أشر ما دخل جوف ابن آدم الربا
الربا من أحرم الحرام، ومن الكبائر العظام، ومن الجرائم الجسام، ولهذا أعلن الله ورسوله حربهما يوم القيامة على المرابين التعساء الأشقياء عبدة الدراهم والدنانير الجراء، قال عز من قائل: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون"، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم: "تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش".
ولخطورة الربا فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكله، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، واللعن الطرد من رحمة الله التي وسعت كل شيء، ولهذا أحل الله لهذه الأمة البيع وحرم عليها الربا، وبيَّن رسولها البيوع الصحيحة من الفاسدة، وأوجب على من يعمل بالتجارة أن يتعلم أحكام البيوع، ولهذا كان عمر رضي الله عنه يمنع من لا يعرف أحكام البيوع من دخول السوق.
لقد تنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بانتشار الربا وتوسع الناس فيه في آخر الزمان، فقال: "يأتي على الناس زمان لا يبقى أحد إلا أكل الربا، ومن لم يأكل الربا أصابه غباره"
فمن استحل الربا بجميع أصنافه فقد كفر، ومن أقر بحرمته وتعاطاه قوتل وزجر.
قال ابن خويزمنداد: (ولو أن أهل بلد اصطلحوا على الربا استحلالاً كانوا مرتدين، والحكم فيهم كالحكم في أهل الردة، وإن لم يكن ذلك منهم استحلالاً جاز للإمام محاربتهم).
قال القرطبي رحمه الله: (ذكر ابن بكير قال: جاء رجل إلى مالك بن أنس فقال: يا أبا عبد الله إني رأيتُ رجلاً سكراناً يتعاقر، يريد أن يأخذ القمر، فقلت: امرأتي طالق إن كان يدخل جوف ابن آدم أشرُّ من الخمر؛ فقال: ارجع حتى أنظر في مسألتك؛ فأتاه من الغد، فقال له: ارجع حتى أنظر في مسألتك؛ فأتاه من الغد، فقال له: امرأتك طالق، إني تصفحت كتاب الله وسنة نبيه فلم أر شيئاً أشرَّ من الربا لأن الله أذن فيه بالحرب).
اعلم أخي الكريم أن أول ما ينتن من العبد بعد موته بطنه كما أخبر الصادق المصدوق، فاحذر أن يدخله إلا الحلال الطيب، واجتنب المحرمات والخبائث والشبه، وتذكر أن كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به، واحذر كذلك أن يكون الحلال هو ما حل في يدك، والحرام ما لم تتمكن من الحصول عليه.
واحرص أن ترضى بما قسمه الله لك، وأن تقنع بما قدره الله لك، فتنال سعادة الدنيا والآخرة، وانظر إلى من هو دونك، ولا تنظر إلى من هو فوقك، فتزدري نعم الله، فالقناعة كنز لا يفنى، وغنى لا يبلى، وتأسَّ برسولك وأصحابه والتابعين، ولا تلتفت إلى ما يلهث خلفه طلاب الدنيا، التي لو كانت تسوى عند الله جناح بعوضة ما سقى منها الكافر جرعة ماء.
اللهم إنا نسألك نفوساً مطمئنة، تؤمن بلقائك، وترضى بقضائك، وتقنع بعطائك، وتخشاك حق خشيتك، وصلى الله وسلم على رسوله وحبيبه وخيرة أصفيائه.