المسرحية
يعد الأدب المسرحي واحدا من أهم الأجناس الأدبية وأقدمها, إلا أنه حديث الانتشار في أدبنا العربي, فكيف تبوأ مكانته الجدير بها في أدبنا العربي الحديث؟
والمسرحية فن أدبي نثري عريق يتخذ من الصراع الدرامي روحه, ومن اللغة الحوارية جسده, ومن الشخصية الإنسانية محور حركيته وحبكته.
وبالرغم من قدم وعراقة هذا الفن عند الأمم الغربية كالإغريق, حيث تناول أرسطو بالحديث في كتابه [فن الشعر] وألّف فيه سوفوكليس رائعته [أوديب ملكا], واعتماده عند الكلاسيكيين الأوروبيين وسيلة تعبيرهم المفضلة من خلال مسرحية موليير [البخيل], واعتباره سرّ شهرة شكسبير في إنجلترا والعالم من خلال [عطيل], و[تاجر البندقية]مثلا, بالرغم من كل هذا فإنه لم يتنبّه العرب القدامى المولعون بثقافة الشعر والمتشبثون بتراثهم الأدبي على عكس مظاهر الثقافة الأخرى من علوم وفنون وفلسفة, أو ربما كانوا يتمتعون بحياة بسيطة طبيعية, أو لأسباب عقائدية.
لم يتنبّه العرب ولم يحفلوا به إلا بعد عصر النهضة الأدبية في العصر الحديث منذ ما يزيد عن القرن, فلقد كان ميلاد هذا الجنس الأدبي على يد مارون النقاش بعد أن عاد من أوربا متأثرا بمسرحها الكلاسيكي, ففكر في إنشاء المسرح العربي عام1847, حين أخرج مسرحية [البخيل] لـموليير بعد أن ترجمها إلى العربية, ثم أخذ يقتبس من قصص [ألف ليلة وليلة]بعد تحويرها, فوضع بذلك اللبنة الأولى لكتابة المسرحيات, وفسح الطريق لكتّاب المسرح العربي, وبه بدأت رحلة المسرحية في الأدب العربي تقطع أشواطا وتتطور عبر مراحل يمكن تقسيمها إلى محطات ثلاث.
فبعد مرحلة الترجمة تأتي مرحلة الاقتباس حيث كانت لها عوامل أهمها هجرة المهتمين بالمسرح من الكتاب اللبنانيين إلى مصر مثل يعقوب صنوع وفرقته, وأبي خليل القباني وفرقته, أضف إلى ذلك إنشاء الخديوي إسماعيل لدار "الأوبرا ", ودعوته للعديد من الفرق المسرحية الأجنبية لعرض أعمالها في مصر, وبداية ظهور فرق مسرحية ابتداء من منتصف القرن الـ19.
ولقد تميزت المسرحية في هذه الحقبة التاريخية بالاقتباس من المصادر الأوروبية مع تمصيرها, وطغيان اللهجة العامية على لغتها.
ثم تقدمت المسرحية في التطور والنضج قليلا بعد أن تعددت المسارح وكثرت الفرق فكانت مرحلة خروج المسرحية العربية من الاقتباس إلى الأصالة على يد مسرحيين متخصصين درسوا هذا الفن في فرنسا ثم عادوا ليجسدوه في أوطانهم, ولعل أبرز هؤلاء جورج أبيض حيث أنشأ مسرحا مصريا عربيا أصيلا بعد عودته من باريس عام1910, فقدم أول عمل مسرحي له [مصر الجديدة] مستوحى من الواقع الاجتماعي المصري لمؤلف مصري رائد هو فرح أنطون, فكانت أصيلة الفكرة والمنبع, تغلب عليها اللغة العربية الفصحى على العامية.
هذه الرحلة توجتها أعمال أحمد شوقي ابتداء من 1927 بمسرحياته الشعرية الشهيرة مثل [مصرع كليوبتره]و[مجنون ليلى], فبالرغم من قالبها الشعري إلا أنها كانت عاملا لاندفاع الكتّاب إلى التأليف في الأدب المسرحي.
