![]() |
|
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]() رسالة في علوم الحديث مقدمة الناشر فأن هذه الرسالة بحث مهم جدّاً في (علوم الحديث) و هي احدي الثمار الطيّبة و الاثار الخيرة التي تركها أستاذنا العلامة الشهيد (ناصر السبحاني) رحمه الله تعالى و اجزل له المثوبة و ارجوا بنشرها ان يكثر الله اجره و يديم مثوبته. لا شك ان علم الحديث و اصوله هو لغربلة الحديث المروي و التعرف على الحديث النبوي الثابت و الصحيح سنداً و متناً، و تعد جانباً مهما في حياة الامة الاسلامية. لذا نرى أستاذنا الشهيد يتحدث في هذه الرسالة بصورة علمية و موضوعية عن منزلة الحديث و شروط الرواي كالعدالة والضبط والمروي ذاته و عن فقه العبارة، و اتى بأفكار جديدة في علم الحديث يجب مراعاتها من قبل العلماء و المهتمين بهذا الجانب. و الذي بينه في هذه الرسالة اثبته عبر دراسة جادة و موثقة فما من موضوع الا و اقام عليه ادلة و اورد له البيانات و الشواهد. يري القاريء فائدة مهمة عندما يقرا هذه الرسالة و يقف على لب المواضيع المتعلقة بهذا الجانب، و ختاماً ارجو الله العلي القدير ان يرحم المؤلف و يجزل له المثوبة و يجمعنا و إياه في الجنة. الناشر تحية و تقديم: الى الإخوة الكرام و الاساتذة الأعزاء، القائمين على امر إعداد موسوعة السنة و السيرة النبوية... السلام عليكم و رحمة الله و بركاته... احمد الله اليكم، و اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له؛ و ان محمداً عبده و رسوله عليه و على آله و صلوات الله و بركاته... و أسأل الله أن يؤتينا من لدنه رحمة؛ و يهيء من أمرنا رشداً و يؤتينا في الدنيا حسنة و في الاخرة حسنة، و يقينا عذاب النار؛ و يتم لنا نورنا؛ و يغفر لنا. اما بعد... فلقد اطلعت قبل اكثر من عامين على نهوضكم لاعداد موسوعة للسنة و السيرة النبوية؛ و كان الخبر متعلقاً بزمن سابق؛ فاردت ان اعلم الى ماذا قد بلغ الامر بعد ذلك اذ كنت ارى ان علي في ذلك نصيحة لابد من ادائها، و لكن مضت فترة طويلة و لم يتيسر لي ذلك، متى ادركت ما كنت اريد بواسطة اخ كريم من المعنيين بالامر، فوعدت أن ابعث بما لدي؛ و لكن حال دون ذلك امور شغلتني إلى أن انتهضت فرصة، بسجلت ما عندي، راجياً أن أكون ممن حملوا عبأ النصيحة لله و لرسوله و للمؤمنين على أني إكتفيت في كثير من المواضع بالايجاز و الاشارة. و لأبادر إلى إعلام قبول ما أقدر و رعاية ما أدعو اليه قد يقتضي إزدياد مدة العمل خمسة اعوام اخر، و تحمل العاملين عبئاً ثقيلاً؛ و لكن عملاً عظيماً كهذا العمل يستحق مثل ذلك؛ و كيف لا، و هو عمل ما سبق إلى مثله احد، ثم عمل ينبغي أن تكون حصيلة بحيث يكتفي بها من يأتي بعد؟! و لا يخفي عليكم ان القيام بمقتضى ما جئتكم به بحاجة إلى جرأة تنبذ تقليد المجتهدين و اجتهاد المقلدين، فضلاً عن تقليد المقلّدين[1]، و ما ذلك بعزيز على الناشئين في ظلال هدي كتاب العزيز. هذا: و أسأل الله أن يدخلنا مدخل صدق، و يخرجنا مخرج صدق، و يجعل لنا من لدنه سلطاناً نصيراً. بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة و ما كان شيء ليسبح بحمد ربه إلا بأخذ و تصير و إعطاء. فالنواة و الحبة-مثلاً. انما تتطور و تبلغ ما قدر لها من الكمال بأخذ مواد غذائية، ثم بتصيرها و جعلها من جنس اجزائها، ثم باعطاء اثار من الثمر و عيره. و ما النفس الإنسانية من هذه الكلية بمستثناة؛ فانها لن تنال كمالها الا باخذ صور من حقائق، ثم بتصيير للمأخوذات و تكوين لملكات، ثم باعطاء اثار قيام باعمال صالحات. و تفصيل ذلك كما يلي: ان النفس شيء قد تكون من اتصاف الروح بصفات قد حصلت من التزاوج بين خواص الروح و خواص الجسد، و تلك الصفات قوي ستّ هي جماع مظاهر الحياة في مختلف مراتبها؛[2] و هي قوتا النمو و التوليد، و هما مع السابقتين مظاهر الحياة الحيوانية،. و قوتا العلم و الارادة (و سيأتي بيانها. و هما مع ما سبق مظاهر الحياة الإنسانية. فقوة النمو تلك التي تتادي. ان يتهيء لها من الغذاء في الظروف المساعدة ما تحيله فتضيفه إلى مختلف أجزاء الجسد. إلى ما لابد منه من جسد متكامل؛ و التي عليها حفظ الكمال الحاصل للجسد. و قوة التوليد و النسل تلك التي اليها. عند الاكتمال. امداد النفس بنفوس لاغني لها. في قيامها عليها من الواجب عنها. و قوة الاحساس تلك التي بها تتمكن النفس من الاتصال بظاهر ما حولها من المخلوقات؛ و التي بكمالها يكمل ذلك الاتصال. و قوة الحركة تلك التي اليها اتخاذ المواقف من مدركات الاحساس، و التي في كمالها كمال ذلك الاتخاذ. و قوة العلم تلك التي بها. عنى بلوغها اشدها. تكسب النفس ما يكفيها في حياتها من التّصوّرات عن حقيقة نفسها و حقيقة الكون حولها و حقيقة ربوبية و الوهية الله الذي له الخلق و الامر، و من القيم الخليقة التي تبين لها كيف نقف من كل تصور من تلك التصورات. و قوة الارادة تلك التي تقف على مفترق الطرق المكشوفة للقوة السابقة. من طريق الحق و الخير من التصورات والقيم. و طرق الباطل و الشر من هذه و تلك. تتصدى الاختيار. و لابد في القول في قوتي العلم و الارادة من تفصيل نقدمه اليك فيما يلي: اما قوة العلم فلها اسباب ثلاثة تسبخدم النفس كلا منها لكسب نوع من انواع العلم، فالاول منها البصر، و هي قوة النفس عاملة عن طريق استخدام العين، ترى بها النفس آيات الله في الآفاق و في الأنفس من علم الشهادة. و الثاني القلب (الفؤاد) و هي قوة النفس –ايضاً. تجعل من مدركات البصر ادلة على ذات الله و صفاته و حقائق في عالم الغيب. (الذي هو غائب عن البصر، الذي انما يدرك ما تأخذ العين منه صورة مماله شكل و لون)، فتدرك من التصورات عن ذلك مافيه الكفاية. و الثالث السمع. و هي قوة للنفس –ايضاً- عاملة عن طريق استخدام الاذن، تتلقى ما ليس من عالم الشهادة فيراه البصر، و لا مما وراء ذلك فيدركه القلب: الا و هو الحكم الرباني و الشرع الالهي الذي ينزل لينسق بين حركات الإنسان الاختيارية و حركات التسخيرية؛ و بينها –ايضاً- و بين حركات سائر اجزاء العالم، بعد ان اعطى كل شيء من المسخرات –في خلقه و برئه و تصويره و تسويته و تقديره- ما لا تكون الحركة الناشئة منه الا متناسقة و حركات سائر الاشياء؛ و اعطي كل ذي ارادة ما تكون الحركة الناشئة منه -التي يرضاها الله و يامر بها- متناسقة و تلك الحركات. و تتلقى بها –كذلك. هدايات علوية للبصر و القلب لاغني لهما عنهما في قيامها بما عليهما من التكاليف. ثم ان للقلب –بعد ذلك- شيئاً آخر؛ الا و هو الرتفاع بالرهب و الرغب إلى الله الرحمن الرحيم مالك (و ملك) يوم الدّين، عن الارتكاس في الزهبة و الرغبة إلى مالاً يخلق شيئاً و هو يخلق و لا يملك لنفسه ضراً و لا نفعاً، و لا يملك موتاً و لا حياةً و لا نشوراً. و بعد هذا الّذي يحدث من الانقلاب و التفؤد (التوقد) يأني[3] لقوة الارادة –و هي (اي الارادة) مما يتصف به القلب. ان تسلم لربها الذي له الخلق و الامر تسليماً؛ و تختار سلوك سبيل الحق و الخير متوجهة للذي فطر السموات و الارض حنيفة و ما هي من المشركين، اختياراً يصبح به المريد عابداً لله مستعيناً كما ينبغي، لا يضره ان تضيق مجال العمل و ابداً ما في النفس من عزمات سنن تسخيرية ليس بيد الإنسان و لا من كماله تبديلها و تغيرها. فالصبر يتمكن الإنسان من النظر إلى آيات الله في الآفاق و في الأنفس، التي هي حقائق ليس له في وجودها و ثبوتها شرك، و تنما له منها أن ينظر اليها و يأخذ منها صوراً. و يأتي بعد ذلك القلب ليتخذ من تلك الآيات لنفسه هداية يدرك بها ما لابد منه من علم صفات الله و حقائق عالم الغيب، ليس له منها الامثل ما للبصر من حقائق عالم الشهادة. و بهذا و ذاك تحصل للإنسان تصورات عن الله –سبحانه. و الكون و الإنسان لتحصل بادراكها و التسليم لها تسليماً يستتبع القيام بما يناسبها من الاعمال الحياة التي من أجلها خلق الإنسان. و لكن ليست التصورات –كما هو جلي- كل ما لابد منه لتلك الحياة؛ فما القيم و الاحكام بأهون منها شأناً. و لكن هذه ليست حقائق من عالم الشّهادة فيراها البصر، و لا من عالم الغيب فيستدل بآيات الآفاق و الأنفس عليها القلب؛ بل هي انشاءات و اعتبارات تثبت مادام يعتبرها معبر، و يذهب بها نسخ من ناسخ و الغاء؛ و الانشاء و الاعتبار ليس مما يرى او يستدل عليه، و انما هو مما يؤسس و يقضي. و ما ثمة من يحتمل أن يقضي الا الله و الإنسان. فاما الإنسان فلا يملك في مجال القضاء الا قوة الارادة؛ و هذه محال ان تستقل بالقضاء؛ فان قضائها انما هو عند الرغب في النافع و النفور من الضار، و هذا انما يكون بعد ان يعلم الشيء او يظنه نافعاً او ضاراً، و ليس يقدر على هذا الامر الإنسان؛ فأن النافع الفعل الذي يتناسق و حركات الإنسان التسخيرية و حركات سائر اجزاء العالم، الامر الذي لابد منه للجهاز الواحد المتعدد الاجزاء، الذي انما يتصف بالوحدة للكون كل حركة من حركات اجزائه مكونة لجزء من حركة مؤلفة مركبة؛ و الضار الفعل الذي لا يتناسق مع هذه و لا تلك؛ و هذا التناسق انما يتمكن من يحيط بالإنسان و بكل اجزاء الكون علماً و جلي أن هذا الامر ليس من شآن الإنسان. فالطريق الوحيد، اما الإنسان اذا اراد علم القيم و الاحكام ان يستخدم قوة السمع في تلقي وحي الله العلي الحكيم. و اما قوة الارادة فمصيرها في طريق تزكيتها إلى أن يكون العزم على فعل كل معروف و ترك ما يقابله من المنكر ملكة و خلقاً. و هذه المكان اتصاف النفس بها هو تزكيتها و غاية صيرورتها هذا في بيان ما للنفس من اخذ و تصيير و بعد كل اخذ و تصيير اعطاء يتجلي في اداء عمل صالح يقتضيه ذلك. ففي مجال الاخذ تتلقى النفس التصورات التي لابد من العلم بها و التسليم إليها. و في مجال التصيير تقوم بتذكير تلك التصورات و باداء ما تقتضيها هي من الاعمال مرة بعد مرة و حالاً بعد حال، متى تحصل لها احوال و تستقر تلك الاحوال حتى تصير خصالاً راسخةً فيها و ملكات و اخلاقاً، و لنوضح ذلك بذكر امثلة: اذا اراد المرء أن يصير عالماً بفن النحو –مثلاً- فان اول ما يجب ان يفعله اخذ صور من مسائل ذلك العلمز و واضح انه عندما يلقي عليه مسألة من تلك المسائل تكون الصورة التي تحصل في نفسه صورة ضعيفة لا تلبث ان تزيل بورود صورة مسألة اخرى عليها، و انما تبقى تلك الصورة في النفس، اذا تكرر القائها عليها بحيث لا يزول اثر التلقى السابق حتى يرى عليه اثر التلقي اللاحق. حتى اذا تكرر ورود تلك الصورة اصطبغت النفس بها و اصبحت هي من اوصافها اللازمة[4]. و عند ذلك فقط يعد المرء عالماً بتلك المسألة. و اذا حصلت الملكة فان العمل الذي يقتضيه هي من تذكر المسألة متى شاء، و من تعليمها الأخرين. يصدر من غير تكلف، شأن كل ملكة و خلق. و اذا اراد أن يصير خياطاً، فان اول ما ينبغي أن يفعله تلقي صور من شؤون فن الخياطة و اعماله، ثم ان يكرر استحضار تلك الصورة و النظر فيها و القيام بما تقتضيه من الاعمال، لترسخ في النفس و تصير من اوصافها اللازمة و ملكاته و عند ذلك فقط يعد المرء خياطاً، و اذا حصلت الملكة فانما تكون مصدر القيام بأعمال الخياطة من غير تكلف. ثم انه لا يخفي ان لا اعتداء في فني النحو و الخياطة بالصور الحاصلة في النفس و بالاعمال التي تؤدي لترسخ تلك الصور فيها في ذاتها. و انما يعتد بها من حيث كونها مؤدية إلى حصول ملكة علم النحو و ملكة الخياطة في طور التعلم و التدريب من النحاة و الخياطين و ان كانا يقومان بحيث يقتدران على القيام بشؤنهما متى شاءا[5]. و الحاصل ان علم النحو و الخياطة الملكتان المذكورتان، و لا اعتداء بما عدا الملكتين الاتباعها لهما. و كذلك شأن المتلقي لهدي الله لا اعتداد بما تحصل له من التصورات و المفاهيم الا من حيث كونها مؤدية إلى ملكات طيبة و اخلاق حسنة. و اما علم المفاهيم الدينية بغير حصول الملكات فتصور الامي الملقن لما يقرا. و كذلك الاعمال الصالحة غير الصادرة عن المكات، ما هي الا كقراءة ذلك الامي. بل ان حصول علم التصورات و المعتقدات اللادينية بغير الاداء إلى حصول الملكات الطيّبة و الاخلاق الحسنة و القيام بما تقتضيه هذه الملكات من الاعمال كفر؛ و أداء الاعمال الصالحة من غير وجود الملكات و الاقتصار على ذلك تضاف هذا. و في مجال الاعطاء يقوم الإنسان بعد الاخذ و التصوير المذكورين باداء ما عليه من الاعمال الصالحة. و الصالحات لها اصول و قواعد لا يمكن القيام بها كما ينبغي الا بالبناء عليها، و اخرى عامة لا يتاتي تحقيقها الا في حدودها، فلابد من تعلم تلك الاصول و الاطر. و لتطبيق تلك الكليات طريقة وسط لابد من تعلمها كذلك و تعلم تلك الاصول و هذه الطريقة و اتخاذها سبيلاً يكون الإنسان عاملاً للصالحات. و الحاصل انه لابد للإنسان في عبوديته من تلقى صور الحقائق التي ذكرناها، و من تصيير ما يحصل له من اثار تلك التصورات خصالاً نفيسة و ملكاتلإ و من القيام بما تقتضيه تلك الملكات من الاعمال. و كذلك الداعي في دعوته الناس إلى عبودية الله يجب عليه تمكين المدعو من أخذ التصورات المذكورة –و ذلك بتبين الحقائق له بتلاوة اياةالله في الآفاق و في الأنفس عليه، و حمله –بالترهيب و الترغيب- على تنمية نفسه و تزكيتها بتصيير اثار ذلك التصورات النفسية ملكات، عن طريق تكرير استحضارها في النفس و تكرير القيام بما تقتضيه من الاعمال، و تعليمه الكتاب و الحكمة-و ذلك بتعليم اصول العمل الصالح و تعليم الطريقة الوسط بين الإفراط في تطبيق تلك الكليات- و في بيان هذا جاء قوله تعالى: )لقد من الله على المؤمنين اذا بعث فيهم رسولاً من انفسهم، يتلو عليهم آياته؛ و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة و ان كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبينٍ(. منزلة الحديث و التزكية. بالترهيب و الترغيب. اما بالتذكير بما قد وقع للاولين من السواي و الحسنى؛ و اما بالتنبية إلى ما في الحال من العقوبة و العافية؛ و اما بالاشارة الى ما سيقع في المستقبل في الدنيا من المجازاة و الجزاء، او ما سيقع عند الموت و في البرزخ و يوم القيامة و في النار و الجنة، و هذه الامور كالحقائق الايمانية في الثبات و الحصر، اللذين يستلزمان أن ينزل في كتاب الهدى كل ما يتعلق بها من البيان؛ و قد وقع ذلك فانه ليس هناك من الترهيب و الترغيب ما تكون النفس في تزكيتها بحاجة اليه الا جاء في كتاب الله فمن اراد أن يقوم بما قد كلف به في تزكية نفسه او تزكية غيره فعليه بكتاب الله – ايضاً- و لا يجوز ان يصح في هذا المجال -كذلك- من الاحاديث الا ما هو تذكير بما قد ورد التذكير به في كتاب الله بعبارات آخر كان يقتضيها ما عليه بعض الناس. و اصول العمل الصالح و قواعده الكلية -كذلك- ثابتة و محصورة فلذلك جاء بيانها كلها في كتاب الله. و لأن كل اصل منها ينبني عليه ما لا يحصى من الفروع، و ما كان كذلك فانه ينبغي أن يكون في غاية الاحكام، لا تجد اصلاً منها الا قد جائت بتقريره عديد من الآيات البينات فمن كان طالباً لشيء مها فليطلبه في كتاب الله-ايضاً و لا يجوز أن يصح في هذا الباب -كذلك- من الاحاديث الا ما هو ذكر لما في كتاب الله بعبارات آخر. و ليس الحديث غير التواتر في هذا الباب بمغن شيئاً، فان الاصل -ككونه يجب أن يكون في غاية الاحكام- لا يثبته الا ما يعطي اليقين؛ و احاديث الاحاد لا تحصى الا الظنّ، فلا يجوز بنا شيء من القواعد على شيء منها و اما الحكمة - و هي مجموعة الاحكام التفصيلثة التي تهدي الى الصواب في التطبيق القواعد الكلية - ففي نشأتهاتفصيل لابد منه؛ فاليك ذلك. لا شك إن احكام الله انما جائت لجلب المصالح و درء المفاسد. و قد تقرر لتحقيق كل نوع من هذه المقاصد بعض القواعد المذكورة، ثم جاءت في تحقيق الغاية المتعلقة بكل قاعدة في مختلف الظروف و الاوضاع مجموعة من الاحكام الجزئية. و الاحكام الجزئية منها ما يتعلق بافعال لا ينفك كل واحد منها عن مصلحة او مفسدة فهي -من ثمة- احكام ثابتة. و منها ما يتعلق بافعال ليست مصالحها او مفاسدها ذاتية لازمة، و انا هي في ثبوتها لها بابعة للظروف و الاوضاع، فقد يكون في فعل منها في ظرف من الظروف مفسدة؛ فاذا تغير الظرف حلت مكان المفسدة مصلحة، و تغير بسببه ذلك حكمه؛ فهي -من ثمة- احكام متطورة. فالحكمة اما ثابتة و اما متطورة، و كما ان تبديل حكم مكان حكم ثابت تشريع لم يأذن به الله، يكون البقاد على مقتضي حكم متطورة بعد تطور ظرف الفعل المتعلق هو به اتخاذ الشرع لم يرضه الله؛ فان تبديل حكم مكان حكم ثابت اما للجهل بحقيقته الفعل المتعلق هو به، و اما لاتباع الهوى. و كذلك البقاء على مقتضي حكم متطور تطور لا يرتكبه الا الجاهل بحقيقة ذلك الفعل او المتبع للهوى. فعلى هذا يجب أن يكون النظر قبل كل حكم في الفعل المتعلق هو به من أي نوع هو. و ان شئت فقل: يجب أن ينظر قبل الاحكام في غاياتها؛ فان كانت الغايةى لا تحقق الا بحكم بمينه فلابد من التزام ذلك الحكم؛ و ان كانت بحيث لا يحققها في الظروف المختلفة الا الاحكام متغايرة فلابد من تغير الاحكام بتغيير الظروف. و لنأت لتوضيح هذا بمثال: لا يخفى أن للطب اصولاً؛ و لتلك الاصول غايات؛ و لتحقيق تلك الغايات وسائل بعضها ثابتة لا تختص بظرف دون ظرف، و بعضها متطورة لايجوز التزامها في كل الظروف و هل من الحكمة أن يلتزم الاطباء المعجبون بابن سيناء. مثلاً ما كان يفعله -كما يقال- في خيط الجلد المتمزق من استخدام النمل الكبار و حملها على عض موضع الخيط و قطع رؤوسها و ابقاء الرؤوس الى ان يلتئم الموضع؟![6]. ام يجب أن ينظر في الغاية التي كان ابن سيناء يريد تحقيقها، فيختار لتحقيقها احسن الوسائل الممكنة؟! او كان ابن سينا يبقى على طريقته تلك لو بقي حتى يجد مثل الوسائل الموجودة في زماننا...؟! و لعمر الحق أن البقاء على مقتضى الحكم المتطور -بعد تطور ظرفه لا بعد عن الحمة من ذلك. و لنأت لكل من الثابت و المتطور من الحكمة بمثال: قد جاء في كتاب الله فيما يتعلق بالانفاق النهي عن المن و الاذى و عن الاسراف و التبذير و التقتير و الكنز، و لا ريب أن هذه الافعال مفاسدها ذاتية لازمة لها؛ فتكون النواهي المتعلقة بها ثابتة دائمة؛ فهي من النوع الثابت من الحكمة، و قد ورد من قول الرسول و فعلهh و بارك عليه و على آله فيما يتعلق بالصدقات التي تجبها الحكومة ذكر اموال و تعين انصبة و بيان مقادير لما يجبى، و لا شك أن هذه التعينات انما تحقق الغايات التي قد تقرر لتحقيقها القواعد المتعلقة بالمال، في مثل ظروف مجتمع اهل النبوة الاقتصادية. و اما في مثل الظروف القائمة في زماننا هذا، فانى لتلك التعينات ان تحقق تلك الغايات؟! او كان رسول الله (ص) تبقى على تقرير تلك التعينات لو بقي الى ان يدرك هذه الظروف؟! اللهم الا، فإن مثل هذه الظروف يقتضي ذكر اموال آخر مكان بعض تلك الاموال؛ و يقتضي كذلك-تعين نصبة آخر؛ و بيان مقادير اخر، و ان البقاء على تلك التعينات في هذه الظروف برغم اتباع الرسول تقتضيه، مخالفة للحكمة التي كان هو يريد بتلك التعينات تحقيقها -وانما اتباع الرسول- عليه الصلواة و البركات- باتخاذ الطرق التي تؤدي إلى الغايات التي كان هو يريد تحقيقها، لا بالتزام الطرق التي اختارها لتحقيق تلك الغايات في تلك الظروف، و ان لاتباع الحقيقي هنا في المخالفة الظاهرية؛ و المخالفة الحقيقية في الاتباع الظاهري. ثم ان الحكمة منها ما قد جاء به كتاب الله؛ و منها ما قد فعله او قاله او قرر عليه رسول الله -عليه الصلوات و البركات- في حياته الفردية او في حياته الاسرية مع ازواجه -عليهن رضوان الله او في حياته الاجتماعية مع السالفين الاولين من المهاجرين و الانصار -عليهن رضوان الله- فالحكمة الواردة في كتاب الله كالايات التالية الذكر: السابعة و السبعين بعد المأة من البقرة إلى الثالثة و الاربعين بعد المأتين، و الاولى من النساء إلى الثالثة و الاربعين، و الحادية بعد المائة منها الرابعة بعد المأة، و السابعة و العشرين بعد المائة منها الى الثلاثين بعد المائة، و السادسة و السبعين بعد المأة منها و الاولى من المائدة ألى العاشرة، و السابعة و الثمانين منها ألى الثامنة بعد المائة، و الحادية و الخمسين بعد الماؤة من الانعام الى الثالثة و الخمسين بعد المائة، و ايات من التوبة و الثانية و العشيرين من الاسراء الى التاسعة و الثلاثين، و الاولى من المؤمنون الى الحادية عشرة، و ايات كثيرة من النور، و الثالثة و الستين من الفرقان الى السادسة و السبعين، و الثانية عشرة من لقمان الى التاسعة عشرة، و ايات من الاحزاب، و الاولى من الحجرات الى الثانية عشرة، و الاولى من المجادلة الى الثالثة عشرة، و الاولى من الطلاق الى السابعة و غير ذلك. و الحكمة المتطورة الواردة فيه كما في قوله -تعالى- 5و من رباط الخيل4... و الحكمة الثابتة المستقرة في حياة الرسولh كافعال و الاقوال و التقريرات المماثلة لما في ايات الحكمة الثابتة المذكورة في القرآن. و الحكمة المتطورة الواقعة في حياته -صلى الله و بارك عليه- كالافعال و الاقوال و التقريرات الممثلة لما في آيات الحكمة الثابتة المذكورة في القرآن. و الحكمة المتطورة في حياته -صلى الله و بارك عليه- كما ذكرنا من اقتصاره في مجال اخذ الزكاة على ذكر بعض الاموال، و ما قام به من الانصبة و تبيين مقادير الزكاة التي تؤخذ. هذا- و اذا تذكرنا ان الحكمة الطريقة الوسط في تطبيق اصول العمل الصالح، و ان السيرة و السنة تلك الطريقة -كذلك- ادركنا ان الحكمة (من جانب) و السيرة و السنة و من جانب اخر امر واحد، و لان الحكمة معظم القسم الثابت منها -و هو القسم الاهم منها. مذكورة في كتاب الله، فان معظم السيرة و السنة النبوية في كتاب الله. و لعمر الحق أن التصدي لتدوين سيرة و سنة رسول الله. عليه الصلوات و البركات. بغير هذا الفهم لخطأ عظيم؛ و ما اكثر و ما وقع المتصدرون لذلك في هذا الخطأ العظيم؟! بل ما أعجب أمر الناس ان بلغ الامر بهم انهم لا يخطر ببالهم عند سماع لفظ (سيرة و سنة رسول الله -عليه الصلوات و البركات- القسم المذكور في القران من الحكمة؟! و بما مرَّ تبين ان على من اراد ان يكون عاملاً للصالحات على سيرة و سنة رسول الله و حكمته ان يستمع لكلام الله، و يبحث افعال و اقوال و تقريرات رسول الله، مفرقاً بين الثابت و المتطور ليتبع الثابت كما هو؛ و يتدبر المتطور، فيدرك غايتها، فيحققها باتخاذ ما يمكن من الوسائل و اتباع ما يناسب من الطرق، متلبساً بالمخالفة الظاهرية، محققا الاتباع الحقيقي. و خلاصته ما ذكرنا انه لابد للإنسان في عبوديته التي من اجلها خلق من اخذ تصورات لا تتزكى النفس الا باخذها، و من تصير اثار تلك التصورات و جعل الاحوال العارضة منها النفس ملكات و اخلاقاً باتصاف النفس بها زكاتها، و من القيام بما تقتضيه تلك الملكات من الاعمال الصالحات، و كل ذلك غير ممكن الا بالتلقي من كتاب الله و التأسي برسول الله في حياته الفردية و الاسريّة و الاجتماعية. فاما كتاب الله فأمره ظاهر، و اما ما في حياة الرسول و من اقوال قد وردت في بيان الحقائق المذكورة في كتاب الله بعبارات اخر، ومن ترهيب وترغيب قد اعادا ما في كتاب الله بكلمات اخر اقتضتها احوال و ظروف، و من تذكير ببعض ما تقرر في كتاب الله من اصول و قواعد العمل الصالح ناسب احوال بعض الناس، و من حكم ثابتة و متطورة بعضها اعادة لما جاء في كتاب الله صريحاً، و بعضها كشف عما اشير اليه فيه باشارات خفيات خاصة، و بعضها مستنبطة من قواعده الكلية، فكل ذلك معرفته متوقعة على رعاية اصول و موازين قد اصطلح على تسميتها بعلم الحديث و ستلو عليك فيما يلي ما يبين الاهم من ذلك. الكلام في شروط الراوي وورد -ايضاً- في قوله -تعالى- حكاية لقول نبيه يوسف -عليه صلوات الله و بركاته- 5اجعلني على خزائن الارض؛ اني حفيظ عليم4؛ فان الحفظ من الخلق العام؛ و العلم بشؤون خزائن الارض من الامر الخاص. و اذا كان كذلك فلابد –في مجال تلقي ما يروي في بيان افعال و اقوال و تقريرات رسول الله –صلى الله و بارك عليه- من اتصاف الراوي بماله علاقة قريبة بامر الرواية من الخلق، و ذلك اتصافه بالمهارة في مجال الرواية، الامر الذي يعبر عنه بالضبط. الكلام في العدالة قالوا: الصحابي من رأي رسول الله او راه هو مؤمناً ثم قالوا: الصحابة كلهم عدول، فاما القول الاول فلم يكن ينبغي ان يقوله من يعلم الفرق بين ما ينشئه قضاء بضع سنين في ملازمة امام هدي من الملكات الطيبة و الاخلاق الحسنة و بين يا يحدث في لقاءات عابرة و زيارات عاجلة من احوال عارضة زائلة! و اما القول الثاني فان كان المراد به ان كل الذين كانوا مؤمنين حقاً عدول، فقول حق، فان كل مؤمن عدول؛ و لكن ذلك لا يعفينا من البحث –في حدود الامكان- لتمييز من هم مؤمنون حقاً عن غيرهم بل انه يقتضيه و ان كان المراد ان الذين كانوا مؤمنين في الظاهر كلهم عدول فقول ليس عليه من دليل؛ بل انه مخالف للكثير كثير من آيات كتاب الله مباين للواقع؛ فلابد من البحث لتميز الذين كانوا مؤمنين حقاً عن الذين قالوا آمنا بافواههم و لم تؤمن قلوبهم. هذا و ليس الامر ام تمييز اناس لذاته؛ فلو كان كذلك لكنا عنه في غنى؛ و لكنه القيام بواجب تمييز من هم اهل لان يتلقى منهم الدين عن غيرهم. ثم انه ليس حكمنا على امرئء بانه هؤلاء او من اولئك يغير امراً واقعاً و يعين مصيراً فقد نخطيء في بعض احكامنا؛ و لكننا معذورون؛ فان الاحتياط لدين الله يقتضي ذلك، و ليس علينا ان نصل في الحكم إلى الجزم؛ بل يكفي ان يقع التردد في شأن احد، لنابى قبول روايته؛ ثم نك امره إلى الله. و مما لا يقضي منه العجب ان كثيراً من اولئك انما قيل بصحبتهم لروايات لا يقبلها الا من يقبل الدور الممتنع. و ذلك انه كثيراً ما وقع ان قيل بصحبة رجل او امرأة لانه روي عنه انه قال: (سمعت رسول الله s و بارك بقول) المبني عليه القول بصحبته على اساس اعتقاد كونه عدلاً؛ و واضح ان هذا الاعتقاد انما جاء من توهم كونه صحابياً؛ فانما قيل بصحبته و توهم ذلك بعد توهم كونه صحابياً و القول بذلك؛ فلزم تقدم الشيء على نفسه؛ و ذلك محال. و كيف يقام على مثل هذه التوهمات الدين الذي ما كان له ن يقوم الا على اساس السلطان المبين؟! ان قول (سمعت رسول اللهs) ما كان ينبغي له ان يسمع الا ممن يكون قد ثبت لقائه لرسول الله بشهادة من غيره صحيحة. و لان القول بلقاء احد لرسول الله كثيراً ما يترتب عليه قبول كثير من الروايات، فهو من ثمة اصل ينبني عليه جملة فروع، فلذلك لا يجوز بناءه الا على اليقين –كما هو شأن الاصول-؛ و ذلك بأن تتضافر في الدلالة على انه قد لقي رسول الله روايات تزيل الرتياب[7]و ليس ردنا لقول من قال: (سمعت رسول الله) مكذيباً له؛ و لكن اجتناباً للدور الممتنع، و ابتعاداً عن بناء الاصول على الاوهام و الطنون. فاذا اردنا ان نبني الامر على اساس لا يزلزله شيء فان علينا ان نرجع الى كتاب الله؛ فان فيه بيان رضي الله عن السابقين الاولين من المهاجرين و الانصار و الذين اتبعوهم بإحسان و بيان رضاه عن اصحاب بيعة الرضوان الله و بركاته -في ساعة العسرة، و بيان وعده الحسنى للذين انفقوا من قبل الفتح و قاتلوا و الذين انفقوا من بعد و قاتلوا. نعم قد يتعسر او يتعذر -كذلك- تميز المهاجرين و الانصار في الله من الذين ابتعوا النبي في ساعة العسر عمن هاجر أو نصر لدنيا يصحبها او امراة ينكحها؛ و لكن تمييز السابقين الاولين من المهاجرين و الانصار، و تمييز الذين بايعوا الرسول تحت الشجرة كلهم او اكثرهم امر يسير غير عسير؛ فنعرف اولئك باعيانهم؛ و ننظر في سير غيرهم، فمن كانت سيرته اتباع السابقين الاولين باحسان الحقنا بهم؛ و من كان قد روي في شأنه خلاف ذلك تركناه (احتياطاً لدين الله، و لا حكماً عليه بانه من غير جماعة الصالحين). الكلام في الضبط و ذلك ان لكل كلام لفظاً و مدلولاً لغويّاً و غرضاً و المقصود بالذات من الثلاثة الغرض، و اما الاولان فانما هما وسيلتان الى ذلك فمن كان من اهل اللسان المتكلم به، و ادرك غرض الكلام و فقهه، فقد تلقاه؛ و لا يعسر عليه ا يحمله ثم يؤديه اذا شاء اداء يمكن السامع من قه، سواء رواه بلفظه الذي سمعه ام بغير ذلك. و اما من لم يفقه الكلام فانه لا يؤمن ان يخطيء في ادائه و لو رواه بلفظه الذي سمعه. و ذلك ان اداء الغرض لا يكفي فيه. في كثير من الاحيان-اللفظ و الدلالة اللغوية؛ بل يكون معتمداً -كذلك- على تمهيد من حال السامع و الظرف الذي هو فيه، و على مساعدي من طريقة المتكلم في الالقاء. فاذا تصدى من سمع كلاماً لروايته فانه عليه ان يتصرف في المروي تصرفاً يتادى به الغرض؛ و لا يجوز له الاقتصار على نقل اللفظ المسموع، الامر الذي قد يؤدي إلى غير ما اراد المتكلم. هذا و لا يخفى ان في هدى الله مفاهيم غريبة على اهل الجاهلية الذين يواجههم الهدي؛ و لكلمات الهداية الربانية اغرضاً هي غير مالوفة للفاغلين الذين يدعون الى الله و لابد -في حصول الاقتدار على ادراك تلك الاغراض و تلك المفاهيم- من صحبة طويلة لمن جاء بالهدى. و لا يستوي ابداً الذين قد جعلهم طول صحبتهم للداعي يعلمون ماذا يؤدي هو من الاغراض و كيف يؤدي ما يؤدي و الذين ما وقع لهم الالقاءات عابرة و زيارات عارضة لا تحدث في الغالب –الاقتدار المذكور. و اذا نظرنا الى غير مجال رواية احاديث النبوة من مجالات الفنون و الصناعات، رأينا ان هذا الامر يراعي فيها. في غالب الاحيان. حق الرعاية، فلا يسوغ احد لنفسه ان يتلقى اراء خبير في فن الفيزياء -مثلاً- الا من اصحاب ذلك الخبير المختصين و تلاميذه الملازمين؛ و يأبى ان يتلقاها من غير اولئك و لو كان من أصدق الناس؛ افليس هدى الله باولى برعاية هذا الامر؟! ايفرق بين صاحب ملازم و زائر عابر في تلقي اراء فيزياوية؛ و يسوي بين من قضوا في صحبة رسول الله سنين و بين من لم يره الا في زيارة ملمة في عام الوقود او في ايام حجة الوداع في تلقي احاديث النبوة الا ممن لازم رسول الله -صلى الله و بارك عليه و على آله- ملازمة مكنه من فقه كلماته و ادراك غايات افعاله و تقريراته. اكمال و مما يؤسف اولي الالباب ما شاع بين المتاخرين من اهل الحديث و غيرهم من ان رجال الشيخين جازوا القنطرة. و لئن كان يركن الى هذا من يؤثرون راحة التقليد على مشقة الاجتهاد، ما يكون لمن لم يقرنوا في اصفاد الكسل الذهني و لم تفت في سواعدهم مهابة الذين من قبلهم ان يقبلوه؛ فانه قول ما عند اهله به من سلطان. يقولون: قد أجمعت الامة على أن الصحيحين أصح كتابين بعد كتاب الله. فنقول: نعم، قد حصل الاتفاق على ذلك؛ و لكن هذا لا يدل على المدعي؛ فانهم لم يتفقوا قء على أن كل ما فيهما صحيح؛ فلم يلزم الاتفاق على ان كل رجالهما جامع بين العدالة و الضبط؛ بل لعلك لا تجى محققاً الا جاء بخلاف ذلك و ما اكثر ما يدعي الاجماع في مواطن الاجتهاد، و ما ثمة الا اتفاق القاعدين؟! و لعمر الحق ان القول بأن رجال الشيخين قد جازوا القنطرة لتحميل للشيخين حملاً ما كانا ليتحملاه، بل يقتضي حسن الظن بهما أن نقول انهما ما كانا ليقدما على ما فعلا لو كانا يعلمان ان الناس يتحمله ما لا يحمله الا امة. بيان ذلك ان الناس قد زعموا ان التبيين الذي انزل الى رسول الله الذكر للقيام به، بيان مراد الله من كلمات هداه، بناء على ان كلام الله لا يُفْقه-بزعمهم. الا ان يقترن به قول أو فعل أو تقرير من رسولالله-عليه صلوات الله و بركاته- و واضح ان من ينزل كلام الله هذه المنزلة يوقف محاولة فقه كلام الله على الاطلاع على يروي عن رسول الله و دين الله انما يؤخذ من كلام الله و من حياة رسوله فان يكن كلام الله انما يفقه بتبين مما يروي عن رسوله؛ يلزم ان لا يؤخذ دين الله الا من الروايات؛ و من تسلم ان القول في الروايات نفيا واثباتاً ما قال الشيخان، فقد قال بان دين الله لا يؤخذ الا منهما و هن يظن بمؤمن انه يتحمل مثل هذا الحمل العظيم، فيسوغ لنفسه ان يحمله الشيخين؟! الكلام فيما يتعلق بالمروي في ذاته هذا فيما تعلق بالسند و لا يخفى أن كون رجال سند الرواية عدولاً ضياطاً -فيما يظهر لنا- لا يجعلنا في مجال نسبة المروي الى رسول الله –الا ان نظن ظناًما؛ و لا بد بعد ذلك في القول بصحة الحديث- من النظر في المروي هل هو مما يصدر مثله من الرّسول؟ و ذلك ان لا سبيل إلى الايقان بان كل رجال السند جامع بين العدالة و الضبط؛ و انما هو الظن؛ و الظن قد يصيب و قد يخطيء؛ فيكون حكمهما بأن السند صحيح محتملاً للخطأ. و يحتمل -كذلك- ان يخطيء الرواوي، فينسب إلى رسول الله مالم يقله، و لو كان من أعدل القدول و أضبط الضابطين. و عدم كفاية كون الرجال عدولاً ضابطين في القول بصحة الحديث و اشتراط ان يكون المروي مما يصدر مثله من الرسول، ذلك هو الذي جعل أهل الحديث ال يحكمون بصحة الحديث إلى بعد تبيين عدم شذوذة، جعلهم يتوقفون القول بصحة الحديث على النظر فيما روي في موضوعه من الاحاديث، فان لم يوجد له معارض هو أقوى منه سنداً قالوا بحثته، و الا ردُهُ و لم يلتفتو إلى كون رجال سنده عدولاً ضابطين. و إذا كان ينبغي توقيف القول بصحة المروي على أن يرجع إلى ما روي في موضوعه فيعلم انه لا معارض له اقوى، فان هناك ما هو أولى من ذلك بان يوقف القول بصحة المروي على الرجوع اله، و بيان ذلك فيما يلي لقد بينا فيما سبق ان الحقائق التي ينبغي أن يؤمن بها، لم يغادر كتاب الله في نجال تبيتها صغيرة و لا كبيرة الا احاط بها؛ و انه لا يمكن ان يصبح في هذا المجال من المرويات الا فهو تبيين لما في كتاب الله بعبارة آخر. و ذكرنا انه ليس من الترهيب و الترغيب ماتكون النفس في تزكيتها بحاجة اله الا جاء في كتاب الله -ايضاً-؛ و انه لا يجوز ان يصح في هذا المجال -كذلك- من الاحاديث الا ما هو تذكير بما قد ورد التذكير به في كتاب الله، بعبارات اخر -كذلك- و اوضحنا أن قواعد العمل الصالح و اصوله -كذلك- قد جاءت مبينة في كتاب الله -ايضاً- و لا يمكن ان يثبت في هذا الباب -كذلك- من الاحاديث الا ما هو ذكر لما في كتاب الله بعبارات آخر -كذلك- و الحكمة -و هي الطريقة الوسط في تطبيق اصول و قواعد العمل الصالح كما بينا- جزئيات تلك الاصول و القواعد الكلية، يستوي في هذا الثابت منها و التطور، المذكور منها في القرآن و الموجود في حياة رسول الله؛ فهي كلها -بهذا الاعتبار- في كتاب الله -ايضاً- و لا يجوز ان يصح في هذا المجال -كذلك- من الاحاديث الا ما هو مأخوذ من الاصول المبينة في الكتاب. و الحاصل انه ما من قول او فعل او تقرير لرسول الله -عليه صلوات الله و بركاته- الا مذكور في كتاب الله بخصوصه او بعموم ما يشمله، و هذا –لا ريب فيه- يقتضي ان يتوقف في القول بصحة ما يروي عن رسول الله حتى يرجع الى كلام الله، فان وجد بخصوصه -و ذلك اذا كان متعلقاً بامر اعتقادي او ترهيباً او ترغيباً او متحدثاً عن قاعدة كلية او مذكراً بما صرح به في القرآن من الحكمة –أو بعموم ما يشمله- و ذلك اذا كان من قبيل الحكمة غير المذكورة بخصوصها في القآن –قُبِلَ؛ و الا رُدّ- كائناً ما كان سنده – كما يفعل بما يسمي شاذاً. هذا و ما غائب عني أن قولي هذا غريب غريب؛ و أن القيام بمقتضاه عسير عسير؛ و ان هناك في الناس اذانا لا تتلقاه الا لتمبحه؛ و قلوباً لا تقبل عليه حتى تشمئز منه و لكن ذلك –على ثقله- لا يصرفني عن أن أقول ما اراه صواباً و اريد به وجه الله. و كيف لا، و ما عدا ذلك مما جاء في كتب علوم الحديث نصف هذا الفن؛ و ذلك نصفه الاخر، بل نصفه الاهم؛ لا يبصره انه قد اتخذ من قديم الزمان مهجوراً؟! اتخذ مهجوراً بعد أن ظن ان التبين الذي انزل إلى رسول الله. عليه صلوات الله و بركاته- الذكر بيان مراد الله من كلمات هداه، بناء على ان كلام الله لا يفقه –بزعمهم- الا أن يقترن به قول أو فعل او تقرير من الرسول! فان من ينظر إلى كتاب الله و ما في حياة رسوله هذه النظرة لا يتأتي له الا ذلك و كيف يوقف القول بصحة الورايات على الرجوع الى كلام الله من لا يتلقى من كتاب الله الا ما يلقيه اليه الروايات؟! انما يفعل ذلك من علم ان التبيين ما يقابل الكتمان من تبليغ ما انزل الله؛ و ذلك بتبليغ ما فيه من بيان التصورات الاعتقادية، و بالترهيب و الترغيب بما فيه من الموعظة الحسنة، و يذكر ما تقرر فيه من اصول العمل الصالح و قواعده الكلية، و ما فضل فيه من الحكمة، و بالارشاد إلى ما يؤخذ من تلك القواعد الكلية من الحكمة عن طريق تطبيقها بالطريقة الوسط. نعم، قد يخفى مراد الله من شيء من كلماته على بعض الناس، فيكون من تمام التبيني ان يبين ما خفي –و من ارتاب ان التبين ما ذكرنا فلينظر في المواضع التي جاء فيها ذكر اتلين من كتاب الله، و ليتذكر ان القرآن بلسان من نزل اليهم من العرب- و انهم ما كانوا يسألون الرسول أن يأتي لمكان يقرأ عليهم بشرح. و هذا هو الذي ينبغي أن يراد بقولهم (ان السنة المصدر الثاني في التشريع)؛ أي ان ثانوية المرويات في المصدرية انما تكون في طور اثباتها و القول بأنها من السنة، حيث يتوقف القول بذلك على الرجوع إلى كتاب الله؛ لا في الحجية التي تثبت للمروي بعد ثبوت كونه من رسول الله -صلى الله و بارك و على آله-؛ فانه لا وجه لان نجعل ما ثبت كونه من الرسول في المرتبة الثانية في الحجية، و نحن نعلم أن حياة الرسول النسخة العملية لكتاب الله؛ أي لا وجه لان ننظر إلى ما نعلم انه من حياة الرسول بغير النظرة التي ننظر بها إلى كتاب الله، و نحن نعلم انه ما كانت حياته الا القرآن. تطبيق هذا. و استحسن ان اتى -في توفيق القول بصحة الحديث على الرجوع الى كتاب الله و تأخير الاستدلال به عن النظر فيما يتعلق هو به من الاصول و القواعد الكلية و في اشياء آخر ينبغي في اعداد الموسوعة رعايتها -بمثالين-: 1- الرقي: لا يخفى ان وقوع كل فعل، متوقف على مشيئة من الله تفعل، و سبب هو لفعل المشيئة مظهر، و جلي انه ما جعل سبباً لفعل الا ما يناسبه، فاذا كان الفعل الذي يطلب وقوعه شفاء من داء نفساني بحت -مثلاً- فان الدواء نفساني ليس الا. و ان كان شفاء من داء جسماني بحت، فان الدواء جسماني كذلك. فالشفاء من ضلال القلب -مثلاً- انما يكون باتباع هدى كتاب الله. و الشفاء من جرح جسماني غير مؤثر في النفس انما يتاتي بالخيط و نحوه. و اما الشفاء من داء نفساني مؤثر في الجسم او من داء جسماني مؤثر في النفس، فبدواء نفساني مشفوع بدواء مادي او بدواء مادي مشفوع بدواء نفساني، و مع ذلك يشفى الجسى بشفاء النفس، و قد يقتصر على احدهما، و مع ذلك يحصل الشفاء من الدائين فيقتصر على الدواء النفساني، مع ذلك يشفي الجسد بشفاء النفس، او يقتصر على الدواء الجسماني، و مع ذلك تشفى النفس بشفاء الجسد. هذا. و واضح ان كون الشيء سبباً لفعل انما يعلم بالتجربة او بالتلقي عن الوحي. فان كان شيء مما يستشفي الناس به لم يرد بسببيته وحي، و لم يهد اليها تجربة تامة، فانه لا يجوز ان يعد من الاسباب و لو استتبع الاستشفاء به -في الظاهر- الشفاء في كثير من الاحسان، فانه قد يقع ان يقرن بشيء يُحسبُ سبباً شيء اخر هو السبب؛ مما يقتضي ان لا يكتفي في اعتقاد السببية باقل مما لا يدع مجالاً للريب من الاستقراء التام. فاذا اهتدى طالب الشفاء -بهداية وحي او تجربة تامة- الى العلم بسببية شيء غير مادي للشفاء من داء نفساني مؤثر في الجسد او داء جسماني مؤثر في النفس، توجه التكليف إلى الاستشفاء به، من حيث انه يقوي النفس، و بتقوي النفس يتقوى الجسد -كذلك- فيأتي، من ثمة -ان شاءالله- الشفاء المطلوب، كله أو بعضه. و اما ما لم يثبت كونه سبباً يوحي و لا تجربة تامة، فلا يجوز الاستشفاء به، و لو كان مما قد يؤدي الاستشفاء به إلى الشفاء (من حيث ان حساب كونه سبباً للشفاء يقوي النفس، و بتقويها يتقوي الجسد -كذلك- فيأتي الشفاء؛ فان المسبشفي، بذلك اما ان يكون قد بين له الامر اولاً؛ فان كان كذلك فان اصراره على اعتقاده اتخاذ للهوى الهاً، و ان لم يكن قد بين له فان امره اتباع للظن الذي لا يغني من الحق شيئاً ؛ و لا يشك مؤمن في وجوب اجتناب هذا و لا ذاك، كائنة ما كانت الاثار. و اذا قد تبيين هذا فنقول: قد وردت احاديث باساتيد صحاح تبين مشروعية الرقيا بكتاب الله و بما يشبه -مما فيه ذكر الله و دعاؤه- من بعض الادواء. فقد روي البخاري و غيره عن ام المؤمنين عائشة، قالت: (كان رسول الله -عليه صلوات الله و بركاته- اذا اوى إلى فراشه نفث في كفيه بقل هو الله احد و بالمعوذتين جميعاً؛ ثم يمسح بهما وجهه و ما بلغت من جسده قالت فلما اشتكي كان يأمرني أن افعل ذلك به). و روى مسلم عنهما انها قالت: (كان اذا اشتكى رسول الله رقاه جبريل، قال باسم الله يبريك؛ و من كل داء يشفيك؛ و من شر حاسدٍ اذا حسد، و شر كل ذي عين). و روى مسلم -ايضاً- عن ابي سعيد: (ان جبريل اتى النبي فقال : يا محمد اشتكيت؟ فقال: نعم قال: باسم الله ارقيك و من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس و عين حاسدٍ، الله يشفيك. باسم الله ارقيك). و رويا، هما و غيرهما عن غائشة -ايضاً- (ان النبي كان ينفث على نفسه –في المرض الذي مات فيه- بالمعوذات فلما ثقل كنت انفث عليه بهن؛ و امسح بيده نفسه لبركتها). قال الرواوي: فسألت الزهري: كيف ينفث؟ قال: كان ينفث على يديه؛ ثم يمسح بهما وجهه. و لفظ مسلم: (ان النبي كان اذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات و ينفث)؛ و في رواية له كان اذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات و مسح عنه بيده) و في رواية اخرى له كان رسول الله اذا مرض احد من اهله نفث عليه بالمعوذات؛ فلما مرض مرضه الذي مات فيه، جعلت انفث عليه؛ و امسحه بيد نفسه؛ لانها كانت اعظم بركة من يدي...) و في لفظ من هذه الرواية (بمعوذات). و رويا عنها -ايضاً- انها قالت: (كان النبي يعوذ بعضهم يمسحه بيمينه؛ اذهب الباس -رب الناس؛ و اشف انت الشافي؛ لا شفاء الا شفاؤك –شفاء لا يغادر سقماً). و لفظ مسلم: كان رسول الله اذا اشتكى منا إنسان مسحه بيمينه، ثم قال (...) و زاد (فلما مرض رسول الله و ثقل اخذت بيده لاضع به نحو ما كان يضع؛ فانتزع يده من يدي؛ ثم قال: (اللهم اغفرلي واجعلني مع الرفيق الاعلى. قالت: فذهبت انظر؛ فاذا هو قد قضى)؛ و في رواية له (مسحه بيده). و في رواية لهما (و انت الشافي) و في رواية لهما عنها -ايضاً- (ان رسول الله كا يرقي بهذه الرقية؛ (امسح الباس –رب الناس-؛ بيدك الشفاء؛ لا كاشف له الا انت). و لفظ مسلم (اذهب الباس). و روى البخاري و غيره عن أنس (اللهم رب الناس مذهب الباس اشف -انت الشافي لا شافي الا انت- شفاء لا يغادر سقماً). و رويا هما و غيرهما عن عائشة: (أن النبي يقول للمريض: بسم الله، تربة ارضنا، بريقة بعضنا، يشفي سقيمنا، باذن ربنا) و في لفظ للبختري (كان النبي يقول في الرقية) و فيه (وريقة بعضنا) و لفظ مسلم (ان رسول الله كان اذا اشتكى الإنسان الشيء منه، او كانت به قرحة أو جرح، قال النبي باصبعه هكذا –و وضع سفيان سبابته بالارض، ثم رفعه. باسم الله، تربة ارضنا بريقة ارضنا، ليشفي به سقيمنا باذن ربنا) قال ابن ابي شيبة (يشفي) و قال زهير (يشفي سقيمنا). و روى مسلم و غيره عن عثمان بن ابى العاص الثقفي انه اشتكى الى رسول الله وجعاً يجده في جسده منذ اسلم؛ فقال لرسول الله: (ضع يدك على الذي تالم من جسدك و قل: باسم الله ثلاثاً و قل سبعة مرات: اعوذ بالله و قدرته من شر ما اجد و احاذر). و رويا عن ابي قتادة انه قال: (سمعت النبي يقول: الرؤيا من الله، و الحلم من الشيطان. فاذا راى احدكم شيئاً يكرهه لينفث حين يستيقظ ثلاث مرات: و يتعوذ من شرها؛ فانا لا يضره) هذا احد الالفاظ. و في لفظ (فلينفث عن شماله ثلاثاً) و في لفظ (فليبصق عن يساره حين يهب من نومه ثلاث مرات). و في لفظ (و ليتحول عن جذبه الذي كان عليه) قال النووي (حاصله ثلاثة: انه جاء (فلينفث)(فليبصق) و (فليتفل)؛ و اكثر الروايات (فلينفث)) انتهى. و رويا عن الاسود انه قال: (سالت عائشة عن الرقية من الحمة؟ فقالت: رخص النبي الرقية من كل ذي حمة) و في لفظ لمسلم (من الحمة). و روي مسلم و غيره عن أنس في الرقي قال: (رخص في الحمة و النملة و العين). و رويا عن عائشة انها قالت: (امرني النبي (أو امر) ان يسترقى من العين و لفظ مسلم (كان رسول الله يامرني ان استرقي من العين). و روي مسلم عن جابر: ان النبي قال لاسماء بنت عميس: (مالي ارى اجسام بتي اخي ضارعة؟ نصبهم الحاجة؟ قال لا؛ و لكن العين تسرع اليهم. قال: ارقيهم قالت: معرضة عليه؛ فقال :ارقهم) و في رواية من حديث جابر هذا انه قال: كان لي خال يرقي من العقرب؛ فنهى رسول الله عن الرقي؛ قال فاتاه؛ فقال يا رسول الله: انك نهيت عن الرقي؛ و انا ارقي من العقرب؟ فقال: من استطاع منكم ان ينتفع اخاه فليفعل. و في رواية اخرى (قال: فعرضوها عليه؛ فقال: ما ارى بأساً؛ من استطاع منكم ان ينتفع اخاه فلينتفعه). و روي مسلم و غيره عن عوف بن مالك الاشجعي قال: كنا نرقي في الجاهلية؛ فقلنا: يا رسول الله! كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا على رقاكم؛ لاباس بالرقي، ما لم يكن في شرك). فقد بينت هذه الاحاديث بمجموعها مشروعية الرقي بكتاب الله و بما يشبهه. مما فيه ذكر الله و دعائه -من ادواء جاء ذكر بعضها تفصيلاً، و اجمل بعضها الآخر. قال في فتح الباري: قد اجمع العلماء على جواز الرقي عند اجتماع ثلاثة شروط: ان يكون بكلام الله تعالى. او بأسمائه و صفاته، و باللسان العربي، او بما يعرف معناه من غيره، و ان يعتقد ان الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بذات الله -تعالى- و اختلفوا في كونها شرطاً؛ و الراجع انه لابد من اعتبار الشروط المذكورة؛ ففي صحيح مسلم و سنن ابي داود من حديث عوف بن مالك قال: (كنا نرقي في الجاهلية...) الحديث. و له من حديث جابر (نهى عن الرقي). الحديث. و قد تمسك قوم بهذا العموم؛ فاجازوا كل رقية جريت منفعتها، و لو لم يعقل معناها لا يؤمن ان يؤدي إلى الشرك، فيمنع احتياطاً و الشرط الاخر لابد منه. و قال قوم لا تجوز الرقية الا من العين و اللدغة. و يرده حديث انس المبين فيه الترخيص في الحمة و النملة و العين و قال قوم: المنهي عنه من الرقي ما كان قبل وقوع البلاء؛ و المأذون فيه ما كان بعد وقوعه؛ ذكره ابن عبدالبر و البيهقي و غيرهما و فيه نظر؛ فقد ثبت في الاحاديث استعمال ذلك قبل وقوعه، كما في حديث حائشة (انه عليه صلوات الله و بركاته- كان اذا اوى إلى فراشه...) الحديث، و ما في حديث ابن عباس (انه -صلى الله و بارك عليه- كان يعوذ الحسن و الحسين بكلمات الله التامة من كل شيطان و هامة...) الحديث؛ و كما فيما رواه ابو داود و النسائي بسند صحيح عن سهيل بن ابي صالح عن ابيه عن رجل من اسلم (جاء رجل فقال: لدغت الليلة، فلم انم؛ فقال له النبي: لو قلت حين امسيت: اعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضرك)... و الاحاديث في هذا المعنى موجودة؛ و لكن يحتمل ان يقال: ان الرقي اخص من التعوذ؛ و الا فالخلاف في الرقي مشهور؛ و لا خلاف في مشروعيته الفزع إلى الله -تعالى- و الالتجاء اليه في كل ما وقع و ما يتوقع. و قال النووي: قال كثيرون او الاكثرون: يجوز الاسترقاء لصحيح لما يخالف ان يغشاه من المكروهات و الهوام - و دليه احاديث؛ و منها حديث عائشة في صحيح البخاري: (كان النبي اذا اوى الى فراشه) الحديث. والله اعلم انتهى (أي كلام النووي) و على كراهة الرقي بغير كتاب الله علماء الامة. و قال القرطبي: الرقي ثلاثة اقسام احدها: ما كان يرقي به في الجاهلية مما لا يعقل معناه؛ فيجب اجتنابه لئلا يكون فيه شرك او يؤدي الى الشرك. الثاني ما كان بكلام الله او باسمائه؛ فيجوز فان كان مأثوراً فيستحب. الثالث: ما كان بأسماء غير الله من ملك او صالح او معظم من المخلوقات كاعرش قال: فهذا ليس من الواجب اجتناب، و لا من المشروع الذي يتضمن الالتجاء إلى الله التبرك باسمائه، فيكون تركه اولى، الا ان يتضمن بتعظيم الرقي به، فينبغي ان يجتنب كالحلف بغير الله -تعالى- و قال الربيع: سألت الشافعي عن الرقية؛ فقال لا بأس ان يرقي بكتاب الله و ما يعرف من ذكر الله؛ قلت: أ يرقي اهل الكتاب المسلمين؟ قال: نعم، اذا رقوا بما يعرف من كتاب الله و بذكر الله. انتهى... و روي ابن وهب عن مالك كراهة لرقية بالحديدة و الملح و عقد الخيط و الذي يكتب خاتم سليمان، و قال: لم يكن ذلك من أمر الناس القديم، قال النووي: و العقد عنه اشد كراهة؛ لما في ذلك من مشابهة السحر، و الله اعلم- و قال الماوردي: اختلف في استرقاء اهل الكتاب: فاجازه قوم؛ و كره مالك لئلا يكون مما بدلوه. انتهى كلام الحافظ بتصرف. و قال النووي: معنى قوله -صلى الله و بارك عليه- (باسم تربة أرضنا الحديث، انه اخذ من ريق نفسه على اصبعه المسبحة، ثم وضعها على التراب فعلق به شيء منه؛ ثم مسح به الموضع العليل أو الجريح قائلاً الكلام المذكور في حالة المسح، انتهى، ... و قال القرطبي: و وضع النبي مسبحته بالارض و وضعها عليه يدل على استحباب ذلك عند الرقية. انتهى. و قال النووي: في حديث عائشة (كان رسول الله اذا اشتكى منا إنسان مسحه بيمينه... الحديث. استحباب مسح المريض باليمين و الدعاء له قال و في حديثها (كان رسول الله اذا مرض احد من اهله نفث عليه ...) الحديث. استحباب النفس في الرقية. و قد اجمعوا على جوازه. و استحبه الجمهور من الصحابة و التابعين و من بعدهم. قال القاضي: و انكر جماعة النفث و التفل في الرقي؛ و اجاز النفح بلا ريق؛ و هذا المذهب، و الفرق انما يجيء على قول ضعيف قيل ان النفث معه ريق. و قد جاء في حديث الذي رقى بما تحته الكتاب: (فجعل يجمع بزاقه يتفل). و الله اعلم ... و كان مالك ينفث اذا رقى نفسه. قال: و في حديث عثمان بن ابي العاص استحباب وضع يده على موضع الالم مع الدعاء المذكور. و الله اعلم. انتهى. و قال الحافظ: في احاديث النفس رد على من كره النفث مطلقاً. كالاسود بن يزيد احد التابعين –تمسكاً بقوله-تعالى- (و من شر النفاثات في العقد) و على من كره النفث عند قراءة القران خاصة، كابراهيم النخعي، اخرج ذلك ابن ابي شيبة و غيره. انتهى. و هذا الذي تدل عليه هذه الاحاديث من مشروعية الرقي بكتاب الله و ما يشبه -مما فيه ذكر الله و دعاؤه- و من استحباب ذلك، هو المواقف لما قد بينه ما لا يحصى من أيات الكتاب من ان التوكل الاعتماد على رحمة الله عند الاخذ بالسبب، للعلم بانه لا يقع فعل من افعال الله -غير معجزة- الا بسبب، و الايقان بان لا فاعل الا الله، و ذلك الاصل من اكثر الاصول دليلاً من كتاب الله و اشدها ظهواً؛ مما يجعل ميزاناً يجب ان يوزن به كل ما ينسب الى رسول الله في التوكل من الاحاديث، فيقبل منها ما يوافقه و يؤول ما لا يوافقه بظاهره مما يحتمل التاويل، و يرد ما لا يأتي تاويله، ايقاناً بانه ليس من قول الرسول. فما روى الشيخان عن ابن عباس مرفوعاً و مسلم من عمران بن حصين كذلك –في وصف سبعين الفاً يدخلون الجنة بغير حساب- من أنهم لا يرقون و لا يسترقون و لا يكتوون و لا يتطيرون، و على ربهم يتوكلون. هذا الذي يزعم ان التوكل بترك الاخذ بالاسباب فانه معارض لذلك الاصل بظاهره و باطنه؛ و معارض -كذلك- لما هو موافق لذلك الاصل من الاحاديث التي سبق ذكرها؛ مما يدل على انه ليس من حديث رسول الله، و قد تكلف العلماء في الجمع بينه و بين تلك الاحاديث، فجائوا بما لا يسمن و لا يغني من جوع: فقال بعضهم بكراهة الرقي و الكي من بين الادوية، زعماً منهم ايضاً انهما قادحان في التوكل دون غيرهما، و اجاب الجمهور باجوبة هي أوهن من بيت العنكبوت. و أما الاحتكام الى ذلك الاصل القرآني، فلم أره الحد منهم؛ و ان ذلك لمؤسف حقاً، فأن كون المروي -غير المتواتر- قد روي بسند محكوم عليه بالصحة لا يستلزم كنه مما قد قاله رسول الله؛ و ذلك انه لا سبيل الى الايقان بأن كل رجال السند جامع بين العدالة و الضبط، و انما هو الظن؛ و الظن قد يصيب و قد يخطيء؛ فيكون حكمنا بأن الحديث صحيح محتملاً للخطأ؛ و يحتمل -كذلك- أن يخطيء بعض الرواة فينسب الى رسول الله ما لم يقله، و لو كان من اعدل العدولا و أضبط الضابطين. فلابد -في قبول المروي- من أن يلغي موافقاً لاصل من اصول الكتاب. و لعمر الحق ان قبول مثل هذا الحديث لدليل على ان قولهم بان الحديث في الدرجة الثانية بعد كتاب الله قول غير مؤيد بالعمل؛ و ان الروايات هي القاضيات عندهم على كتاب الله! و الا فهل كون الحديث في الدرجة الثانية الا أن المرويات -لاحتمال الخطأ في نسبتها الى الرسول لا تعتبر الا مذكرات باصول الكتاب، حتى اذا تذكرت الاصول جعلت قاضية على الروايات؛ فقبل منها ما كان بياناً لشيء من تلك الاصول؛ ورد ما كان على خلاف ذلك؟! ان ثانوية الحديث انما هي في الاثبات لا في الحجية تترتب على الاثبات، كيف، و المبين من رسول الله المبين من كتاب الله بعينه ليس الا ...؟! 2-التصوير (صنعه و اتخاذه): لقد صدق ابليس ظن على اكثر بني آدم اذا زين لهم في الارض و اغواهم؛ فدسوا انفسهم في ضد ما كانوا مفطورين عليه؛ فاشركوا بالله في الالوهية (أي العبودية و المستعانية). هذا. و لقد وجد رءس مريدي متاع الحياة الدنيا، من اول يوم، بغيتهم في الشرك في الالوهية بشطريها؛ اذ رأوا ان ارتكاس الناس في الشرك في شطر المستعانية يقطع صلتهم بالله؛ فيطوعهم لكل ما تملي عليهم الاهواء؛ و في شطر العبودية و المطاعية. كان اولئك هم الذين يتخذهم المشركون الهة، و في ذلك ما فيه من التمهيد للاتراف و لوازم الاستكبار. فجعلوا يقومون -في تيسير امر الشرك و مؤازرته و تعميمه- بكل ما هداهم كبيرهم ابليس اليه. و لما رأوا انه من العسير على البشر الداب في توجيه الوجوه للملائكة و ارواح الاموات و الغائبين من العباد المتخذين من دون الله اولياء، و الاستمرار في تعليق القلوب بالطواغيت الحاكمين بما تهوى الأنفس، الا اذا كان هناك ما يذكرهم كل حين بهؤلاء و اولئك مما هو مشهود امروا بصنع التماثيل و غيرها من المذكرات. فالتماثيل و ما اليها. اذن من اعظم اسباب الدعوة الى الشرك؛ و جلي ان الدعوة الى الشرك فوق الشرك؛ و اذا تذكرنا ان الشرك أعظم ما يرتكب البشر من الاثم، استبان لنا حكم صنع و اتخاذ تماثيل من يدعون من دون الله او يشرعون من الدين مالم يأذن به الله، و حكم الامر بهذا أو ذلك، و كذلك التماثيل التي يعلم أو يظن انها ستصبح اصناماً يظل الناس لها عاكفين. و لان عذان كل اثم بقدر عظمة ذلك الاثم، فلا جرم ان الذين يصنعون التماثيل و ما اليها للعبادة –و هم عالمون بما يفعلون عامدون- اشد عذاباً من المرتكبين الشرك نفسه فقط. هذا، و لا يخفى ان الامرين بصنع التماثيل و اتخاذها، يعدون عند الله من صانعي التماثيل؛ بل انهم عنده رؤوس صانعي التماثيل، كما أن الامر بتذبيح ابناء بني اسرائيل سجل الله عليه انه كان يذبح ابنائهم، بل اخبر انه عنده رأس الذين كانوا يذبحون؛ فلا يرد ان الطواغيت اكبر الناس اجراماً، فكيف يكون صانعوا التماثيل اشد الناس عذاباً. روى الشيخان عن ابن مسعود انه قال: سمعت النبي -صلى الله و بارك عليه- يقول: ان اشد الناس عذاباً عند الله المصورون). و ريا، عنهما و غيرهما عن عائشة انها قالت: قدم رسول الله من سفر و قد سترت بقرام لي على سهوة لي فيه تماثيل، فلما راه رسول الله هتكه (و في لفظ لمسلم: فقال : (اخريه عني)؛ و قال: (اشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله)؛ قالت فجعلناه وسادة او وسادين (و في لفظ مسلم: قالت (فاخرته) فجعلته وسائد)، و في رواية لهما –و اللفظ للبخاري انها قالت: دخل على رسول الله و في البيت قرام فيه صور (و لفظ مسلم: الذين يشبهون بخلق الله). و رويا عنها الحديث بلفظ آخر هو: انها اشترت نمرقه فيها تصاوير؛ فلما راها رسول الله قام على الباب فلم يدخل؛ فعرفت في وجهه الكارهية؛ فقلت: يا رسول الله، اتوب الى الله و الى رسوله؛ ماذا اذنبت؟ فقال رسول الله: (ان اصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة؛ و يقال لهم احيوا ما خلقتم)؛ و زاد مسلم في رواية انها قالت: فاخذته، فجعلته مرفقتين؛ فكان يرتفق بهما في البيت. و رويا هما و غيرهما -ايضاً- عن ابن عمر: ان رسول الله قال: (ان للذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: احيوا ما خلقتم). رويا هما و غيرهما -ايضاً- عن ابن عباس: ان النبي قال: من صَوَّرَ صورة في الدنيا كلف يوم القيامة ان ينفخ فيها الروح؛ و ليس بانفخ؛ و في لفظ لمسلم انه قال: سمعت رسول الله يقول: (كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صَوَّرها نفساً، فتعذبه في جهنم). و رويا عن ابي هريرة انه قال: سمعت رسول الله يقول: (قال الله عز و جل (و من أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟! فليخلقوا حبة؛ و ليخلقوا ذرة) (و في لفظ (فليخلقوا ذرة، او ليخلقوا حبة أو شعيرة). و روى البخاري عن ابي جحيفة انه قال: (لعن النبي الواشمة و المستوشمة؛ و اكل الربا و مؤكله؛ و نهى عن ثمن الكلب؛ و كسب البغي، و لهن المصورين). و روى البخاري -ايضاً- عن ابن عباس أن النبي لما رأى الصور في البيت لم يدخل حتى امر بها فمحيت و راى ابراهيم و اسماعيل بايديهما الازلام؛ فقال: (قاتلهم الله، و الله ان استقسما بالازلام قط) و في رواية له عنه انه قال: دخل النبي البيت فوجد فيه صورة ابراهيم، صورة مريم، فقال: اما هم فقد سمعوا ان الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة؛ هذا ابراهيم مصور؛ فما له يستقسم؟!). رويا، هما و غيرهما عن ابي طلحة الانصاري أن رسول الله قال: ان الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة. زاد في رواية: (الا رقما في ثوب) و روى مسلم مثله -و لكن بغير الستثناء- عن ابي هريرة، و في رواية لهما عن ابي طلحة انه قال: (لا تدخل الملائكة بيتاً في كلب و لا صورة) (و في لفظ لهما: (و لا تصاوير)؛ وفي لفظ لمسلم (و لا تماثيل) و روى البخاري عن ابن عمر انه قال: وعد جبريل النبي فراث عليه حتى اشتد على النبي؛ فخرج النبي، فلقيه فشكا اليه ما وجد، فقال له: (انا لا ندخل بيتاً فيه صورة، و لا كلب) و روى مسلم مثله عن ميمونة. و روى عنها انها قالت: قدم النبي من سفر و علقت درنوكاً فيه تماثيل (و لفظ مسلم: (قد سترت على بابي درنوكاً فيه الخيل ذوات الاجنحة)؛ فامرني ان انزعه، فنزعته). هذا في تماثيل و مذكرات من قد اتخذوا من دون الله الهة، و كذلك التماثيل التي يعلم أو يظن انها ستصبح اصناماً يعبدها الناس فيظلون لها عاكفين -و اما غير ذلك من التماثيل و المذكرات فلصنعها و اتخاذها -من الحكم- غير ما ذكرنا، مما -ان شاء الله- بعد مقدمة. فنقول: قد اخبرنا الله تعالى –انه سخر لسليمان من الجن من (يعملون له ما يشاء من محاريب و تماثيل و جفان كالجواب، و قدور راسيات)؛ و لفظة التماثيل في هذا الخبر غير مقيدة الا بقيد (ما يشاء) أي انهم كانوا يعلمون له ما يشاء، لا ما يشاء، و جلي انه لم يكن يشاء ان يعلموا له النوع الاول من التماثيل (أي تماثيل المتخذين من دون الله، الهة)؛ و اما غير ذلك فلا دليل على انه انما كان له ان يشاء منه شيئاً دون شيء؛ فلا يجوز ان يقال: انه كان يشاء هذا دون ذلك. بل انه لم يرد فيها شرع () من الدين، فيما روي عن رسول الله من الاحاديث -كذلك- ما يدل على التفرقة بين تمثال، و اما التفرقة بين تماثيل ذوات الأنفس و تماثيل غيرها، فانما هو راى مروي عن ابن عباس لا يدل عليه شيء من الاحاديث المرفوعة الصحاح؛ بل ترده العموميات الواردة فيها، و اما قوله -صلى الله و بارك عليه- يقال لهم: احيوا ما خلقتم)، فانه وارد في واقعة خاصة، لا دلالة ليه على التفرقة بين تصاوير ذوات الاستعداد للاحياء و غيرها هذا. و اما القول بان ذلك شرع من قبلنا، و قد جاء فيما شرع لنا فانسخه، فانه قول لا يليق بمن يتحرز ان يكون امرءاً يرمي الكلام على عوارضه؛ فانه ليس من كل شيء يصبح ان يقال فيه ذلك. بيان ذلك ان هدى الله آيات مبينات لحقائق لابد -في العبودية- من الايمان بها؛ و ترهيب و ترغيب تقوم عليهما تزكية النفس؛ و قواعد كليه للعمل الصالح و حكمة هي الطريقة الووسط لتطبيق تلك الكليات و لقد سبق ذكر ذلك. فاما القسم الاول فاخباريات في ذكر اسماء الله -تعالى- و صفاته؛ و في بيان حقيقة العلة التي بينه و بين الإنسان و الكون؛ و في الكشف عن حقيقة النفس الإنسانية و ما لها من الخصائص؛ و في تجلية ما لابد من العلم به من خصائص الكون؛ وفي ايضاح الصلة التي بين هذا و تلك، و هذه الحقائق ثابتة غير متطورة؛ فيلزم ان يكون ما بينها من الكلام ثابتاً غير متطور، لا يختلف من شريعة لاخرى الا بالاجمال و التفصيل؛ و ما كان كذلك فلا يقال في شيء منه انه شرع من قبلنا. و ام الترهيب و الترغيب فما يذكر فيهما من السواي و الحسنى ثابت -كذلك- ثباتاً لا يختلف معه ما يتضمن ذلك من كلام الهه -من شريعة لاخرى الا بالاختصار و التطويل؛ و مثل ذلك لا يقال فيه انه شرع من قبلنا، كذلك. و كذلك القواعد الكلية المذكورة لا تختلف من شريعة لاخرى و ذلك أن الشرع الشرائع انما هو لمصالح العباد في العاجل و الاجل، و ذلك بحفظ الدّين و النفس و العقل و النسل و المال: يجلب ما هو لها مصالح، و يدرأ ما هو لها مفاسد. و هذه الامور الخمسة لكل منها جهات متعددة ينزل لحفظه من كل جهة منها احكام جزئية قد تختلف من شريعة لاخرى، و من ظرف لاخر في شريعة واحدة كذلك، و لكنها تتفق في انها يقصد منها في كل حال حفظ ذلك الامر من تلك الجهة؛ فتكون بتطورها هذا خادمة لاصل كلي يتعلق بحفظ ذلك الامر منها. و الامور الخمسة بجهاتها المتعددة ثابتة في كل زمان و كل مكان، فتكون الاصول المتعلقة بحفظها ثابتة -كذلك- في كل الشرائع، فاصول النظام السياسي –من كون الله هو الحاكم، و كون الإنسان العبد المنفذ لاحكام الله، و غير ذلك- و اصول النظام الاقتصادي -و من كون النعم جميعها مخلوقة للبشر سواء للسائلين، و كون الله -تعالى- هو مالكها و كون الإنسان مستخلفاً فيها مقيداً بالقيود التي وضعها المالك، و غير ذلك. و اصول النظام الاجتماعي- من كون الناس مشتركين في المخلوقيةى لرب واحد، و كونهم مخلوقين من جنس واحد و حقيقة واحدة، و غير ذلك -مثلاً- اصول ثابتة لاشان لها باختلاف الازمان و الامكنة و الارضاع؛ فلا يتعلق بها نسخ و تبديل؛ فلا يقال في شيء منها شرع من قبلنا. و اما الحكمة -و هي مجموعة الاحكام التفصيلية التي تهدي الى الصواب في تطبيق القواعد الكلية- فعلى قسمين ثابت و متطور، كما سبق بيانه، فاما الثابت منها، فواضح انه بمنيء عن التطور و الاختلاف من ظرف لاخر في شريعة واحدة كذلك؛ و هو الذي يتعلق به النسخ و التبديل؛ و هو الذي يقال فيه انه شرع من قبلنا فقد يكون حكم امر ما في شريعة اباحة؛ ثم يبدل مكانه في شريعة أخرى تحريم و قد يكون العكس و قد يكون غير ذلك. فتعليق التمائم و قول اف للوالدين و ايذاء الجاز و سباب المسلم و غير ذلك مما لا ينفكك عن مصلحة او مفسدة في أي ظرف كان، تابى الشرائع أن تأتي فيها الا باحكام ثابتة لا يصح ان يقال في شيء منها انه شرع من قبلنا دوننا و اما طعم لحوم ذوات الاظفار من الحيوان و شحوم البقر و الغنم -مثلاً- و هو امر في اباحته توسعة على الناس في الطيبات كما هو شأن دين الله –ففي ظرف يبغي بنوا اسرائيل فيه و يظلمون مجلبة لمفسدة المد في البغي و الظلم، الذي تستلزمه من التوسعة على الباغين الظالمين؛ و مفيد لمصلحة تذكير المقترفين للبغي و الظلم، الكائن ذلك التذكير في قدر الرزق و تضيقه؛ فحينئذ الحكمة في التحريم ليست الا حتى اذا تغير الظرف، فلم يكن في ذلك جلب لتلك المفسدة و افاتته لتلك المصلحة، كانت الحكمة في تغير الحكم من التحريم الى الاباحة، كما هو شأن الامور التي هي في جلبها للمصالح او درئها للمفاسد تابعة لظروفها. و اذا تبين الامر فنقول: ان الاحاديث المروية في التصوير و ما اليها قد ذكرت ان العلة المقتضية للتحريم المضاهات و التشبيه بخلق الله فان زعمنا ان المراد مضاهات المصور و تشبيهه تصويره بخلق الله الذي اخذ التماثيل منه و ظناً أن هذه هي المفسدة المقتضية للتحريم، فقد قلنا بكون العلة امراً لازماً للفعل؛ الامر الذي يستلزم القول بلزوم حكم التحريم للتصوير في كل مكان و زمان و كل مكان؛ و بلزومه لتصوير غير ذوات الأنفس كلزومه لتصاوير ذوات الأنفس؛ فانه لا يصور المصور حين يصور الا و هو يضاهي و يشبه ما يعمل بخلق الله؛ بل ليس عمله الا ان يشبه ما يعمل بخلق الله، على عهد سليمان كان أم على عهد نوح ام على عهد محمد -عليهم و على آلهم صلوات الله و بركاته- و تشبه تصاوير ذوات الأنفس، بخلاف تصاوير غير ذوات الأنفس بخلق الله، فان القسم الثاني بحاجة، في تمام شبهه بخلق الله –الى ما لا يملكه المصور من الأنفس بخلاف، تصاوير غير ذوات الأنفس؛ فتذكروا يا اولي الالباب!! و الحاصل ان القول بأن المراد تشبه المصور تصويره بخلق الله يجعل حكم التصوير من القسم اثابت من الحكمة، الذي هو بمناي عن التطور و الاختلاف من ظرف لاخر و من شريعة لاخرى؛ فان ذلك قول بتحريم التصوير لكونه تصوير الصورة و مضاهاتها بخلق الله؛ و هذا امر لا ينفك عن الصور؛ فيلزم أن لا يكون تصوير الصور و اتخاذها الا محرمين، و يستلزم هذا ان يقال بتحريم ما كان يشاء سليمان ان يعمل له من التماثيل، و لا يستقيم القول باختلاف شرع من قبلنا عن شرعنا؛ و مثل هذا يتحاشى عنه كل من هو مؤمن بكتاب الله، غير مفرق بين سليمان و غيره من الرسل -عليهم صلوات الله و بركاته- فاذا كان قد اتى على صنع التصاوير و اتخاذها حين من الدهر التحريم الوارد في الاحاديث المذكورة ليس متعلقاً بذات الصنع او الاتخاذ، و انما هو لوصف قد يقارن ذلك و قد يفارلقه، فيحرم في الحال الاولى، و لا يحرم في الثانية و الذي يجب علينا بعد ذلك، تأمل الاحاديث و الاجتهاد في فقه عبارة (الذين يضاهون أو يشبهون بخلق الله). على ان ادراك المراد من ذلك و العثور على علته التحريم ليس بحاجة الى كبير جهد، لمن قد الى على نفسه ان لا يحتج بحديث الا بعد الرجوع الى الاصل المتعلق بموضوعه من كتاب الله؛ فان العبارة قد جاء فيها ذكر المشبه به بلفظة (خلق الله التي تشمل كل مخلوق، حتى التماثيل التي يعملها أصحابها[8]. فلا يكون المشبه –الذي يجب ان يكون غير المشبه به- الا غير خلق الله، و غير خلق الله خالق الخلق -عز و جل- فيكون المعنى: الذين يضاهون و يشبهون الخالق بخلقه، أي الذين يعملون تماثيل من يدعون من دون الله أو يشرعون من الدين ما لم يأذن به الله -و هم عالمون بما يفعلون عامدون-، فيشركون بالله بعض خلقه؛ فيضاهون خالق الخلق بخلقه)، و هو الذي (خلق السموات و الارض بالحق؛ تعالى عما يشركون. خلق الإنسان من نطفة؛ فاذا هو خصيم مبين)؛ و الانعام خلقها؛ و الخيل و البغال و الحمير، و يخلق ما لا تعلمون؛ و على الله قصد السبيل؛ ينبت لكم به الزرع و الزيتون و النخيل و الاعناب و من كل الثمرات؛ و سخر لكم اللّيل و النهار و الشمس و القمر؛ و النجوم مسخرات بامره؛ و ماذرأ لكم في الارض مختلفاً ألوانه؛ و سبلاً و علامات، و بالنجم هم يهتدون؛ (أفمن يخلق كم لا يخلق؟! أفلا تذكرون؟!))[9]. و اذا كان قد هدانا أصل (توقيف الاحتجاج بالاحاديث على النظر في اصولها من الكتاب) الطريق تأويل عبارة (و الذين يضاهون أو يشبهون بخلق الله) بما أولناها به. و هو تآويل ظاهر لاغبار عليه. فانه ينبغي ان يهدينا. كذلك. لاتخاذ الموقف الحق من الاحاديث المختلفة الالفاظ المتعددة الاسانيد المروية في امر واحد، و من الالفاظ المختلفة من حديث واحد؛ الا و هو اعتبار المعنى المشترك بين الروايات أو الالفاظ؛ ثم رد تلك المختلفات إلى ذلك المعنى، غير جاعلين كل رواية أو كل لفظة دليلاً مستقلاً يثبت به امر زائد على المعنى المشترك كمن، يتناسى ان الامر الواحد انما صدر منه بلفظ واحد، و ان الاختلاف انما جاء من الرواة -الذين ليست عباراتهم من الحجية في شيء- و على هذا يجب رد العبارة (يخلق كخلقي) الواردة في حديثابي هريرة ألى علارة (الذين يضاهون بخلق الله) بالتأويل الذي أولناها به، و ذلك بعد الحكم على تلك العبارة (أي عبارة (يخلق كخلقي) بانها اتية من تصرف بعض الرواة، و أن الاصل (و من أظلم ممن ذهب يضاهي بخلقي)؛ و على هذا فالمراد من بقية الحديث: فليخلق الخلق الذين يضاهون الخالق بهم. و هم الذين اتخذوهم المشركون من ذون الله الهة؛ و ليخلقوا ذرة) و هذا تأويل لاغبار عليه كذلك. و ليس في قولنا هذا ما ينكر، فان التصرفات المخطئة من الرواة لا يجحد به احد؛ و لا نذهب بعيداً فهذا حديث القرام او النمرية المروي عن عائشة قد بلغ الاختلاف بين بعض الفاظه و بعض أن يظن أن كلا حديث مستقل؛ الامر الذي لا يدع مجالاً للشك في وجوب رعاية ما ذكرنا، من أصل توقيف الاحتجاج بالاحاديث على النظر في أصولها من الكتاب؛ ذلك الأصل الذي تقينا رعايته ان نرفع إلى مستوى الوحي عبارات لا نشك انها من غير رسول الله كما في الاحاديث المختلفة الالفاظ المتعددة الاسانيد المروية في امر واحد، و الالفاظ المختلفة من حديث واحد، و عبارات لا نأمن كونها من غيره، كما في غير ذينك النوعين؛ و الذي يدفعنا التزامه إلى أن نتخذ كل حديث وسيلة إلى تذكر أصله القرآني؛ و نضع كل نوع من أصله، في منزلة قد اختص هو بها. و هذا الذي بينا، من أن الأحاديث المذكورة انما هي في تماثيل و مذكرات من اتخذهم المشركون من دون الله الهة، و في التماثيل التي يعلم أو يظن انها ستصبح اصناماً يظل الناس لها عاكفين. هو الذي يبين لنا سبب اختلاف مواقف رسول الله حسب اختلاف حقائق التماثيل و ما اليها و اختلاف ملابساتها. فأما ما لم يكن بحقيقة منادياً بالشرك و الخرافة، و لكن بوضع المتخذ له إياه موضع التعظيم فكان عليه -الصلوات و البركات- يكتفي بسلبه تلك الملابسة و وضعه موضع الامتهان، كما في حديث القرام أو الخرقة، اذا اكتفى بازالته عن موضعه؛ و رضي بجعله مرفقتين؛ فكان يرتفق بهما في البيت[10]. و كما في حديث الدرنوك الذي كان فيه الخيل ذوات الاجنحة، اذا اكتفى بالامر بنزعه عن موضعه. و اما ما لم يكن ينفك عن الدعوة الى الباطل، فلم يكن يرضى الا بنقضه، كما في حديث التصاليب، و كذلك ما لم يكن بحقيقة منادياً بالشرك، بل بوضعه موضع التعطيم، و لكن لم يكن يجد لا متهانه سبيلاً، كما في حديث صور ابراهيم و اسماعيل و مريم، التي كانت في البيت. و اما ما لم يكن منادياً بالشرك و الباطل بحقيقة و لا بملابسته، و انما كان يذكره بالدنيا أو كانت تعرض له تصاويره في صلاته، فكان يكتفي فيه بالامر بوضعه موضعاً لا تقع عليه فيه عينه، كما فيما روى البخاري عن أن انه قال: كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها؛ فقال لها النبي: (أميطي عني؛ فانه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي) و كما فيما روى مسلم عن عائشة انها قالت: كان لنا ستر فيه تمثال طائر؛ و كان الداخل اذا دخل استقبله؛ فقال لي رسول الله: (حوّلي هذا؛ فاني كلما دخلت فرأيته، ذكرت الدنيا)، و زادت في رواية: (فلم يأمرنا رسول الله بقطعه)[11]. و اما ما لم يكن فيه شيء من ذلك، فلم يكن يامر فيه شيء مما يذكر، بل كان بقرر عليه، كما فيما روى البخاري عن عائشة انها قالت: كنت العب بالبنات عند النبي، و كان لي صواحب يلعبن معي، مكان رسول الله اذا دخل يتعتمهن منه؛ فيسر بهن إلي، فيلعبن معي))[12]. هذا و اذا تبين ان ما جاء به ما سبق ذكره من الاحاديث من تشديد النكير على أصحاب التماثيل و ما اليها. انما توجه لامر زائد على كون التماثيل تماثيل؛ و ان حكمها من حيث انها تماثيل فقط. يختلف عن حكمها من حديث انها تماثيل من اتخذهم المشركون من دون الله الهة، فنقول: ان الغاية التي تبعث العامل على عمل التماثيل، و المقصد الذي يقصده المتخذ للتماثيل من وراء اتخاذها، هو الذي يكشف عما يتوجه من الحكم به و ان اختلاف الغايات و المقاصد مستلزمات لاختلاف الاحكام. فإن كانت القاية مما جائت الشريعة بتحريم تحقيقه، لم يجز التصوير او اتخاذ الصورة، و ذلك كصور النساء العاريات، يراد بها فتنة الناس. و ان كانت مما جائت الشريعة بكراهة تحقيقه، كره التصوير او الاتخاذ؛ و ذلك كالصور التي يقصد بها الهاء الناس بغير اضلال. و ان كانت مما قد أبيح تحقيقه، ابيح التصوير او الاتخاذ؛ و ذلك كعود الحدائق ذات البهجة التي تسر الناظرين و ان كانت مما قد ندب إلى تحقيقه، ندب إلى التصوير او الاتخاذ و ذلك كالصور التي تسهل تعلم ما يطلب تعلمه، مثل صور النباتات و الحيوانات التي تمنى المعاجم اللغوية بشرح معاني الالفاظ الموضوعة للدلالة عليها كالصور التي تسهل النظر في آيات الله في الافاق و الأنفس، كما في الافلام التلفازية المأخوذة عن النباتات و الحيوانات، المذكرة بتلك المخلوقات؛ و كصور البنات التي يقوي اللعب بها انوثة الاثاث. و ان كانت فما هو واجب التحقيق، وجب التصوير أو الاتخاذ؛ و ذلك كالافلام التلفازية و السّنمائية عن القصص القرآنية التي تبين ما لا يتم واجب تبينه لكل الناس كما ينبغي الا بها؛ و كالصور التي لا يتم واجب تعلم الطب الا بها؛ و كالصور التي لابد منها لبطاقات الاحوال الا بها و التذاكر و نحوها مما قد أصبح من حاجيات الحياة في هذا العصر. هذا -لعمر الحق- هو الذي كان ينبغي أن يقال به و لا يعدل عنه، لو لا ان استبدل باصل (توقيف الاحتجاج بالاحاديث على النظر في أصولها من الكتاب) رفع الاحاديث من منزلتها التي سبق بيانها إلى مكانة القضاء على، آيات الكتاب؛ و لولا ان اصيب الفقه منذ أصبح صناعة بالولع بتكثير الاحكام المشردة و تضييق الحدود؛ و لولا؛ و لولا. و الا فما الفرق. يا ترى بين صنع التماثيل و صنع الصور و انتخاج الاطعمة الصناعية و انشاء المرافق الحياة و غير ذلك ما في عمل التماثيل من صنع الإنسان شيئاً على مثال شيء؟! و اي دين هو هذا الذي يحرم اتخاذ السينما و التلفاز سببين من أعطم اسباب تبين ما انزل الله من الهدى؟! ام أي دين هو الذي يحظر ما لا يتيسر سياسة العباد الا به من صور البطاقات و التذاكر و ما اليها؟! ام أي دين هو الذي يقول في النفس البشرية ((من احياها فكانما احيا الناس جميعاً))؛ ثم لا يبيح تصوير موضع المرض من مريض لا يتاتي علاجه الا بذلك؟! ام...؟! ام...؟! الست احكام الشريعة الربانية انما شرعت لمصالح العباد في العاجل و الاجل بمراعات الضروريات و الحاجيات و التحسينيات؟! أن الامر أجلى من الجلي. والحمد لله –هذا، و لنذكر في الختمام موجزاً مما قال العلماء في هذه المسألة: قال انووي في شرح صحيح مسلم: قال اصحابنا و غيرهم من العلماء: تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم؛ و هو من الكبائر. لانه متوعد عليه بهذا الوعيد اشديد المذكور في الاحاديث. و سواء صنعته بما يعتبهن او بغيره؛ فصنعه حرام بكل حال؛ لان في مضاهات لخلق الله -تعالى- و سواء ما كان في ثوب أو بساط او درهم أو دينار أو فلس أو حائط أو غيرها. و اما تصوير صورة الشجر و رحال الابل و غير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام هذا حكم نفس التصوير. و اما اتخاذ المصور فيه صورة حيوان، فان كان معلقاً على حائط او ثوباً ملبوساً أو عمامة و نحو ذلك مما لا ممتهناً فهو حرام. و ان كان في بساط يداس و مخدة وسادة و نحوها مما يمتهن فليس بحرام؛ و لكن هل يمنع دخول ملائكة الرحمة ذلك البيت، فيه كلام نذكره قريباً انشاء الله. و لا فرق في هذا كله بين ماله ظل و مالا ظل له. هذا تلخيص مذهبنا في المسألة، و بمعناه قال جماهير العلماء من الصحابة و التابعين و من بعدهم[13] و هو مذهب الثوري و ما لك و ابي حيفة و غيرهم. و قال بعض السلف: انما ينهى عما كان له ظل؛ و لا بأس بالصور التي ليس لها ظل، و هذا مذهب باطل؛ فان الستر الذي انكر النبي -صلى الله و بارك عليه- الصورة فيه لا شك احد انه مذموم؛ و ليس لصورته ظل؛ مع بقاء الاحاديث المطلقة في كل صورة. و قال الزهري: النهي في الصورة على العموم، و كذلك استعمال ما هي فيه؛ و دخول البيت الذي هي فيه؛ سواء كانت رقماً في ثوب أو غير رقم، و سواء كانت في حائط او ثوب أو بساط ممتهن أو غير ممتهن، عملاً بظاهر الاحاديث، لاسيما حديث النمرقة الذي ذكره مسلم. و هذا مذهب قوي. و قا الآخرون: يجوز منها ما كان رقماً في ثوب؛ سواء امتهن ام لا؛ سواء علق في حائط ام لا، و كرهوا ما كان له ظل؛ أو كان مصوراً في الحيطان و شبيهها؛ سواء كان رقماً أو غيره. و احتجوا بقوله في بعض الاحاديث الباب (الا ما كان رقماً في ثوب) و هذا مذهب القاسم بن محمد. و اجمعوا على منع ما كان له ظل؛ و وجوب تغييره؛ قال القاضي الا ماورد في اللعب بالبنات لصغار البنات. و الرخصة في ذلك؛ لكن كره ما لك شراه الرجل ذلك لابنته. و ادعى بعضهم ان اباحة اللعب لهن بالبنات منسوخ بهذه الاحاديث و الله اعلم. انتهى كلام النووي. قوله (و اما تصوير صورة الشجر، و رحال الابل و غير ذلك الخ) (أي من غير فرق بين الثمرة و غيرها)، قال (أي النووي): و هذا مذهب العلماء كافة الا مجاهداً، فانه جعل الشجر المثمر من المكره. انتهى. و قوله (و لكن هل يمنع دخول ملائكة الرحمة الخ) قال: قال الخطابي: انما لا تدخل الملائكة؛ بيتاً فيه كلب أو صورة مما يحرم اقتناؤه من الكلاب و الصور؛ فاما ليس بحرام من كلب الصيد و الزرع و الحاشية، و الصورة التي تمهن في البساط و الوسادة و غيرها، فلا يمتنع دخول الملائكة بسببه. و اشار القاضي غلى نحو ما قاله الخطابي. و الا ظهر انه عام في كل كلب و كل صورة، و انهم يمتنعون من الجميع؛ لاطلاق الاحاديث و الله أعلم. انتهى. و قوله (و احتجوا بقوله في بعض الاحاديث الباب (الا مكان رقماً في ثوب). و هذا الخ) قال: و جوابنا جواب الجمهور عنه انه محمول على رقم على صورة الشجر و غيره مما ليس بحيوان؛ و قد قدمنا ان هدا جائز عندنا. انتهى. و قال ابن العربي: حاصل ما في اتخاذ الصور انها ان كانت ذات أجسام حرم بالاجماع. و ان كانت رقماً فاربعة أقوال: الاول يجوز مطلقاً على قوله في الباب (الا رقماً في ثوب) الثاني ظاهر المنع مطلقاً حتى الرقم. الثالث ان كانت الصورة باقية الهياة قائمة الشكل حرم؛ و ان قطعت الرأس أو تفرقت الاجزاء جاز. قال هذا هو الاصح. الرابع ان كان مما يمتهن جاز؛ و ان كان معلقاً لم يجز. انتهى. و قال القرطبي: حكى مكي في الهداية له: ان فرقة يجوز التصوير؛ و تحتج بقوله -تعالى- في سورة سبأ (يعلمون له ما يشاء من محاريب و تماثيل و جفان كالجواب، و قدور راسيات). قال: و حكى ذلك النحاس كذلك. انتهى. و قال القرطبي في قوله -عليه الصلوات و البركات- ان اشد الناس عذاباً عند الله المصورون). ان المراد من يصور من يعبد من دون الله و هو عارف بذلك قاصد له فانه يكفر بذلك و اما لا يقصد ذلك فانه يكون عاصياً بتصويره فقط. انتهى. هذا. و ليكن ما مر بيانه، منك على ذكر؛ فاننا لا نوافق –كما تبين لك- العلماء. غفر الله لنا و لهم و رحمنا و إياهم- فيما قالوا به في المسالة الا في قليل و بالله التوفيق. خاتمة لقد ادى اهمال الاصل المذكور و قبول الروايات بمجرد عدم الاطلاع على الضعف في اسانيدهها إلى ما لم يكن ينبغي ان يصير اليه من قد انعم الله عليه بهدي القرآن. ففي نجال أخذ صور الحقائق و تلقي علم الاعتقاديات ادى ذلك الى اختلاط نور العلم بظلمة ظنون. و لم يقف الامر عند هذا الختلاط. و ان كان هذا في ذاته عظيماً فان الماخوذات منطلق التطور؛ فلكذلك سرى الضعف الى طور التزكية و مجال اداء الاعمال؛ فجائت الملكات ضعيفة و الاعمال المعيبة. و بيان هذا بحاجة إلى تفصيل لا يليق بهذه الرسالة الموجزة. و انما يحدث هذا الامر لان الاهمال المذكور يستلزم في كثير من الاحيان قبول احاديث باطلة قد رويت باسانيد ظاهر الصحة؛ كما يؤدي كثيراً الى وضع اشياء من الحق قد وردت باسانيد صحيح في غير مواضعها؛ الامر الذي لا ينجو منه من يغفل عن الاصول و يكتفي بالفروع. و في مجال التصيير التزكية ادى ذلك إلى نشوء خصال افراطية عند بعض، و حصول صفات تفريطية عند آخرين؛ و كأين من امريء استبدل بالرجاء أمانيّ، و بالخوف أمنا، و بكذا كذا ثم ان الصفات المريضة و الخصال المعيبة لامفر لاصحابها من الوقوع في غير ما ينبغي من الاعمال؛ كما هو شأن أكثر أهل الاسلام اليوم و في عصور قد خلت. و في مجال أداء الاعمال الصالحات أدي ذلك الى ترك أشياء من الخير، و القيام بأشياء من السوء، و وضع أشياء عن رفعتها، و رفع اشياء عن وضعتها. و لم يقف الامر عند ذلك؛ فان الاعمال أثاراً تعود على النفس؛ فينشأ ما ينشأ من الخصال، و يتقوى مانشاء منها؛ فان تكن الاعمال كما وصفنا، لا تكن الخصال على ما ينبغي. هذا و اذا تجاوزنا العام إلى العلماء في اختصاصاتهم وجدنا من أثار ذلك الاهمال ما سنتلوا عليك: فاما اهل التفسير فترى كثيراً منهم اصبحوا -بعد ما وقعوا في ذلك الاهمال- يا ينزرون في آيات القرآن -في كثير منها- الا و وهم مشغولون بظنون جائتهم من روايات؛ مما جعلهم يانون، مكان تبين مراد الله من كلاماته. بما يضر كثيراً و لا ينفع. و اما اهل الحديث فتجد كثيراً منهم استغنوا بما لديهم من الروايات عن كثير من علم الكتاب؛ اخذوا الفروع و ما لبس ثوب الفروع؛ و فرطوا في الاصول؛ فاصبح كل منهم -في احسن مالديه- بحراً طويلاً عريضاً، و لكن بعمع بضعة اشبار؛ و لهم -بعد ذلك- شأن في جمع الفن إلى السمين. و اما أصحاب كتب العقائد الذين وقاهم الله سيئات كلام المتكلمين -فجعل الاهمال المذكور كثيراً منهم يضعون -في بعض الامور- موضع الاصول الفروع؛ فيبنون الاعتقاديات على غير اصولها. و جعلهم -كذلك- يخلطون- في مسائل بعضاً من اهم المسائل- علماً و ظناً و حقاً و باطلاً. و قل مثل ذلك في أصحاب الكتب التزكية و الاخلاق. و اما كتاب السير و التاريخ فحدث عنهم و لا حرج. و اما الفقهاء فكان عليهم ان لا يقدموا على استنباط شيء الا بعد بذل الجهد في البحث عن القواعد الكلية المتعلقة بباب ذلك الشيء في اثناء آيات كتاب الله، و استفراغ الوسع في ادراك غايات تلك القواعد، ثم في استقراء ماجاء في كتاب الله -ايضاً- من الاحكام التفصيلية الحكمة التي تحقق الغايات المذكورة، الامر الذي يعلمون به طرق الوصول الى تحقيق تلك الغايات، فيتمكنون به من معرفة الحق من المرويات. و هو يماثل الحكمة القرآنية. عما يخالف ذلك، مفرقين بين الثابت من الحكمة و المتطور منها، ثم في الكشف عن غير الاحكام المروية من احكام تفصيلية لابد منها في تحقيق تلك الغايات في الظروف القائمة. و لكنك تتصفح الكتب الفقهية فتجد كثيراً من اولئك يفتتحون الباب من ابواب الفقه بالروايات؛ و يسيرون فيه مع الروايات؛ و يختمونه بالروايات؛ الا قليلاً، حين ينجر الكلام إلى ذكر شيء من الآيات ثم ان الاكتفاء بالنظر في الاسانيد يوقع -ولابد- في خلط الحق ببعض الباطل. هذا و قد بلغ العجز عن الخروج عن اسر المرويات بهم انك تجد الباحث منهم يتعب نفسه في محاولة اثبات ما يسميه اصلاً المرويات بهم انك تجد الباحث منهم يتعب نفسه في محاولة اثبات ما يسميه اصلاً من اصول الاسلام عظيماً بحديث لا يبلغ درجة الصحة، و هناك في كتاب الله في اثبات ذلك آيات بينات! و كثيراً ما تجدهم يأتون في الباب من ابواب الفقه الحلال و الحرام- بالحسن من الحديث فضلاً عن الضعيف و تراقبهم عن كثب فيجهم حذاقاً في الاستنباط من الاحاديث؛ حتى اذا جائت الايات القرآنية رأيت الرجال غير الرجال. و اما التفريق بين الثابت من الحكمة و المتطور فما اعز ان تعثر عليه! هذا آخر ما كان عليّ أن أؤديه من النصيحة؛ هذا الذي يؤدي -ولاشك- إلى ان يحذف كثير من الممدود من الصحيح؛ فضلاً عن الحسن و غيره؛ الامر الذي يعظم على كثير من الناس؛ و لكنه ضالة المؤثرين على قلق الاوهام و الظنون طمأنينة العلم و اليقين. فاما انا فادّيت ما كان عليّ؛ و اما أنتم -ايها الكرام- فيرجى منكم الاقبال و القبول؛ و من علامة ذلك ان لا يقدم على ذلك العظيم الا جماعة مؤتلفة من أكابر المفسرين و المحدثين و المؤرخين و الدعاة [1]- اضافة التقليد و الاجتهاد من اضافة المصدر إلى الفاعل لا إلى المفعول... [2]- الحق أن لكل مرتبة من مراتب الحياة الثلاث مظاهر هي أخذ و تصيير و اعطاء، و ان ما هنا اجمال، فالنحو يتضمن مع التصيير الخذ؛ و الاحساس انما يتحقق بأخذ صور و بتكليف من النفس بها، و الارادة يراد بها الملكات التي هي مصادر العزمات على الافعال مع تلك العزمات. و لكن هذا الإجمال حسبنا ههنا. [3]- مضارع أنى اني. [4]- مثل ذلك كمثل التراب يتساقط عليه قطر الماء، فانه لن يبتلي بسقوط قطرة واحدة او سقوط قطران لا تسقط منها واحدة الا بعد ذهاب اثر مسابقتها، و انما يبتل اذا تكرر سقوط القطر عليه بحيث لا يزيل اثر القطرة السابقة حتي تسقط القطرة اللاحقة، فيجتمع بذلك اثار القطرات المتساقطة، فيصبح البلل للتراب صفة ثابتة و صفة دائمة؛ فيكون طيناً. [5]- يوضح ذلك انه قد يلقن الامي قراءة شيء، فيستحضر صورة ما يقرأ ما يتصور، و لكن حالة تلك تزول بزوال التلقين؛ و لا يزول عنه بعروض تلك الحال اسم الامي. كما انه يعتري المتصف بملكة القراءة حالة مملة يفقد فيها على القراءة، و لكن ذلك لا يسلبه اسم القاريء. [6]- و ذلك لأنه كان قد اكتشف ان موضع عض تلك النمل لا تتعفن. [7]- و اما الامور الفرعية و الاشياء الجزئية فيجوز ان تبني -عند امكان اليقين- على الظنون الناشئة من الامارات. [8]- يدل على هذا قوله -تعالى- حكاية عن ابراهيم قال: اتعبدون ماتنحتون و الله خلقكم و ما تعملون؟! [9]- اشارة الى آيات صدر سورة النخل، التي تبين أن المشركين أنما يقترفون تشبيه الخالق خلقه، لا تشبيه الخالق بخلقه؛ لان الخلق ليس له نعمة يشبه فيها الخالق؛ و أما الخالق فبعد فنعمة يشبه الخلق؛ فيتأتي تشبيهه به، سبحانه و تعالى عما يشركون-. [10]- و لا تلتفت إلى قول من تكلف، فزاد ماليس في الروايات من انه اما جاز جعله مرفتين بعد تقطيع التماثيل على انه لا فرق بين الكامل من التماثيل و غير الكامل ان زعمنا أن تصوير الصورة انما يحرم لكون تصوير الصورة، ذات اتخاذ الصورة انما يحرم لكونه اتخاذ الصّور. [11]- و لا تلتفت الى قول من قال: ان هذا محموا على انه كان قبل تحريم اتخاذ ما فيه صورة يعني اياه كانت الصورة من ذرات الانفس، فلهذا كان رسول الله يدخل و يراه و لا ينكره قبل قبل هذه الحرة الاخيرة، فانه قول غير مسند إلى بينة. [12]- و لا تلتفت إلى قول من زعم هذا انما هو رخصة اقتضت استثناء هذا النوع من حكم الصور؛ و لا إلى قول من زعم ان اباحة اللعب بالبنات منسوخ بما قد جاء في الباب من الاحاديث. فانهما ادعائان غير قائمين على اساس من البرهان. [13]- نسبة هذا القول الى جماهير الصحابة و التابعين ادعاء لا يستند الى برهان.
|
||||
![]() |
رقم المشاركة : 2 | |||
|
![]() بارك الله فيك وجزاك كل خير |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 3 | |||
|
![]()
|
|||
![]() |
رقم المشاركة : 4 | |||
|
![]() بارك الله فيك |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 5 | |||
|
![]() جزاك الله خيرا |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 6 | |||
|
![]() جزاكم الله خيرا وجعلكم دخرا لهده الامة |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 7 | |||
|
![]()
|
|||
الكلمات الدلالية (Tags) |
الحديث, رسالة |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc