إن هذا الشهر الكريم فيه من الخيرات والبركات ما يبادر إليه من فتح الله عليه بالعلم ذلك أن العلم بالشيء هو ما يرغب الإنسان فيه، ولذلك أنت واجد أن كثيرا من الناس يكون عليهم موسم شهر رمضان كغيره من المواسم فلا يبادروا إلى الغنائم العظيمة فيه، فهي غنائم وفرص متتابعة، إنما يقبل عليها من علم ما فيها من الخير بدلالة شرع الله -تعالى- مما جاء من النصوص العظيمة في كتاب الله -تعالى-، وسنة نبيه المصطفى محمد ﷺ.
والدعاء والذكر من الأمور التي يغفل عنها الكثير من الناس، فتجد كثيرا من المسلمين ينقضي نهاره، ولم يبادر إلى أسباب المغفرة، وأسباب القرب من الله ﷻ، ومن جملة ذلك ما يتعلق بالدعاء في لحظات الصيام وفي لياليه، وفي هذا يقول العلامة النووي -رحمه الله-: "يستحب للصائم أن يدعو في حال صومه بمهمات الآخرة والدنيا له، ولمن يحب، وللمسلمين؛ لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، والمظلوم" ~ (رواه الترمذي وابن ماجه) ~ ، وهكذا الرواية الأخرى "حتى" بالتاء المثناة من فوق فيقتضي استحباب الدعاء حين يفطر، وحتى يفطر، فيقتضي استحباب الدعاء؛ دعاء الصائم من أول اليوم إلى آخره؛ لأنه يسمى صائما في كل ذلك" انتهى كلامه -رحمه الله-.
وهكذا ما يكون من الأذكار التي فيها مغفرة الذنوب، وهي أعمال يسيرة، على سبيل المثال: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "من قال في اليوم: سبحان الله وبحمده مائة مرة، كتب له ألف حسنة".
وهكذا قوله صلى الله عليه وسلم في شأن الذكر والدعاء قال: "الدعاء هو العبادة"، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن الله ﷻ يضاعف الثواب للداعين الذاكرين، ولذلك أثنى الله -تعالى- عليهم في كتابه العزيز: (والذاكرين الله كثيرا والذاكرات) ~ [الأحزاب: ٣٥]، فحري بالمؤمن أن يخصص في يومه أوقات يقبل فيها على ربه بدعائه وسؤاله ما يحتاج، مع محافظته على ذكر الله في كل لحظة وحين، فهذا الثابت عن رسول الله ﷺ حين قال: "لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله" لما طلبت منه الوصية بعمل يحافظ عليه المؤمن.
أيها الإخوة المؤمنون: إن هذا الشهر الكريم بتوالي لحظاته يتضمن هذه الخيرات والبركات، ومن جملة ذلك ما يكون في لحظات السحر فإنه وقت فاضل شريف عظيم عند الله ﷻ عظمه سبحانه بما خصه ونوه به في كتابه حيث قال: (والمستغفرين بالأسحار) ~ [آل عمران: ١٧].
وهذه إحدى أسرار بركات السحور؛ لما قال عليه الصلاة والسلام: "تسحروا فإن في السحور بركة" بركة الطعام الذي يتقوى به المؤمن على الصيام، وبركة الاستيقاظ في هذا الوقت الفاضل الذي نوه الله به.
وما جاء أيضا عن رسول الله ﷺ أنه وقت التنزل الإلهي؛ فقد ثبت عن رسول الله ﷺ أنه قال: "إذا كان وقت الثلث الآخر من الليل ينزل الله -تعالى- إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟ وذلك كل ليلة حتى يخرج الصبح".
فكم يغفل كثير من الناس عن هذا الوقت الفاضل؟ فربما صرف فيما لا يرضي الله ﷻ، وربما صرف كله في المباح بأن يستغرق في الطعام والشراب والحديث دون تفرغ وتوجه بالدعاء فيه، فإن الله -تعالى- قال، وقوله الحق، ووعده الصدق: "هل من داع؟"، "هل من مستغفر؟"، "هل من سائل؟".
فحري بالمؤمن أن يعرض مسألته على ربه، وأن يطلب منه ما شاء من أمور الدنيا والآخرة؛ فكم في النفوس من حاجات؟ وكم في القلوب من لهفات؟ وإنما يتوجه إلى ذلك من فتح الله عليه بالخير.
فهذه فرصة من فرص هذا الشهر الكريم، وهكذا الأوقات عموما ينبغي للمؤمن أن يملأها بما يقربه إلى الله ﷻ، طاعة وعبادة وذكرا واستغفارا وتلاوة لكتاب الله ﷻ.