلى الله من ولاية
يهود فقال عبدالله بن أبي: لكني رجل أخاف الدوائر ولا أبرأ من ولاية يهود فنزلت هذه الآيـة .
وبقولهم إن الإيمان هو التصديق فقط إخراج للأعمال منه وهو قول باطل:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
لقد غلط المرجئة في أصلين أحدهما ظنهم أن الإيمان مجرد تصديق وعلم فقط ليس معه عمل وحال وحركة وإرادة ومحبة وخشية في القلب، فإن أعمال القلوب كلها فيها مما فرضه الله ورسوله فهو من الإيمان الواجب ، وفيها ما أحبه الله ولم يفرضه فهو من الإيمان المستحب ، فالأول لابد لكل مؤمن منه ، ومن اقتصر عليه فهو من الأبرار أصحاب اليمين ، والثاني للمقربين السابقين وذلك مثل حب الله ورسوله ؛ بل أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ؛ بل أن يكون الله ورسوله والجهاد في سبيله أحب إليه من أهله وماله ، ومثل خشية الله وحده من دون خشية المخلوقين ، ورجاء الله وحده دون رجاء المخلوقين ، والتوكل على الله وحده دون المخلوقين ، والإنابة إليه مع خشيته ، كما قال تعالى: {هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ ، من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب} .
والثاني من غلط المرجئة ظنهم أن كل من حكم الشارع بأنه كافر مخلد في النار فإنما ذلك لأنه لم يكن في قلبه شيء من العلم والتصديق ، وهذا أمر خالفوا به الحس والعقل والشرع ، فإن الإنســان قد يعرف أن الحق مع غيره ومع ذلك يجحد ذلك لحسده إياه أو لطلب علوه عليه أو لهوى في النفس وهو في قلبه يعلم أن الحق معه وعامة من كذب الرسل علموا أن الحق معهم وأنهم صادقون ولكنهم يكذِّبون إما لحسدهم وإما لإرادتهم العلو والرئاسة ، وإما لحبهم لدينهم الذي كانوا عليه ، فيكونون بذلك من أكفر الناس كإبليس وفرعون مع علمهم بأنهم على الباطل والرسول إنما معتمدهم على مخالفة أهوائهم كقولهم لنوح: {أنؤمن لك واتبعك الأرذلون} ومعلوم أن إتباع الأرذلين له لا يقدح في صدقه ومثل قول فرعون: {أنؤمن لبشر مثلنا وقومهما لنا عابدون} ومثل قول عامة المشركين: {إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون} وهذه الأمور وأمثالها ليست حججاً تقدح في صدق الرسل ؛ بل تبين أنها تخالف إرادتهم وأهوائهم وعاداتهم ، فلذلك لم يتبعوهم وهؤلاء كلهم كفار ؛ بل أبو طالب وغيره كانوا يحبون النبي صلى الله عليه وسلم ويحبون علو كلمته وليس عندهم حسد له ولكن كانوا بعلمون أنّ في متابعته فراق دين آبائهم وذم قريس لهم فما احتملت نفوسهم ترك العادة واحتمال هذا الذم فلم يتركوا الإيمان لعدم العلم ؛ بل لهوى النفس ، فكيــف يقال إن كل كافر إنما كفر لعدم علمه بالله "
وقال رحمه الله:
" وقد كَفّر السلف كوكيع بن الجراح وأحمد بن حنبل وغيرهما من يقول بهذا القول (إن الإيمان هو التصديق فقط) وقالوا: إبليس كافر بنص القرآن ، وإنما كفره باستكباره وامتناعه عن السجود لآدم لا لكونه كَذّبَ خبراً ، وكذلك فرعون وقومه قال الله تعالى فيهم: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً} وقال موسى عليه السلام لفرعون: {لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر} فدل على أن فرعون كان عالماً بأن الله أنزل الآيـات وهو من أكبر خلق الله عناداً وبغياً لفساد إرادته وقصده لا لعدم علمه"
وقال رحمه الله:
" لقد تبين أن الإيمان إذا أطلق في القرآن والسنــة يُراد به ما يراد بلفظ البر والتقوى وبلفظ الدين ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يبين أن الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، فكان كل ما يحبه الله يدخل في اسم الإيمان ، وكذلك لفظ البر يدخل فيه جميع ذلك إذا أطلق وكذلك لفظ التقوى وكذلك الدين أو دين الإسلام"
أما قول البيجوري إن التصديق لا يعني الجزم فهو يعني عنده أن المؤمن لا يجزم بما آمن به والله عز وجل يقول: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا} فاشترط سبحانه في صدق إيمانهم كونهم لم يرتابوا ولم يشكوا.
وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما فيحجب عن الجنة)) فاشترط رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزم وعدم الشك لصحة الإيمان.
وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل أبا هريرة بنعليه قائلاً له: من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة.
ولذلك لابد لكلمة التوحيد من شروط لتكون مفتاحاً لدخول الجنة وهذه الشروط هي:
1 – العلم بمعناها: قال تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} وفي الصحيح عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة.
2 – اليقين: أن يكون القائل مستيقناً بمدلول هذه الكلمة يقيناً جازماً فإن الإيمان لا يغني فيه إلا اليقين لا علم الظن والشك قال تعالى: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا}.
3 – القول لما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه: قال تعالى: {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أإنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون}.
فجعل الله سبحانه وتعالى علة تعذيبهم وسببه هو استكبارهم عن قول لا إله إلا الله كما تقدم.
4 – الانقياد لما دلت عليه بالطاعة والإنابة قال سبحانه: {وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له} وقال سبحانه: {ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى}.
5 – الصدق: وهو أن يقولها صدقاً من قلبه يوافق قلبه لسانه قال عز وجل: {ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلاّ أنفسهم وما يشعرون} ، فهم كاذبون في قولهم.
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: ((ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار)) فاشترط في قائل الكلمة أن يكون صادقاً.
6 – الإخلاص: قال سبحانه: {ألا لله الدين الخالص} وقال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء}.
7 – المحبة: قال تعالى: { ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله} .اه
والى جزء اخر ان شاء الله ---ابوابراهيم----