موقفي من أثافي جاهلية القرن الحادي والعشرين - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > القسم الاسلامي العام > أرشيف القسم الاسلامي العام

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

موقفي من أثافي جاهلية القرن الحادي والعشرين

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-02-12, 21:28   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
فحاصو
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










M001 موقفي من أثافي جاهلية القرن الحادي والعشرين

موقفي من أثافي جاهلية القرن الحادي والعشرين

لقد غشى على الناس قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ليل طويل مظلم دامس من الغفلة.. انقطعت فيه الصلات بين السماء والأرض.. فقضى الناس دهرهم في ظلام من الضلال دامس.. فعميت منهم البصائر.. وضلت منهم الأفهام.. وتبلدت العقول.. فتاهوا في شعاب الحياة.. بعد أن زاغت بهم سبل الجهل والغواية.. فلا هم يتبعون منطق العقل.. ولا هم يسلكون طريق الهدى.. فانصرفوا عن ربهم.. وجحدوا خالقهم.. فقدوا عقائدهم.. وتحللوا من دياناتهم.. وأهملوا عقولهم.. وصاروا إلى فوضى دينية وخلقية واجتماعية وسياسية ونظامية وفكرية وأخلاقية.. لم يعهد لها التاريخ ضريباً.. ولم ير لها شبيهاً.. ولم يعرف لها مثيلاً.. جعلوا يتخبطون على غير هدى.. فعبد قوم النار.. ثم لم يلبثوا أن كفروا بها.. وعبد قوم الكواكب والنجوم .. ثم بعد ذلك أنكروها.. وعبد قوم الحيوانات.. فإذا جاعوا ذبحوها وأكلوا لحمها.. وعبد آخرون أصناماً لا تغني ولا تسمن من جوع.. نصبوها بأيديهم.. ويستطيعون إذا شاؤوا أن يجعلوها جذاذاً.. ولم تكن الحال في أمة دون أخرى.. ولا في إقليم دون غيره.. أو في فئة دون فئة.. وإنما كانت فوضى دينية شاملة.. اقتحمت على الأمم أراضيها.. فدخلت على الحضريين دورهم وقصورهم.. وعلى البدويين خيامهم وفرقانهم.. وما زالت تلح بهؤلاء وأولئك حتى أفسدت العقائد.. ومحت ما عسى أن يكون عند بعضهم من بقية دين أو خلق.. فكان العالم يموج بأنواع من الفتن والشرور.. فظل الإنسان طريق الحكمة.. وتحكم في العقائد والأخلاق والروابط الاجتماعية..
أبنيَّ إن من الرجال بهيمة
في صورة الرجل السميع المبصر
فطن بكل مصيبة في ماله
فإذا أصيب بدينه لم يشعر
فالإنسان في تلك الجاهلية العمياء هانت عليه نفسه فعبد الحجر والشجر والحيوانات والكواكب والملائكة والجن.. وفسد تصوره لخالقه عز وجل.. فانقطع عنه نور الحق.. وفسدت عقليته فلم تعد تسيغ البديهيات وتعقل الجليات.. وفسد نظام فكره فإذا النظري عنده بديهي وبالعكس.. يستريب في موضع الجزم.. ويؤمن في موضع الشك.. وفسد ذوقه فصار يستحلي المر ويستطيب الخبيث.. ويستمرئ الوخيم.. وبطل حسه فأصبح لا يبغض العدو الظالم.. ولا يحب الصديق الناصح.. وفسد تصوره للفضائل.. فعاش على أساس من الشهوة العمياء.. والانحلال الخلقي والاجتماعي الذي لا يعرف الرحمة ولا الشفقة ولا التعاون.. كان هذا قبل بعثة نبينا الكريم محمد بن عبدالله صلوات ربي وسلامه عليه..
كانوا رعاة جمال قبل نهضتهم
وبعدها ملأوا الآفاق تمديناً
لو كبَّرت في ربوع الصين مئذنة
سمعت في الغرب تهليل المصلينا

وببعثته المباركة أخرج الناس من الظلمات إلى النور.. وأخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده.. وأخرج الناس من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.. ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.. يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر.. ويحل لهم الطيبات ويحرم الخبائث.. ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم.. فأخلصت نفوسهم لله وتطهرت من أرجاس الدنيا وأصبحوا في الدنيا رجال الآخرة.. وفي اليوم رجال الغد.. هانت عليهم نفوسهم فباعوها لله تعالى.. وهانت أموالهم وأولادهم ونساؤهم.. وبعث الإيمان بالآخرة في قلوب المسلمين شجاعة خارقة للعادة وحنيناً غريباً للجنة.. فتجلت لهم الجنة بنعمائها وحورها كأنهم يرونها رأي العين فطارت أرواحهم إليها شوقاً.. فاستسلموا للحكم الإلهي استسلاماً كاملاً فلا يتصرفون في أموالهم إلا بما يرضي الله تعالى.. ولا يتصرفون في أنفسهم وحياتهم إلا بما يرضي الله ويسمح به الله سبحانه وتعالى.. ولهذا فتحوا الأمصار.. وسادوا على الكفار.. وصاروا قادة الأمم.. ومعلمي البشر.. فكانت لهم مكانة وعزة وسؤدد بين الأمم.. وكان لسان حالهم يقول :
ولست أبالي حين أقتل مسلماً
على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
يبارك على أوصال شلوٍ ممزَّع
ولكن بمرور الأزمان.. وكر الشهور والأعوام.. وتعاقب الليل والنهار.. وابتعاد الناس عن أساس عزتهم وقوتهم.. عادت تلك الجاهلية التي قضى عليها الإسلام.. بل عادت أشد وأعنف.. وأظلم وأطغى.. فما أشبه اليوم بالبارحة.. وما أشبه أثافي جاهلية الماضي بأثافي جاهلية الحاضر.. وما أشبه عقول جاهلية الماضي بعقول جاهلية الحاضر.. فأولئك عبدوا حجارة لا تسمن ولا تغني من جوع.. واعتقدوا أن الحق فيها.. وأنها تنفع وتضر.. وأنها تقربهم إلى الله زلفى.. وهؤلاء عبدوا النفس والهوى.. وعبدوا الشهوة والشيطان.. واعتقدوا أن كل ما يفعلونه هو الصواب.. وهو الحق المبين.. وما عداه خطأ وأضاليل وأباطيل..
وآفة العقل الهوى فمن علا
على هواه عقله فقد نجا
إن القاسم المشترك الذي يجمع الفريقين.. أثافي جاهلية الماضي وأثافي جاهلية الحاضر هو الكبر والغرور.. واتباع النفس والهوى والشيطان .. فأبعداهما عن اتباع الحق.. والرضوخ لمنطق العقل..
من ذا الذي بسط البسيطة للورى
فرشاً وتوجها بسقف سمائه؟
من ذا الذي جعل النجوم ثواقباً
يهدي بها السائرين في ظلمائه؟
من ذا أتى بالشمس في أفق السما
تجري بتقدير على أرجائه؟
من أطلع القمر المنير إذا دجى
ليل فشابه صبحه بضيائه؟
من ذا الذي خلق الخلائق كلها
وكفى الجميع ببره وعطائه
وأدرَّ للطفل الرضيع معاشه
من أمه يمتص طيب غذائه؟

لقد ذكر الله سبحانه وتعالى أثافي جاهلية الماضي.. واستخف بعقولهم وطريقة تفكيرهم.. ومن منطقهم العقيم.. وأسلوب تعاملهم.. ومن كيفية استنتاجهم.. وطريقة مجادلتهم لأهل الحق.. ومن حججهم العقيمة.. وأعذارهم الواهية.. وفي هذا المقال سنبين بعض الصور عن أثافي جاهلية الماضي.. وكيف جحدوا الحق رغم بزوغه.. وكيف اتبعوا الباطل رغم معرفتهم التامة أنهم على ضلال مبين.. وكيف سلكوا في الظلام رغم إشراقة شمس الهدى.. إنه الكبر والغرور الذي يردي بصاحبه.. ويعميه عن رؤية الحقيقة واتباع الحق.. يقول أبو الحسن الندوي في كتابه القيم.. "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين".. شارحاً ومبيناً كيفية دفاع الجاهلية القديمة عن نفسها واستماتتها في سبيل بقائها حيث يقول :" ما أخطأ المجتمع الجاهلي فهم هذه الدعوة ومراميها.. وما غمَّ على أهلهأرمها.. وأدركوا عند قرع أسماعهم صوت النبي صلى الله عليه وسلم أن دعوتهإلى الإيمان بالله وحده سهم مسدد إلى كبد الجاهلية ونعي أهلها.. فقامتقيامة الجاهلية ودافعت عن تراثها دفاعها الأخير.. وقاتلت في سبيل الاحتفاظبه قتال المستميت.. وأجلبت على الداعي صلى الله عليه وسلم بخيلها ورجلها.. وجاءت بحدها وحديدها.. { وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} (ص: 6).. ووجد كل ركن من أركان هذه الحياة ومن أثافي الجاهلية نفسه مهدداً وحياتهمنذرة.. وهنا وقع ما تحدث عنه التاريخ من حوادث الاضطهاد والتعذيب.. وكانذلك آية توفيق النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أصاب الجاهلية في صميمها وفيمقتلها.. وثبت النبي صلى الله عليه وسلم على دعوته ثبوتاً دونه ثبوتالراسيات.. لا يثنيه أذى.. ولا يلويه كيد.. ولا يلتفت إلى إغراء"..
وقضيف من الرجال نحيف
راجح الوزن عند وزن الرجال
في أناس أوتوا حلوم العصافير
فلم تغنهم جسوم البغال
وإليكم بعض أثافي جاهلية العصر القديم.. وكيف تعرفوا على الحق واستيقنوا أن محمد بن عبدالله نبي مرسل من عند الله. ولكنهم جحدوه وأعرضوا عنه.. رغم اعترافهم بألسنتهم أنه على حق وعلى هدى.. حسداً من عند أنفسهم .. { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا }(النمل: 14).. تعالوا بنا نستعرض صور أثافي جاهلية الماضي وموقفهم من الدين الجديد :
الصورة الأولى : موقف النضر بن الحارث .. وهوأحد الذين ناوؤوا الدعوة الإسلامية في مبدأ ظهورها.. ووقفوا لأتباعهابالمرصاد .. فطمس الله على قلبه فلم يهتد إلى الحق.. وأعمى بصيرته فلميكتشف النور الجديد الذي ملأ الكون من حوله.. كان أحد أغنياء مكةووجهائها.. فاستغل ماله وجاهه في التنكيل بأتباع محمد صلى الله عليه وسلمومحاولة فتنتهم عن دينهم.. فتعالوا بنا نستعرض موقف النضر بن الحارث من الدين الجديد :
قال يوماً لسادة قريش ووجهائهم بعدما أعياه وأقض مضجعه انتشار الدين الجديد واستفحال أمر الدعوة وتسفيه أحلام كفار قريش وعيب دينهم وشتم آلهتهم من قبل أناس كانوا فيما مضى عبيداً وخدماً لهم وبعد أن أعيت الحيل في ثني الناس عن إتباع الدين الجديد قال : "يامعشر قريش.. إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد.. قد كانمحمد فيكم غلاماً حدثاً أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثاً وأعظمكم أمانة.. حتىإذا رأيتم في صدعيه الشيب وجاءكم بما جاءكم به قلتم : ساحر.. لا والله ماهو بساحر.. لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم.. وقلتم : كاهن.. لا والله ماهو بكاهن.. قد رأينا الكهنة وتخالجهم وسمعنا سجعهم.. وقلتم : شاعر : لاوالله ما هو بشاعر.. قد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها.. هزجه ورجزه.. وقلتم : مجنون.. لا والله ما هو بمجنون.. لقد رأينا الجنون فما هو بخنفهولا وسوسته ولا تخليطه.. يا معشر قريش.. فانظروا في شأنكم.. فإنه واللهلقد نزل بكم أمر عظيم".. هذا هو النضر بن الحارث وهذا موقفه من الإسلام عناد وجحود وكبر وغرور..
لقد ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز حيث قال على لسان النضر بن الحارث عندما عرضت عليه الرسالة وتبين له الهدى.. لكنه أعماه الحسد وأصمه الغرور والكبر.. فجحد الحق.. وأنكر الهدى.. وقال معلناً عناده وغروره :{ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْعَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}(الأنفال: 32)..
فما أسخف عقولهم.. وما أعظم كبرهم.. وما أشد ضلالهم.. وما أقسى قلوبهم.. وما أبلد أحاسيسهم.. يرون الهدى فيعرضوا عنه.. ويشاهدون طريق الحق فيتخذوههزوا.. ويمتنعون عن إتباع سبيل الرشاد بتهكم منهم واستهزاء وعنجهية.. وهذاالكلام يصور حالة من العناد الجامح الذي يؤثر الهلاك والعذاب على الإذعانللحق حتى ولو كان حقاً.. وهذا حال الكفر الذي يعمي ويصم..
إن الفطرة السليمة حين تشك أو ترتاب تدعو الله أن يكشف لها عن وجه الحق وأن يهديها إليه دون أن تجد في هذا غضاضة.. وكان الأجدر بكفار قريش حينما شكوا برسالة الإسلام وارتابوا من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقولوا : "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه ووفقنا في إتباعه.. وارزقنا سلوك طريقه".. لكنهم استعجلوا العقوبة والجزاء لسفههم وسخافة عقولهم.. وغلظة أكبادهم.. فحين تفسد الفطر السليمة بالكبرياء الجامحة والغرور الأحمق تأخذها العزة بالإثم حتى لتؤثر الهلاك والعذاب على أن تخضع للحق عندما يكشف لها واضحاً لا ريب فيه.. وكم ابتليت الأمة بأمثال هؤلاء.. وكم عانت الأمرين بعقول تدعي العلم والمعرفة والدراية والنباهة لكنها في حقيقة أمرها عقول بلهاء وأجسام جوفاء..
لا بأس بالقوم من طول ومن قصر
جسم البغال وأحلام العصافير

الصورة الثانية : موقفعمرو بن هشام بن المغيرة ويكنى أبا الحكم فكناه رسول الله صلى الله عليهوسلم أبا جهل.. قاهر المستضعفين وعدو المؤمنين بمكة وفرعون هذه الأمة كماقال الرسول صلى الله عليه وسلم.. وهو أحد كبار المستهزئين بالدعوةوصاحبها.. والمتآمرين على قتله في دار الندوة.. وكم نال المستضعفين علىيديه من تعذيب وتنكيل حتى أن بعضهم كانت تزهق روحه ـ كما حدث لسمية أمعمار بن ياسر أول شهيدة في الإسلام.. تعالوا بنا نستعرض موقف أبو جهل من الدين الجديد :
رويأن أبا جهل طاف بالبيت ذات ليلة ومعه الوليد بن المغيرة فتحدثا في شأنالنبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو جهل : والله إني لأعلم أنه صادق!! فقالله : مه وما دلك على ذلك؟!! فقال يا أبا عبد شمس : كنا نسميه في صباهالصادق الأمين فلما تمَّ عقله وكمُل رشده نسميه الكذاب الخائن!! والله إنيلأعلم أنه صادق!! قال : فما يمنعك أن تصدقه وتؤمن به؟!! قال : تتحدث عنيبنات قريش أني اتبعت يتيم أبي طالب من أجل كسرة!! واللات والعزى لا أتبعهأبداً!!..
وقد قال عنه تبارك وتعالى : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىعِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِغِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ } (الجاثية: 23).. وما أشبه فرعون موسى بفرعون محمد.. كلاهما أحمق ومغرور.. وكلاهما طاغية وجبار.. وكلاهما عرف الحق ولكنه اتبع سبيل النفس والهوى والشيطان .. { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} (النمل: 14).. ففرعون موسى لم يمنعه من الإيمان سوى خوفاً أن يقال أنه اتبع موسى وكان قوم موسى ذليلين.. وكان فرعون يذيقهم ويسومهم أشد العذاب وأفظعه.. وكان يذبح الذكور من الأولاد ويستبق الإناث على قيد الحياة للخدمة.. فكيف بعد ذلك يتبع ويرضخ أمام رجل منهم بدعوى أنه نبي مرسل.. { وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} (القصص: 39).. فتكبر فرعون في نفسه وعتا وطغى وتجبر ونظر إلى موسى بعين الازدراء والتنقيص قائلاً له : { أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} (الشعراء: 18).. ولهذا لم يؤمن إلا لما عاين الهلكة وأحيط به وباشر سكرات الموت حينئذ أناب وتاب ..{ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَإِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَالْمُسْلِمِينَ} (يونس: 90).. ولقد آمن فرعون في وقت حين لا ينفع نفساً إيمانها ..{ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُوَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْإِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْخَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} (غافر: 84، 85)..
ندم البغاة ولا ساعة مندم
والبغي مرتع مبتغيه وخيم
هذا حال فرعون موسى أما فرعون محمد فكان يمنعه منالإيمان خوفاً أن تتحدث عنه بنات قريش أنه اتبع يتيم أبي طالب من أجلكسرة!! فما أشد حمقه.. وما أعظم كبره.. فهو يخاف أن تتكلم النساء عنه بأنهاتبع يتيم أبي طالب من أجل كسرة خبز ولا يخاف أن ينكسه الله في نار جهنم.. فهل نحكم على هؤلاء البشر بسلامة العقول ورجاحتها؟!..
متى ما يكون مولاك خصمك لا تزل
تذل ويصرعك الذين تصارع
وهل ينهض البازي بغير جناحه
وإن جُذَّ يوماً ريشه فهو واقع
هذه الفئة في حقيقة أمرها مطموسة العينين فلا ترىالحق ولا تبصر الهدى.. غليظة القلب فلا تنبض برحمة أو شفقة.. بليدةالإحساس والعقل فلا تفكر ولا تهتدي بهدي الله.. لقد كان فرعون محمد أطغىوأظلم من فرعون موسى.. ففرعون موسى لما رأى الهلكة وتيقن أنه هالك لا محالأعلن إيمانه وتوبته رغم أنه لم ينفعه ذلك.. أما فرعون محمد فبرغم أنه كانفي الرمق الأخير لكنه مازال في تيهه وغروره وكبره وعناده فعندما رآهعبدالله بن مسعود في ميدان المعركة يوم بدر طريحاً على الأرض وفي الرمقالأخير من الحياة وضع رجله على عنقه وقال له : لقد أخزاك الله يا عدوالله.. فرد عليه أبو جهل بكل كبر وغرور وعنجهية : لقد ارتقيت مرتقى صعباًيا رويعي الغنم.. فأيهما أشد وأطغى فرعون موسى أم فرعون محمد؟!
لا خير في حسن الجسوم وطولها
إذا لم يزن حسن الجسوم عقول
وروي أيضاً أن الأخنس بن شريق التقى بأبي جهل بن هشامفقال له : يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس عندناأحد غيرنا!! . فقال أبو جهل : والله إن محمداً لصادق وما كذب قط!! ولكنإذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجامة والنبوة فماذا يكون لسائرقريش؟!!.. وقد قال الله تعالى عنهم: { قَدْنَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَيُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ} (الأنعام: 33)..
وفي رواية أخرى.. أتى الأخنس بن شريق أبا جهل فدخلعليه بيته فقال : يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال أبو جهل : ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف! أطعموا فأطعمنا.. وحملوافحملنا.. وأعطوا فأعطينا.. حتى إذا تحاذينا على الركب وكنا كفرسي رهانقالوا : منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك مثل هذه؟!! والله لانؤمن به أبداً ولا نصدقه!!..
إذا.. القضية ليست هل محمد صادق أم كاذب؟! وهلالدين الذي جاء به من عند الله أم ابتدعه من نفسه؟! القضية أكبر من ذلك.. هي قضية الصراع على الجاه والمنصب والسلطة.. وقضية التسابق والتكالب علىعرض الدنيا الزائل.. إنه لم يغب عنهم الحق ساعة بل كانوا يعرفونه ولكنهمكانوا كارهين لهذا الحق الذي جاء عن طريق بني عبد مناف.. فيا لسخافةالعقول!!..
يا هاشم الخير إن الله فضلكم
على البرية فضلاً ما له غير
إني تفرست فيك الخير أعرفه
فراسة خالفتهم في الذي نظروا
ولو سألت أو استنصرت بعضهم
في جل أمرك ما آووا ولا نصروا
فثبت الله ما آتاك من حسن
تثبيت موسى ونصراً كالذي نصروا
يحار المرء في أمر هؤلاء القوم كيف يعرضون عن إتباعالحق رغم شهادتهم بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فبرغم أنهم فيدخيلة نفوسهم لا يكذبون الرسول صلى الله عليه وسلم بل يعتقدون صدقهوأمانته ولكن يجحدون رسالته عن عناد وكبر وغرور وحسد من عند أنفسهم حتىأنه كان يقول أبو جهل : "ما نكذبك يا محمد وإنك عندنا لمصدّق وإنما نكذبما جئت به"!!.. فبأي عقلية يفكرون؟!! وأي منطق يتبعون؟!.. وأي طريقيسلكون؟!.. فيا لضحالة العقول!!.. يرون الحق ويعترفون به ولكنهم يرفضونالانصياع له.. ويرون النور لكنهم يفضلون المكوث في العتمة ويعيشون فيالظلمة..
تعدون قتلاً في الحرام عظيمة
وأعظم منه لو نرى الرشد راشد
صدودكم عما يقول محمد
وكفر به والله راء وشاهد
وإخراجكم من مسجد الله أهله
لئلا يرى الله في البيت ساجد
بل إنهم لم يكتفوا برفض رسالة التوحيد واتهام الرسول صلى الله عليه وسلم بالاتهامات الباطلة فيما يأتي به من معجزات وبراهين بصدق رسالته.. وإنما حرضوا الضعفاء والجهلة على عدم الإيمان والتصديق.. وعلى عدم طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يدعوهم إليه من عبادة الله الواحد الأحد.. لأنه سيصرفهم عن دين آبائهم.. معتقدين أنه هدفه أن تكون له العزة والسيادة عليهم.. فحذروهم من أن يطيعوه أو يسمعوا كلامه.. وأخبروهم أنه ما يدعيه كذب وافتراء ولم يكتفوا بذلك بل أنكروا اختصاصه عليه السلام بالوحي من بينهم وهذا الإنكار ترجمة عما كانت تغلي به صدورهم من الحسد على ما أوتي من شرف النبوة من بينهم قال تعالى : { وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَاسَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَالَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُواوَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ * مَاسَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّااخْتِلَاقٌ * أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِيشَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ } (ص: 4 ـ8).. وهذا خوفاً أن تزلزل الأرض من تحت أقدامهم الدعوة الجديدة فتسلبهم عزهم وجبروتهم ومكانتهم التي اصطنعوها من أكتاف الضعفاء والفقراء..
كل العداوات قد ترجى إقالتها
إلا عداوة من عاداك من حسد
فإن في القلب منها عقدة عقدت
وليس يفتحها راق إلى الأبد
إلا الإله فإن يرحم يحللها
وإن أباه فلا ترجوه من أحد
إننا نجد في كل مصر وفي كل عصر أبا جهل جديد يحاول جاهداً في صد الناس عناتباع الهدى.. وثنيهم عن سلوك درب الرشاد.. ومحاولة طمس أنوار الحق.. وقدشهد عصرنا هذابعض أولئك الجهلة والمرتزقة والذين تسلقوا على أكتافالضعفاء والفقراء والمساكين عن طريق المكر والخداع والكذب والدسيسة.. فاستبدوا برأيهم.. وتحكموا في مصائر الناس وأقدارهم..

