[align=center]مواعظ ابن الجوزي[/align]
إخواني: لو تَفكَّرت النُّفُوسُ فِيمَا بَينَ يَدَيهَا وَتَذَكَّرَت حِسَابهَا فيما لها وعليها لبعث حزنها بريد دمها إليها أما يحق البُكاء لمن طالَ عِصيانهُ: نهاره في المعاصي وقد طال خُسرانه وليله في الخطايا فقد خفَّ ميزانه وبين يديه الموت الشديد فيه من العذاب ألوانه 0 وروى ابن عمر رضي الله عنهما قال: (استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر فاستلمه ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلاً فالتفت فإذا هو بعمر يبكي فقال: يا عمر ههنا تُسكبُ العبراتُ) 0 وقال أبو عمران الجوني: بلغني أن جبريل عليه السلام جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فقال: يا رسول الله ما يُبكِيكَ: قال: أو ما تَبكى أنت فقال: يا محمد ما جفت لي عينٌ منذ خلق الله جهنم مخافة أن أعصيه فيلقيني فيها 0 وقال يزيد الرقاشي: إن لله ملائكة حول العرش تجرى أعينهم مثل الأنهار إلى يوم القيامة: يميدون كأنما تنفضهم الريح من خشية الله فيقول لهم الرب عز وجل: يا ملائكتي ما الذي يخيفكم وأنتم عبيدي: فيقولون: يا ربَّنا لو أن أهل الأرض اطلعوا من عزتك وعظمتك على ما اطلعنا: ما وقال السدى: بكى داود حتى نبت العشب من دموعه فلمَّا رماه سهم القدر جعل يتخبط في دماء تفريطه ولسان اعتذاره يُنادى: اغفر لي فأجابه: للخطائين فصار يقول: اغفر للخطائين 0 قال ثابت البناني: خَشَى داود سبعة أَفرشِ بالرَّمادِ ثم بكى حتى أنفذتها دموعه 0 تَصَاعَدَ مِن صَدرِي الغَرامُ لِمُقلَتِي فَغَالَبَنى شَوقِي بفَيضِ المَدَامِعِ وَإِنَّ في ظَلامِ اللَّيلِ قَمرية إِذا بكيتُ بَكَت في الدَّوحِ طُول المَدَامِعِ قال سليمان التيمي: ما شرب داود عليه السلام شراباً إِلا مزجه بدموع عينيه 0 قال مجاهد: سأل داود ربَّه أن يجعلَ خطيئته في كَفِّهِ فكان لا يتناول طعاماً ولا شراباً إلا أبصر خطيئته فبكى وربما أتى بالقدح ثلثاه فمد يده وتناوله فينظر إلى خطيئته ولا يضعه على شفتيه حتى يفيض من دموعه 0 وقال بعض أصحاب فتح: (رأيته ودموعه خالطها صُفرة فقلت: على ماذا بكيتَ الدَّم قال: بكيتُ الدموع على تخلفي عن واجب حق الله والدم خوفاً أن لا أُقبل قال: فرأيته في المنام فقلت: ما صنع الله بك قال: غفر لي قلت: فدموعك! قال: قربتني وقال: يا فتح على ماذا بكيت الدموع قلت: يا رب على تخلفي عن واجب حقك قال: فالدم قلت: