الواحد الأحد جل جلاله - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > القسم الاسلامي العام

القسم الاسلامي العام للمواضيع الإسلامية العامة كالآداب و الأخلاق الاسلامية ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الواحد الأحد جل جلاله

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2025-01-06, 14:19   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عبدالله الأحد
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي الواحد الأحد جل جلاله

الْوَاحِدُ - الأحَدُ جل جلاله وتقدست أسماؤه

الشيخ وحيد عبدالسلام بالي

عَنَاصِرُ الْمَوْضُوعِ:
أَوَّلًا: الدَّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لِلَفْظَةِ (الْوَاحِدِ).
ثَانِيًا: الدَّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لِلَفْظَةِ (الأَحَدِ).
ثَالِثًا: وُرُودُ الاِسْمَيْنِ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ.
رَابعًا: مَعْنَى الاِسْمَيْنِ فِي حَقِّ الله تَعَالَى.
خَامِسًا: ثَمَرَاتُ الإِيمَانِ بهَذَيْنِ الاسْمَيْنِ الكَرِيمَيْنِ.

سَادِسًا: التَّوْحِيدُ مَشْهَدُ الرُّسُلِ.
1- مَشْهَدُ آدَمَ عليه السلام.
2- مَشْهَدُ نُوحٍ عليه السلام.
3- مَشْهَدُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام.
4- مَشْهَدُ مُوسَى عليه السلام.

سَابعًا: حَاجَهُ العَبْدِ إِلَى عِبَادَةِ الله وَحْدَهُ.

النِّيَّاتُ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَحْضِرَهَا الُمحَاضِرُ: قَبْلَ إِلْقَاءِ هَذِهِ الُمحَاضَرَةِ:
أولًا: النِّيَّاتُ العَامَّةُ:
1- يَنْوي القيامَ بتبليغِ الناسِ شَيْئًا مِنْ دِينِ الله امْتِثَالًا لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «بلِّغُوا عَني ولَوْ آيةً»؛ رواه البخاري.

2- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى ثَوَابِ مَجْلِسِ العِلْمِ[1].

3- رَجَاءَ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ مَجْلِسِه ذلك مَغْفُورًا لَهُ[2].

4- يَنْوِي تَكْثِيرَ سَوَادِ المسْلِمِينَ والالتقاءَ بِعِبادِ الله المؤْمِنينَ.

5- يَنْوِي الاعْتِكَافَ فِي المسْجِدِ مُدةَ المحاضرة - عِنْدَ مَنْ يَرَى جَوَازَ ذَلِكَ مِنَ الفُقَهَاءِ - لَأَنَّ الاعْتِكَافَ هو الانْقِطَاعُ مُدَّةً للهِ في بيتِ الله.

6- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى أَجْرِ الخُطُوَاتِ إلى المسْجِدِ الذي سَيُلْقِي فيه المحَاضَرَةَ[3].

7- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى ثَوَابِ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، إذا كانَ سَيُلْقِي مُحَاضَرَتَه مثلًا مِنَ المغْرِبِ إلى العِشَاءِ، أَوْ مِنَ العَصْرِ إِلَى الَمغْرِبِ[4].

8- رَجَاءَ أَنْ يَهْدِي اللهُ بسببِ مُحَاضَرَتِه رَجُلًا، فَيَأْخُذَ مِثْلَ أَجْرِهِ[5].

9- يَنْوِي إرْشَادَ السَّائِليِنَ، وتَعْلِيمَ المحْتَاجِينَ، مِنْ خِلَالِ الرَّدِّ عَلَى أَسْئِلَةِ المسْتَفْتِينَ[6].

10- يَنْوِي القِيَامَ بِوَاجِبِ الأمرِ بالمعروفِ، وَالنهيِ عَنِ الُمنْكَرِ - بالحِكْمَةِ والموعظةِ الحسنةِ - إِنْ وُجِدَ مَا يَقْتَضِي ذلك(4).

11- يَنْوِي طَلَبَ النَّضْرَةِ الَمذْكُورَةِ فِي قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «نَضَّرَ اللهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا، ثُمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْها»؛ رواه أحمدُ والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في صحيحِ الجامعِ (6766).

ثُمَّ قَدْ يَفْتَحِ اللهُ عَلَى الُمحَاضِرِ بِنِيَّات صَالِحَةٍ أُخْرَى فَيَتَضَاعَفُ أَجْرُه لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنما لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»، مُتَّفَقٌ عَلَيه.

ثانيًا: النِّيَّاتُ الخَاصَّةُ:
1- تَنْوِي تَعْرِيفَ المُسْلِمِينَ بِمَعَانِي اسْمَي الله (الوَاحِدِ ـ وَالْأَحَدِ).
2- تَنْوِي حَثَّ المُسْلِمِينَ عَلَى إِخْلَاصِ التَّوْحِيدِ للهِ.
3- تَنْوِي غَرْسَ الهَيْبَةِ وَالتَّعْظِيمِ للهِ فِي قُلُوبِ المُسْلِمِينَ.
4- تَنْوِي تَثْبِيتَ عَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ مِنْ خِلَالِ سَرْدِ مَوَاقِفِ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاء ِ.

أوَّلًا: الدَّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لِلَفْظَةِ (الْوَاحِدِ):
الْوَاحِدُ فِي اللُّغَةِ اسْمُ فَاعِلٍ لِلْمَوْصُوفِ بِالْوَاحِدِيَّ ةِ أَوِ الْوَحْدَانِيَّ ةِ، فِعْلُهُ وَحَدَ يُوحَدُ وَحَادَةً وَتَوْحِيدًا، وَوَحَّدَهُ تَوْحِيدًا جَعَلَهُ وَاحِدًا.

وَالْوَاحِدُ أَوَّلُ عَدَدِ الْحِسَابِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الإِثْبَاتِ، فَلَوْ قِيلَ فِي الدَّارِ وَاحِدٌ لَكَانَ فِيهِ إِثْبَاتُ وَاحِدٍ مُنْفَرِدٍ مَعَ إِثْبَاتِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ مُجْتَمِعِينَ وَمُفْتَرِقِينَ[7].

وَالوَاحِدُ سُبْحَانَهُ هُوَ القَائِمُ بِنَفْسِهِ المُنْفَرِدُ بِوَصْفِهِ الَّذِي لَا يَفْتَقِرُ إِلَى غَيْرِهِ أَزَلًا وَأبَدًا، وَهُوَ الكَامِلُ فِي ذَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ كَانَ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ، وَلَا شَيْءَ قَبْلَهُ، وَمَازَالَ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَاحِدٌ أَوَّلًا قَبْلَ خَلْقِهِ، فَوُجُودُ المَخْلُوقَاتِ لَمْ يَزِدْهُ كَمَالًا كَانَ مَفُقُودًا، أَوْ يُزِيلُ نَقْصًا كَانَ مَوْجُودًا، فَالْوَحْدَانِي َّةُ قَائِمَةٌ عَلَى مَعْنَى الغِنَى بِالنَّفْسِ وَالانْفِرَادِ بِكَمَالِ الوَصْفِ.

قَالَ ابْنُ الأَثِيرِ: «الْوَاحِدُ فِي أَسْمَاءِ الله تَعَالَى هُوَ الفَرْدُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَحْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ آخَرُ»[8]؛ رَوَى البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: إنِّي عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَهُ قَوْمٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ: «اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ»، قَالُوا: بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا، فَدَخَلَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ، فَقَالَ: «اقْبَلُوا البُشْرَى يَا أَهْلِ اليَمَنِ إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ»، قَالُوا: قَبِلْنَا جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ، وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ مَا كَانَ؟ قَالَ: «كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ»[9].


وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ﴾ [الكهف: 51]، فَهُوَ سُبْحَانَهُ وَحْدَهُ الَّذِي خَلَقَ الخَلْقَ بِلَا مُعِينٍ وَلَا ظَهِيرٍ وَلَا وَزَيرٍ وَلَا مُشِيرٍ، وَمِنْ ثَمَّ فَإِنَّهُ وَحْدَهُ المُنْفَرِدُ بِالمُلْكِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِي مُلْكِهِ شِرْكٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ﴾ [سبأ: 22].

وَمِنَ الأَدِلَّةِ العَقْلِيَّةِ فِي إِثْبَاتِ وَحْدَانِيَّةِ الإِلَهِ وَتَفَرُّدِهِ بِالرُّبُوبِيَّ ةِ دَلِيلُ التَّمَانُعِ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ وَفَرَضْنَا عَرَضَيْنِ ضِدَّيْنِ، وَقَدَّرْنَا إِرَادَةَ أَحَدِهِمَا لِأَحَدِ الضِّدَّيْنِ وَإِرَادَةَ الثَّانِي لِلثَّانِي فَلَا يَخْلُو مِنْ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ؛ إِمَّا أَنْ تُنَفَّذَ إِرَادَتُهُمَا، أَوْ لَا تُنَفَّذَ، أَوْ تُنَفَّذَ إِرَادَةُ أَحَدِهِمَا دُونَ الآخَرِ، وَلمَّا اسْتَحَالَ أَنْ تُنَفَّذَ إِرَادَتُهُمَا لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ، وَاسْتَحَالَ أَيْضًا أَلَّا تُنَفَّذَ إِرَادَتُهُمَا لِتَمَانُعِ الإِلَهَيْنِ وَخُلُوِّ المَحَلِّ عَنْ كِلَا الضِّدَّيْنِ، فَإِنَّ الضَّرُورَةَ تَقْتَضِي أَنْ تُنَفَّذَ إِرَادَةُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، فَالَّذِي لَا تُنَفَّذُ إِرَادَتُهُ هُوَ المَغْلُوبُ المَقْهُورُ المُسْتَكْرَهُ، وَالَّذِي نُفِّذَتْ إِرَادَتُهُ هُوَ الْإِلَهُ المُنْفَرِدُ الْوَاحِدُ القَادِرُ عَلَى تَحْصِيلِ مَا يَشَاءُ.

قَالَ تَعَالَى: ﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [المؤمنون: 91]، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ آلِهَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ، بِلْ لَا يَكُونُ الْإِلَهُ إِلَّا وَاحِدًا وَهُوَ اللهُ سُبْحَانَهُ، وَلَا صَلَاحَ لَهُما بِغَيْرِ الوَحْدَانِيَّة ِ.

فَلَوْ كَانَ لِلْعَالَمِ إِلَهَانِ رَبَّانِ مَعْبُودَانِ لَفَسَدَ نِظَامُهُ واخْتَلَّتْ أَرْكَانُهُ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [الأنبياء: 22]، فَأَسَاسُ قِيَامِ الخَلْقِ وَبَقَاءِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ هِيَ وَحْدَانِيَّةُ الله وَانْفِرَادِهِ عَمَّنْ سِوَاهُ.

قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [فاطر: 41]، وَقَالَ أَيْضًا: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحج: 65][10].

ثَانِيًا: الدَّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لاِسْمِ (الأَحَدِ):
الْأَحَدُ فِي اللُّغَةِ اسْمُ فَاعِلٍ أَوْ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ لِلْمَوْصُوفِ بِالْأَحَدِيَّة ِ، فِعْلُهُ أَحَّدَ يُؤَحِّدُ تَأْحِيدًا؛ أَيْ: حَقَّقَ الوَحْدَانِيَّة َ لِمَنْ وَحَّدَهُ، وَهُوَ اسْمٌ بُنِيَ لِنَفْيِ مَا يُذْكَرُ مَعَهُ مِنَ العَدَدِ، تَقُولُ مَا جَاءَ بِي أَحَدٌ، وَالْهَمْزَةُ فِيهِ بَدَلٌ مِنَ الوَاوِ، وَأَصْلُهُ وَحَدَ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الوَحْدَةِ.

وَالفَرْقُ اللُّغَوِيُّ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْأَحَدِ أَنَّ الأَحَدَ شَيءٌ بُنِيَ لِنَفْيِ مَا يُذْكَرُ مَعَهُ مِنَ العَدَدِ، وَالْوَاحِدُ اسْمٌ لِمُفْتَتَحِ الْعَدَدِ، وَأَحَدٌ يَصْلُحُ فِي الْكَلَامِ فِي مَوْضِعِ الْجُحُودِ وَالنَّفْيِ، وَوَاحِدٌ يَصْلُحُ فِي مَوْضِعِ الإِثْبَاتِ، يُقَالُ مَا أَتَانِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَمَعْنَاهُ لَا وَاحِدَ أَتَانِي وَلَا اثْنَانِ، وَإِذَا قُلْتَ جَاءَنِي مِنْهُمْ وَاحِدٌ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِنِي مِنْهُم اثْنَانِ، فَهَذَا حَدُّ الأَحَدِ مَا لَمْ يُضَفْ، فَإِذَا أُضِيفَ قَرُبَ مِنْ مَعْنَى الوَاحِدِ، وَذَلِكَ أَنَّكَ تَقُولُ: قَالَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ كَذَا وَكَذَا، وَأَنْتَ تُرِيدُ وَاحِدًا مِنَ الثَّلَاثَةِ[11].

