قال الشيخ محمد زاهد الكوثري رحمه الله : ( يوجد بين البشر من يرضى لنفسه أن يقول: ( إن القرآن كلام الله بحرف وصوت، ومع ذلك فهو غير مخلوق )!!
وفي هؤلاء يقول أبو بكر الباقلاني في ( النقص الكبير ):" من زعم أن السين من بسم الله بعد الباء، والميم بعد السين الواقعة بعد الباء لا أول له، فقد خرج عن المعقول وجحد الضرورة، وأنكر البديهة. فإن اعترف بوقوع شيء بعد شيء فقد اعترف بأوليته، فإذا ادعى أنه لا أول له فقد سقطت محاجته وتعين لحوقه بالسفسطة. وكيف يُرجى أن يرشد بالدليل من يتواقح في جحد الضرورى "اهـ [ راجع ( الشامل ) لإمام الحرمين، و ( نجم المهتدى ) لابن المعلم القرشي ].
وقال الحليمي في( شعب الإيمان ):" ومن زعم أن حركة شفتيه أو صوته أو كتابته بيده في الورقة هو عين كلام الله القائم بذاته، فقد زعم أن صفة الله قد حلت بذاته، ومست جوارحه، وسكنت قلبه، وأي فرق بين من يقول هذا وبين من يزعم من النصارى أن الكلمة اتحدت بعيسى عليه الصلاة والسلام؟! "اهـ.
وبعد إحاطة القارئ علماً بهذا وذاك، لينظر قول الموفق بن قدامة صاحب المغني ـ الذي يقول عنه ابن تيمية إنه ما حل دمشق مثله بعد الأوزاعي ـ في مناظرته مع بعض الأشاعرة في صدد نفي الكلام النفسي، المسجلة في المجموعة المحفوظة تحت رقم 116 بظاهرية دمشق: ( قال أهل الحق: القرآن كلام الله غير مخلوق. وقالت المعتزلة هو مخلوق. ولم يكن اختلافهم إلا في هذا الموجود دون ما في نفس الباري مما لا ندري ما هو ولا نعرفه اهـ ). وله أيضاً: ( الصراط المستقيم في إثبات الحرف القديم )!! وفيه عجائب. فيكون اعترف في أول خطوة أن الحق بيد المعتزلة وهو لا يشعر. فإذا كان حال الموفق هكذا فماذا يكون حال من دونه؟! نسأل الله الصون. وقد أجاد الآلوسي المفسر الرد عليه وعلى إخوانه من نفاة الكلام النفسي في مقدمة تفسيره، فنستغني بذلك عن الإفاضة فيه هنا.
والواقع: أن القرآن في اللوح وفي لسان جبريل عليه السلام وفي لسان النبي صلى الله عليه وسلم وألسنة سائر التالين وقلوبهم وألواحهم مخلوق حادث محدَث ضرورة. ومن ينكر ذلك يكون مسفسطاً ساقطاً من مرتبة الخطاب؛ وإنما ( القديم ): هو المعنى القائم بالله سبحانه، بمعنى الكلام النفسي في علم الله جل شأنه في نظر أحمد بن حنبل وابن حزم؛ وقد صح عن أحمد قوله في المناظرة: ( القرآن في علم الله وعلم الله غير مخلوق )، أو بمعنى صفة الكلام القائمة بالله سبحانه كقيام صفات العلم والقدرة ونحوهما به جل شأنه على تقدير ثبوت إطلاق القرآن عليها.
فدلالة القرآن على المعنى القائم بالله بالاعتبار الأول دلالة اللفظ على مدلوله الوضعي، ويشمل وجوده العلمي اللفظ والمعنى في آن واحد؛ لأن كليهما في علم الله.
ودلالته على الصفة القائمة به سبحانه بالاعتبار الثاني تكون دلالة عقلية كما لا يخفى.
فقولهم: ( القرآن مكتوب في مصاحفنا، محفوظ في قلوبنا، مقروء بألسنتنا، مسموع بآذاننا، من وصف المدلول باسم الدال مجازاً كما نص على ذلك السعد العلامة في شرح المقاصد، بل قال في شرح النسفية عند شرح قول النسفي: ( غير حال فيها ) : أي مع ذلك ليس حالاً في المصاحف ولا في القلوب والألسنة والآذان، بل هو معنى قديم قائم بذات الله تعالى، يلفظ ويسمع بالنظم الدال عليه، ويحفظ بالنظم المخيل، ويكتب بنقوش وصور وأشكال موضوعة للحروف الدالة عليه كما يقال: النار جوهر محرق. يذكر باللفظ، ويكتب بالقلم، ولا يلزم منه كون حقيقة النار صوتاً وحرفاً "اهـ.
ثم توسع في بيان الوجودات في الأعيان والأذهان والعبارات والكتابات مما يعد من مبادئ معارف المشتغلين بهذا العلم.
وبهذا تتبين قيمة شهادة ابن تيمية في حق العلماء، وليس عنده سوى ألفاظ مرصوصة لا إفادة تحتها في بحوثه الشاذة كلها، وغير المفيد لا يعد كلاماً، ولم يصح في نسبة الصوت إلى الله حديث.
وقد أفاض الحافظ أبو الحسن المقدسي شيخ المنذري في رسالة خاصة في تبيين بطلان الروايات في ذلك زيادة على ما يوجبه الدليل العقلي القاضي بتنزيه الله عن حلول الحوادث فيه سبحانه، وإن أجاز ذلك الشيخ الحراني تبعاً لابن ملكا اليهودي الفيلسوف المتمسلم، حتى اجترأ على أن يزعم أن اللفظ حادث شخصاً، قديم نوعاً!! يعني: أن اللفظ صادر منه تعالى بالحرف والصوت فيكون حادثاً حتماً، لكن ما من لفظ إلا وقبله لفظ صدر منه إلى ما لا أول له فيكون قديماً بالنوع!! ويكون قدمه بهذا الاعتبار في نظر هذا المنحرف، تعالى الله عن إفك الأفاكين.
ولم يدر المسكين بطلان القول بحلول الحوادث في الله جل شأنه، وأن القول بحوادث لا أول لها هذيان؛ لأن الحركة انتقال من حالة إلى حالة، فهي تقتضي بحسب ماهيتها كونها مسبوقة بالغير، فوجب أن يكون الجمع بينهما محالاً. ولأنه لا وجود للنوع إلا في ضمن أفراده، فادعاء قدم النوع مع الاعتراف بحدوث الأفراد يكون ظاهر البطلان. وقد أجاد الرد عليه العلامة قاسم في كلامه على المسايرة.
وفتاوى أهل العلم في الرد على الصَّوتية مسرودة في تكملة الرد على نونية ابن القيم. راجع [ السيف الصقيل ( ص: 41 ـ 64 ) ].
ونص فتيا العز بن عبد السلام:" القرآن كلام الله صفة من صفاته، قديم بقدمه، ليس بحروف ولا أصوات، ومن زعم أن الوصف القديم هو عين أصوات القارئين، وكتابة الكاتبين، فقد ألحد في الدين، وخالف إجماع المسلمين، بل إجماع العقلاء من غير أهل الدين، ولا يحل للعلماء كتمان الحق، ولا ترك البدع سارية في المسلمين، ويجب على ولاة الأمر إعانة العلماء المنزهين الموحدين، وقمع المبتدعة المشبهين المجسمين. ومن زعم أن المعجزة قديمة فقد جهل حقيقتها، ولا يحل لولاة الأمور تمكين أمثال هؤلاء من إفساد عقائد المسلمين، ويجب عليهم أن يلزموهم بتصحيح عقائدهم بمباحثة العلماء المعتبرين، فإن لم يفعلوا ألجئوا إلى ذلك بالحبس والضرب والتعزير، والله أعلم. كتبه عبد العزيز بن عبد السلام "اهـ.
ووجوب صون المجتمع الإسلامي من إفساد مفسد لعقيدتهم سيما في مساجدهم أمر لا يخص بلداً ولا زمناً. ألهمنا الله رشدنا.
وتخيل حلول كلام الله في تلاوة التالي في كلام السالمية تخيل مبرسم.
وقد هفا ابن قتيبة هفوة باردة في كتابه ( الاختلاف في اللفظ ) في تفلسفه بشأن اللفظ المسموع، فرددنا عليه رداً واضحاً مكشوفاً، فلو علم أن أسماء الكتب من قبيل أعلام الأجناس، فيتناول اسم ( أدب الكاتب ) له مثلاً ما تخيله هو في ذهنه أو كتبه بيده أو أملاه على مستمليه من ألفاظه وعباراته وألفاظ سائر القراء لكتابه، لعلم أن القرآن يشمل ما في اللوح وما في لسان جبريل عليه السلام، ولسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألسنة سائر التالين، وأن الكل محدث مخلوق سوى ما قام بالله قياما علمياً أو قيام صفة كما سبق، فيكون تصور تلقي القرآن من الله بحرف وصوت من فيه زيغاً مبيناً.
وقد كذب من عزا إلى أحمد بن حنبل أنه قال: ( وكلم الله موسى تكليماً ): من فيه، وناوله التوراة من يده إلى يده؛ كما نقله عبد القادر بدران المسكين في كتابه ( المدخل ) إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، رواية بطريق الاصطخري عنه ( ص: 30 )، وتلك الرواية موجودة أيضاً في ( طبقات الحنابلة ) للقاضي أبي الحسين بن أبي يَعْلى في ترجمة الاصطَخْري.
لكن المفروض أن يتورع مثل ابن بدران في مثل هذا العصر أن ينقل مثل ذلك بدون تزييفه.
وترى هكذا الأمر أخطر مما يتصور، ألهمنا الله السهر على معتقد جماعة المسلمين، وجنبنا مسايرة المبطلين. ) انظر مقالات الكوثري ( 57 - 61 )
= وقال العز بن عبد السلام ما نصه : ( فالله متكلم بكلام قديم أزلي ليس بحرف ولا صوت ولا يتصور في كلامه أن ينقلب مدادا في اللوح والاوراق شكلا ترمقه العيون والأحداق كما زعم أهل الحشو والنفاق بل الكتابة من أفعال العباد ولا يتصور من أفعالهم أن تكون قديمة ويجب احترامها لدلالتها على كلامه كما يجب احترام أسمائه لدلالتها على ذاته}, إلى أن قال:{ فويل لمن زعم أن كلام الله القديم شيء من ألفاظ العباد أو رسم من أشكال المداد ) انظر رسائله في التوحيد ( ص12 ) .
= وقال الإمام الفخر الرازي رحمه الله : ( وبذلك نشأ الخلاف بين فرق الأمة في مسألة الكلام, فصار فيها ثلاثة مذاهب:
الأول: مذهب المعتزلة و الماتريدية؛ وهو أن الله متكلم, ومعناه أن تلك الصفة يمتنع كونها مسموعة وأن المسموع حروف وأصوات مخلوقة, ويمكن أن نفرق بين مذهب المعتزلة والماتريدية, بأن الماتريدية أثبتت صفة نفسية, والمعتزلة لم تثبت ذلك فقالت هي صفة فعل لاصفة ذات.
الثاني: مذهب الأشاعرة وهو: أن الله متكلم, ومعناه:
أن الصفة النفسية المنزهة عن الحرف والصوت يمكن أن يسمعها الله من شاء من خلقه.
والثالث: مذهب الكرامية وجمهور الحنابلة القائلين بأن الله متكلم، ومعناه أن هذه الحروف والأصوات هي الكلام القديم النفسي القائم بذات الله تعالى, وهو قديم النوع حادث الأفراد, وأن هذه الحروف والأصوات غير مخلوقة, تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.
فأما القول الأول و الثاني فيمكن الأخذ بواحد منهما حسبما يترجح و يتبين لكل عالم من حيث الأدلة بعد إثبات صفة الكلام في الجملة و الله الموفق والهادي )انظر تفسيره ( 3 / 29 ـ 30 ) .
= وقال في موضع آخر : ( المسألة الرابعة: أجمعت الأمة على أن الله تعالى متكلم, ومن سوى الأشعري و أتباعه أطبقوا على أن كلام الله هو هذه الحروف المسموعة و الأصوات المؤلفة, وأما الأشعري وأتباعه فإنهم زعموا أن كلام الله تعالى صفة قديمة يعبر عنها بهذه الحروف والأصوات )
أما الفريق الأول: وهم الذين قالوا كلام الله تعالى هو هذه الحروف والكلمات فهم فريقان, ( أحدهما ) الحنابلة الذين قالوا بقدم هذه الحروف، وهؤلاء أخس من أن يذكروا في زمرة العقلاء, واتفق أني قلت يوماً لبعضهم: لو تكلم الله بهذه الحروف إما أن يتكلم بها دفعة واحدة أو على التعاقب والتوالي، والأول باطل لأن التكلم بجملة هذه الحروف دفعة واحدة لايفيد هذا النظم المركب على هذا التعاقب والتوالي، فوجب أن لا يكون هذا النظم المركب من هذه الحروف المتوالية كلام الله تعالى, والثاني: باطل لأنه تعالى لو تكلم بها على التوالي والتعاقب كانت محدثة, ولما سمع ذلك الرجل هذا الكلام قال: الواجب علينا أن نقر ونمر ) نفس المصدر ( 14 / 188 ) .
= ويقول العلامة الغنيمي الميداني الحنفي مانصه : ( وهو أي كلام الله الصفة الأزلية القائمة بذاته تعالى المنافية للسكوت والآفة وليس بحرف ولا صوت ليس بمخلوق ككلام البرية المؤلف من الحروف المشتمل على الأصوات, وقوله ليس بمخلوق خبر لقوله: إن القرآن, ولذا جعلت قوله كلام الله تفسيراً للقرآن, وإن كان الأقرب أن يكون هو الخبر لما نقل السعد في شرح العقائد عن الأشياخ أنه يقال: القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق، ولا يقال: القرآن غير مخلوق لئلا يسبق إلى الفهم أن المؤلف بين الأصوات و الحروف قديم, كما ذهب إليه الحنابلة جهلاً وعناداً ) انظر شرح العقيدة الطحاوية ( 68 )
= وقال الشيخ عبد الهادي أبو أصبع حفظه الله عند شرحه للبيت :
ونــزه القرآن أي كلامــه ***** عن الحدوث و أحذر انتقامه
قال الشيخ البيجوري في شرح هذا البيت:
(( أي اعتقد أيها المكلف تنزه القرآن بمعنى كلامه تعالى عن الحدوث خلافاً للمعتزلة القائلين بحدوث الكلام زعماً منهم أن من لوازمه الحروف والأصوات, وذلك مستحيل عليه تعالى, فكلام الله تعالى عندهم مخلوق, لأن الله تعالى خلقه في بعض الأجرام، ومذهب أهل السنة أن القرآن بمعنى الكلام النفسي ليس بمخلوق, وأما القرآن بمعنى اللفظ الذي نقرؤه فهو مخلوق, لكن يمتنع أن يقال القرآن مخلوق ويراد به اللفظ الذي نقرؤه إلا في مقام التعليم لأنه ربما أوهم أن القرآن بمعنى كلامه تعالى مخلوق, ولذلك امتنعت الأئمة من القول بخلق القرآن )). انظر كتابه الجوهر الفريد في علم التوحيد ( ص59 ـ 60 ) .
= وقال الامام ابو حنيفة النعمان في الفقه الأكبر والوصية : ( والقرءان كلام الله غير مخلوق ، ووحيه وتنزيله على رسول الله . وهو صفته على التحقيق . مكتوب في المصاحف ، مقروء بالألسنة ، محفوظ في الصدور غير حال فيها . والحبر والكاغَد والكتابة والقراءة مخلوقة لأنها أفعال العباد . فمن قال بأن كلام الله مخلوق فهو كافر بالله العظيم ) .
= وقال في " الفقه الأبسط " : ( ويتكلم لا ككلامنا . نحن نتكلم بالآلات من المخارج والحروف والله متكلم بِلا ءالة ولا حرف . فصفاته غير مخلوقة ولا محدثة ، والتغير والاختلاف في الأحوال يحدث في المخلوقين ومن قال إنها محدثة أو مخلوقة أو توقف فيها أو شك فيها فهو كافر ) .
= وقال سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله : ( وأنه حي مريد سميع بصير عليم قدير متكلم بكلام أزلي، ليس بحرف ولا وصت ولا يتصور في كلامه أن ينقلب مداداً في الألواح والأوراق شكلاً ترمقه العيون والأحداق، كما زعم أهل الحشو والنفاق، بل الكتابة من أفعال العباد، ولا يتصور في أفعالهم أن تكون قديمة، ويجب احترامها لدلالتها على ذاته كما يجب احترامها لدلالتها على صفاته، وحق لما دل عليه وانتسب إليه أن تعتقد عظمته وترعى حرمته ) انظر ايضاح الكلام فيما جرى للعز بن عبد السلام .
= وقال ايضا : ( فويل لمن زعم أن كلام الله القديم شيء من ألفاظ العباد، أو رسم من أشكال المداد، وأحمد ابن حنبل وفضلاء أصحابه وسائر علماء السلف براء مما نسبوه إليهم واختلقوه عليهم، وكيف يظن بأحمد وغيره من العلماء أن يعتقدوا أن وصف الله تعالى قديم، وهذه الألفاظ والأشكال حادثة بضرورة العقل وصريح النقل ) المصدر السابق .
= وقال ايضا : ( والعجب ممن يقول: القرآن مركب من حرف وصوت، ثم يزعم أنه في المصحف، وليس في المصحف إلا حرف مجرد لا صوت معه؛ إذ ليس فيه حرف متكون عن صوت، فإن الحرف اللفظي ليس هو الشكل الكتابي، وكذلك يدرك الحرف اللفظي بالآذان ولا يشاهد بالعيان، ويشاهد الشكل الكتابي بالعيان ولا يسمع بالآذان.
ومن توقف في ذلك لم يعد من العقلاء، فضلاً عن العلماء، فلا كثر الله من أهل البدع والأهواء، والإضلال والإغواء.
ومن قال: إن الوصف القديم حال في المصحف لزمه إذا احترق المصحف أن يقول: إن وصف الله القديم احترق !! سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.
ومن شأن القديم أن لا يلحقه تغير ولا عدم، فإن ذلك منافٍ للقدم، فإن زعموا أن القرآن مكتوب في المصحف غير حال فيه، كما يقوله الأشعري رحمه الله، فلم يلعنون الأشعري ؟! ) المصدر السابق .
= وقال ايضا : ( ومذهبنا أن كلام الله سبحانه قديم أزلي قائم بذاته، لا يشبه كلام الخلق، كما لا تشبه ذاته ذات الخلق، ولا يتصور في صفاته أن تفارق ذاته، إذ لو فارقته لصار ناقصاً تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
وهو مع ذلك مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور، مقروء بالألسنة، وصفة الله القديمة ليست بمداد الكاتبين ولا ألفاظ اللافظين، ومن اعتقد ذلك فقد فارق الدين، وخرج عن عقائد المسلمين، فلا يعتقد ذلك إلا جاهل غبي، وربنا المستعان على ما تصفون. ) المصدر السابق .
وهذه الرسالة ( ايضاح الكلام فيما جرى للعز بن عبد السلام )
=
= وقال الشيخ الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزابادي _ رحمه الله _: ( فإن قيل : ( كن ) كاف ونون ، ودليل الحدوث فيهما بيِّن لكونهما أحرفاً؛ فإن الأحرف لا تخرج إلاَّ من مخارج: فالميم مخرجها من الشفتين وانطباق عضو على عضو، والحاء: مخرجها من الحلق، وكذلك سائر الحروف؟! فإذا كانت الحروف لا تخرج إلاّ من مخارج, والربّ عز وجل منزّه عن ذلك؛ لأنه ليس ذا ألفاظ ومخارج يتقدم بعضها على بعض: فإنه في حال ما يتكلم بالكاف النون معدومة، وفي حال ما يوجد النون ويتكلم بها الكاف معدومة! وما هذه صفته: لا يكون إلاّ مخلوقاً. ولأن هذه الكاف والنون نشاهدهما في مصاحفنا أجساماًً مخلوقة، فتارة تكون بالحبر، وتارة تكون بالازورد، وتارة تنقش بالجص والآجر على المساجد وغيرها، فإذا قلنا بقدمها ونحن لا نشاهد إلاّ هذه الأجسام والألوان المخلوقةِ فقد قلنا بقدم العالم؛ لأن القديم لا يحل في المحدث، ولأن القول بهذا يؤدي إلى القول بما يعتقده النصارى؛ لأنهم يقولون: إن كلمة الله القديمة حلّت في عيسى فصار عيسى قديماً أزلياً! بل يكون هذا القول أعظم قولاً من النصارى؛ لأنهم لم يقولوا إلا بقدم عيسى! والقائل " بأن الكاف والنون قديمة " يقول بقدم أكثر المخلوقات، وإذا ثبت أن هذا الكاف والنون وجميع الحروف مخلوقة، لمشاهدتنا لها في دار الدنيا؛ لأنها لو كانت قديمة لما فارقت الموصوف، لأن الصفة لا تفارق الموصوف؛ لأنها إذا فارقته يكون موصوفاً بضدها، بطل ما ادعيتموه من القدم؟! )
= وقال الامام الغزالي رحمه الله : ( وأنه تعالى متكلم آمر ناه ، واعد متوعد بكلام أزلي قديم قائم بذاته ، لا يشبه كلام الخلق ، فليس بصوت يحدث من انسلال هواء أو اصطكاك أجرام ، ولا بحرف ينقطع بإطباق شفة أو تحريك لسان ، وأن القرآن والتوراة والإنجيل والزبور كتبه المنـزلة على رسله عليهم السلام ، وأن القرآن مقروء بالألسنة ، مكتوب في المصاحف ، محفوظ في القلوب ، وأنه مع ذلك قديم ، قائم بذات اللّه تعالى ، لا يقبل الانفصال والافتراق ، بالانتقال إلى القلوب والأوراق ، وأن موسى صلى اللّه عليه وسلم سمع كلام اللّه بغير صوت ولا حرف ، كما يرى الأبرار ذات اللّه تعالى في الآخرة من غير جوهر ولا عرض ........... ) انظر عقيدة اهل السنة والجماعة لحجة الاسلام الغزالي
= وقال العلامة احمد البرزنجي المدني( قيوم باق (ذاته) مخالفة لجميع الذوات (وصفاته) الحياة والإرادة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام، ومن كلامه القرآن العظيم المكتوب في المصاحف المحفوظ في الصدور المقروء بالألسنة ) . انظر رسالة في التوحيد للعلامة احمد البرزنجي المدني،