الصورة الثالثة : موقفالوليد بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم.. كان يقال له : العدل.. وسمي : أوحد العرب.. وأطلق عليه : ريحانة العرب.. وهو أحد قضاة العرب فيالجاهلية.. ومن زعماء قريش في دار الندوة وصفه بعض المؤرخين بأنه كانرزيناً هداه عقله إلى بعض الحق منها أنه عرف أن الخمر لا تليق بالرجلالوقور فحرمها على نفسه ـ وهو في الجاهلية قبل ظهور الإسلام ـ وحرمها علىأبنائه.. وضرب ابنه هشاماً على شربها.. وكان يعرف للبيت الحرام قدسيته.. فكان يكسو الكعبة وحده عاماً وتكسوها قريش كلها عاماً آخر من هنا جاء لقبالعدل.. لأنه كان يعدل قريش.. فتعالوا بنا نستعرض موقف الوليد بن المغيرة من الدين الجديد :
مر الوليد بن المغيرة بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ويقرأ القرآنفاستمع لقراءته وتأثر بها فانطلق الوليد حتى أتي مجلس قومه من بني مخزومفقال : "والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا منكلام الجن والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفلهلمغدق وإنه يعلو ولا يعلى عليه".. ثم انصرف إلى منزله فقالت قريش : لقدصبأ والله الوليد ولتصبأن قريش كلها!! فقال أبو جهل : أنا أكفيكموه!! فانطلق حتى جلس إلى جانب الوليد حزيناً فقال له الوليد : ما لي أراكحزيناً يا ابن أخي؟! فقال : كيف لا أحزن وهذه قريش تجمع لك مالاً ليعينوكبه على كبر سنك ويزعمون أنك زيَّنت كلام محمد وصبأت لتصيب من فضل طعامهوتنال من ماله!! فغضب الوليد وقال : ألم تعلم قريش أني من أكثرهم مالاًوولداً؟! وهل شبع محمد وأصحابه من الطعام حتى يكون لهم فضل طعام؟! ثم قاممع أبو جهل حتى أتى مجلس قومه فقال لهم : تزعمون أن محمداً مجنون فهلرأيتموه يخنق؟! قالوا : اللهم لا!! قال : تزعمون أنه كاهن فهل رأيتموهتكهن قط؟! قالوا : اللهم لا!! قال : تزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه نطق بشعرقط؟! قالوا : اللهم لا!! قال : تزعمون أنه كذاب فهل جربتم عليه كذباًقط؟!! قالوا : اللهم لا!! فقالت قريش للوليد : فما هو؟!! ففكر في نفسه ثمقال : ما هو إلا ساحر!!! أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده وما هذاالذي يقوله إلا سحر يؤثر!!.. { وَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ } (الزخرف:30).. وقال تعالى واصفاً ذلك الشقي الكافر الوليد بن المغيرة وقوله الشنيع في القرآن : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْأَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُصَعُودًا * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّأَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} (المدثر: 11 ـ 25)..
ضعاف الطير أطولها جسوماً
ولم تطل البزاة ولا الصقور
لقد عظم البعير بغير لبٍّ
فلم يستغن بالعظم البعير
وهكذا نرى أنه لما برم صناديد قريش برسول الله صلى الله عليه وسلم وضاقت عليهم الحيل في إسكاته وإطفاء نور دعوته لجؤوا إلى الوليد بن المغير فأشار عليهم بأن يلقبوه صلى الله عليه وسلم بالساحر ويأمروا عبيدهم وصبيانهم أن ينادوا بذلك في مكة فجعلوا ينادون أن محمداً ساحر فحزن لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل قوله تعالى : { وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ* هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ *عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ *أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ *إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَأَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ *سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ } (القلم: 10 ـ 16).. وقد نزلت هذه الآيات في معرض تهديده وتخويفه ليكون ذلك أدعى للكسر من كبريائه..
إذا ظالم قد حالف الظلم مذهباً
وجار علواً في قبيح اكتسابه
فكله إلى ريب الزمان وجوره
سيبدي له ما لم يكن في حسابه
فكم ذا رأينا ظالماً متجبِّرا
يرى النجم تيهاً تحت ظل ركابه
فلما تمادى واستطال بجوره
أناخت صروف الحادثات ببابه
وعوقب بالذنب الذي كان يجتني
وصب عليه الله سوط عذابه
فلا فضة تحميه عند انفضاضه
ولا ذهب يثنيه عند ذهابه
فعندما سمع الوليد بدعوة الإسلام التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم انتفخت أوداجه كبراً وصلفاً وأخذته العزة بالإثم وزعم أنه أحق الناس بالنبوة والقرآن.. وقال : أينزل القرآن على محمد وأترك؟ وأنا كبير قريش وسيدها.. ويردد القرآن أمانيهم الباطلة.. وأحلامهم الواهية.. وتدخلهم في شؤون الخالق جلا وعلا.. وهم أنفسهم لا يملكون من أمر أنفسهم شيئاً.. قال تعالى : { وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَالْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُقَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَاوَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمبَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (الزخرف: 31، 32).. ظناً منهم أن العظيم هو الذي يكون له مال وجاه.. وفاتهم أن العظيم هو الذي يكون عند الله تعالى عظيماً فهم يعتبرون مقياس العظمة الجاه والمال.. وهذا مقياس الحمقى ورأي الجاهلين في كل زمان ومكان وأما مقياس العظمة الحقيقية عند الله تعالى وعند العقلاء فإنما هي عظمة النفس وسمو الروح ومن أعظم نفساً وأسمى روحاً من محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام..
وما حسن الجسوم لهم بزين
إذا كانت خلائقهم قباحا
الصورة الرابعة : موقفعم الرسول صلى الله عليه وسلم أبو طالب بن عبد المطلب وكافله بعد وفاة جدهعبد المطلب.. والحائل بينه وبين عصبة الكفر بمكة أن ينالوا منه أو يصيبهأحد منهم بأذى.. سمي عبد مناف.. وقد تعلم في بيت والده عبد المطلب الخلالالحسنة.. والصفات الطيبة.. وتلقن على يديه في مدرسة الأسرة دماثة الخلقوحسن المعاملة وسياسة الرجال.. تعالوا بنا نستعرض موقفه من دعوة ابن أخيه:
لما حضرته الوفاة جمع وجوه قريش وأوصاهم ومن ضمنوصيته قال لهم : "وأنا أوصيكم بمحمد خيراً.. فإنه الأمين في قريش.. والصديق في العرب.. وهو جامع لكل ما أوصيكم به.. وقد جاء بأمر قبلهالجنان.. وأنكره اللسان!!.. مخافة الشنآن!!.. وأيم والله كأني أنظر إلىصعاليك العرب.. وأهل البر في الأطراف.. والمستضعفين من الناس.. قد أجابوادعوته.. وصدَّقوا كلمته.. وأعظموا أمره.. فخاض بهم غمرات.. فصارت رؤساءقريش وصناديدها أذناباً.. ودورها خراباً.. وضعفاؤها أرباباً.. وإذا أعظمهمعليه أحوجهم عنده.. وأبعدهم منه أحظاهم عنده.. قد محَّضته العرب ودادها.. وأصفت له فؤادها.. وأعطته قيادها دونكم..
يا معشر قريش ابن أبيكم.. كونوا ولاة لحزبه حماة.. ووالله لا يسلك أحد منكم سبيله إلا رشد ولا يأخذأحد بهديه إلا سعد.. ولو كان لنفسي مدة ولأجلي تأخير.. لكفيت عنهالهزاهز.. ولدافعت عنه الدواهي".. وقد نسب إليه شعراً:
والله لـن يصلـــوا إليــك بجمعــهم
حتــى أوسَّــد فـي التــراب دفينــا
فامـض لأمـرك قـد زعمتـك ناصحـي
فلقــد صدقــت وكنــت ثـم أمينــا
وعرضـت دينـــاً قــد عرفت بأنـه
مـن خيــر أديـــان البــرية دينـا
لــولا الملامــة أو حــذار مسبَّــة
لـوجدتنــي سمحــاً بــذاك يقينـا
وروي أيضاً أن أبا طالب رأى أبنه علي بن أبي طالب فيأحد شعاب مكة يصلي مع رسول الله ـ وكان ذلك ثاني يوم من الرسالة ـ فقال لهأبوه : أي بني : ما هذا الدين الذي أنت عليه؟! فقال علي : يا أبت! آمنتبرسول الله.. وصدقت بما جاء به.. وصليت معه لله.. واتبعته.. فقال أبو طالب : أما إنه لم يدعك إلا إلى خير فالزمه!!..
يحار العقل في هذا الأمر كيف يخاف أبو طالب من كلام الناس وسخريتهم عند اتباعه ابن أخيه رغم ما اتصف به من رجاحة العقل وسعة الأفق ودماثة الخلق وحسن المعاملة وسياسة الرجال.. ولكن : { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (القصص:56).. وكيف يعرض عن الحق رغم اعترافه به ورغم ما لمسه من ابن أخيه وما شاهده من واقع الحياة على أن لابن أخيه شأن عظيم فمن ضمن الأشياء التي لفتت نظر أبي طالب وشدته إلى ابن أخيه وجعلته يحبه حباً لا يدانيه حب وقربه منه وأدناه وكان لا ينام إلا بجواره ولا يخرج إلا معه ولا يتناول طعامه إلا إذا جلس معه على مائدة الطعام.. لقد رأى أبو طالب أن أولاده إذا أكلوا فرادى أو جميعاً لم يشبعوا وطلبوا كثيراً من الطعام والشراب وإذا كان معهم رسول الله شبعوا وقنعوا فكان إذا وضع الطعام وهمَّ أولاده به قال لهم : "مكانكم حتى يحضر ابني"..
والأمر الثاني عندما سافر أبو طالب إلى الشام فيتجارة له حمل معه ابن أخيه محمد بن عبدالله وكان غلاماً صغير السن لايتعدى الثانية عشر من العمر ولما نزل الركب بصرى من أرض الشام وكان بهاراهب يقال له بحيرى وكان يعيش في صومعة له وكان إليه علم أهل النصرانيةولم يزل في تلك الصومعة منذ أن كان راهباً يصير إليه علمهم عن كتاب فيها ـفيما يزعمون ـ يتوارثونه كابراً عن كابر.. فلما نزلوا ذلك العام ببحيرى.. وكانوا كثيراً ما يمرون به قبل ذلك فلا يكلمهم ولا يعرض لهم.. حتى كان ذلكالعام.. فلما نزلوا به قريباً من صومعته صنع لهم طعاماً كثيراً عندما رأىرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صومعته في الركب حين أقبلوا وغمامةتظلله من بين القوم.. ولما نزلوا في ظل الشجرة قريباً من صومعته.. فنظرإلى الغمامة حين أظلت الشجرة وتهصرت أغصانها السامقة على رسول الله صلىالله عليه وسلم حتى استظل تحتها.. فلما رأى ذلك بحيرى نزل من صومعته.. وقدأمر بذلك الطعام فصنع.. ثم أرسل إليهم فقال : "إني قد صنعت لكم طعاماً يامعشر قريش.. فأنا أحب أن تحضروا كلكم وصغيركم وكبيركم وعبيدكم وأحراركم".. فقال له رجل منهم : والله يا بحيرى إن لك لشأناً اليوم ما كنت تصنع هذابنا وقد كنا نمرُّ بك كثيراً فما شأنك اليوم؟!!
قال له بحيرى : صدقت.. قد كان ما تقول.. ولكنكم ضيف.. وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاماًفتأكلوا منه كلكم.. فاجتمعوا إليه.. وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلممن بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم تحت الشجرة.. فلما نظر بحيرى فيالقوم لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده فقال : يا معشر قريش.. لا يتخلفنأحد منكم عن طعامي.. قالوا له : يا بحيرى.. ما تخلف عندك أحد ينبغي له أنيأتيك إلا غلام وهو أحدث القوم سناً.. فتخلف في رحالهم.. فقال : لاتفعلوا.. ادعوه ليحضر هذا الطعام معكم.. فقال رجل من قريش مع القوم : واللات والعزى إن كان للؤم بنا أن يتخلف ابن عبدالله بن عبد المطلب عنطعام من بيننا.. ثم قام إليه فاحتضنه وأجلسه مع القوم.. فلما رآه بحيرىجعل يلحظه لحظاً شديداً وينظر إلى أشياء من جسده وقد كان يجدها عنده منصفته.. حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا قام إليه بحيرى فقال : ياغلام .. أسألك بحق اللات والعزى ألا ما أخبرتني عما أسألك عنه.. وإنما قالله بحيرى ذلك.. لأنه سمع قومه يحلفون بهما.. فقال له رسول الله صلى اللهعليه وسلم : لا تسألني باللات والعزى شيئاً فوالله ما أبغضت شيئاً قطبغضهما.. فقال له بحيرى : فبالله ألا أخبرتني عما أسألك عنه؟ فقال له : سلني عما بدا لك..
فجعل يسأله عن أشياء من حاله.. من نومه وهيئته وأموره.. فجعل رسول اللهصلى الله عليه وسلم يخبره.. فيوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته.. ثم نظر إلىظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده.. فلما فرغأقبل على عمه أبي طالب فقال له : ما هذا الغلام منك؟ قال : ابني.. قال لهبحيرى : ما هو بابنك!! وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حياً.. قال : فإنه ابن أخي.. قال : فما فعل أبوه؟ قال : مات وأمه حبلى به.. قال : صدقت!!.. فارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه اليهود.. فوالله لئن رأوهوعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شراً.. فإنه كائن لابن أخيك.. هذا شأن عظيمفاسرع به إلى بلاده.. فخرج به عمه أبو طالب سريعاً .. حتى أقدمه مكة حينفرغ من تجارته بالشام وخرج به سريعاً إلى بلده.. يخشى عليه الناس ويحوطهبرعايته.. ووقر في نفس أبي طالب أن لابن أخيه شأناً عظيماً في مقبلالأيام.. فلماذا إذن توقف أبو طالب عن النطق بكلمة "لا إله إلا الله" واستمر على دين الآباء والأجداد طوال حياته؟.. وهو الذي كان خير معين وسند ومدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فالذي يستقرئ وقائع التاريخ يرى أن أبا طالب لم يكن يشك في صدق محمد.. لأنه كان أقرب الناس إلى طفولته وشبابه.. ورأى من الآيات البينات.. ودلائل البركات التي أحاطت بالطفل الصغير ما لا يدع في قلبه أدنى مجال للشك أو الريبة.. فلقد رأى بركة محمد عندما كان يجلس مع أبنائه لتناول الطعام.. وسمع من الراهب بحيرى الكثير عن مستقبل هذا الغلام.. وأنه سيكون له شأن عظيم.. وشاهد بنفسه الغمامة وهي تظله من وقدة الشمس وشدة لهيبها عند رجوعهما من رحلة الشام.. فلماذا أصر أبو طالب على كفره؟! ولم توقف ولم يكن من المسارعين إلى الدعوة الجديدة لما اتصف به من صفات وخلال حميدة؟!.. وما هي الأشياء التي حالت بينه وبين اتباع الحق وسلوك طريق الهدى والرشاد؟ أهو الخوف من الشنآن كما قال في خطبته لقومه قبل وفاته؟! أم كان يقف دفاعاً عن ابن أخيه بدافع العصبية القبلية؟ ويرفض أن تمتد يد مهما بلغت من القوة والصولجان إلى يتيم بني هاشم؟ أم كان يفعل ذلك ويعرض نفسه وأهله للخطر والتنكيل لاقتناعه بالإسلام وإيمانه بهذا الدين حسب ما ذكرت بعض الروايات؟..
الصورة الخامس : موقفأبي سفيان بن حرب قبل إسلامه.. لقد كان رئيساً من رؤساء قريش فيالجاهلية.. وزعيماً تدين له بالولاء.. وتاجراً عرف الناس طويلاً.. وخبرجبلاتهم.. وتعرف على أهوائهم ورغباتهم.. ورجلاً يحب الفخر كما أخبر بذلكأكثر الناس معرفة به العباس بن عبد المطلب.. تعالوا بنا نستعرض موقف أبي سفيان بن حرب من الدين الجديد قبل أن يعلن إسلامه :
عندما نزل ملك الروم هرقل منطقة إيلياء أرسل إلى ركبمن قريش وكان من ضمنهم أبو سفيان بن حرب وكانوا تجاراً بالشام حينذاك فيالمدة التي هادن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان وكفار قريشفأتوه فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم ثم دعا بالترجمان فقال : أيكمأقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قال أبو سفيان : فقلت : أناأقربهم . فقال : أدنوه مني وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره ثم قاللترجمانه : قل لهم : إني سائل هذا عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه فقال أبوسفيان : فوالله لولا الحياء من أن يأثروا عليَّ كذباً لكذبت عنه!! ثم كانأول ما سألني عنه أنه قال : كيف نسبه فيكم؟ قلت : هو فينا ذو نسب. قال : فهل قال هذا القول منكم أحد قبله؟ قلت : لا.. قال : فهل كان من آبائه منملك؟ قلت : لا.. قال: فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ قلت : ضعفاؤهم قال : أيزيدون أم ينقصون؟ قلت : بل يزيدون قال : فهل يرتد أحد منهم سخطاًلدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت : لا.. قال : فهل تتهمونه بالكذب قبل أن يقولما قال؟ قلت : لا.. قال : فهل يغدر؟ قلت : لا.. ونحن منه في مدة لا ندريما هو فاعل فيها ولم يمكني كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة. قال : فهل قاتلتموه؟ قلت : نعم.. قال : فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت : الحرب بينناوبينه سجال ينال منا وننال منه قال : فبما يأمركم؟ قلت يقول : اعبدوا اللهولا تشركوا به شيئاً واتركوا ما كان يعبد آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدقوالعفاف والصلة فقال للترجمان : قل له : إني سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكمذو نسب وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها . وسألتك : هل قال أحد منكم هذاالقول قبله؟ فزعمت أن لا فقلت : لو قال هذا القول أحد قبله قلت رجل يتأسىبقول قيل قبله. وسألتك : هل كان في آبائه من ملك؟ فذكرت أن لا فقلت: لوكان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه. وسألتك: هل كنتم تتهمونهبالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فذكرت أن لا فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذبعلى الناس ويكذب على الله . وسألتك : أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم اتباع الرسل . وسألتك : أيزيدون أم ينقصون؟فذكرت أنهم يزيدون وكذلك أمر الإيمان حتى يتم؟ وسألتك : أيرتد أحد سخطةلدينه بعد أن يدخل فيه ؟ فذكرت أن لا وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشتهالقلوب . وسألتك : بما يأمركم؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله وحده ولاتشركوا به شيئاً وينهاكم عن عبادة الأوثان ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاففإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين وقد كنت أعلم أنه خارج ولمأكن أظن أنه منكم فلو أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه؟ ولو كنت عندهلغسلت عنه قدميه!!
حتى متى لا نرى عدلاً نسرُّ به
ولا نرى لولاة الحقِّ أعوانا
مستمسكين بحقٍّ قائمين به
إذا تلوَّن أهل الجور ألوانا
يا للرجال لداء لا دواء له
وقائد ذي عمي يقتاد عميانا
إن الغريب العجيب.. الذي يُعيي العقول فهمه.. ويترك اللبيب حيران.. أن يرى أناساً يعرفون الحق.. فلا يتبعونه.. بل يتعامون عنه.. مع علمهم أنه حق لا مرية فيه.. { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا } (النمل: 14).. إلا أنه يدفعهم الكبرياء الكاذب.. والغرور الأحمق..إلى الإمعان في العناد والمكابرة.. وطمس معالم الحق.. جهلاً وغباء وحماقة.. فجحدوا بصدق رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ظلماً من أنفسهم واستكباراً عن اتباع الحق وأي ظلم أفحش ممن يعتقد ويستيقن من صدق دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ويستيقن أنها آيات بينة واضحة جاءت من عند الله ثم يكابر بعد ذلك ويعرض عنها بل ويحاربها حتى يقضي عليها.. فلم يكن عند قريش شك ولم يأخذها ريب في أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم حق لا مرية فيه اعتقدوا ذلك في قرارة نفوسهم ومستقر قلوبهم وأعماق ضمائرهم ولم تكن مناهضتهم ومعارضتهم لدعوته دعوة الحق وما صبوا عليه من الأذى وما نالوا به من الإساءة لم يكن إلا عناداً ومكابرة وإبقاء على سلطانهم وإشفاقاً على مراتبهم التي توارثوها عن قديم وجمدوا عليها لا يبغون بها بديلا ولا يرجون عنها حولا ليظلوا سادة ويظل الناس لهم أتباعاً.. لما رأوا أن مكانتهم تهتز تحت أقدامهم.. وأن صولجانهم يترنح.. وأن هذه الدعوة الجديدة تسخر منهم ومن معتقداتهم ويزداد أتباعها يوماً بعد يوم.. وذلك الذي كان من شأن المعاندين في الجاهلية في الماضي.. لمسوا الحق الذي جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم .. وعرفوا أن عزهم في اتباعه.. والعمل بما جاء به.. ولكنهم عاندوا واستكبروا.. وماتوا على كفرهم وضلالهم.. ولم يغن عنهم عنادهم من الله شيئاً..
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم
غلب الرجال فما أغنتهم القلل
واستنزلوا بعد عز عن معاقلهم
فأودعوا حفراً يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعدما قبروا
أين الأسرة والتيجان والحلل
أين الوجوه التي كانت منعمة
من دونها تضرب الأستار والكلل
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم
تلك الوجوه عليها الدود يقتتل
قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا
فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا
وطالما عمروا دوراً لتحصنهم
ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا
وطالما كنزوا الأموال وادَّخروا
فخلفوها على الأعداء وارتحلوا
أضحت منازلهم قفراً معطلة
وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا

وهذا هو حال أثافي الجاهلية في زمانناالحاضر.. زمرة غلب عليها الغرور والكبر.. يتعامون عن الحقيقة رغم بزوغها.. ويتصاممون عن صوت الحق رغم قوة صداه.. ويتجاهلون منطق العقل رغم قوةحجته.. يعرفون الحق ولكنهم يرفضون الانصياع إليه.. يرون الهدى لكن يرفضونأن يسلكوا سبيله.. فضلوا وأضلوا.. ويدل فعلهم ذلك على تعفن نفوسهم ومرضقلوبهم وتحجر أحاسيسهم وعواطفهم..
ولقد احترت في أمر أثافي جاهلية القرن الحاديوالعشرين.. هل أصبر على مرارتهم وآلامهم وأذاهم.. أم أواجههم بكل ما أوتيتمن قوة وحجة.. أم أهاجر إلى مكان آخر وجهة أخرى لا يوجد فيها أثافي تلكالجاهلية.. مبتعداً عن حماقاتهم وترهاتهم.. لقد حدثتني نفسي وقالت لي :
لا تقعـدن علـىضــر ومسغبـة
كيما يقـال عزيـز النفـس مصطبـر
وانظـر بعينـك هـل أرض معطلـة
من النبـات كـأرضحفـها الشجـر
فعـد عمـا تشيـرالأغبيــاء بـه
فـأي فضـل لعـود مـا لـه ثمــر
وارحـل ركابـكعن ربع ظمئت به
إلى الجنـاب الـذييهمي به المطـر
واستنـزل الريَّ من درِّ السَّحاب فـإن
بـلَّت يــداك بـه فليهنــك الظفـر
لكني قررت في نهاية المطاف أن أصبر على حماقاتهم ومكائدهم.. وأفوض أمري إلى الله.. بعدما سمعت هاتفاً يقول :
قف دون رأيك في الحياة مجاهداً
إن الحياة عقيدة وجهاد
وسأحاول جاهداً أن أبين عوارهم وأكشف زيفهموبهتانهم وسأعريهم من أقنعتهم الزائفة حتى لا يبقى لأحد بعد ذلك دليليستند عليه.. أو عذراً يلجأ إليه.. في إتباع أثافي جاهلية القرن الحاديوالعشرين..
ألا يا خائضاً بحر الأماني
هداك الله ما هذا التواني؟
أضعت العمر عصياناً وجهلاً
فمهلاً أيها المغرور مهلاً
مضى عمر الشباب وأنت غافل
وفي ثوب العمى والغي رافل
إلى كم بالبهائم أنت هائم
وفي وقت الغنائم أنت نائم
وطرفك لا يرى إلا طموحاً
ونفسك لم تزل أبداً جموحاً
بلال الشيب نادى في المفارق
حيَّ على الذهاب وأنت غارق
ببحر الإثم لا تصغي لواعظ
وإن أطرى وأطنب في المواعظ
وقلبك هائم في كل وادي
وجهلك كل يوم في ازدياد
وجهد المرء في الدنيا شديد
وليس ينال منها ما يريد
وكيف ينال في الأخرى مرامه
ولم يجهد لمطلبها قلامه









 


قديم 2010-02-12, 23:05   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
فحاصو
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

..................................................










قديم 2010-02-13, 12:17   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
ب.علي
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية ب.علي
 

 

 
الأوسمة
وسام الوفاء 
إحصائية العضو










افتراضي

جــزاكــم الله خــيراً أخي فحاصو
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال










قديم 2010-02-13, 12:23   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
¤*~فراشة الأمل~*¤
عضو محترف
 
الصورة الرمزية ¤*~فراشة الأمل~*¤
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

جــزاك اللــه كل الخير
ننتظر جديدك










قديم 2010-02-13, 18:02   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
فحاصو
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا على مروركم اخواني الاعزاء جزاكم الله خيرا










قديم 2010-02-14, 00:40   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
ب.علي
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية ب.علي
 

 

 
الأوسمة
وسام الوفاء 
إحصائية العضو










افتراضي

العفو أخي الكريم فحاصو
لا شكر على واجب
نحن هنا من أجل أن نتواصل ونرد على المجهودات التي تقدمها للمنتدى










قديم 2010-02-19, 22:05   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
فحاصو
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا على مروركم بومضوعي بارك الله فيكم










قديم 2010-02-20, 13:41   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
fatimazahra2011
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية fatimazahra2011
 

 

 
الأوسمة
وسام التألق  في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي

[img]جــزاكــم الله خــيراً أخي فحاصو تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال[/img]










قديم 2010-02-20, 18:37   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
فحاصو
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










 

الكلمات الدلالية (Tags)
مهم للجاهلين


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 14:25

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc