السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما حدث قبل عدة سنوات على الساحة السياسية في الجزائر، أمر أغرب من الخيال ولا يمكنه الحدوث إلا في أكثر دول العالم الثالث تخلفا وانحطاطا. حزب جبهة التحرير الوطني هو الحزب رقم 1 في الجزائر، هو حزب السلطة وهو الحزب الحاكم في البلاد بلا منازع حتى في عهد التعددية الحزبية، طبعا الأسباب معروفة ومنطقية فحزب جبهة التحرير هو الذي فجر وقاد ثورة التحرير ضد الاحتلال الفرنسي فكان طبيعيا أن يستمر هذا الحزب في حكمه للبلاد بعد الاستقلال.
لكن بين عشية وضحاها وفي لمح البصر ومن العدم ودون أي سابق إنذار يخرج علينا حزب جديد يفوز بالأغلبية الساحقة من مقاعد البرلمان، يفوز بالأغلبية حتى في أمريكا، أوربا وآسيا وسط الجالية الجزائرية المقيمة هناك. هذا الحزب ليس من الأحزاب الإسلامية التي لطالما أقلقت السلطة وأرقت مضاجعها، هذا الحزب ليس له علاقة على الإطلاق (في نظري) بثقافة ومبادئ وعادات وتقاليد الشعب الجزائري، هذا الحزب هو حزب " التجمع الوطني الديمقراطي ".
لماذا ياترى تنازلت السلطة عن حزب جبهة التحرير الوطني وتبنت هذا الحزب الأبتر المقطوع من شجرة ؟
هل كانت السلطة مضطرة لذلك ؟ ولماذا وقع الاختيار على هذا الحزب بالذات ؟
حزب التجمع الوطني الديمقراطي هو حزب علماني لا ديني صرف، زعيمه الحالي هو ذاك الرجل الفرانكفوني الإستئصالي الذي لا يخاف في الإستئصال لومة لائم، أحمد أويحي لخامس مرة (على ما أذكر) رئيسا للحكومة الجزائرية حتى لقب وبامتياز برجل المهمات القذرة.
جاء في بيان أول نوفمبر 1954 ما يلي :
" ولكي نبين بوضوح هدفنا فإننا نسطر فيما يلي الخطوط العريضة لبرنامجنا السياسي.
الهدف: الاستقلال الوطني بواسطة:
1 ـ إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية.
2 ـ احترام جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني. "
إذن هذا هو الهدف والمبادئ الأساسية لجبهة التحرير الوطني تحقيق الاستقلال الوطني في إطار المبادئ الإسلامية واحترام جميع الحريات الأساسية.
لكن من الواضح جدا أن التوجه الحالي للسلطة الجزائرية لا يتوافق أبدا مع مبادئ جبهة التحرير الوطني وبيان أول نوفمبر 1954، لذلك ربما كان من الواجب التضحية ولو جزئيا بجبهة التحرير الوطني واستبدالها بحزب التجمع الوطني الديمقراطي العلماني الذي يحقق مصالح وأهداف التوجه العلماني الفرانكفوني للسلطة الحاكمة في البلاد.
ليس من المنطق أن تلغى مادة العلوم الإسلامية في المدارس ويتم استبدالها بالفلسفة اليونانية والإغريقية البالية في ظل جبهة التحرير الوطني..
لا يعقل أن تصير الدولة الجزائرية تابعة فكريا وثقافيا وسياسيا لفرنسا تحت حكم جبهة التحرير الوطني.
ليس من اللائق معارضة أحكام الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بقانون الأسرة وإلغاء عقوبة الإعدام والتضييق على الحرية الشخصية للأفراد فيما يخص الوثائق البيومترية وغيرها من الأحكام تحت ظل جبهة التحرير الوطني..
التوجه العلماني الفرانكفوني للسلطة الجزائرية في ظل جبهة التحرير الوطني أمر صعب للغاية بل قد يكون مستحيلا في نظر البعض لأن ذلك يتناقض مع مبادئها وأهدافها، لكن كل ذلك وغيره أمر مشروع ولا حرج فيه تحت حكم حزب علماني يقوده رجل استئصالي لا علاقة له ولا لحزبه لا من بعيد ولا من قريب بالمبادئ التي قامت عليها الثورة الجزائرية ولا بمبادئ وعقيدة ودين وعادات وتقاليد الشعب الجزائري.