بينما كُنّا عالقين بإحدى محطّاتِ النّقل البرّي ، كان قُرصُ الشّمسِ يقتربُ من الْغروب ، فانْتابنا بعضُ القلق والتّوَتّرِ ، ما دَفَعَ شقيقِي إلى التّحرّك في كلِّ الاتّجاهاتِ ، بحثًا عنْ وسيلةٍ تُقلِّنا إلى المكانِ المقْصود.
ونحنُ كذلك ، كانتْ تقفُ في الجانبِ الآخر منْ رصيف المحطّةِ فتاةٌ قدْ بدتْ عليها ملامحُ الإحْتشامِ والوقار ، علمْتُ ذلك عندما دنتْ منّي باستحْياء كبير ، وسألتْني عنْ وِجهتي ، فكشفْتُ لها عنْها فإذا هي الوجْهةُ ذاتُها التّي كانتْ تُريدُها.
كانتْ المحطّةُ قدْ خلتْ منْ كلّ شيْء إلاّ نحنُ أو بعضِ سيّاراتِ الأُجرة التّي بدتْ وكأنّها تترصّدُنا ، ما زاد الأمْرَ تعقيداً ، خاصّة عندما عاد أخي أدراجهُ إليْنا وعلاماتُ الخيْبة باديةٌ على وجهِهِ .
وما هيَ إلاّ لحظات حتّى تقرّب منّا سائق مركبةٍ وبعْد مدٍّ وجزْرٍ اقترح أنْ يُقلّنا إلى حيثُ نُريد مُقابل مبْلغٍ شِبْه خياليّ، وبعمليّة بسيطةٍ وجدْتُ أنّ ذاك المبلغ يكفينا للإقامة و الإطعام بأحد فنادق المدينة المُحترمةِ و زِيادة ، وما إنْ غادر المكان حتّى عقّبتْ عليْه الفتاةُ قائلةً : " وليكُنْ ما سيكون ، لنْ نُسلّم رِقابنا لهؤلاء حتّى ولوْ قضيْنا ليلتنا هاهُنا واقفين ، أعتقدُ أنّنا لازِلْنا بالجزائر..."
هزّتْ كياني هذه الكلماتُ وأنا الذّي كُنْتُ سأُسلّمُ عُنُقي لذلك الجزّار .وماهي إلاّ لحظاتٌ حتّى أقبلتْ عليّنا مركبةً وِجْهتُها منْ وِجْهتِنا ، ركبْنا الحافلة ونحنُ غير مُصدّقين ، وجعل يُهنّئُ بعضُنا بعْضًا كأنّنا خرجْنا منْ معركةٍ مُنتصرينْ.
أجلْ ، ورُحتُ أُحدّثُ نفسي قائلاً : " ماذا لوْ تحلّيْنا ببعضِ الصّبْر وامْتلكْنا شيْئًا منَ اليقين ، أعتقدُ أنّنا كُنّا لِنَقْطعَ الطّريق أمامَ هؤلاءِ الانْتهازيّين ، ونكبحَ جِماح مصّاصي الدّماء في بلادِنا الذّين جعلُوا يتكاثرُون كالفِطرِ الملْعون ، بَلْ ماذا لَوْ تحلّيْنا بشيْءٍ مِنْ كِبْرِياءِ هذهِ الْأُنْثَى..."
بقلم غُروب في 06/01/2012م.