
كتب الاستاذ: ناصر اللحام
كنت حاولت عدة مرات التوجه مع بعثة الحج الاعلامية الى الديار الحجازية، وبي رغبة عارمة لذلك، الا ان الله لم يكتب لي هذه الفريضة بعد، ومع ذلك انا على اتصال كل عام مع اصدقاء لي سبقوني الى هناك ، واتحدث معهم تارة برغبة الصحافي وتارة بفضول الانسان عن مناسك الحج ، وقد لاحظت ان كل من ذهب الى هناك كان يتحدث معي وهو يعيش فرحة عارمة ، والسؤدد يملأ قلبه ، وانا كنت اعتقد للوهلة الاولى ان سبب السعادة هو السفر بحد ذاته الا ان في الامر اكثر من ذلك على ما يبدو.
وزير الاوقاف الصديق الدكتور محمود الهباش ظل معي على اتصال شبه يومي ، وكان نموذجا للانسان السعيد، وفي نقاشي معه قال : لا يجوز نقل الصراع السياسي بين حماس وفتح الى الحج ، فالمسلم لا يجوز له ان يشير بطرف اصبعه الى الطريدة اثناء الصيد في الاشهر الحرم فما بالك بالشتائم والاتهامات !!! سألته وهل يجوز ان يرسل المسلم S M S يشير من خلالها الى الطريدة ؟ ضحك وقال بالطبع لا أيضا بهذه اشارة ايضا.
الزميلان عماد عيد وابراهيم قنن من غزة والزميلان كريم عساكرة وفتحي براهمة من الضفة كانوا بعثة معا الى الحج هذا العام ، وكنا على اتصال يومي معهم ، ومع اصدقاء اخرين ، وامطرناهم بوابل من الاسئلة التي لا تنتهي حول الحج ، حول جبل احد ، حول الصفا والمروة ، حول جبل عرفة ، وحول ابليس ورجمه بالحصى ، حول الشعوب العربية وحول العجم والتتر والبربر وكل من صاح لا اله الا الله.
الزميل ابراهيم ملحم وقد ذهب الى الحج 7 مرات وصف لي مشاهد الحج بعين الصحافي فقلت له اكتب عن ذلك ، ولكن C N N كانت ارسلت مراسلة الى هناك ونقلت تقارير يومية مصورة للملايين باليونيفورم الخاص بالحج ( لباس الاحرام الابيض ) والمناسك التي تعكس الرواية التاريخية للرسالة السماوية وقد شدّ انتباهي كيف راقبت ال C N N حركة ملايين المسلمين بشكل منتظم وموحد وفي مكان واحد وفي وقت واحد.
كريم عساكرة عاد من الحج وهو في حالة صدمة ، وكأنه يريد ان يخبرنا بكل شئ مرة واحدة لكنه لا يستطيع ولا تسعفه بلاغته كصحافي قدير ، او ربما انه قال في نفسه : غدا يذهبون الى هناك ويرون بانفسهم . ولكنني لم استسلم لصمته فسألته هل مسموح ان تحمل الهاتف المحول هناك ؟ اجاب بنعم .... وهل مسموح هناك بلوتوث ؟ قلت له لاستفزه ... فرد بتلقائية طبعا .. قلت على جبل احد هناك بلوتوث ؟ قال طبعا طبعا!!!
انفلونزا الخنازير لم تتمكن من منع الرغبة الجامحة عند الحجاج بأداء الفريضة ، حتى ان الزميل عماد عيد عاد الى غزة يوزع السبح وهدايا اخرى أتى بها من الاراضي الحجازية وعلى حد وصف احد الزملاء الذين زاروه بعد عودته ( لا يزال عماد يعيش في مكة وكأنه لم يعد الى غزة ).
وفي مكالمة مع عضو اللجنة المركزية توفيق الطيرواي ، بدا لي انه في حالة خشوع لم اره فيها من قبل ، وكنت اكثر من مرة شاهدته اثناء الصلاة ولم اصدق انه هو نفسه الرجل الشديد غليظ القلب قائد المخابرات ، اما هذه المرة فدار بيننا حديث يسوده الخشوع . سألته عن مناسك الحج فكان يجيب بكل فرح وكأنه طفل عاد من اول يوم دراسي.
الجميع رجم ابليس ، والجميع هرول بين الصفا والمروى والجميع ذبح الفدية ، والجميع أحرم وكف عن الحرام ، والجميع قبّل الحجر الاسود وشرب من ماء زمزم واستحضر الهدايا من بلاد النبي محمد صلوات الله عليه ... ولكن السؤال : هل تغيّرنا ؟ هل فهمنا الرسالة من مناسك الحج ؟ ان الله يغفر لنا ذنوبنا .... ولكن هل نحن نغفر لبعضنا بعضا؟.