فجاءت مرحلة الإبداع والنضج مع عزيز أباظة وعلي أحمد باكثير, إلا أن توفيق الحكيم يعدّ رائد الأدب المسرحي التمثيلي النثري, لأنه أول من ألّف في هذا الفن في كتب وضعت أساسا لتقرأ ثم لتمثّل.
وبالرغم من أن مسرحياته الذهنية الفلسفية الأولى لم تلق رواجا وترحيبا كبيرين في الأوساط الأدبية والنقدية لغياب الحركة الدرامية فيها, وتقييد أشخاصها لما يراه من رؤى فلسفية تحكم العقل وتعظّم الجانب الروحي في الإنسان انطلاقا من فكرته "التعادلية", إلا أن هذه الأعمال الرائدة من حيث لغتها المتقنة كما كانت بمثابة نقلة نوعية لحركة المسرح العربي, ولعل خير من يجسّد هذه الأعمال [أهل الكهف],[شهر زاد],[سليمان الحكيم], إضافة إلى أعماله المسرحية ذات الطابع الاجتماعي والنفسي, وفيها تحليل للواقع المصري والعربي اجتماعيا وسياسيا ونفسيا, وفيها وصف دقيق للبيئة العربية والمصرية, هذه الأعمال التي جمعت في كتابه [المسرح الاجتماعي].
ولقد قاربت مسرحيات الحكيم الثمانين مسرحية, كما عرفت هذه المرحلة ظهور التجربة المسرحية الجزائرية التي بعث أولى إرهاصاتها زيارة جورج أبيض إلى الجزائر.
ويعدّ أحمد رضا حوحو من خلال أعمال مثل [النائب المحترم],[بائعة الورد],[سي عاشور] رائدا في هذا المجال الذي واصله كتاب آخرون خاصة بعد الاستقلال كـأحمد توفيق المدني ومحمد الطاهر فضلاء والطاهر وطار وغيرهم.
والدارس للمسرحية يراها تعتمد على مقومات فنية شبيهة بمقوّمات القصة, ففيها الموضوع وهو المشكلة الأساسية التي يثيرها الكاتب ويريد حلاّ لها, ثم يأتي الصراع وهو روح المسرحية, وذلك لكون أشخاص المسرحية مختلفي المزاج والمواقف والمصالح مما يحدث –شيئا فشيئا- صراعا يصل إلى حدّ التأزّم الذي يسمى في لغة المسرحية بالعقدة, ثم يأتي الحلّ كما نراه يتتابع بسبب تفاعل الأحداث فيما بينها وتأثيرها في الأشخاص.
إن هذه العناصر كلها يحركها كاتب المسرحية بدقة وإمعان وينسجها جزءا جزءا ليشكل حبكته المسرحية, إلا أن أهم ما يميّز المسرحية لغتها المتمثلة في الحوار, لان كل عنصر ذكرناه عنها لا نكتشفه إلا بوسيلة الكاتب الوحيدة وهي الحوار.
ويجب على الحوار في المسرحية أن يطابق مستوى وثقافة وبيئة الشخصيات, وأن يكون سهلا طيّعا مفهوما لدى جميع القرّاء وقوي التأثير وبعيدا عن ذاتية الأديب ومتسلسلا ومحركا دراميا.
كما يختلف هذا الحوار من حيث لغته من المأساة إلى الملهاة, حيث يمتاز في الأولى بالجدّ وفي الثانية بالهزل, أو تجتمع اللغتان في الدراما الحديثة المازجة بين التراجيديا والكوميديا.
وهكذا, فإن المسرحية نشأت في الأدب العربي حديثا بفضل رواد يرجع لهم الفضل في تطويرها من مراحلها الابتدائية إلى النضج والإبداع بفضل ما درسوه عنها وعن خصائصها ومقوماتها الفنية المرتكزة أساسا على الحوار عمود وعماد وهيكل أي عمل مسرحي.
خصائص المسرحية:
1- ألا تطغى على الحوار روح الكاتب فتموت الشخصية.
2- أن يتضمن رنة موسيقية تشد القارئ أو المشاهد.
3- أن يتنوع الحوار بتنوع الشخصيات فلا تمسه الرتابة.