الطواغيت كثيرة، ورؤوسهم خمسة
قال المصنف رحمه الله: (والطواغيت كثيرة، ورؤوسهم خمسة)، والرؤوس جمع رأس، وهو في كل شيء أعلاه، والرؤوس أعظمهم شراً وأشدهم خطراً، فقوله: (ورؤوسهم خمسة)، أي: أعلى ما يحصل به الطغيان ويصدق عليه وصف الطاغوت خمسة أمور؛ وقد بين المصنف -رحمه الله تعالى- أول هذه الرؤوس الخمسة بقوله: (إبليس لعنه الله)، وإبليس اللعين هو طاغوت الطواغيت، وهو أصْلُ ما بعده من الطواغيت والشرور، وهو أول الطواغيت؛ لأنه عُبد؛ ولأنه متبوع؛ ولأنه مطاع وهو راض بذلك، وقد ورد تفسير الطاغوت بأنه الشيطان عن ابن عباس رضي الله عنهما، وغيره من السلف[1]؛ وينبغي أن يُقال: اللعين ولا نقول: لعنه الله؛ لأننا لم نُتَعبد بالدعاء عليه، وإنما تُعبدنا بالاستعاذة بالله من شره في مواضع كثيرة: في افتتاح الصلاة، وقبل تلاوة القرآن، وعند دخول الخلاء، وعند دخول المسجد والخروج منه، وفي مواضع كثيرة ذكرتها النصوص[2].
قال المصنف - رحمه الله تعالى - في عد الرأس الثاني من الطواغيت: (ومن عبد وهو راضٍ)، وهذا القيد مهم؛ للاحتراز من الأنبياء والملائكة، فإن بعض المشركين يعبدهم ولكنهم غير راضين بذلك، بل يتبرؤون من عابديهم[3]، فكل من صُرفت له العبادة بطلب منه أو بغير طلب منه، وهو راضٍ عن هذه العبادة، فإنه طاغوت؛ لأنه مما يحصل به التجاوز، وذلك أن العبد لا يصلح أن يكون رباً، ولا يصلح أن تصرف إليه العبادة، فمن صرف إلى غير الله عز وجل شيئاً من العبادة فقد تجاوز به الحد وطغى فيه، فلذلك كان طاغوتاً، وهذا يشمل كل معبود من دون الله، فكل من عبد من دون الله وهو راضٍ فإنه طاغوت، لأنه تجاوز بالعبد عن حده، وعن قدره الذي يناسبه، قال ابن تيمية –رحمه الله تعالى-: «فالمعبود من دون الله إذا لم يكن كارها لذلك: طاغوت؛ ولهذا سمى النبي صلى الله عليه وسلم الأصنام طواغيت في الحديث الصحيح لما قال: (ويتبع من يعبد الطواغيت الطواغيت)، والمطاع في معصية الله، والمطاع في اتباع غير الهدى ودين الحق - سواء كان مقبولا خبره المخالف لكتاب الله أو مطاعاً أمره المخالف لأمر الله - هو طاغوت؛ ولهذا سُمي من تحوكم إليه من حاكمٍ بغير كتاب الله طاغوت، وسَمَّى اللهُ فرعون وعاداً طغاة» [4].
[1] شرح ثلاثة الأصول، صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ (234).
[2] شرح الأصول الثلاثة، عبدالرحمن البراك (49).
[3] شرح الأصول الثلاثة، عبدالرحمن البراك (49).
[4] مجموع الفتاوى (28/200).
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/1473...#ixzz8y53trawZ