وَالْأَحَدُ هُوَ المُنْفَرِدُ بِذَاتِهِ وَوَصْفِهِ المُبَايِنُ لِغَيْرِهِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي مَعْنَى الأَحَدِيَّةِ: ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 4]، فَالْأَحَدِيَّة ُ هِيَ الانْفِرَادُ وَنَفْيُ المِثْلِيَّةِ، وَتَعْنِي انْفِرَادَهُ سُبْحَانَهُ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ عَنِ الأَقْيِسَةِ وَالقَوَاعِدِ وَالقَوَانِينَ الَّتِي تَحْكُمُ ذَوَاتَ المَخْلُوقِينَ وَصِفَاتِهِمْ وَأَفْعَالَهُمْ ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]، فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ افْتِرَادَهُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَوْصَافِ المَخْلُوقِينَ بَجَمِيعِ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ أَوْصَافِ الْكَمَالِ، فَالْأَحَدُ هُوَ المُنْفَرِدُ الذِي لَا مَثِيلَ لَهُ فَنَحْكُمُ عَلَى كَيْفِيَّةِ أَوْصَافِهِ مِنْ خِلَالِهِ، وَلَا يَسْتَوِي مَعَ سَائِرِ الخَلْقِ فَيَسْرِي عَلَيْهِ قَانُونٌ أَوْ قِياسٌ أَوْ قَوَاعِدٌ تَحْكُمُهُ كَمَا تَحْكُمُهُمْ، لِأَنَّهُ المُتَّصِفُ بِالتَّوْحِيدِ المُنْفَرِدُ عَنْ أَحْكَامِ العَبِيدِ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65]؛ أَيْ: شَبِيهًا مُنَاظِرًا يُدَانِيهِ أَوْ يُسَاوِيهِ أَوْ يَرْقَى إِلَى سُمُوِّ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ.

وَلَيْسَ الْأَحَدُ هُوَ المُجَرَّدُ عَنِ الصِّفَاتِ أَوِ الَّذِي لَا يَنْقَسِمُ كَمَا فَسَّرَهُ بَعْضُ المُتَكَلِّمِين َ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَأْوِيلٌ لَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ فِي أَصْلِ وَضْعِهِ أَوْ كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الخِطَابِ بَيْنَ العَرَبِ فَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى التَّحْرِيفِ مِنْ كَوْنِهِ تَأوِيَلًا [12]؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْحَ فِي نَفْيِ الصِّفَاتِ عَنِ الله تَفْصِيلًا، وَلَا مَدْحَ فِي النَّفْيِ إِنْ لَمْ يَتَضَمَّنْ كَمَالًا، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ طَرِيقَةَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ هِيَ النَّفْيُ المُجْمَلُ وَالإِثْبَاتُ المُفَصَّلُ بِعَكْسِ طَرِيقَةِ المُتَأَخِّرِين َ مِنَ المُتَكَلِّمِين َ، فَاللهُ ﻷ نَفَى عَنْ نَفْسِهِ كُلَّ صِفَاتِ النَّقْصِ إِجْمَالًا فَقَالَ: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11]، وَقَالَ: ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 4]، وَأَثْبَتَ لِنَفْسِهِ صِفَاتِ الْكَمَالِ تَفْصِيلًا، فَقَالَ: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الحشر: 23]، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي عَدَّدَ اللهُ فِيهَا أَسْمَاءَهُ وَأَوْصَافَهُ مُثْبِتًا لَهَا وَلِكَمَالِهَا وَمُفَصِّلًا فِي ذَلِكَ، أَمَّا المُتَكَلِّمُون َ فإِنَّهُمْ يُجْمِلُونَ فِي الإِثْبَاتِ وَيُفَصِّلُونَ فِي النَّفْيِ، حَيْثُ أَثْبَتَ بَعْضُهُمْ أَسْمَاءَ الله مُفَرَّغَةً مِنَ الْأَوْصَافِ، وَبَعْضُهُمْ أَثْبَتَ سَبْعَ صِفَاتٍ فَقَطْ وَنَازَعَ فِي بَقِيَّتِهَا، وَأَمَّا التَّفْصِيلُ فِي النَّفْيِ الَّذِي يُبَرِّرُونَ بِهِ مَعْنَى الْأَحَدِيَّةِ فَكَقَوْلِهِمْ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا شَبَحٍ وَلَا صُورَةٍ، وَلَا لَحْمٍ وَلَا دَمٍ وَلَا عَظْمٍ، وَلَا بِذِي لَوْنٍ وَلَا طَعْمٍ وَلَا رَائِحَةٍ، وَلَا بِذِي حَرَارَةٍ وَلَا رُطُوبَةٍ وَلَا يُبُوسَةٍ، وَلَا طُولٍ وَلَا عَرْضٍ وَلَا عُمْقٍ، وَلَا شَخْصٍ وَلَا جَوْهَرٍ وَلَا عَرَضٍ، وَلَا يَتَحَرَّكُ وَلَا يَسْكُنُ وَلَا يَنْقُصُ وَلَا يَزْدَادُ.. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَنْ أَنْوَاعِ النَّفْيِ الَّذِي يَمْلَأُ صَفَحَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ.

وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ سَقِيمَةٌ فِي إِثْبَاتِ التَّفَرُّدِ وَالأَحَدِيَّةِ تُنَافِي الفِطْرَةَ وَتَبْعَثُ عَلَى الاشْمِئْزَازِ فَهِيَ تُمَاثِلُ قَوْلَ القَائِلِ فِي مَدْحِ مَا تَمَيَّزَ بِهِ الأَمِيرُ: لَسْتَ بِزَبَّالٍ وَلَا كَنَّاسٍ وَلَا حِمَارٍ وَلَا نِسْنَاسٍ، وَلَسْتَ حَقِيرًا وَلَا فَقِيرًا وَلَا غَبِيًّا وَلَا ضَرِيرًا، وَكَانَ يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ أَنْ يُجْمِلَ فِي النَّفْيِ وَيَقُولَ: لَيْسَ لَكَ نَظِيرٌ فِيمَا رَأَتْ عَيْنَايَ.

وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ النَّفْيَ الذِي يُثْبِتُ مَعْنَى الْأَحَدِيَّةِ لَيْسَ فِيهِ مَدْحٌ وَلَا كَمَالٌ إِلَّا إِذَا تَضَمَّنَ وَصْفًا وَإِثْبَاتًا، فَنَفْيُ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ عَنِ الله يَتَضَمَّنُ الْأَحَدِيَّةَ فِي كَمَالِ الحَيَاةِ وَالقَيُّومِيَّ ةِ، وَنَفْيُ الظُّلْمِ يَتَضَمَّنُ كَمَالَ العَدْلِ، وَهَكَذَا فِي سَائِرِ مَا نَفَى اللهُ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ أَوْصَافِ النَّقْصِ، وَكُلُّ نَفْىٍ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتًا لَمْ يَصِفِ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ، أَمَّا الَّذِي يَقُولُ عَنِ الله: لَيْسَ بِجِسْمٍ فَهَلْ يَعْنِي أَنَّهُ عَرَضٌ؟ فَيَقُولُ: وَلَيْسَ عَرَضًا، فَمَاذَا يَكُونُ إِذًا؟ هَلْ يَكُونُ شَبَحًا؟ يَقُولُ: وَلَا شَبَحًا، فَإِنْ سُئِلَ هَلْ هُوَ دَاخِلُ العَالَمِ؟ فَيَقُولُ: وَلَا دَاخِلُ العَالَمِ، فَخَارِجُهُ إِذًا؟ يَقُولُ: وَلَا خَارِجُهُ، وَلَا.. وَلَا.. وَلَا.. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سَفْسَطَةِ القَوْلِ وَمُهَاتَرَاتِ النَّفْيِ يَنْفِي الصِّفَاتِ مِنْ غَيْرِ إِثْبَاتٍ، وَيَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَى اسْمِ الله الْأَحَدِ، وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ صِفَةُ مَدْحٍ وَلَا أَحَدِيَّةٌ، بَلْ هُوَ ذَمٌّ بِمَا يُشْبِهُ المَدْحَ تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا [13].

ثَالِثًا: وُرُودُ الاِسْمَيْنِ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ:[14]
وَرَدَ اسْمُ (الوَاحِدِ) فِي ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ آيَةً:
مِنْهَا: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 163]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ [النساء: 171].

وَقَالَ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [يوسف: 39]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم ْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الرعد: 16].

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ * رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ ﴾ [الصافات: 4، 5]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الزمر: 4]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [غافر: 16]، وَأَمَّا اسْمُهُ (الْأَحَدُ) فَوَرَدَ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي مَطْلَعِ سُورَةِ الإخْلَاصِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1].

رَابِعًا: مَعْنَى الاِسْمَيْنِ فِي حَقِّ الله تَعَالَى:
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ [البقرة: 163]: «قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَعْنَى الْأُلُوهِيَّةِ وَأَنَّهَا: اعْتِبَادُ الخَلْقِ، فَمَعْنَى قَولِهِ: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 163]: الَّذِي يُسْتَحَقُّ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ الطَّاعَةُ لَهُ، وَيُسْتَوْجَبُ مَنْكُمُ العِبَادَةَ مَعْبُودٌ وَاحِدٌ، وَرَبٌّ وَاحِدٌ، فَلَا تَعْبُدُوا غَيْرَهُ وَلَا تُشْرِكُوا مَعَهُ سِوَاهُ، فَإِنَّ مَنْ تُشْرِكُونَهُ مَعَهُ فِي عِبَادَتِكُمْ إِيَّاهُ هُوَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ إِلَهِكُمْ مِثْلُكُمْ، وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ لَا مِثْلَ لَهُ وَلَا نَظِيرَ».

ثُمَّ قَالَ: «وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى وَحْدَانِيَّتِه ِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ:
مَعْنَى وَحْدَانِيَّةِ الله مَعْنَى نَفْيِ الأَشْبَاهِ وَالأَمْثَالِ عَنْهُ، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ وَاحِدُ النَّاسِ، وَهُوَ وَاحِدُ قَوْمِهِ، يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي النَّاسِ مَثَلٌ وَلَا لَهُ فِي قَوْمِهِ شَبِيهٌ وَلَا نَظِيرٌ، فَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِ: (اللهُ وَاحِدٌ)، يَعْنِي بِهِ: اللهُ لَا مِثْلَ لَهُ وَلَا نَظِيرَ.

فَزَعَمُوا أَنَّ الَّذِي دَلَّهُمْ عَلَى صِحَّةِ تَأْوِيلِهِمْ ذَلِكَ أَنَّ قوْلَ القَائِلِ (وَاحِدُ) يُفْهَمُ لِمَعَانٍ أَرْبَعَةٍ:
أَحَدِهَا: أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا مِنْ جِنْسٍ، كَالْإِنْسَانِ الوَاحِدِ مِنَ الْإِنْسِ.

وَالْآخَرِ: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَصَرِّفٍ كَالْجُزْءِ الَّذِي لَا يَنْقَسِمُ.

وَالثَّالِثِ: أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ المِثْلُ وَالاتِّفَاقُ، كَقَوْلِ القَائِلِ: هَذانِ الشَّيْئَانِ وَاحِدٌ، يُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُمَا مُتَشَابِهَانِ حَتَّى صَارَا لِاشْتِبَاهِهِم َا فِي المَعَانِي كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ.

وَالرَّابِعِ: أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ نَفْيُ النَّظِيرِ عَنْهُ وَالشَّبِيهِ.

قَالُوا: فَلَمَّا كَانَتْ المَعَانِي الثَّلَاثَةُ مِنْ مَعَانِي الْوَاحِدِ مُنْتَفِيَةً عَنْهُ، صَحَّ المَعْنَى الرَّابِعُ الَّذِي وَصَفْنَاهُ.

وَقَالَ الْآخَرُونَ: مَعْنَى وَحْدَانِيَّتِه ِ تَعَالَى ذِكْرُهُ مَعْنَى انْفِرَادِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ وَانْفِرَادِ الْأَشْيَاءِ مِنْهُ، قَالُوا: وَإِنَّمَا كَانَ مُنْفَرِدًا وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي شَيْءٍ، وَلَا دَاخِلٍ فِيهِ شَيْءٌ، قَالُوا: وَلَا صِحَّةَ لِقَوْلِ القَائِلِ: وَاحِدٌ مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ إِلَّا ذَلِكَ، وَأَنْكَرَ قَائِلُو هَذِهِ المَقَالَةِ المَعَانِيَ الأَرْبَعَةَ الَّتِي قَالَهَا الْآخَرُونَ»[15].

وَقَالَ الخَطَّابِيُّ: «(الْوَاحِدُ) هُوَ الْفَرْدُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ آخَرُ.

وَقِيلَ: هُوَ المُنْقَطِعُ القَرِينِ، المَعْدُومُ الشَّرِيكِ وَالنَّظِيرِ.

وَلَيْسَ كَسَائِرِ الْآحَادِ مِنَ الْأَجْسَامِ المُؤَلَّفَةِ، إِذْ كُلُّ شَيْءٍ سِوَاهُ يُدْعَى وَاحِدًا فَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ جِهَةٍ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ جِهَاتٍ.

وَاللهُ سُبْحَانَهُ الْوَاحِدُ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ».

وَقَالَ: «وَالْفَرْقُ بَيْنَ (الْوَاحِدِ) و(الْأَحَدِ)، أَنَّ (الْوَاحِدَ) هُوَ المُنْفَرِدُ بِالذَّاتِ لَا يضامُّهُ آخَرُ.

وَ(الْأَحَدُ): هُوَ المُنْفَرِدُ بِالمَعْنَى لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلْمُتَنَاهِي فِي الْعِلْمِ وَالمَعْرِفَةِ: هُوَ أَحَدُ الْأَحَدَيْنِ».

وَقَالَ: «وَأَمَّا الوَحِيدُ فَإِنَّمَا يُوصَفُ بِهِ فِي غَالِبِ العُرْفِ المُنْفَرِدُ عَنْ أَصْحَابِهِ المُنْقَطِعُ عَنْهُمْ، وَإِطْلَاقُهُ فِي صِفَةِ الله سُبْحَانَهُ لَيْسَ بِالْبَيِّنِ عِنْدِي صَوَابُهُ، وَلَا أَسْتَحْسِنُ التَّسْمِيَةَ بِعَبْدِ الوَحِيدِ كَمَا أَسْتَحْسِنُهَا بِعَبْدِ الْوَاحِدِ وَبِعَبْدِ الْأَحَدِ، وَأَرَى كَثِيرًا مِنَ العَامَّةِ قَدْ تَسَمَّوْا بِهِ»[16].

وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: «(الوَاحِدُ) هُوَ الفَرْدُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَحْدَهُ بِلَا شَرِيكٍ.

وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا قَسِيمَ لِذَاتِهِ وَلَا شَبِيهَ لَهُ وَلَا شَرِيكَ.

وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ».

وَقَالَ فِي (الْأَحَدِ): «الَّذِي لَا شَبِيهَ لَهُ وَلَا نَظِيرَ»[17].

وَقَالَ السَّعْدِيُّ: «(الْوَاحِدُ الْأَحَدُ): وَهُوَ الَّذِي تَوَحَّدَ بِجَمِيعِ الْكَمَالَاتِ، بِحَيْثُ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا مُشَارِكٌ، وَيَجِبُ عَلَى العَبِيدِ تَوْحِيدُهُ: عَقْدًا وَقَوْلًا وَعَمَلًا، بِأَنْ يَعْتَرِفُوا بِكَمَالِهِ المُطْلَقِ، وَتَفَرُّدِهِ بِالْوَحْدَانِي َّةِ وَيُفْرِدُوهُ بِأَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ»[18].
يتبع









 


رد مع اقتباس
قديم 2025-01-06, 14:20   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عبدالله الأحد
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

خَامِسًا: ثَمَرَاتُ الإِيمَانِ بِهَذَيْنِ الاسْمَيْنِ الكَرِيمَيْنِ:
1- اللهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ هُوَ الْإِلَهُ (الْوَاحِدُ الْأَحَدُ) الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا أَفْعَالِهِ؛ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: ï´؟ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ï´¾ [الشورى: 11]، وَقَالَ: ï´؟ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ï´¾ [مريم: 65]، وَقَالَ: ï´؟ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ï´¾ [الإخلاص: 4].

فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشَبَّهَ رَبُّنَا ـ تَعَالَى جَدُّهُ ـ بِشَيْءٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَنَا عَنْ نَفْسِهِ ـ وَهُوَ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ ـ أَنَّهُ لَيْسَ مُشَابِهًا لِشَيْءٍ مِنْهَا، فَكُلُّ مَا خَطَرَ بِبَالِكَ فَاللهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَهُوَ الْوَاحِدُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ نِدٌّ وَلَا نَظِيرٌ، وَلَا شَبَهٌ وَلَا مَثِيلٌ [19].

قَالَ سُبْحَانَهُ: ï´؟ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ï´¾ [البقرة: 163]، وقال: ï´؟ إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ 4 رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ ï´¾ [الصافات: 4، 5]، وَقَالَ: ï´؟ قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ï´¾ [ص: 65]، وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ إِلَّا بِأَنْ يُعْبَدَ وَحْدُهُ وَيُفْرَدَ بِالْعِبَادَةِ، فَقَالَ: ï´؟ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ï´¾ [التوبة: 31]، وقال: ï´؟ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ï´¾ [الزمر: 2].

وَكَفَّرَ وَضَلَّلَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهًا سِوَاهُ أَوْ مَعَهُ، فَقَالَ: ï´؟ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ * وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ï´¾ [الزمر: 64 - 66]، وَقَالَ: ï´؟ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ï´¾ [المائدة: 17]، وَقَالَ: ï´؟ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ï´¾ [المائدة: 73].

وَكَيْفَ يُعْبَدُ غَيْرُهُ وَاللهُ سُبْحَانَهُ قَدْ تَفَرَّدَ بِالْخَلْقِ وَالْإِيجَادِ، وَالرِّزْقِ وَالْإِمْدَادِ، وَالْبَسْطِ وَالْقَبْضِ، وَالرَّفْعِ وَالْخَفْضِ، وَالنَّفْعِ وَالضَّرِّ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ï´؟ أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ ï´¾ [الأعراف: 191، 192].

وَقَدْ نَبَّهَ اللهُ تَعَالَى عُقُولَ النَّاسِ وَفِطَرَهُمْ إِلَى هَذَا الْأَمْرِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، مِنْ أَعْظَمِهَا مَا جَاءَ فِي سُورَةِ النَّمْلِ؛ حَيْثُ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى عَظِيمَ مَخْلُوقَاتِهِ وَتَصَرُّفَاتِه ِ، فِي آيَاتٍ تَهْتَزُّ لَهَا الْجِبَالُ، فَكَيْفَ أَحْلَامُ الرِّجَالِ؟! قَالَ سُبْحَانَهُ: ï´؟ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ï´¾ [النمل: 59 - 64].

2- فَهَذِهِ الْآيَاتُ دَالَّةٌ عَلَى انْفِرَادِهِ بِالْخَلْقِ وَالْإِيجَادِ وَالتَّصَرُّفِ وَالتَّدْبِيرِ فَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ سِوَاهُ، وَقَدْ خَتَمَ كُلَّ آيَةٍ بِقَوْلِهِ: ï´؟ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ï´¾؛ أَيْ: أَإِلَهٌ مَعَ الله يُعْبَدُ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ وَلِكُلِّ ذِي لُبِّ انْفِرَادُهُ بِهَذَا الْخَلْقِ وَالتَّصَرُّفِ؟ ! تَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.

وَهَذَا التَّوْحِيدُ هُوَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أُرْسِلَتِ الرُّسُلُ وَأُنْزِلَتِ الكُتُبُ، وَبِهِ افْتَرَقَ النَّاسُ إِلَى مُؤْمِنِينَ وَكُفَّارٍ، وَسُعَدَاءَ وَأَشْقِيَاءَ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، الَّذِي دَعَتِ الرُّسُلُ أَقْوَامَهَا إِلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى: ï´؟ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ï´¾ [المؤمنون: 23]، فَهَذِهِ دَعْوَةُ أَوَّلِ رَسُولٍ أَرْسَلَهُ اللهُ تَعَالَى بَعْدَ حُدُوثِ الشِّرْكِ، وَتَتَابَعَتِ الرُّسُلُ بَعْدَ ذَلِكَ كُلُّهُمْ يَدْعُو إِلَيْهَا وَيَأْمُرُ بِهَا؛ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: ï´؟ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ï´¾ [الأنبياء: 25].

وَقَدْ أَمَرَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم رَسُولَهُ إِلَى أَهْلِ اليَمَنِ أَنْ يَبْدَأَ أَوَّلًا بِدَعْوَتِهِمْ إِلَى تَوْحِيدِ الله تَعَالَى؛ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُعَاذًا إِلَى نَحْوِ أَهْلِ اليَمَنِ قَالَ لَهُ: «إِنَّكَ تَقْدُمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللهَ تَعَالَى، فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ...»[20].

فَالْعَبْدُ لَا يَدْخُلُ الْإِسْلَامَ حَتَّى يُوَحِّدَ اللهَ تَعَالَى بِأَنْ يَشْهَدَ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَلَا يُقْبَلُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ حَتَّى يُحَقِّقَ التَّوْحِيدَ؛ وَلِذَا لَمْ يَأْمُرْهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالصَّلَاةِ أَوَّلًا أَوْ بِالزَّكَاةِ، بَلْ بِالْإِيمَانِ أَوَّلًا؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ï´؟ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ï´¾ [النساء: 124]، وَقَالَ: ï´؟ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ï´¾ [الإسراء: 19]، وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي اشْتَرَطَ اللهُ تَعَالَى فِيهَا الْإِيمَانَ لِقَبُولِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ.

3- اللهُ تَعَالَى هُوَ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ تُصْرَفَ العِبَادَةُ لِغَيْرِهِ فَهُوَ المَعْبُودُ بِحَقٍّ وَغَيْرُهُ يُعْبَدُ بِالْبَاطِلِ، فَلَا يَجُوزُ لِعَبِيدِهِ أَنْ يَتَوَجَّهُوا لِغَيْرِ سَيِّدِهِمْ بِعِبَادَةٍ مِنَ العِبَادَاتِ، صَلَاةً كَانَتْ أَوْ دُعَاءً، أَوْ ذَبْحًا أَوْ نَذْرًا، أَوْ رَجَاءً أَوْ خَوْفًا أَوْ خُشُوعًا أَوْ خُضُوعًا، بَلْ يَكُونُوا كَمَا أُمِرَ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ: ï´؟ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ï´¾ [الأنعام: 162، 163].

4- جَاءَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ مَنْ نَسَبَ للهِ تَعَالَى الوَلَدَ فَقَدْ شَتَمَهُ، تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «قَالَ اللهُ تَعَالَى: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقُوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الخَلْقِ بَأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا، وَأَنا الْأَحَدُ الصَّمَدُ، لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوًا أَحَدٌ»[21].

5- وَجَاءَ فِي فَضْلِ تَهْلِيلِ الله تَعَالَى وَتَوْحِيدِهِ أَحَادِيثُ جَمَّةٌ تُقَالُ فِي مَوَاضِعَ عَدِيدَةٍ؛ لِتَجْدِيدِ التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ بِالله سُبْحَانَهُ وَوَحْدَانِيَّت ِهِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ دَفْعِ المُسْلِمِ لِلْخَيْرِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، إِذْ أَنَّ مَنْبَعَهُ هُوَ التَّوْحِيدُ الْخَالِصُ.

فَمِنْهَا حَدَيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي الْيَوْمِ مَائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مَائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مَائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِي، وَلَمْ يَأتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْهُ»[22].

وَمِنْهَا مَا يُقَالُ فِي دُبُرِ الصَّلَوَاتِ المَكْتُوبَاتِ.

6- عَدَلَتِ السُّورَةُ الَّتِي جَاءَ فِيهَا هَذَانِ الاِسْمَانِ ثُلُثَ الْقُرْآنِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ»، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ الله؟ فَقَالَ: «اللهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ الْقُرْآنِ»[23].

وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُرَدِّدُ سُورَةَ ï´؟ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ï´¾ حَتَّى يُصْبِحَ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ»[24].

سَادِسًا: التَّوْحِيدُ مَشْهَدُ الرُّسُلِ:
وَبِهِ مَشْهَدُ التَّوْحِيدِ وَالْأَمْرِ، فَيَشْهَدُ انْفِرَادَ الرَّبِّ الْخَالِقِ، وَنُفُوذَ مَشِيئَتِهِ وَتَعَلُّقَ المَوْجُودَاتِ بِأَسْرِهَا بِهِ وَجَرَيَانَ حُكْمِهِ عَلَى الْخَلِيقَةِ وَانْتِهَائِهَا إِلَى مَا سَبَقَ لَهَا مِنْ عِلْمِهِ وَجَرَى بِهِ قَلَمُهُ، وَيَشْهَدُ كَذَلِكَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَثَوَابَهُ وَعِقَابَهُ، وَارْتِبَاطَ الجَّزَاءِ بَالْأَعْمَالِ وَاقْتِضَاءَهَا لَهُ، وارْتِبَاطَ المُسَبَّبَاتِ بِأَسْبَابِهَا الَّتِي جُعِلَتْ أَسْبَابًا مُقْتَضِيَةً لَهَا شَرْعًا وَقَدْرًا وَحِكْمَةً.

فَشُهُودُهُ تَوْحِيدَ الرَّبِّ وَانْفِرَادَهُ بِالخَلْقِ وَنُفُوذَ مَشِيئَتِهِ وَجَرَيَانَ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ يَفْتَحُ لَهُ بَابَ الاسْتِعَاذَةِ وَدَوَامَ الالْتِجَاءِ إِلَيْهِ وَالِافْتِقَار إِلَيْهِ، وَذَلِكَ يُدْنِيهِ مِنْ عَتَبَةِ العُبُودِيَّةِ وَيَطْرَحُهُ بِالْبَابِ فَقِيرًا عَاجِزًا مِسْكِينًا لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا وَشُهُودُ أَمْرِهِ تَعَالَى وَنَهْيِهِ وَثَوَابِهِ وَعِقَابِهِ يُوجِبُ لَهُ الحَمْدَ وَالتَّشْمِيرَ وَبَذْلَ الوُسْعِ وَالْقِيَامَ بِالْأَمْرِ وَالرُّجُوعَ عَلَى نَفْسِهِ بِاللَّوْمِ وَالِاعْتِرَافِ بِالتَّقْصِيرِ فَيَكُونُ سَيْرُهُ بَيْنَ شُهُودِ العِزَّةِ وَالْحِكْمَةِ وَالْقُدْرَةِ الْكَامِلَةِ وَالْعِلْمِ السَّابِقِ وَالمِنَّةِ العَظِيمَةِ، وَبَيْنَ شُهُودِ التَّقْصِيرِ وَالإِسَاءَةِ مِنْهُ وَتَطَلُّبِ عُيُوبِ نَفْسِهِ وَأَعْمَالِهَا.

فَهَذَا هُوَ العَبْدُ المُوَفَّقُ المُعَانُ المَلْطُوفُ بِهِ المَصْنُوعُ لَهُ، الَّذِي أُقِيمَ مَقَامَ الْعُبُودِيَّةِ وَضُمِنَ لَهُ التَّوْفِيقُ.

1- مَشْهَدُ آدَمَ عليه السلام:
وَهَذَا هُوَ مَشْهَدُ الرُّسُلِ فَهُوَ مَشْهَدُ أَبِيهِمْ آدَمَ إِذْ يَقُولُ: ï´؟ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ï´¾ [الأعراف: 23].

2- مَشْهَدُ نُوحٍ عليه السلام:
وَمَشْهَدُ أَبِي الرُّسُلِ نُوحٍ إِذْ يَقُولُ: ï´؟ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ï´¾ [هود: 47].

3- مَشْهَدُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام:
وَمَشْهَدُ إِمَامِ الْحُنَفَاءِ وَشَيْخِ الأَنْبِيَاءِ إِبْرَاهِيمَ ـ صَلَوَاتُ الله وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ـ إِذْ يَقُولُ: ï´؟ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ï´¾ [الشعراء: 78 - 82]، وَقَالَ فِي دَعَائِهِ: ï´؟ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ï´¾ [إبراهيم: 35]، فَعَلِمَ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الَّذِي يَحُولُ بَيْنَ العَبْدِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ هُوَ اللهُ لَا رَبَّ غَيْرُهُ فَسَأَلَهُ أَنْ يُجَنِّبَهُ وَبَنِيهِ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ.

4- مَشْهَدُ مُوسَى عليه السلام:
وَهَذَا هُوَ مَشْهَدُ مُوسَى؛ إِذْ يَقُولُ فِي خِطَابِهِ لِرَبِّهِ: ï´؟ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ï´¾ [الأعراف: 155]؛ أَيْ: إِنْ ذَلِكَ إِلا امْتِحَانُكَ وَاخْتِيَارُكَ، كَمَا يُقَالُ: فَتَنْتَ الذَّهَبَ إِذَا امْتَحَنْتَهُ وَاخْتَبَرْتَهُ .

وَلَيْسَ مِنَ الْفِتْنَةِ الَّتِي هِيَ الْفِعْلُ المُسِيءُ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ï´¾ [البروج: 10]، وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ï´¾ [البقرة: 193]، فَإِنَّ تِلْكَ فِتْنَةُ المَخْلُوقِ، فَإِنَّ مُوسَى أَعْلَمُ بالله مِنْ أَنْ يُضِيفَ إِلَيْهِ هَذِهِ الفِتْنَةَ، وَإِنَّمَا هِي كَالْفِتْنَةِ فِي قَوْلِهِ: ï´؟ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ï´¾ [طه: 40]؛ أَي: ابْتَلَيْنَاكَ وَاخْتَبَرْنَاك َ وَصَرَفْنَاكَ فِي الْأَحْوَالِ الَّتِي قَصَّهَا اللهُ عَلَيْنَا مِنْ لَدُنْ وِلَادَتِهِ إِلَى وَقْتِ خِطَابِهِ لَهُ وَإِنْزَالِهِ عَلَيْهِ كِتَابَهُ.

وَالمَقْصُودُ أَنَّ مُوسَى شَهِدَ تَوْحِيدَ الرَّبِّ وَانْفِرَادَهُ بِالْخَلْقِ وَالْحُكْمِ، وَفِعْلَ السُّفَهَاءِ وَمُبَاشَرَتِهِ م الشِّرْكَ، فَتَضَرَّعَ إِلَيْهِ بِعِزَّتِهِ وَسُلْطَانِهِ وَأَضَافَ الذَّنْبَ إِلَى فَاعِلِهِ وَجَانِيهِ.

وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ: ï´؟ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ï´¾ [القصص: 16]، وَهَذَا مَشْهَدُ ذِي النُّونِ؛ إِذْ يَقُولُ: ï´؟ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ï´¾ [الأنبياء: 87]، فَوَحَّدَ رَبَّهُ وَنَزَّهَهُ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ وَأَضَافَ الظُّلْمَ إِلَى نَفْسِهِ.

وَهَذَا مَشْهَدُ صَاحِبِ الاسْتِغْفَارِ؛ إِذْ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ»، فَأَقَرَّ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ المُتَضَمِّنِ لِانْفِرَادِهِ سُبْحَانَهُ بِالْخَلْقِ وَعُمُومِ المَشِيئَةِ وَنُفُوذِهَا، وَتَوْحِيدِ الإلَهِيَّةِ المُتَضَمِّنِ لِمَحَبَّتِهِ وَعِبَادَتِهِ[25].

وَقَالَ تَعَالَى: ï´؟ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ï´¾ [الأنبياء: 22].

فَإِنَّ قِوَامَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْخَلِيقَةِ بِأَنْ تُؤَلِّهَ الْإِلَهَ الْحَقَّ، فَلَوْ كَانَ فِيهِمَا إِلَهٌ آخَرُ غَيْرُ الله لَمْ يَكُنْ إِلَهًا حَقًّا؛ إِذِ الْإِلَهُ الحَقُّ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا سَمِيَّ لَهُ وَلَا مِثْلَ لَهُ، فَلَوْ تَأَلَّهَتْ غَيْرَهُ لَفَسَدَتْ كُلَّ الْفَسَادِ بِانْتِفَاءِ مَا بِهِ صَلَاحُهَا، إِذْ صَلَاحُهَا بِتَأَلُّهِ الْإِلَهِ الْحَقِّ كَمَا أَنَّهَا لَا تُوجَدُ إِلَّا بِاسْتِنَادِهَا إِلَى الرَّبِّ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ تَسْتَنِدَ فِي وُجُودِهَا إِلَى رَبَّيْنِ مُتَكَافِئَيْنِ ، فَكَذَلِكَ يَسْتَحِيلُ أَنْ تَسْتَنِدَ فِي بَقَائِهَا وَصَلَاحِهَا إِلَى إِلَهَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ .

سَابِعًا: حَاجَةُ الْعَبْدِ إِلَى عِبَادَةِ الله وَحْدَهُ:
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ حَاجَةَ العَبْدِ إِلَى أَنْ يَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا فِي مَحَبَّتِهِ وَلَا فِي خَوْفِهِ وَلَا فِي رَجَائِهِ وَلَا فِي التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَلَا فِي الْعَمَلِ لَهُ وَلَا فِي الْحَلِفِ بِهِ وَلَا فِي النَّذْرِ لَهُ وَلَا فِي الْخُضُوعِ لَهُ وَلَا فِي التَّذَلُّلِ وَالتَّعْظِيمِ وَالسُّجُودِ وَالتَّقَرُّبِ أَعْظَمُ مِنْ حَاجَةِ الْجَسَدِ إِلَى رُوحِهِ وَالْعَيْنِ إِلَى نُورِهَا، بَلْ لَيْسَ لِهَذِهِ الْحَاجَةِ نَظِيرٌ تُقَاسُ بِهِ، فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْعَبْدِ رُوحُهُ وَقَلْبُهُ وَلَا صَلَاحَ لَهَا إِلَّا بِإِلَهِهَا الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فَلَا تَطْمَئِنُّ فِي الدُّنْيَا إِلَّا بِذِكْرِهِ وَهِيَ كَادِحَةٌ إِلَيْهِ فَمُلَاقِيَتُهُ ، وَلَابُدَّ لَهَا مِنْ لِقَائِهِ، وَلَا صَلَاحَ لَهَا إِلَّا بِمَحَبَّتِهَا وَعُبُودِيَّتِه َا لَهُ وَرِضَاهُ وَإِكْرَامُهُ لَهَا.

وَلَوْ حَصَلَ لِلْعَبْدِ مِنَ اللَّذَّاتِ وَالسُّرُورِ بِغَيْرِ الله مَا حَصَلَ لَمْ يَدُمْ لَهُ ذَلِكَ، بَلْ يَنْتَقِلُ مِنْ نَوْعٍ إِلَى نَوْعٍ وَمِنْ شَخْصٍ إِلَى شَخْصٍ وَيَتَنَعَّمُ بِهَذَا فِي وَقْتٍ ثُمَّ يُعَذَّبُ وَلَابُدَّ فِي وَقْتٍ آخَرَ [26].
============================== =========
[1] رَوَى مسلمٌ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: «ما اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بيتٍ مِنْ بِيوتِ الله، يَتْلُونَ كِتابَ الله ويَتَدَارَسُونَ هُ بَيْنَهُمْ، إِلا نزلتْ عَليهم السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُم الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُم الملائكةُ، وَذَكَرَهُم اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ».

[2] َروَى الإمامُ أَحمدُ وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في صحيحِ الجامعِ (5507) عن أنسِ بنِ مالكٍ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا اجْتَمَعَ قَومٌ عَلَى ذِكْرٍ، فَتَفَرَّقُوا عنه إلا قِيلَ لَهُمْ قُومُوا مَغْفُورًا لَكُم»، ومَجَالِسُ الذِّكْرِ هِيَ المجالسُ التي تُذَكِّرُ بِالله وبآياتهِ وأحكامِ شرعهِ ونحو ذلك.

[3] في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ غَدَا إلى المسْجِدِ أَوْ رَاحَ أَعَدَّ اللهُ له في الجنةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أو رَاحَ»، وفي صحيح مُسْلِمٍ عَنْه أيضًا أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَطَهَّرَ في بيتهِ ثُمَّ مَضَى إلى بيتٍ مِنْ بيوتِ الله لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ الله كانتْ خُطُواتُه: إِحدَاها تَحطُّ خَطِيئَةً، والأُخْرَى تَرْفَعُ دَرجةً».

[4] رَوَى البخاريُّ ومُسْلِمٌ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ في صَلَاةٍ مَا دَامَتِ الصلاةُ تَحْبِسُه، لا يَمْنَعُه أَنْ يَنْقَلِبَ إِلى أهلهِ إلا الصلاةُ».
ورَوَى البُخَاريُّ عَنه أنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الملائكةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكم مَا دامَ فِي مُصَلَّاهُ الذي صَلَّى فيه، مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللهُمَّ ارْحَمْه».

[5]، (4) رَوَى البخاريُّ ومُسْلِمٌ عَنْ سَهْل بْنِ سَعْدٍ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لعلي بنِ أبي طالبٍ: «فوالله لأنْ يَهْدِي اللهُ بك رَجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ».
رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ دَعَا إلى هُدَى كَانَ لَه مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَه، لا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهم شيئًا».

[6] رَوَى التِّرْمِذِيُّ وصحَّحَه الألبانيُّ عن أبي أمامةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ اللهَ وملائكتَه، حتى النملةَ فِي جُحْرِها، وحتى الحوتَ في البحرِ لَيُصَلُّون عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخيرَ»، وَصلاةُ الملائكةِ الاسْتِغْفَارُ.

[7] لسان العرب (3/ 446).

[8] القاموس المحيط للفيروز آبادي (ص: 414)، المفردات (ص: 66).

[9] البخاري في بدء الخلق، باب ما جاء في قوله: ï´؟ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ï´¾ [الروم: 27]، (3/ 1166) (3019).

[10] دقائق التفسير لابن تيمية (1/ 59).

[11] لسان العرب (1/ 227)، النهاية في غريب الحديث (1 / 27)، والمفردات (ص: 66).

[12] انظر في أنواع التأويلات الباطلة: مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية (ص: 43) وما بعدها.

[13] زاد المسير (9/ 268)، الأسماء والصفات للبيهقي (ص: 29)، وتفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (ص: 57).

[14] النهج الأسمى (2/ 83-93).

[15] جامع البيان (2/ 36).

[16] شأن الدعاء (ص: 82-83) باختصار.

[17] الاعتقاد (ص: 63، 67).

[18] تيسير الكريم الرحمن (5/ 298-299).

[19] وهو المعنى الذي اختاره ابن جرير / كما سبق.

[20] أخرجه البخاري في التوحيد (13/ 347).

[21] أخرجه البخاري في التفسير (8/ 739) عن أبي هريرة، وفي بدء الخلق (6/ 287)، وأخرجه في التفسير أيضًا (8/ 168) عن ابن عباس.

[22] أخرجه البخاري في بدء الخلق (6/ 338)، وفي الدعوات (11/ 201)، ومسلم في الذكر والدعاء (4/ 2071) عن أبي صالح عن أبي هريرة به.

[23] أخرجه البخاري (4628)، ومسلم (1344).

[24] أخرجه البخاري (6152).

[25] طريق الهجرتين (1/ 262).

[26] طريق الهجرتين (ص: 99).










رد مع اقتباس
قديم 2025-02-28, 09:59   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
عائلة المعلمي
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

لا اله الا الله










رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 04:54

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc