قصة اعجبتني و لم افهمها - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

قصة اعجبتني و لم افهمها

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-01-22, 18:56   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
KARIMBASSET
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية KARIMBASSET
 

 

 
إحصائية العضو










Hourse قصة اعجبتني و لم افهمها

أجمل غريق
قصة قصيرة
بقلم : غابرييل غارسيا ماركيز
ترجمة : د . محمد قصيبات
المصدر : منقولة من أحد الأماكن .

ظنّه الأطفال لمّا رأوه ، أول مرة ، أنه سفينة من سفن الأعداء. كان مثلَ رعنٍ أسود في البحرِ يقترب منهم
شيئا فشيئا. لاحظ الصبيةُ أنه لا يحمل راية ولا صاريًا فظنوا حينئذٍ أنه حوتٌ كبير، ولكن حين وصل إلى ترابِ
الشاطئ وحوّلوا عنه طحالبَ السرجسِ و أليافَ المدوز و الأسماكَ التّي كانت تغطيهِ تبيّن لهم أنّه غريق.
شرعَ الصبيةُ يلعبون بتلك الجثة يوارونها في الترابِ حينًا ويخرجونها حينًا حتّى إذا مرّ عليهم رجلٌ ورأى ما
يفعلون نَهَرهم وسعى إلي القريةِ ينبه أهلها بما حدث.
أحسّ الرجالُ الذين حملوا الميّتَ إلى أول بيتٍ في القرية أنه أثقل من الموتى الآخرين ، أحسّوا كأنهم يحملون
جثّةَ حصانٍ وقالوا في ذات أنفسهم :
“ربما نتج ذلك عن بقاء الغريق فترة طويلة تحت البحرِ فدخل الماءُ حتى نخاع عظامه.”
عندما طرح الرجالُ الجثةَ على الأرضِ وجدوا أنّها أطولُ من قامة كلّ الرجال ، كان رأس الميتِ ملتصقًا بجدار
الغرفة فيما اقتربت قدماه من الجدارِ المقابلِ ، وتساءل أحد الرجال عمّا لو كان ذلك ناتجًا عن أن بعض الغرقى
تطول قاماتُهم بعد الموت.
كان الميتُ يحمل رائحةَ البحر ، وكانت تغطيه طبقةٌ من الطين و الأسماك. لم يكن من الضرورة تنظيف الوجه
ليعرف الرجال أن الغريق ليس من قريتِهم ، فقريتهم صغيرة لا تحوي سوى عشرين من البيوت الخشبية
الصغيرة ، و كانت القرية نادرةَ التربة مما جعل النسوة يخشين أن تحمل الريحُ الأطفال ومنع ذلك الرجالَ من
زرع ِ الأزهار ، أمّا الموتى فكانوا نادرين لم يجد لهم الأحياءُ مكانًا لدفنهم فكانوا يلقون بهم من أعلى الجرف..
كان بحرُهم لطيفًا ، هادئًا و كريمًا يأكلون منه. لم يكن رجالُ القرية بكثيرين حيث كانت القوارب السبعةُ التي
في حوزتهم تكفي لحملهم جميعًا ، لذلك كفى أن ينظروا إلى أنفسهم ليعلموا أنه لا ينقص منهم أحد..

في مساءِ ذلك اليوم لم يخرج الرجال للصيدِ في البحر. ذهبوا جميعًا يبحثون في القرى القريبة عن المفقودين
فيما بقتِ النسوة في القريةِ للعناية بالغريق …أخذن يمسحن الوحلَ عن جسده بالألياف ويمسحن عن شعره
الطحالب البحرية ويقشّرن ما لصق بجلده بالسكاكين..
لاحظت النسوة أن الطحالب التي كانت تغطي الجثة تنتمي إلي فصيلة تعيش في أعماقِ المحيطِ البعيدة ،
كانت ملابسه ممزقة وكأنه كان يسبح في متاهةٍ من المرجان. ولاحظت النسوة أيضا أن الغريقَ كان قد قابل
مَلَكي الموتِ في فخرٍ و اعتزاز فوجهه لا يحمل وحشةَ غرقى البحرِ ولا بؤس غرقى الأنهار. وعندما انتهت
النسوة من تنظيف الميّت وإعداده انقطعت أنفاسهن ، فهن لم يرين من قبل رجلاً في مثل هذا الجمال و
الهيبة..
لم تجد نساء القرية للجثة، بسبب الطولِ المفرطِ ، سريرًا ولا طاولة قادرة على حملها أثناء الليل. لم تدخل
رِجْلا الميتِ في أكبرِ السراويل و لا جسدُه في أكبرِ القمصان ، ولم تجد النسوة للميّت حذاءً يغطي قدميه بعد
أن جربوا أكبر الأحذية.
فقدت النسوة ألبابَهن أمام هذا الجسدِ الهائلِ فشرعن في تفصيل سروالا من قماشِ الأشرعة و كذلك قميصًا
من “الأورغندي” الشفاف فذلك يليق بميّتٍ في مثل هذه الهيبة و الجمال..
جلست النسوة حول الغريق في شكلِ دائرةٍ بين أصابع كل واحدةٍ منهن إبرة وأخذت في خياطة الملابس ، كن
ينظرن بإعجاب إلى الجثة بين الحين و الحين؛ بدا لهن أنه لم يسبق للريح ِ أن عصفت في مثل هذه الشدة من
قبل ولا لبحر “الكاراييب” أن كان مضطربًا مثل ذلك المساء. قالت إحداهن ” أن لذلك علاقة بالميّت” ، وقالت
أخرى ” لو عاش هذا الرجل في قريتنا لاشك أنه بنى أكبر البيوت وأكثرهن متانة ، لاشك أنه بنى بيتًا بأبواب
واسعة وسقفٍ عالٍ وأرضيةٍ صلبة ولاشك أنه صنع لنفسه سريرًا من الحديد و الفولاذ ، لو كان صيادًا فلاشك
أنه يكفيه أن ينادى الأسماك بأسمائها لتأتى إليه. ، لاشك أنه عمل بقوة لحفر بئرٍ ولأخرج من الصخور ماءً
ولنجح في إنبات الزهر على الأجراف”..


أخذت كل واحدة منهن تقارنه بزوجها ، كان ذلك فرصة ثمينة للشكوى والقول أن أزواجهن من أكبر المساكين..
دخلت النسوة في متاهات الخيال.
قالت أكبرهن:” للميّت وجه أحد يمكن أن يسمّى إستبان”. كان هذا صحيحًا..كفي للأخريات أن ينظرن إليه
لفهم أنه لا يمكن أن يحمل اسمًا آخر ، أمّا الأكثر عنادًا والأكثر شبابا فقد واصلت أوهامها بأن غريقًا ممدّدًا
بجانب الأزهار وذا حذاء لامع لايمكن إلا أن يحمل اسمًا رومنطقيًا مثل “لوتارو”.

في الواقع ما قالته أكبرهن كان صحيحًا فلقد كان شكل الميت بلباسه مزريًا حيث كان السروال غير جيد
التفصيل فظهر قصيرًا و ضيقًا ، حيث لم تحسن النسوة القياس وكانت الأزرار قد تقطعت وكأن قلب الميت قد
عاد للخفقان بقوة..

بعد منتصف الليل هدأت الريحُ ، وسكت البحرُ ، وساد الصمتُ كل شيء . أتفقت النسوة عندها أن الغريق قد
يحمل بالفعل اسم إستبان ، ولم تسُدْ الحسرة أية واحدة منهن: اللاتي ألبسن الميّتَ واللاتي سرحن شعره
واللاتي قطعن أظافره وغسلن لحيته. لم تشعر واحدة منهن بالندم عندما تركن الجثة ممدّدة على الأرض ،
وعندما ذهبت كل واحدة إلى بيتها فكرن كم كان الغريق مسكينًا وكم ظلت مشكلات كبر حجمه تطارده حتى
بعد الموت ، لاشك أنه كان ينحني في كل مرة يدخل فيها عبر الأبواب .. لاشك أنه كان يبقي واقفا عند كل
زيارة ، هكذا كالغبي، قبل أن تجد ربة البيت له كرسيا يتحمله…ولاشك أن ربةَ البيتِ كانت تتضرع للربّ في كل
مرة ألا يتهشم الكرسي. وكان في كل مرة يرد عليها إستبان في ابتسامةٍ تعكس شعوره بالرضا لبقائه
واقفا ..لاشك أنه ملّ من تكرر مثل هذه الأحداث ، ولاشك أيضا أن الناس كانوا يقولون له “ابق وأشرب القهوة
معنا” ثم بعد أن يذهب معتذرا يتهامسون: “حمدا لله لقد ذهب هذا الأبله”.
هذا ما فكرت فيه النسوة فيما بعد عطفًا على الغريق..

في الفجر، غطت النسوة وجه الميّت خوفًا عليه من أشعة الشمسِ عندما رأين الضعف على وجهه. لقد رأين
الغريق ضعيفًا مثل أزواجهن فسقطت أدمع من أعينهن رأفة ورحمة ، وشرعت أصغرهن في النواح فزاد
الإحساس بأن الغريق يشبه إستبان أكثر فأكثر..
وزاد البكاء حتى أصبح الغريق أكبر المساكين على وجه الأرض..
عندما عاد الرجال بعد أن تأكدوا من أن الغريق ليس من القرى المجاورة امتزجت السعادة بالدموع على وجوه
النسوة.
قالت النسوة: “الحمد لله ، ليس الميت من القرى المجاورة إذا فهو لنا!”..
أعتقد الرجال أن ذلك مجرد رياء من طرف النسوة ، لقد أنهكهم التعب وكان كل همّهم هو التخلص من هذا
الدخيل قبل أن تقسو الشمس وقبل أن تشعل الريح نارها. أعدّ الرجال نقالة من بقايا شراع وبعض الأعشاب
التي كانوا قد ثبّتوها بألياف البحر لتتحمّل ثقل الغريق حتى الجرف وأرادوا أن يلفّوا حول رِجلي الجثّة مرساة
لتنزل دون عائق إلى الأعماق حيث الأسماك العمياء وحيث يموت الغواصون بالنشوة ، لفوا المرساة حتى لا
تتمكن التيارات الضالة من العودة به إلى سطح البحر مثلما حدث مع بعض الموتى الآخرين. ولكن كلّما تعجّل
الرجال فيما يبغون كلّما وجدت النسوة وسيلة لضياع الوقت حيث تكاثر الزحام حول الجثة ؛ بعض من النسوة
يحاول أن يلبس الميّت “الكتفيّة” حول كتفه اليمين لجلب الحظ حاول بعضٌ آخر أن يضع بوصلة حول رسغه
الأيسر، وبعد صراع لغويّ وجسديّ رهيب بين النسوة شرع الرجال ينهرون ويصرخون :” مالهذه الوشايات
والفوضى، ماذا تعلقن؟ ألا تعلمن أن أسماك القرش تنتظر الجثّة بفارغ الصبر؟ ما هذه الفوضى، أليس هذا إلا
جثّة؟”..
بعدها رفعت امرأة الغطاء عن وجه الميّت فانقطعت أنفاس الرجال دهشة: “إنه إستبان!” لا داعي لتكرار ذلك
لقد تعرفوا عليه. من يكون غيره، هل يظن أحد أن الغريق يمكن أن يكون السير والتر روليك على سبيل
المثال؟ لو كان ذلك ممكنا فلاشك أنهم سيتخيلون لكنته الأمريكية وسيتخيلون ببغاء فوق كتفه وبندقية قديمة
بين يديه يطلق بها النار على أكلة البشر..
لكن الجثة التي أمامهم غير ذلك، إنها من نوع فريد!
إنه إستبان يمتد أمامهم مثل سمكةِ السردين حافي القدمين مرتديًا سروال طفلٍ رضيع ، ثم هذه الأظافر
التي لا تُقطع إلا بسكين. بدا الخجل على وجه الغريق ، ما ذنبه المسكين إذا كان طويلاً وثقيلاً وعلى هذا
القدر من الجمال؟ لاشك أنه اختار مكانًا آخر للغرق لو عرف ما كان في انتظاره. قال أحد الرجال: “لو كنت محله
لربطت عنقي بمرساة قبل أن اقفز من الجرف.. لا شك أنني سأكون قد خلصتكم من كل هذه المتاعب ومن
جثتي المزعجة هذه.”

أعد سكان القرية أكبر جنازة يمكن تخيلها لغريقٍ دون هوية. رجعت بعض النسوة اللاتي كن قد ذهبن لإحضار
الزهور من القرى المجاورة برفقة أخريات للتأكد من صحة ما سمعن.
عندما تأكدت نساء القرى المجاورة من شكل الغريق ذهبن لإحضار زهور أخرى ورفيقات أخريات حتى ازدحم
المكان بالزهور وبالنساء..
في اللحظات الأخيرة تألّم سكانُ القرية من إرسال الغريق إلي البحر مثل اليتيم فاختاروا له أمًا وأبًا من بين
خيرتهم وسرعان ما أعلن آخرون أنهم أخوته وآخرون أنهم أعمامه حتى تحول كل سكّان القرية إلى أقارب،
وبينما كان الناس يتنافسون في نقل الجثمان فوق أكتافهم عبر المنحدر العسير المؤدّي إلى الجرف لاحظ
سكان القرية ضيق شوارعهم وجفاف أرضهم ودناءة أفكارهم مقارنة بجمالِ هذا الغريق.
ألقى الرجال بالجثة عبر الجرف دون مرساة لكي تعود إليهم كيفما تشاء ومسكوا أنفاسهم في تلك اللحظة
التي نزل فيها الميت إلى الأعماق ، أحسوا أنهم فقدوا أحد سكّان قريتهم وعرفوا، منذ تلك اللحظة، أن ثمة
أشياء كثيرة لابد أن تتغير في قريتهم..
عرفوا أن بيوتهم تحتاج إلى أبواب عالية وأسقف أكثر صلابة ليتمكن شبح إستبان من التجول في القرية ومن
دخول بيوتها دون أن تضرب جبهته أعمدة السقف ودون أن يوشوش أحد قائلاً لقد مات الأبله..

منذ ذلك اليوم قرر سكّان القرية دهن بيوتهم بألوان زاهية احترامًا لذكرى إستبان.. سوف ينهكون ظهورهم في
حفر الآبار في الصخور وفي زرع الأزهار عبر الأجراف لكي يستيقظ بحارةُ السفنِ المارةِ في فجرِ السنواتِ
القادمةِ علي رائحةِ الحدائق ولكي يضطر القبطان للنزول من أعلى السفينةِ حاملاً اسطرلابه ونجمتَه القطبية
و يقول مشيرًا إلي الجبلِ الذي ينشر زهورَه الورديةَ نحو الأفق وفي كلّ لغاتِ العالم:
“أنظروا إلى هناك حيث هدوء الريح ِ وحيث ضوء الشمس.
هناك هي قرية إستبان!”.









 


قديم 2010-01-22, 20:54   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
kaka_dz12
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي ...

عندك الحق ما تفهمهاش
انا تاني ما فهمت والو؟؟؟؟؟؟؟؟
و بحكم ان لكل قصة مغزى فان المشكلة في هذه القصة هي المغزى
شكون هو الفايق اللي يعرف مغزى القصة










قديم 2010-01-24, 16:39   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
imi25
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم قصة رائعة وشيقة










قديم 2010-01-28, 21:32   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
aycha
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم اريد ان اعلق على هذه القصة الجميلة والحزينة في نفس الوقت . اظن ان المغزى منها هو ان في هذه الحياة قد تصادف اشخاص يؤثرون فيك ويغيرون افكارك وطموحاتك واحلامك وليس شرط ان يكونو احياء بل حتى وهم اموات واضيف ان حتى الحيوانات قد يؤثرون فينا وفي شخصيتنا من خلال غريزة الامومة لديهم شكرا على القصة










قديم 2010-01-29, 16:20   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
perle
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية perle
 

 

 
إحصائية العضو










B11

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة karimbasset مشاهدة المشاركة
أجمل غريق
قصة قصيرة
بقلم : غابرييل غارسيا ماركيز
ترجمة : د . محمد قصيبات
المصدر : منقولة من أحد الأماكن .

ظنّه الأطفال لمّا رأوه ، أول مرة ، أنه سفينة من سفن الأعداء. كان مثلَ رعنٍ أسود في البحرِ يقترب منهم
شيئا فشيئا. لاحظ الصبيةُ أنه لا يحمل راية ولا صاريًا فظنوا حينئذٍ أنه حوتٌ كبير، ولكن حين وصل إلى ترابِ
الشاطئ وحوّلوا عنه طحالبَ السرجسِ و أليافَ المدوز و الأسماكَ التّي كانت تغطيهِ تبيّن لهم أنّه غريق.
شرعَ الصبيةُ يلعبون بتلك الجثة يوارونها في الترابِ حينًا ويخرجونها حينًا حتّى إذا مرّ عليهم رجلٌ ورأى ما
يفعلون نَهَرهم وسعى إلي القريةِ ينبه أهلها بما حدث.
أحسّ الرجالُ الذين حملوا الميّتَ إلى أول بيتٍ في القرية أنه أثقل من الموتى الآخرين ، أحسّوا كأنهم يحملون
جثّةَ حصانٍ وقالوا في ذات أنفسهم :
“ربما نتج ذلك عن بقاء الغريق فترة طويلة تحت البحرِ فدخل الماءُ حتى نخاع عظامه.”
عندما طرح الرجالُ الجثةَ على الأرضِ وجدوا أنّها أطولُ من قامة كلّ الرجال ، كان رأس الميتِ ملتصقًا بجدار
الغرفة فيما اقتربت قدماه من الجدارِ المقابلِ ، وتساءل أحد الرجال عمّا لو كان ذلك ناتجًا عن أن بعض الغرقى
تطول قاماتُهم بعد الموت.
كان الميتُ يحمل رائحةَ البحر ، وكانت تغطيه طبقةٌ من الطين و الأسماك. لم يكن من الضرورة تنظيف الوجه
ليعرف الرجال أن الغريق ليس من قريتِهم ، فقريتهم صغيرة لا تحوي سوى عشرين من البيوت الخشبية
الصغيرة ، و كانت القرية نادرةَ التربة مما جعل النسوة يخشين أن تحمل الريحُ الأطفال ومنع ذلك الرجالَ من
زرع ِ الأزهار ، أمّا الموتى فكانوا نادرين لم يجد لهم الأحياءُ مكانًا لدفنهم فكانوا يلقون بهم من أعلى الجرف..
كان بحرُهم لطيفًا ، هادئًا و كريمًا يأكلون منه. لم يكن رجالُ القرية بكثيرين حيث كانت القوارب السبعةُ التي
في حوزتهم تكفي لحملهم جميعًا ، لذلك كفى أن ينظروا إلى أنفسهم ليعلموا أنه لا ينقص منهم أحد..

في مساءِ ذلك اليوم لم يخرج الرجال للصيدِ في البحر. ذهبوا جميعًا يبحثون في القرى القريبة عن المفقودين
فيما بقتِ النسوة في القريةِ للعناية بالغريق …أخذن يمسحن الوحلَ عن جسده بالألياف ويمسحن عن شعره
الطحالب البحرية ويقشّرن ما لصق بجلده بالسكاكين..
لاحظت النسوة أن الطحالب التي كانت تغطي الجثة تنتمي إلي فصيلة تعيش في أعماقِ المحيطِ البعيدة ،
كانت ملابسه ممزقة وكأنه كان يسبح في متاهةٍ من المرجان. ولاحظت النسوة أيضا أن الغريقَ كان قد قابل
مَلَكي الموتِ في فخرٍ و اعتزاز فوجهه لا يحمل وحشةَ غرقى البحرِ ولا بؤس غرقى الأنهار. وعندما انتهت
النسوة من تنظيف الميّت وإعداده انقطعت أنفاسهن ، فهن لم يرين من قبل رجلاً في مثل هذا الجمال و
الهيبة..
لم تجد نساء القرية للجثة، بسبب الطولِ المفرطِ ، سريرًا ولا طاولة قادرة على حملها أثناء الليل. لم تدخل
رِجْلا الميتِ في أكبرِ السراويل و لا جسدُه في أكبرِ القمصان ، ولم تجد النسوة للميّت حذاءً يغطي قدميه بعد
أن جربوا أكبر الأحذية.
فقدت النسوة ألبابَهن أمام هذا الجسدِ الهائلِ فشرعن في تفصيل سروالا من قماشِ الأشرعة و كذلك قميصًا
من “الأورغندي” الشفاف فذلك يليق بميّتٍ في مثل هذه الهيبة و الجمال..
جلست النسوة حول الغريق في شكلِ دائرةٍ بين أصابع كل واحدةٍ منهن إبرة وأخذت في خياطة الملابس ، كن
ينظرن بإعجاب إلى الجثة بين الحين و الحين؛ بدا لهن أنه لم يسبق للريح ِ أن عصفت في مثل هذه الشدة من
قبل ولا لبحر “الكاراييب” أن كان مضطربًا مثل ذلك المساء. قالت إحداهن ” أن لذلك علاقة بالميّت” ، وقالت
أخرى ” لو عاش هذا الرجل في قريتنا لاشك أنه بنى أكبر البيوت وأكثرهن متانة ، لاشك أنه بنى بيتًا بأبواب
واسعة وسقفٍ عالٍ وأرضيةٍ صلبة ولاشك أنه صنع لنفسه سريرًا من الحديد و الفولاذ ، لو كان صيادًا فلاشك
أنه يكفيه أن ينادى الأسماك بأسمائها لتأتى إليه. ، لاشك أنه عمل بقوة لحفر بئرٍ ولأخرج من الصخور ماءً
ولنجح في إنبات الزهر على الأجراف”..


أخذت كل واحدة منهن تقارنه بزوجها ، كان ذلك فرصة ثمينة للشكوى والقول أن أزواجهن من أكبر المساكين..
دخلت النسوة في متاهات الخيال.
قالت أكبرهن:” للميّت وجه أحد يمكن أن يسمّى إستبان”. كان هذا صحيحًا..كفي للأخريات أن ينظرن إليه
لفهم أنه لا يمكن أن يحمل اسمًا آخر ، أمّا الأكثر عنادًا والأكثر شبابا فقد واصلت أوهامها بأن غريقًا ممدّدًا
بجانب الأزهار وذا حذاء لامع لايمكن إلا أن يحمل اسمًا رومنطقيًا مثل “لوتارو”.

في الواقع ما قالته أكبرهن كان صحيحًا فلقد كان شكل الميت بلباسه مزريًا حيث كان السروال غير جيد
التفصيل فظهر قصيرًا و ضيقًا ، حيث لم تحسن النسوة القياس وكانت الأزرار قد تقطعت وكأن قلب الميت قد
عاد للخفقان بقوة..

بعد منتصف الليل هدأت الريحُ ، وسكت البحرُ ، وساد الصمتُ كل شيء . أتفقت النسوة عندها أن الغريق قد
يحمل بالفعل اسم إستبان ، ولم تسُدْ الحسرة أية واحدة منهن: اللاتي ألبسن الميّتَ واللاتي سرحن شعره
واللاتي قطعن أظافره وغسلن لحيته. لم تشعر واحدة منهن بالندم عندما تركن الجثة ممدّدة على الأرض ،
وعندما ذهبت كل واحدة إلى بيتها فكرن كم كان الغريق مسكينًا وكم ظلت مشكلات كبر حجمه تطارده حتى
بعد الموت ، لاشك أنه كان ينحني في كل مرة يدخل فيها عبر الأبواب .. لاشك أنه كان يبقي واقفا عند كل
زيارة ، هكذا كالغبي، قبل أن تجد ربة البيت له كرسيا يتحمله…ولاشك أن ربةَ البيتِ كانت تتضرع للربّ في كل
مرة ألا يتهشم الكرسي. وكان في كل مرة يرد عليها إستبان في ابتسامةٍ تعكس شعوره بالرضا لبقائه
واقفا ..لاشك أنه ملّ من تكرر مثل هذه الأحداث ، ولاشك أيضا أن الناس كانوا يقولون له “ابق وأشرب القهوة
معنا” ثم بعد أن يذهب معتذرا يتهامسون: “حمدا لله لقد ذهب هذا الأبله”.
هذا ما فكرت فيه النسوة فيما بعد عطفًا على الغريق..

في الفجر، غطت النسوة وجه الميّت خوفًا عليه من أشعة الشمسِ عندما رأين الضعف على وجهه. لقد رأين
الغريق ضعيفًا مثل أزواجهن فسقطت أدمع من أعينهن رأفة ورحمة ، وشرعت أصغرهن في النواح فزاد
الإحساس بأن الغريق يشبه إستبان أكثر فأكثر..
وزاد البكاء حتى أصبح الغريق أكبر المساكين على وجه الأرض..
عندما عاد الرجال بعد أن تأكدوا من أن الغريق ليس من القرى المجاورة امتزجت السعادة بالدموع على وجوه
النسوة.
قالت النسوة: “الحمد لله ، ليس الميت من القرى المجاورة إذا فهو لنا!”..
أعتقد الرجال أن ذلك مجرد رياء من طرف النسوة ، لقد أنهكهم التعب وكان كل همّهم هو التخلص من هذا
الدخيل قبل أن تقسو الشمس وقبل أن تشعل الريح نارها. أعدّ الرجال نقالة من بقايا شراع وبعض الأعشاب
التي كانوا قد ثبّتوها بألياف البحر لتتحمّل ثقل الغريق حتى الجرف وأرادوا أن يلفّوا حول رِجلي الجثّة مرساة
لتنزل دون عائق إلى الأعماق حيث الأسماك العمياء وحيث يموت الغواصون بالنشوة ، لفوا المرساة حتى لا
تتمكن التيارات الضالة من العودة به إلى سطح البحر مثلما حدث مع بعض الموتى الآخرين. ولكن كلّما تعجّل
الرجال فيما يبغون كلّما وجدت النسوة وسيلة لضياع الوقت حيث تكاثر الزحام حول الجثة ؛ بعض من النسوة
يحاول أن يلبس الميّت “الكتفيّة” حول كتفه اليمين لجلب الحظ حاول بعضٌ آخر أن يضع بوصلة حول رسغه
الأيسر، وبعد صراع لغويّ وجسديّ رهيب بين النسوة شرع الرجال ينهرون ويصرخون :” مالهذه الوشايات
والفوضى، ماذا تعلقن؟ ألا تعلمن أن أسماك القرش تنتظر الجثّة بفارغ الصبر؟ ما هذه الفوضى، أليس هذا إلا
جثّة؟”..
بعدها رفعت امرأة الغطاء عن وجه الميّت فانقطعت أنفاس الرجال دهشة: “إنه إستبان!” لا داعي لتكرار ذلك
لقد تعرفوا عليه. من يكون غيره، هل يظن أحد أن الغريق يمكن أن يكون السير والتر روليك على سبيل
المثال؟ لو كان ذلك ممكنا فلاشك أنهم سيتخيلون لكنته الأمريكية وسيتخيلون ببغاء فوق كتفه وبندقية قديمة
بين يديه يطلق بها النار على أكلة البشر..
لكن الجثة التي أمامهم غير ذلك، إنها من نوع فريد!
إنه إستبان يمتد أمامهم مثل سمكةِ السردين حافي القدمين مرتديًا سروال طفلٍ رضيع ، ثم هذه الأظافر
التي لا تُقطع إلا بسكين. بدا الخجل على وجه الغريق ، ما ذنبه المسكين إذا كان طويلاً وثقيلاً وعلى هذا
القدر من الجمال؟ لاشك أنه اختار مكانًا آخر للغرق لو عرف ما كان في انتظاره. قال أحد الرجال: “لو كنت محله
لربطت عنقي بمرساة قبل أن اقفز من الجرف.. لا شك أنني سأكون قد خلصتكم من كل هذه المتاعب ومن
جثتي المزعجة هذه.”

أعد سكان القرية أكبر جنازة يمكن تخيلها لغريقٍ دون هوية. رجعت بعض النسوة اللاتي كن قد ذهبن لإحضار
الزهور من القرى المجاورة برفقة أخريات للتأكد من صحة ما سمعن.
عندما تأكدت نساء القرى المجاورة من شكل الغريق ذهبن لإحضار زهور أخرى ورفيقات أخريات حتى ازدحم
المكان بالزهور وبالنساء..
في اللحظات الأخيرة تألّم سكانُ القرية من إرسال الغريق إلي البحر مثل اليتيم فاختاروا له أمًا وأبًا من بين
خيرتهم وسرعان ما أعلن آخرون أنهم أخوته وآخرون أنهم أعمامه حتى تحول كل سكّان القرية إلى أقارب،
وبينما كان الناس يتنافسون في نقل الجثمان فوق أكتافهم عبر المنحدر العسير المؤدّي إلى الجرف لاحظ
سكان القرية ضيق شوارعهم وجفاف أرضهم ودناءة أفكارهم مقارنة بجمالِ هذا الغريق.
ألقى الرجال بالجثة عبر الجرف دون مرساة لكي تعود إليهم كيفما تشاء ومسكوا أنفاسهم في تلك اللحظة
التي نزل فيها الميت إلى الأعماق ، أحسوا أنهم فقدوا أحد سكّان قريتهم وعرفوا، منذ تلك اللحظة، أن ثمة
أشياء كثيرة لابد أن تتغير في قريتهم..
عرفوا أن بيوتهم تحتاج إلى أبواب عالية وأسقف أكثر صلابة ليتمكن شبح إستبان من التجول في القرية ومن
دخول بيوتها دون أن تضرب جبهته أعمدة السقف ودون أن يوشوش أحد قائلاً لقد مات الأبله..

منذ ذلك اليوم قرر سكّان القرية دهن بيوتهم بألوان زاهية احترامًا لذكرى إستبان.. سوف ينهكون ظهورهم في
حفر الآبار في الصخور وفي زرع الأزهار عبر الأجراف لكي يستيقظ بحارةُ السفنِ المارةِ في فجرِ السنواتِ
القادمةِ علي رائحةِ الحدائق ولكي يضطر القبطان للنزول من أعلى السفينةِ حاملاً اسطرلابه ونجمتَه القطبية
و يقول مشيرًا إلي الجبلِ الذي ينشر زهورَه الورديةَ نحو الأفق وفي كلّ لغاتِ العالم:
“أنظروا إلى هناك حيث هدوء الريح ِ وحيث ضوء الشمس.
هناك هي قرية إستبان!”.
ــــــــــــــــــــــ
إليك مافهمته.
- أوّل مايظهر من خلال القصّة براءة الأطفال . وذلك من خلال عبثهم بالجثّة شرعَ الصبيةُ يلعبون بتلك الجثة يوارونها في الترابِ حينًا ويخرجونها حينًا )
- ثمّ يظهر أصحاب الحكمة والدّراية : ( حتّى إذا مرّ عليهم رجلٌ ورأى ما يفعلون.. )فلم يلتزم الصّمت. ولم يمر دون أن يعير اهتماما للجثّة.
-تعاون أهل القرية فيما بينهم ، وذلك حين حملوا الجثّة رغم ضخامتها إلى أوّل بيت في القرية : (حملوا الميّتَ إلى أول بيتٍ في القرية ).
- الإنسان دائما يتساءل عن مصدر الأشياء ويظهر ذلك من خلال : ( وتساءل أحد الرجال عمّا لو كان ذلك ناتجًا عن أن بعض الغرقى )
- الغريب عن القرية دائما يُعرفُ . وذلك من خلال عبارة : ( كان الميتُ يحمل رائحةَ البحر ، وكانت تغطيه طبقةٌ من الطين و الأسماك. )
- الحالة الاجتماعيّة لأهل القرية : حياة بسيطة ، يسود الهدوءُ أَهلَهَا وذلك من خلال: ( فقريتهم صغيرة لا تحوي سوى عشرين من البيوت الخشبية
الصغيرة ، و كانت القرية نادرةَ التربة مما جعل النسوة يخشين أن تحمل.. )
- - يظهر أنّها قريّة قريبة فعلا من البحر وأهلها يقتاتون عيشهم من البحر ، أما الزراعة تكاد تنعدم : ( زرع الأزهار ، أمّا الموتى فكانوا نادرين لم يجد لهم الأحياءُ مكانًا لدفنهم فكانوا يلقون بهم من أعلى الجرف..
كان بحرُهم لطيفًا ، هادئًا و كريمًا يأكلون منه. لم يكن رجالُ القرية بكثيرين حيث كانت القوارب السبعةُ التي
في حوزتهم تكفي لحملهم جميعًا .. ).
- انعدام الأنانيّة وذلك من خلال تأكّد الجميع بأنّه لاينقص منهم أحد . ( لم يكن رجالُ القرية بكثيرين حيث كانت القوارب السبعةُ التي
في حوزتهم تكفي لحملهم جميعًا ، لذلك كفى أن ينظروا إلى أنفسهم ليعلموا أنه لا ينقص منهم أحد..).
- تعاون النّساء فيما بينهنّ . والتّرحيب بالغريب حتى وإن كان جثّة هامدة ، والاهتمام بأمره : ( فيما بقتِ النسوة في القريةِ للعناية بالغريق …أخذن يمسحن الوحلَ عن جسده بالألياف ويمسحن عن شعره
الطحالب البحرية ويقشّرن ما لصق بجلده بالسكاكين..
لاحظت النسوة أن الطحالب التي كانت تغطي الجثة تنتمي إلي فصيلة تعيش ).
- الكلّ يعلم بوجد ملك الموت . وأنّ الموت حقّ : ( أن الغريقَ كان قد قابل
مَلَكي الموتِ في فخرٍ و اعتزاز فوجهه لا يحمل وحشةَ غرقى البحرِ ولا بؤس غرقى الأنهار. ).
- رغم كلّ هذا يبقى السؤال مطروحا، لمن تكون الجثّة الحيّة.؟ أيّ لا يجب على الإنسان أن ينظر إلى الأمور نظرة سطحيّة بل عليه أن يبحث ويتحقّق أولا : ( لنسوة من تنظيف الميّت وإعداده انقطعت أنفاسهن ، فهن لم يرين من قبل رجلاً في مثل هذا الجمال و
الهيبة..).
-الاعتناء بالأموات واجب و يظهر ذلك من خلال : ( فقدت النسوة ألبابَهن أمام هذا الجسدِ الهائلِ فشرعن في تفصيل سروالا من قماشِ الأشرعة و كذلك قميصًا
من “الأورغندي” الشفاف فذلك يليق بميّتٍ في مثل هذه الهيبة و الجمال..
جلست النسوة حول الغريق في شكلِ دائرةٍ بين أصابع كل واحدةٍ منهن إبرة وأخذت في خياطة الملابس ، كن
ينظرن بإعجاب إلى الجثة بين الحين و الحين؛).
- الطّبيعة تشارك الجثّة حزنها من خلال عصف الرّياح التيّ لم يسبق لها المثيل. ( بدا لهن أنه لم يسبق للريح ِ أن عصفت في مثل هذه الشدة من
قبل ولا لبحر “الكاراييب” أن كان مضطربًا مثل ذلك المساء. قالت إحداهن ” أن لذلك علاقة بالميّت” ).
- طول الجثة تعني مقامها ومكانتها. وأهل القرية يعيشون حياة بسيطة ، فهم بحاجة إلى من يغيّر حياتهم. وذلك من خلال الأمنيات الكثيرة التي ذُكِرت.. ويتمنون . لو يحدث ذلك.
- الأمل يمنح الإنسان حياة جديدة: ( لو عاش هذا الرجل في قريتنا لاشك أنه بنى أكبر البيوت وأكثرهن متانة ، لاشك أنه بنى بيتًا بأبواب
واسعة وسقفٍ عالٍ وأرضيةٍ صلبة ولاشك أنه صنع لنفسه سريرًا من الحديد و الفولاذ ، لو كان صيادًا فلاشك
أنه يكفيه أن ينادى الأسماك بأسمائها لتأتى إليه. ، لاشك أنه عمل بقوة لحفر بئرٍ ولأخرج من الصخور ماءً) أي في النّهاية سيجعل من أرضهم أرضا خصبة تكون فيها الحياة.
- التشّابه بين بني البشر ، أينّما اتجهت تجد من يشبه غيره. وهذه حكمة ربّانيّة، لا يتدخّل فيها الإنسان لأنّه غير كامل: ( أخذت كل واحدة منهن تقارنه بزوجها ، كان ذلك فرصة ثمينة للشكوى والقول أن أزواجهن من أكبر المساكين..
دخلت النسوة في متاهات الخيال.
قالت أكبرهن:” للميّت وجه أحد يمكن أن يسمّى إستبان”. كان هذا صحيحًا..كفي للأخريات أن ينظرن إليه
لفهم أنه لا يمكن أن يحمل اسمًا آخر ، أمّا الأكثر عنادًا والأكثر شبابا فقد واصلت أوهامها بأن غريقًا ممدّدًا
بجانب الأزهار وذا حذاء لامع لايمكن إلا أن يحمل اسمًا رومنطقيًا مثل “لوتارو”.)
- اللّه ميّز الإنسان عن باقي المخلوقات بالعقل. ( اللاتي ألبسن الميّتَ واللاتي سرحن شعره
واللاتي قطعن أظافره وغسلن لحيته. لم تشعر واحدة منهن بالندم عندما تركن الجثة ممدّدة على الأرض ،
وعندما ذهبت كل واحدة إلى بيتها فكرن كم كان الغريق مسكينًا وكم ظلت مشكلات كبر حجمه تطارده حتى
بعد الموت ، لاشك أنه كان ينحني في كل مرة يدخل فيها عبر الأبواب .. لاشك أنه كان يبقي واقفا عند كل ).
- الإنسان لا يخلو قلبه من العاطفة خاصة اتّجاه الغريب ( هذا ما فكرت فيه النسوة فيما بعد عطفًا على الغريق.. ).
- الشّعور بالرّاحة حين نتأكّد بانّ من نحبّهم لم يتعرضوا للأذى : ( قالت النسوة: “الحمد لله ، ليس الميت من القرى المجاورة إذا فهو لنا!”..).
- هناك من يؤمن بالحظ. لتستمرّ الحياة : ( يحاول أن يلبس الميّت “الكتفيّة” حول كتفه اليمين لجلب الحظ حاول بعضٌ آخر أن يضع بوصلة حول رسغه
الأيسر، وبعد صراع لغويّ وجسديّ رهيب بين النسوة شرع الرجال ينهرون ويصرخون :” مالهذه الوشايات ).
- اللّه يخلق ما يشاء ، ولا أحد منا يعرف في أيّ مكان تتوقّف حياته: ( لكن الجثة التي أمامهم غير ذلك، إنها من نوع فريد!
إنه إستبان يمتد أمامهم مثل سمكةِ السردين حافي القدمين مرتديًا سروال طفلٍ رضيع ، ثم هذه الأظافر
التي لا تُقطع إلا بسكين. بدا الخجل على وجه الغريق ، ما ذنبه المسكين إذا كان طويلاً وثقيلاً وعلى هذا
القدر من الجمال؟ لاشك أنه اختار مكانًا آخر للغرق لو عرف ما كان في انتظاره. قال أحد الرجال: “لو كنت محله
لربطت عنقي بمرساة قبل أن اقفز من الجرف.. لا شك أنني سأكون قد خلصتكم من كل هذه المتاعب ومن
جثتي المزعجة هذه.”).
- القريّة تنعدم فيها الزّهور ممّا دفع بالنّساء إلى الذّهاب إلى القرى المجاورة ، لوضعها على الجثة. إنّها تعيد الأمل: ( النسوة اللاتي كن قد ذهبن لإحضار
الزهور من القرى المجاورة برفقة أخريات للتأكد من صحة ما سمعن.
عندما تأكدت نساء القرى المجاورة من شكل الغريق ذهبن لإحضار زهور أخرى ورفيقات أخريات حتى ازدحم
المكان بالزهور وبالنساء..).
- تواجد الجثّة في ذلك المكان كان متعمدا. من خلال طولها وضخامتها أصبح لأهل القرية نظرة بعيدة للحياة. على أمل أن يغيّروا من أوضاع القرية : (
ولنجح في إنبات الزهر على الأجراف”..( وعرفوا، منذ تلك اللحظة، أن ثمة
أشياء كثيرة لابد أن تتغير في قريتهم..
عرفوا أن بيوتهم تحتاج إلى أبواب عالية وأسقف أكثر صلابة ليتمكن شبح إستبان من التجول في القرية ومن
دخول بيوتها دون أن تضرب جبهته أعمدة السقف ودون أن يوشوش أحد قائلاً لقد مات الأبله..)
- الجثّة الهامدة أعادت الحياة إلى أهل القرية . فأخذ الكلّ يفكّر في الجديد من أجل غدٍ أفضل وذلك من خلال : ( منذ ذلك اليوم قرر سكّان القرية دهن بيوتهم بألوان زاهية احترامًا لذكرى إستبان.. سوف ينهكون ظهورهم في
حفر الآبار في الصخور وفي زرع الأزهار عبر الأجراف لكي يستيقظ بحارةُ السفنِ المارةِ في فجرِ السنواتِ
القادمةِ علي رائحةِ الحدائق ولكي يضطر القبطان للنزول من أعلى السفينةِ حاملاً اسطرلابه ونجمتَه القطبية ).
- الورود رمز للسلم والاطمئنان والرّاحة، رمز لإشراقة الشّمس وغدٍ أفضل: ( مشيرًا إلي الجبلِ الذي ينشر زهورَه الورديةَ نحو الأفق وفي كلّ لغاتِ العالم:
“أنظروا إلى هناك حيث هدوء الريح ِ وحيث ضوء الشمس.
هناك هي قرية إستبان!”.).
- لا يجب أن ننكر جميلا صنَعَهُ الغير. يجبّ أن نخلّد أرواح كلّ من يحقّق لنا ما هو الأفضل. يجب على ذاكرتنا أن تحتفظ به . ونجعله قدوتنا . وذلك من خلال : ( أنظروا إلى هناك حيث هدوء الريح ِ وحيث ضوء الشمس.
هناك هي قرية إستبان!”.

ـــــــــ
في النّهاية أقول: ما أحلى الأمل . والأجمل حين نجد من يشاركنا فيه . ويدفعنا دوما إلى حياة أفضل . لأنّ الحياة عراك . فعلينا أن نستلّح لها ليستمّر الوجود. أتمنّى أن أكون قد توصّلت إلى شرح بعض عناصر القصّة.
تحياتي.










قديم 2010-02-12, 14:36   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
perle
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية perle
 

 

 
إحصائية العضو










Mh47

جميلٌ جدًا حين يكسُو المجاز تعابيرنا، هذا يدفع دوما الغير إلى البحث عن المعنى الحقيقيّ الّذي نريده من الكلام.
حين يلبس الشّاعر أو الكاتب موضوعه مجازا فذلك ما يزيد الموضوع جملا ورونقا. ويشدّ انباه السّامع إليه ، فيغرس فيه حبّ الاستماع أو الاطّلاع على نهاية الموضوع ( نثرا أم شعرا )، فهذا مايحبّب فيما بعد نشاط المطالعة.
أين أنت أيها الأخ" karimbasset " ترى هل استفدت من القصّة بعد تحليل أبعادها؟؟؟؟؟؟؟أم ماتزال القصّة غامضة. وإن كان ذلك، فأتمنّى أن يتفاعل الجميع مع الموضوع لأنّه فعلا يحتاج إلى ذلك.
وليستفيد الأعضاء أكثر أدعّم هذا الموضوع ببحث حول البلاغة. لمَا لهَا من ايجابيات في جعل النّص في اجمل حلّة.

الـــــــــــــبــــــــــــــــــــــــــلاغـــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــة

البلاغة: هي إيصال المعنى إلى السّامعين أو القارئين في أحسن صورة من اللّفظ.
أو هي: صياغة المعنى بالألفاظ المناسبة، أو هي مايعبّر عنه في كتب البلاغة ( بمطابقة الكلام لمُقْتَضَى الحَالِ ). أي :ملائمة الكلام للموطن الّذي يُقَالُ فيه والأشْخَاص الّذين يُخَاطِبُون به ، أو أحوالهم النّفسية ، فالكلام مع العّامة غير الكلام مع الملوك والرّؤساء ، والكلام في حالة الفرح غير الكلام في حالة الحزن .
أولا:- الأســـــــــــــــــــــــــــــــــلــــــــــــ ـــــــــــوب.
تعريفه: هو الطريقة التّي يسلكها الكاتب ، لتوضيح مايريد من معَانٍ ، ونقل مايريد من أفكار تأثرت بها نفسه وانشغل بها عقله.
أنـــــــــــــــــــــواع الأســـــــــــــــلـــــــــــــــوب.
الأسلوب ثلاثة أنواع هي: أدبي – علمي – علمي مُتَأدّب.
1- خصائص الأسلوب الأدبي : يخاطب العاطفة – ألفاظ موحية – تكثر فيه الصور والمحسنات – الأفكار فيه ممتزجة بالعاطفة – يعتمد على التأثير النفسي .
2- خصائص الأسلوب العلمي : يخاطب العقل – ألفاظه دقيقة وواضحة – تكثر فيه المصطلحات العلمية – لا أثر فيه لشخصية الكاتب .
3- الأسلوب العلمي المتأدّب : هو أسلوب وسط بين الأدبي والعلمي ، وتكثر فيه الأفكار وتُعْرَضُ في أسلوب أقلّ جفافا.
ثانيا:- الــــتــــعــــــبــــــيــــــر الـــــحــــــقــــــــيـــــــقـــــــي.
تعريفه: هو الّذي تُسْتَخْدَمُ فيه الألفاظ في معانيها الحقيقية بِلاَ خَيَالٍ.
مثل: ( أبي كريم. - في الرّبيع تتفتح الأزهار وفي الشّتاء تمطر السّماء ).
:- الـــتــــعـــــبــــــيــــــــر الـــــمــــــــجـــــــــــــــــازي.
تعريفه: هو الّذي تستخدم فيه الألفاظ في غير معانيها الحقيقية لعلاقة المشابهة أو التلازم أو غيرها .
مثل: ( أبي بابه مفتوح للفقراء.- في الرّبيع تبتسم الأزهار وفي الشّتاء تبكي السّماء ).
لــــمــــاذا يــســتـــخــدم الأدبـــــــاء الـــــتــــعـــبـــــيــــــــر الــــــــمـجـــــــــــازي؟.
يستخدم الأدباء التعبير المجازي؛ لإبراز عاطفتهم وتوضيح أفكارهم، وللتأثير بالامتناع والاقتناع في نفوس السّامعين أو القارئين.
ثالثا:- عـــــــلــــــــــــــوم الــــــــــبـــــــــلاغــــــــــــــــة.
1- علم المعاني: وهو علم يهتم بطرق تركيب الكلام ويشمل: ( التقديم والتأخير – الإيجاز والإطناب والمساواة – القصر – الأسلوب الإنشائي ..)
2- علم البيان: ويهتم بطرق التعبير عن المعنى الواحد .ويشمل: ( التشبيه -لاستعارة – الكناية – المجاز ).
3- علم البديع : ويهتم بطرق تحسين الكلام وتزيينه. ويشمل: ( السجع – الجناس – الطباق – المقابلة – حسن التقسيم – التورية الازدواج..).










قديم 2010-02-13, 21:50   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
linda1238
عضو جديد
 
الصورة الرمزية linda1238
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

انا كيما فهمتها:
الانسان دايما يبحث على شيء يجدد فيه الامل حتى ولو كان مجرد حكاية هو ابتكرها من نسج الخيال










قديم 2010-02-14, 14:12   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
perle
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية perle
 

 

 
إحصائية العضو










B11

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة linda1238 مشاهدة المشاركة
انا كيما فهمتها:
الانسان دايما يبحث على شيء يجدد فيه الامل حتى ولو كان مجرد حكاية هو ابتكرها من نسج الخيال
ــــــــــــــــــــ
صحيح هذا أيضا. المهمّ في النّهاية ، هناك الدّعوة إلى الأمل . من أجل استمراريّة الحياة. للحفاظ على النّوع الإنساني .تفاديًا لانقراضه كما يحدث مع الحيوانات.
شكرا جزيلا لك على المشاركة في الموضوع ولو أنّني لست بصاحبته. أتمنّى دئما أن يشارك أكبر عدد في الموضوع لأهميتة .









قديم 2010-02-14, 15:01   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
basbousa
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية basbousa
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هذه القصة في راي تدل علي ايمان الافراد بالمعتقادات و انه في وقت الازمات تشتد الصلة بين افراد المجتمع الواحد ليخرجوا في الاخير بمغزي معين و هو الامل في الحياة










قديم 2010-02-14, 18:39   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
samrouna1988
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية samrouna1988
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة aycha مشاهدة المشاركة
السلام عليكم اريد ان اعلق على هذه القصة الجميلة والحزينة في نفس الوقت . اظن ان المغزى منها هو ان في هذه الحياة قد تصادف اشخاص يؤثرون فيك ويغيرون افكارك وطموحاتك واحلامك وليس شرط ان يكونو احياء بل حتى وهم اموات واضيف ان حتى الحيوانات قد يؤثرون فينا وفي شخصيتنا من خلال غريزة الامومة لديهم شكرا على القصة
أعجبتني هذه القصة كثيرا وأعجبني تعليقك عليها....شكرا









قديم 2010-02-14, 20:09   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
perle
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية perle
 

 

 
إحصائية العضو










Mh51

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة basbousa مشاهدة المشاركة
هذه القصة في راي تدل علي ايمان الافراد بالمعتقادات و انه في وقت الازمات تشتد الصلة بين افراد المجتمع الواحد ليخرجوا في الاخير بمغزي معين و هو الامل في الحياة
ـــــــــــــــ
الكلّ يردّد كلمة الأمل. وما أحلاها فعلا .وما أروعها .
لكن ليس الأمل وحده ماتهدف إليه القصّة. ولذا نحن في انتظار دوما مشاركات الجميع.
شكرا جزيلا لك على تعليقك.









قديم 2010-02-14, 20:43   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
KARIMBASSET
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية KARIMBASSET
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا لكم على التحليل ..... اتمنى ان اشارككم بالجديد










قديم 2010-02-14, 22:00   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
perle
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية perle
 

 

 
إحصائية العضو










B11

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة karimbasset مشاهدة المشاركة
شكرا لكم على التحليل ..... اتمنى ان اشارككم بالجديد
ــــــــــــــ

أهلا بصاحب الموضوع على صفحته الخاصّة.
أتمنى أن أشارككم بالجديد. نتمنى ذلك فعلا .
وشكرا جزيلا لك على هذا الموضع القّيم الّذي سمح لكلّ عضو أن يعطي وجهة نظره لنستفيد منها.









 

الكلمات الدلالية (Tags)
اعجبتني, افهمها


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 18:52

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc