الْوَاحِدُ - الأحَدُ جل جلاله وتقدست أسماؤه
الشيخ وحيد عبدالسلام بالي
عَنَاصِرُ الْمَوْضُوعِ:
أَوَّلًا: الدَّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لِلَفْظَةِ (الْوَاحِدِ).
ثَانِيًا: الدَّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لِلَفْظَةِ (الأَحَدِ).
ثَالِثًا: وُرُودُ الاِسْمَيْنِ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ.
رَابعًا: مَعْنَى الاِسْمَيْنِ فِي حَقِّ الله تَعَالَى.
خَامِسًا: ثَمَرَاتُ الإِيمَانِ بهَذَيْنِ الاسْمَيْنِ الكَرِيمَيْنِ.
سَادِسًا: التَّوْحِيدُ مَشْهَدُ الرُّسُلِ.
1- مَشْهَدُ آدَمَ عليه السلام.
2- مَشْهَدُ نُوحٍ عليه السلام.
3- مَشْهَدُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام.
4- مَشْهَدُ مُوسَى عليه السلام.
سَابعًا: حَاجَهُ العَبْدِ إِلَى عِبَادَةِ الله وَحْدَهُ.
النِّيَّاتُ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَحْضِرَهَا الُمحَاضِرُ: قَبْلَ إِلْقَاءِ هَذِهِ الُمحَاضَرَةِ:
أولًا: النِّيَّاتُ العَامَّةُ:
1- يَنْوي القيامَ بتبليغِ الناسِ شَيْئًا مِنْ دِينِ الله امْتِثَالًا لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «بلِّغُوا عَني ولَوْ آيةً»؛ رواه البخاري.
2- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى ثَوَابِ مَجْلِسِ العِلْمِ[1].
3- رَجَاءَ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ مَجْلِسِه ذلك مَغْفُورًا لَهُ[2].
4- يَنْوِي تَكْثِيرَ سَوَادِ المسْلِمِينَ والالتقاءَ بِعِبادِ الله المؤْمِنينَ.
5- يَنْوِي الاعْتِكَافَ فِي المسْجِدِ مُدةَ المحاضرة - عِنْدَ مَنْ يَرَى جَوَازَ ذَلِكَ مِنَ الفُقَهَاءِ - لَأَنَّ الاعْتِكَافَ هو الانْقِطَاعُ مُدَّةً للهِ في بيتِ الله.
6- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى أَجْرِ الخُطُوَاتِ إلى المسْجِدِ الذي سَيُلْقِي فيه المحَاضَرَةَ[3].
7- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى ثَوَابِ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، إذا كانَ سَيُلْقِي مُحَاضَرَتَه مثلًا مِنَ المغْرِبِ إلى العِشَاءِ، أَوْ مِنَ العَصْرِ إِلَى الَمغْرِبِ[4].
8- رَجَاءَ أَنْ يَهْدِي اللهُ بسببِ مُحَاضَرَتِه رَجُلًا، فَيَأْخُذَ مِثْلَ أَجْرِهِ[5].
9- يَنْوِي إرْشَادَ السَّائِليِنَ، وتَعْلِيمَ المحْتَاجِينَ، مِنْ خِلَالِ الرَّدِّ عَلَى أَسْئِلَةِ المسْتَفْتِينَ[6].
10- يَنْوِي القِيَامَ بِوَاجِبِ الأمرِ بالمعروفِ، وَالنهيِ عَنِ الُمنْكَرِ - بالحِكْمَةِ والموعظةِ الحسنةِ - إِنْ وُجِدَ مَا يَقْتَضِي ذلك(4).
11- يَنْوِي طَلَبَ النَّضْرَةِ الَمذْكُورَةِ فِي قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «نَضَّرَ اللهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا، ثُمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْها»؛ رواه أحمدُ والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في صحيحِ الجامعِ (6766).
ثُمَّ قَدْ يَفْتَحِ اللهُ عَلَى الُمحَاضِرِ بِنِيَّات صَالِحَةٍ أُخْرَى فَيَتَضَاعَفُ أَجْرُه لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنما لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»، مُتَّفَقٌ عَلَيه.
ثانيًا: النِّيَّاتُ الخَاصَّةُ:
1- تَنْوِي تَعْرِيفَ المُسْلِمِينَ بِمَعَانِي اسْمَي الله (الوَاحِدِ ـ وَالْأَحَدِ).
2- تَنْوِي حَثَّ المُسْلِمِينَ عَلَى إِخْلَاصِ التَّوْحِيدِ للهِ.
3- تَنْوِي غَرْسَ الهَيْبَةِ وَالتَّعْظِيمِ للهِ فِي قُلُوبِ المُسْلِمِينَ.
4- تَنْوِي تَثْبِيتَ عَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ مِنْ خِلَالِ سَرْدِ مَوَاقِفِ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاء ِ.
أوَّلًا: الدَّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لِلَفْظَةِ (الْوَاحِدِ):
الْوَاحِدُ فِي اللُّغَةِ اسْمُ فَاعِلٍ لِلْمَوْصُوفِ بِالْوَاحِدِيَّ ةِ أَوِ الْوَحْدَانِيَّ ةِ، فِعْلُهُ وَحَدَ يُوحَدُ وَحَادَةً وَتَوْحِيدًا، وَوَحَّدَهُ تَوْحِيدًا جَعَلَهُ وَاحِدًا.
وَالْوَاحِدُ أَوَّلُ عَدَدِ الْحِسَابِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الإِثْبَاتِ، فَلَوْ قِيلَ فِي الدَّارِ وَاحِدٌ لَكَانَ فِيهِ إِثْبَاتُ وَاحِدٍ مُنْفَرِدٍ مَعَ إِثْبَاتِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ مُجْتَمِعِينَ وَمُفْتَرِقِينَ[7].
وَالوَاحِدُ سُبْحَانَهُ هُوَ القَائِمُ بِنَفْسِهِ المُنْفَرِدُ بِوَصْفِهِ الَّذِي لَا يَفْتَقِرُ إِلَى غَيْرِهِ أَزَلًا وَأبَدًا، وَهُوَ الكَامِلُ فِي ذَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ كَانَ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ، وَلَا شَيْءَ قَبْلَهُ، وَمَازَالَ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَاحِدٌ أَوَّلًا قَبْلَ خَلْقِهِ، فَوُجُودُ المَخْلُوقَاتِ لَمْ يَزِدْهُ كَمَالًا كَانَ مَفُقُودًا، أَوْ يُزِيلُ نَقْصًا كَانَ مَوْجُودًا، فَالْوَحْدَانِي َّةُ قَائِمَةٌ عَلَى مَعْنَى الغِنَى بِالنَّفْسِ وَالانْفِرَادِ بِكَمَالِ الوَصْفِ.
قَالَ ابْنُ الأَثِيرِ: «الْوَاحِدُ فِي أَسْمَاءِ الله تَعَالَى هُوَ الفَرْدُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَحْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ آخَرُ»[8]؛ رَوَى البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: إنِّي عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَهُ قَوْمٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ: «اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ»، قَالُوا: بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا، فَدَخَلَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ، فَقَالَ: «اقْبَلُوا البُشْرَى يَا أَهْلِ اليَمَنِ إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ»، قَالُوا: قَبِلْنَا جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ، وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ مَا كَانَ؟ قَالَ: «كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ»[9].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ﴾ [الكهف: 51]، فَهُوَ سُبْحَانَهُ وَحْدَهُ الَّذِي خَلَقَ الخَلْقَ بِلَا مُعِينٍ وَلَا ظَهِيرٍ وَلَا وَزَيرٍ وَلَا مُشِيرٍ، وَمِنْ ثَمَّ فَإِنَّهُ وَحْدَهُ المُنْفَرِدُ بِالمُلْكِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِي مُلْكِهِ شِرْكٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ﴾ [سبأ: 22].
وَمِنَ الأَدِلَّةِ العَقْلِيَّةِ فِي إِثْبَاتِ وَحْدَانِيَّةِ الإِلَهِ وَتَفَرُّدِهِ بِالرُّبُوبِيَّ ةِ دَلِيلُ التَّمَانُعِ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ وَفَرَضْنَا عَرَضَيْنِ ضِدَّيْنِ، وَقَدَّرْنَا إِرَادَةَ أَحَدِهِمَا لِأَحَدِ الضِّدَّيْنِ وَإِرَادَةَ الثَّانِي لِلثَّانِي فَلَا يَخْلُو مِنْ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ؛ إِمَّا أَنْ تُنَفَّذَ إِرَادَتُهُمَا، أَوْ لَا تُنَفَّذَ، أَوْ تُنَفَّذَ إِرَادَةُ أَحَدِهِمَا دُونَ الآخَرِ، وَلمَّا اسْتَحَالَ أَنْ تُنَفَّذَ إِرَادَتُهُمَا لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ، وَاسْتَحَالَ أَيْضًا أَلَّا تُنَفَّذَ إِرَادَتُهُمَا لِتَمَانُعِ الإِلَهَيْنِ وَخُلُوِّ المَحَلِّ عَنْ كِلَا الضِّدَّيْنِ، فَإِنَّ الضَّرُورَةَ تَقْتَضِي أَنْ تُنَفَّذَ إِرَادَةُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، فَالَّذِي لَا تُنَفَّذُ إِرَادَتُهُ هُوَ المَغْلُوبُ المَقْهُورُ المُسْتَكْرَهُ، وَالَّذِي نُفِّذَتْ إِرَادَتُهُ هُوَ الْإِلَهُ المُنْفَرِدُ الْوَاحِدُ القَادِرُ عَلَى تَحْصِيلِ مَا يَشَاءُ.
قَالَ تَعَالَى: ﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [المؤمنون: 91]، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ آلِهَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ، بِلْ لَا يَكُونُ الْإِلَهُ إِلَّا وَاحِدًا وَهُوَ اللهُ سُبْحَانَهُ، وَلَا صَلَاحَ لَهُما بِغَيْرِ الوَحْدَانِيَّة ِ.
فَلَوْ كَانَ لِلْعَالَمِ إِلَهَانِ رَبَّانِ مَعْبُودَانِ لَفَسَدَ نِظَامُهُ واخْتَلَّتْ أَرْكَانُهُ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [الأنبياء: 22]، فَأَسَاسُ قِيَامِ الخَلْقِ وَبَقَاءِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ هِيَ وَحْدَانِيَّةُ الله وَانْفِرَادِهِ عَمَّنْ سِوَاهُ.
قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [فاطر: 41]، وَقَالَ أَيْضًا: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحج: 65][10].
ثَانِيًا: الدَّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لاِسْمِ (الأَحَدِ):
الْأَحَدُ فِي اللُّغَةِ اسْمُ فَاعِلٍ أَوْ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ لِلْمَوْصُوفِ بِالْأَحَدِيَّة ِ، فِعْلُهُ أَحَّدَ يُؤَحِّدُ تَأْحِيدًا؛ أَيْ: حَقَّقَ الوَحْدَانِيَّة َ لِمَنْ وَحَّدَهُ، وَهُوَ اسْمٌ بُنِيَ لِنَفْيِ مَا يُذْكَرُ مَعَهُ مِنَ العَدَدِ، تَقُولُ مَا جَاءَ بِي أَحَدٌ، وَالْهَمْزَةُ فِيهِ بَدَلٌ مِنَ الوَاوِ، وَأَصْلُهُ وَحَدَ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الوَحْدَةِ.
وَالفَرْقُ اللُّغَوِيُّ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْأَحَدِ أَنَّ الأَحَدَ شَيءٌ بُنِيَ لِنَفْيِ مَا يُذْكَرُ مَعَهُ مِنَ العَدَدِ، وَالْوَاحِدُ اسْمٌ لِمُفْتَتَحِ الْعَدَدِ، وَأَحَدٌ يَصْلُحُ فِي الْكَلَامِ فِي مَوْضِعِ الْجُحُودِ وَالنَّفْيِ، وَوَاحِدٌ يَصْلُحُ فِي مَوْضِعِ الإِثْبَاتِ، يُقَالُ مَا أَتَانِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَمَعْنَاهُ لَا وَاحِدَ أَتَانِي وَلَا اثْنَانِ، وَإِذَا قُلْتَ جَاءَنِي مِنْهُمْ وَاحِدٌ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِنِي مِنْهُم اثْنَانِ، فَهَذَا حَدُّ الأَحَدِ مَا لَمْ يُضَفْ، فَإِذَا أُضِيفَ قَرُبَ مِنْ مَعْنَى الوَاحِدِ، وَذَلِكَ أَنَّكَ تَقُولُ: قَالَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ كَذَا وَكَذَا، وَأَنْتَ تُرِيدُ وَاحِدًا مِنَ الثَّلَاثَةِ[11].
وَالْأَحَدُ هُوَ المُنْفَرِدُ بِذَاتِهِ وَوَصْفِهِ المُبَايِنُ لِغَيْرِهِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي مَعْنَى الأَحَدِيَّةِ: ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 4]، فَالْأَحَدِيَّة ُ هِيَ الانْفِرَادُ وَنَفْيُ المِثْلِيَّةِ، وَتَعْنِي انْفِرَادَهُ سُبْحَانَهُ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ عَنِ الأَقْيِسَةِ وَالقَوَاعِدِ وَالقَوَانِينَ الَّتِي تَحْكُمُ ذَوَاتَ المَخْلُوقِينَ وَصِفَاتِهِمْ وَأَفْعَالَهُمْ ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]، فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ افْتِرَادَهُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَوْصَافِ المَخْلُوقِينَ بَجَمِيعِ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ أَوْصَافِ الْكَمَالِ، فَالْأَحَدُ هُوَ المُنْفَرِدُ الذِي لَا مَثِيلَ لَهُ فَنَحْكُمُ عَلَى كَيْفِيَّةِ أَوْصَافِهِ مِنْ خِلَالِهِ، وَلَا يَسْتَوِي مَعَ سَائِرِ الخَلْقِ فَيَسْرِي عَلَيْهِ قَانُونٌ أَوْ قِياسٌ أَوْ قَوَاعِدٌ تَحْكُمُهُ كَمَا تَحْكُمُهُمْ، لِأَنَّهُ المُتَّصِفُ بِالتَّوْحِيدِ المُنْفَرِدُ عَنْ أَحْكَامِ العَبِيدِ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65]؛ أَيْ: شَبِيهًا مُنَاظِرًا يُدَانِيهِ أَوْ يُسَاوِيهِ أَوْ يَرْقَى إِلَى سُمُوِّ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ.
وَلَيْسَ الْأَحَدُ هُوَ المُجَرَّدُ عَنِ الصِّفَاتِ أَوِ الَّذِي لَا يَنْقَسِمُ كَمَا فَسَّرَهُ بَعْضُ المُتَكَلِّمِين َ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَأْوِيلٌ لَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ فِي أَصْلِ وَضْعِهِ أَوْ كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الخِطَابِ بَيْنَ العَرَبِ فَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى التَّحْرِيفِ مِنْ كَوْنِهِ تَأوِيَلًا [12]؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْحَ فِي نَفْيِ الصِّفَاتِ عَنِ الله تَفْصِيلًا، وَلَا مَدْحَ فِي النَّفْيِ إِنْ لَمْ يَتَضَمَّنْ كَمَالًا، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ طَرِيقَةَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ هِيَ النَّفْيُ المُجْمَلُ وَالإِثْبَاتُ المُفَصَّلُ بِعَكْسِ طَرِيقَةِ المُتَأَخِّرِين َ مِنَ المُتَكَلِّمِين َ، فَاللهُ ﻷ نَفَى عَنْ نَفْسِهِ كُلَّ صِفَاتِ النَّقْصِ إِجْمَالًا فَقَالَ: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11]، وَقَالَ: ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 4]، وَأَثْبَتَ لِنَفْسِهِ صِفَاتِ الْكَمَالِ تَفْصِيلًا، فَقَالَ: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الحشر: 23]، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي عَدَّدَ اللهُ فِيهَا أَسْمَاءَهُ وَأَوْصَافَهُ مُثْبِتًا لَهَا وَلِكَمَالِهَا وَمُفَصِّلًا فِي ذَلِكَ، أَمَّا المُتَكَلِّمُون َ فإِنَّهُمْ يُجْمِلُونَ فِي الإِثْبَاتِ وَيُفَصِّلُونَ فِي النَّفْيِ، حَيْثُ أَثْبَتَ بَعْضُهُمْ أَسْمَاءَ الله مُفَرَّغَةً مِنَ الْأَوْصَافِ، وَبَعْضُهُمْ أَثْبَتَ سَبْعَ صِفَاتٍ فَقَطْ وَنَازَعَ فِي بَقِيَّتِهَا، وَأَمَّا التَّفْصِيلُ فِي النَّفْيِ الَّذِي يُبَرِّرُونَ بِهِ مَعْنَى الْأَحَدِيَّةِ فَكَقَوْلِهِمْ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا شَبَحٍ وَلَا صُورَةٍ، وَلَا لَحْمٍ وَلَا دَمٍ وَلَا عَظْمٍ، وَلَا بِذِي لَوْنٍ وَلَا طَعْمٍ وَلَا رَائِحَةٍ، وَلَا بِذِي حَرَارَةٍ وَلَا رُطُوبَةٍ وَلَا يُبُوسَةٍ، وَلَا طُولٍ وَلَا عَرْضٍ وَلَا عُمْقٍ، وَلَا شَخْصٍ وَلَا جَوْهَرٍ وَلَا عَرَضٍ، وَلَا يَتَحَرَّكُ وَلَا يَسْكُنُ وَلَا يَنْقُصُ وَلَا يَزْدَادُ.. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَنْ أَنْوَاعِ النَّفْيِ الَّذِي يَمْلَأُ صَفَحَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ.
وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ سَقِيمَةٌ فِي إِثْبَاتِ التَّفَرُّدِ وَالأَحَدِيَّةِ تُنَافِي الفِطْرَةَ وَتَبْعَثُ عَلَى الاشْمِئْزَازِ فَهِيَ تُمَاثِلُ قَوْلَ القَائِلِ فِي مَدْحِ مَا تَمَيَّزَ بِهِ الأَمِيرُ: لَسْتَ بِزَبَّالٍ وَلَا كَنَّاسٍ وَلَا حِمَارٍ وَلَا نِسْنَاسٍ، وَلَسْتَ حَقِيرًا وَلَا فَقِيرًا وَلَا غَبِيًّا وَلَا ضَرِيرًا، وَكَانَ يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ أَنْ يُجْمِلَ فِي النَّفْيِ وَيَقُولَ: لَيْسَ لَكَ نَظِيرٌ فِيمَا رَأَتْ عَيْنَايَ.
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ النَّفْيَ الذِي يُثْبِتُ مَعْنَى الْأَحَدِيَّةِ لَيْسَ فِيهِ مَدْحٌ وَلَا كَمَالٌ إِلَّا إِذَا تَضَمَّنَ وَصْفًا وَإِثْبَاتًا، فَنَفْيُ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ عَنِ الله يَتَضَمَّنُ الْأَحَدِيَّةَ فِي كَمَالِ الحَيَاةِ وَالقَيُّومِيَّ ةِ، وَنَفْيُ الظُّلْمِ يَتَضَمَّنُ كَمَالَ العَدْلِ، وَهَكَذَا فِي سَائِرِ مَا نَفَى اللهُ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ أَوْصَافِ النَّقْصِ، وَكُلُّ نَفْىٍ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتًا لَمْ يَصِفِ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ، أَمَّا الَّذِي يَقُولُ عَنِ الله: لَيْسَ بِجِسْمٍ فَهَلْ يَعْنِي أَنَّهُ عَرَضٌ؟ فَيَقُولُ: وَلَيْسَ عَرَضًا، فَمَاذَا يَكُونُ إِذًا؟ هَلْ يَكُونُ شَبَحًا؟ يَقُولُ: وَلَا شَبَحًا، فَإِنْ سُئِلَ هَلْ هُوَ دَاخِلُ العَالَمِ؟ فَيَقُولُ: وَلَا دَاخِلُ العَالَمِ، فَخَارِجُهُ إِذًا؟ يَقُولُ: وَلَا خَارِجُهُ، وَلَا.. وَلَا.. وَلَا.. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سَفْسَطَةِ القَوْلِ وَمُهَاتَرَاتِ النَّفْيِ يَنْفِي الصِّفَاتِ مِنْ غَيْرِ إِثْبَاتٍ، وَيَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَى اسْمِ الله الْأَحَدِ، وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ صِفَةُ مَدْحٍ وَلَا أَحَدِيَّةٌ، بَلْ هُوَ ذَمٌّ بِمَا يُشْبِهُ المَدْحَ تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا [13].
ثَالِثًا: وُرُودُ الاِسْمَيْنِ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ:[14]
وَرَدَ اسْمُ (الوَاحِدِ) فِي ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ آيَةً:
مِنْهَا: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 163]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ [النساء: 171].
وَقَالَ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [يوسف: 39]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم ْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الرعد: 16].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ * رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ ﴾ [الصافات: 4، 5]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الزمر: 4]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [غافر: 16]، وَأَمَّا اسْمُهُ (الْأَحَدُ) فَوَرَدَ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي مَطْلَعِ سُورَةِ الإخْلَاصِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1].
رَابِعًا: مَعْنَى الاِسْمَيْنِ فِي حَقِّ الله تَعَالَى:
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ [البقرة: 163]: «قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَعْنَى الْأُلُوهِيَّةِ وَأَنَّهَا: اعْتِبَادُ الخَلْقِ، فَمَعْنَى قَولِهِ: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 163]: الَّذِي يُسْتَحَقُّ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ الطَّاعَةُ لَهُ، وَيُسْتَوْجَبُ مَنْكُمُ العِبَادَةَ مَعْبُودٌ وَاحِدٌ، وَرَبٌّ وَاحِدٌ، فَلَا تَعْبُدُوا غَيْرَهُ وَلَا تُشْرِكُوا مَعَهُ سِوَاهُ، فَإِنَّ مَنْ تُشْرِكُونَهُ مَعَهُ فِي عِبَادَتِكُمْ إِيَّاهُ هُوَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ إِلَهِكُمْ مِثْلُكُمْ، وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ لَا مِثْلَ لَهُ وَلَا نَظِيرَ».
ثُمَّ قَالَ: «وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى وَحْدَانِيَّتِه ِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ:
مَعْنَى وَحْدَانِيَّةِ الله مَعْنَى نَفْيِ الأَشْبَاهِ وَالأَمْثَالِ عَنْهُ، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ وَاحِدُ النَّاسِ، وَهُوَ وَاحِدُ قَوْمِهِ، يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي النَّاسِ مَثَلٌ وَلَا لَهُ فِي قَوْمِهِ شَبِيهٌ وَلَا نَظِيرٌ، فَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِ: (اللهُ وَاحِدٌ)، يَعْنِي بِهِ: اللهُ لَا مِثْلَ لَهُ وَلَا نَظِيرَ.
فَزَعَمُوا أَنَّ الَّذِي دَلَّهُمْ عَلَى صِحَّةِ تَأْوِيلِهِمْ ذَلِكَ أَنَّ قوْلَ القَائِلِ (وَاحِدُ) يُفْهَمُ لِمَعَانٍ أَرْبَعَةٍ:
أَحَدِهَا: أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا مِنْ جِنْسٍ، كَالْإِنْسَانِ الوَاحِدِ مِنَ الْإِنْسِ.
وَالْآخَرِ: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَصَرِّفٍ كَالْجُزْءِ الَّذِي لَا يَنْقَسِمُ.
وَالثَّالِثِ: أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ المِثْلُ وَالاتِّفَاقُ، كَقَوْلِ القَائِلِ: هَذانِ الشَّيْئَانِ وَاحِدٌ، يُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُمَا مُتَشَابِهَانِ حَتَّى صَارَا لِاشْتِبَاهِهِم َا فِي المَعَانِي كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ.
وَالرَّابِعِ: أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ نَفْيُ النَّظِيرِ عَنْهُ وَالشَّبِيهِ.
قَالُوا: فَلَمَّا كَانَتْ المَعَانِي الثَّلَاثَةُ مِنْ مَعَانِي الْوَاحِدِ مُنْتَفِيَةً عَنْهُ، صَحَّ المَعْنَى الرَّابِعُ الَّذِي وَصَفْنَاهُ.
وَقَالَ الْآخَرُونَ: مَعْنَى وَحْدَانِيَّتِه ِ تَعَالَى ذِكْرُهُ مَعْنَى انْفِرَادِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ وَانْفِرَادِ الْأَشْيَاءِ مِنْهُ، قَالُوا: وَإِنَّمَا كَانَ مُنْفَرِدًا وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي شَيْءٍ، وَلَا دَاخِلٍ فِيهِ شَيْءٌ، قَالُوا: وَلَا صِحَّةَ لِقَوْلِ القَائِلِ: وَاحِدٌ مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ إِلَّا ذَلِكَ، وَأَنْكَرَ قَائِلُو هَذِهِ المَقَالَةِ المَعَانِيَ الأَرْبَعَةَ الَّتِي قَالَهَا الْآخَرُونَ»[15].
وَقَالَ الخَطَّابِيُّ: «(الْوَاحِدُ) هُوَ الْفَرْدُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ آخَرُ.
وَقِيلَ: هُوَ المُنْقَطِعُ القَرِينِ، المَعْدُومُ الشَّرِيكِ وَالنَّظِيرِ.
وَلَيْسَ كَسَائِرِ الْآحَادِ مِنَ الْأَجْسَامِ المُؤَلَّفَةِ، إِذْ كُلُّ شَيْءٍ سِوَاهُ يُدْعَى وَاحِدًا فَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ جِهَةٍ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ جِهَاتٍ.
وَاللهُ سُبْحَانَهُ الْوَاحِدُ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ».
وَقَالَ: «وَالْفَرْقُ بَيْنَ (الْوَاحِدِ) و(الْأَحَدِ)، أَنَّ (الْوَاحِدَ) هُوَ المُنْفَرِدُ بِالذَّاتِ لَا يضامُّهُ آخَرُ.
وَ(الْأَحَدُ): هُوَ المُنْفَرِدُ بِالمَعْنَى لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلْمُتَنَاهِي فِي الْعِلْمِ وَالمَعْرِفَةِ: هُوَ أَحَدُ الْأَحَدَيْنِ».
وَقَالَ: «وَأَمَّا الوَحِيدُ فَإِنَّمَا يُوصَفُ بِهِ فِي غَالِبِ العُرْفِ المُنْفَرِدُ عَنْ أَصْحَابِهِ المُنْقَطِعُ عَنْهُمْ، وَإِطْلَاقُهُ فِي صِفَةِ الله سُبْحَانَهُ لَيْسَ بِالْبَيِّنِ عِنْدِي صَوَابُهُ، وَلَا أَسْتَحْسِنُ التَّسْمِيَةَ بِعَبْدِ الوَحِيدِ كَمَا أَسْتَحْسِنُهَا بِعَبْدِ الْوَاحِدِ وَبِعَبْدِ الْأَحَدِ، وَأَرَى كَثِيرًا مِنَ العَامَّةِ قَدْ تَسَمَّوْا بِهِ»[16].
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: «(الوَاحِدُ) هُوَ الفَرْدُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَحْدَهُ بِلَا شَرِيكٍ.
وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا قَسِيمَ لِذَاتِهِ وَلَا شَبِيهَ لَهُ وَلَا شَرِيكَ.
وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ».
وَقَالَ فِي (الْأَحَدِ): «الَّذِي لَا شَبِيهَ لَهُ وَلَا نَظِيرَ»[17].
وَقَالَ السَّعْدِيُّ: «(الْوَاحِدُ الْأَحَدُ): وَهُوَ الَّذِي تَوَحَّدَ بِجَمِيعِ الْكَمَالَاتِ، بِحَيْثُ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا مُشَارِكٌ، وَيَجِبُ عَلَى العَبِيدِ تَوْحِيدُهُ: عَقْدًا وَقَوْلًا وَعَمَلًا، بِأَنْ يَعْتَرِفُوا بِكَمَالِهِ المُطْلَقِ، وَتَفَرُّدِهِ بِالْوَحْدَانِي َّةِ وَيُفْرِدُوهُ بِأَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ»[18].
يتبع