يوميات من حياة ناقد أدبي - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > خيمة الجلفة > الجلفة للمواضيع العامّة

الجلفة للمواضيع العامّة لجميع المواضيع التي ليس لها قسم مخصص في المنتدى

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

يوميات من حياة ناقد أدبي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-04-03, 11:02   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
batina
عضو مبـدع
 
الصورة الرمزية batina
 

 

 
إحصائية العضو










Hourse يوميات من حياة ناقد أدبي

يمد يده إلى جســد الكتاب كما يمد يده إلى جسد غنيمة ، يقلبه بين يديه ، يمرر صفحاته بين أصابعه ، يقرأ سطرا ، سطرين ، ثلاثة سطور . وينظر في وجه صاحب المكتبة ، يتقدم إليه والكتاب بيده ككنز ثمين ، يسأله عن السعر ، يجيبه صاحب المكتبة ، يشعر بشيء من إحباط ، يشكره ويعيد الكتاب إلى موضعه وقد علت حنجرته غصة ، لكنه يواسي نفسه بأن بداية الشهر ليست بعيدة وعندها سوف يقبض راتبه وأول شيء يفعله هو أن يتجه على الفور إلى هذه المكتبة لاقتناء الكتاب . في بداية الشهر يتناول راتبه وذهنه شارد في الكتاب ، يهرول نحو المكتبة ويمد يده إلى الكتاب ، يتقدم من صاحب المكتبة وينقده القيمة . للتو يشعر بفرح غامر ، لقد أصبح الكتاب ملكا شخصيا له ، يمكن أن يضمه إلى مكتبته العامرة التي بناها كتابا كتابا ، شهرا شهرا ، المكتبة التي طالما أنقذته من أمواج اليأس التي كانت تجتاحه خلال كل سنوات العزلة والوحدة ، كان يلجأ وهو في ذروة اليأس إلى صيدلية مكتبته فيمضي ساعات حتى ينسى نفسه ويخف عنه اليأس ، وكم من مرة أنقذته المكتبة من الانتحار ، من الشعور العميق بالعدم ، كانت دوما تخفف عنه آلام الروح وتقدم له العزاء , وتقدم له المسرة إلى درجة أنه أحيانا كان يرقص طربا وهو يقرأ ويستمع الموسيقى في هذه المكتبة المغلقة .

هاهو يخرج من مكتبة المدينة والعالم لايتسع حبوره بهذا الظفر الثمين ، وقبل أن يصل البيت يعرج إلى مطعم فيأخذ طعاما شهيا ، ثم يأخذ شرابا لذيذا حتى يحتفي بهذا الكنز الثمين الذي استطاع أن يحصل عليه . في الطريق إلى البيت وهو في سيارة الأجرة يضع كل مابيديه جانبا ولايفوته أن يتأمل مرة أخرى ظاهر هذا الكتاب ، يتأمل عملية إخراجه ، ينظر في اللوحة واسم راسمها ، ينظر في عدد الصفحات ، ثم يلقي نظرات شوق فائضة إلى أجساد الكلمات فتتحول أمام ناظريه إلى حياة كاملة ، وعندها يرى بلبلا يحط على شجرة خريف وهو ينظر في حرف / أ / ثم يرى هذا عصفورين ميتين جوار حفرة وهو ينظر في حرف / ص ٍ / وتتحول الكلمات إلى مناظر والسطور إلى دروب والجمل إلى بحار وأودية وجبال . يعود إلى حيث يجلس عندما يشير إليه السائق بأنه وصل البيت ، يناوله الأجر ويدخل البيت ، يتناول طعامه وشرابه ويأخذ قسطا من الراحة فتتهيأ كل ذرة فيه نحو تلقي صفحات أولية بمتعة بالغة . إنه يحافظ على حميمية العلاقة بين ذراته وذرات النص ، بين حواسه وحواس النص ، يتناول صفحات معدودة وينصرف إلى شأن آخر ، في اليوم التالي يأتي إلى صفحات أخرى ، يغير أو قات تلقي النص، في الصباح الباكر قبل ذهابه العمل بساعة ، في وقت قيلولة الظهيرة ، قبل النوم ، في وقت النوم والسهر حتى الشفق ، وينام معه الكتاب في الفراش ، يستيقظ معه صباحا ، يتحول إلى الزوجة تارة ، يتحول إلى الأولاد تارة أخرى ، إلى موائد سهر عامرة بالأصدقاء ، إلى مستقبل . تشرق عليه شمس النص ، ويهبط عليه ظلامه وهو يشعر بلذة روحية بالغة وهو يتناول الحروف والنقاط وعلامات الترقيم والإشارات والسطور والجمل ، تشرق روحه أمام إشراق النص البهي ويتذكر تلك النصوص التي لم يستطع الوصول إلى صفحاتها العشر الأولى بسبب فقدانها لأي نكهة أو لذة تشجعه للاستمرار، خوائها من أي ومضة إشراق ، أو لحظة حياة ، من عصفور أو حمامة أو جدول أو سمكة . وعندها يكيل عباراته الخاصة التي حفظها لكاتب هذا النص ويقسم ألا ّ يقرب من اسمه حتى لو رآه في صحيفة عابرة .



هاهو النص الثري الذي يضيء ويظلم العالم ، الذي يزلزل الحواس ، ينعش الروح ، ويُجري الدموع من العينين ، النص الذي يجعله يقهقه بأعلى صوته ، يصمت بأعلى صمته ، يخشع بأعلى خشوعه ، هاهو النص البهي الذي يبدل أحول النفس كما يبدل الزمن فصول السنة .

إنه فنان يعرف كيف يقود الكلمات إلى الأراضي الخصبة والينابيع العذبة الرقراقة كما يفعل الراعي الماهر ، يعرف كيف يمد يديه إلى ثدي الكلمات ليستخرج حليبها ولبنها وزبدتها وقشدتها ويقدمها في أطباق شهية . ياله من فنان ماهر هذا الذي أبدع هذا النص المذهل ، لابد للمرء أن يقتني أي شيء يراه لهذا الكاتب حتى لوكان في صحيفة عابرة .

ينتهي من القراءة الأولى ، ثم يختلي بنفسه يتأمل في كل مابثه إليه النص ، ويعود إليه كرة أخرى . يفرغ من السطوع الثاني الذي يكتشف في محرابه مالم يكتشف في السطوع الأول ، ويخرج من محراب الكلمات ، ينتظر حينا . ثم ينظر في أمر إعطاء هذا النص الثري حقه من النقد . يرتدي ثياب العوم في منتصف الليل ويقذف بجسده في مياه النص ويغوص في أعماق مياهه العذبة ، ثم يخرج ويعكر المياه , ويغوص فيها وهي عكرة ، ثم يخرج ويغوص فيها وهي راكدة ، ثم يخرج فيغوص فيها وهي صاخبة هائجة .

إنه مع كل سباحة وغوص في لون وشكل يستخرج ما لم يستخرجه من قبل ، ويأتي بصيده الثمين بعد كل هذه المراحل ، يشعر من جديد بأنه انفتح على النص مرة أخرى وانفتح النص عليه مرة أخرى . ينظر في قلمه وفي الصفحة البيضاء ويباشر في عمله .









 


رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أدبي, حياة, حوليات, ناقد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 14:46

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc