منطقة بوسعادة الثورية
شهدت منطقة بوسعادة ابان ثورة التحرير الكبرى معارك هامة وساهم أبناء المنطقة في حرب التحرير الكبرى ومن أهم المعارك التي شهدتها بوسعادة والمناطق المجاورة لها معركة جبل بوكحيل 55 كلم جنوب المدينة في مدينة عين الريش ومعركة جبل ثامر جنوب بوسعادة كما توفي بالمنطقة قائدي الثورة الكبيرين العقيد عميروش وسي الحواس في مدينة عين الملح رحم الله شهداءنا الابرار. بوسعادة كانت مقرا الولاية السادسة ابان الثورة تاريخ بوسعادة كما يقدمه علماء الآثار والباحثون يضرب في أعماق التاريخ يحكي شواهد هذه الواحة التي يقول المؤرخون الاستنجاد بالولي الصالح سيدي ثامر وسيدي سليمان وهم من اشراف الذين يستوطنون ساقية الحمراء، وكان للبدارنة أراضي تمتد على ضفاف الوادي وهكذا تم تشييد أول مسجد ـ جامع النخلة ـ أنشأت حوله سكنات للولي سيدي ثامر وعائلته وأخرة لأتـباعه وتلاميذه، وأسسوا قصر بوسعادة وكانت معظم المدن المحيطة به مزدهرة ونظراً للنمو السكاني تم توسيع مجال القصر وحسب تقرير " الكولنال بان " أنها كانت آهلة بالسكان منذ عصور ما قبل التاريخ وقد تم العثور على مسافة 4 أو 5 كلم جنوب المدينة على العديد من الآثار التي تدل على وجود سكان على ضفاف وادي بوسعادة منذ العهد «الايبيروموريزي» أي منذ حوالي ثمانية آلاف أو عشرة آلاف سنة. كما تم العثور على كمية كبيرة من الأدوات المصنوعة من معدني الليتيوم واستخرجت المكاشط والصفيحات وقطع الصوان والذهب الماسي من طبقات المعادن المحاذية للوادي بالإضافة إلى بقايا جثث حيوانات ذلك العهد. وعلاوة على ذلك فقد لاحظ المؤرخون والباحثون وجود اثر حيوانات رباعية الأقدام على جدران صخرية تبعد بعض الكيلومترات شمال غرب واحة بوسعادة وكانت هذه الحيوانات محل اصطياد وعيش أناس ما قبل تاريخ عصر المنطقة. فعلى طول سلسلة جبال سلات وفي أعالي طريق سيدي عامر ما زالت تلاحظ رسومات صخرية هي أشبه برسوم البيسون أما الرسوم الصخرية فتذكر الزائر بصور التاسيلي الجدرانية التي تشابهها اشد الشبه ولكن الباحثين لا يعلمون الشيء الكثير عن المدة التي تفصل بين حياة أولئك الذين عاشوا في عصر ما قبل التاريخ وبين حياة سكان الحضنة الذين يشهد التاريخ بأنهم من أوائل سكان هذه المنطقة غير انه قبل الاحتلال الروماني لأماكن محددة من السهب كانت هذه الأخيرة آهلة «بالجيتول» وهؤلاء البرابرة الرحل كانوا في تنقل مستمر في الهضاب العليا بحثا عن المراعي
ماذا قال المؤرخون عن بوسعادة
لقد عني كثير من المؤرخين بتاريخ بوسعادة وشخصياتها ولعل الشيخ أبوالقاسم محمد الحفناوي المعروف بابن عروس بن سيدي إبراهيم الغول وهو ابن بوسعادة قد أشار في كتابه المعروف «تعريف الخلف برجال السلف» إلى تاريخ المنطقة وأوضح يقول: على تبجح المتفيقهين الذين لا يقيلون عثار المخطئين وقريتهم في سفح جبل يسمى أبا العرعار من فروع جبل سالات المذكور أكثر مرة في تاريخ العلامة ابن خلدون وهو جبل شامخ كثير السواعد وفيه أثار للأولين وأقربهم إلينا في التاريخ بنو برزال المتنقلون إلى الأندلس، كما ذكره ابن خلدون ومن فروعه جبل القليعة وهو جبل رفيع قمته مربعة وفي سطحها ديار كانت لأحد رؤساء زناتة ثم صارت إلى بعض رؤساء العرب ومنهم قتيل ذئاب في محل الرمل واليراع ويعني بذلك كدية «بانيو» التي اكتشف فيها اليوم عنصر عجيب من صنع قدماء المهندسين.

وقال ابن خلدون: وكان مقامة بينهم سنة يختلف إلى بني برزال بسالات وإلى قبائل البربر بجبل أوراس يدعوهم جميعا إلى مذهب النكارية إلى أن ارتحل إلى أوراس واستبحر عمران هذا المصر واعتصم به بنو واركلا هؤلاء والكثير من ظواعن زناتة عند غلب الهلاليين اياهم على المواطن واختصاص الأثبج بضواحي القلعة والزاب وما إليها. ولعل بعض هذه الإشارات التاريخية تدل على ما فيه الكفاية على تاريخ بوسعادة وامجادها الماضية. لا تزال مدينة بوسعادة وهي مدينة العلم والفكر تشتهر برجالاتها المثقفين ممن بنوا صرح الجزائر الثقافي والفكري والعلمي فلقد برز بها مصلحون ومفكرون وعلماء ورجال دين كالشيخ الديسي وغيره الكثير بل ان بوسعادة لا تزال حتى اليوم موطن شعراء وموسيقيين جزائريين مجيدين ولعلها حالة من التواصل الفكري الذي يسري في نسيج المدينة ورجالاتها وعمرانها.
بوسعادة قبلة للسياح:
يشعر الزائر لمدينة بوسعادة (422 كلم جنوب الجزائر) بالسكينة والطمأنينة وهو يعانق هذه المنطقة العريقة التي لُقبت قديما بـquot;بوابة السعادةquot;، وكلما يتوغل المرء في جنبات بوسعادة ويغوص في أعماقها يتلمس ينابيع التراث وشموخ الأصالة، ما جعل quot;جوهرة الصحراءquot; كما يحلو للكثيرين تسميتها، تتحول منذ زمن بعيد إلى قبلة للسياح ومحج للفنانين الذين انبهروا لثراء المنطقة وتقاليدها وما تختزنه من تميّز في في المعالم والأزياء من البرنوس والقندورة والحلي الفضية وصولا إلى الأواني النحاسية والفخارية والطوبية أيضا، ويدرك كل من يتشمم عبق جوهرة الصحراء، أنّ الأخيرة جزائرية خالصة، فقد أبت المدينة الانسلاخ وظلت مخلصة لشخصيتها الثقافية ورصيدها الحضاري الكبير، ولعلّ شواهدها الحالية تعكس ماضيها الثري الذي يشرح حاضرها ويضيء مستقبلها.
وأنت تتأهب للدخول إلى مدينة السعادة، تلمح الجبل العتيق (كردادة) وهو يعتلي المدينة حتى يخيل للمرء أنّ هذه القمة الجبلية الشاهقة تسهر على حماية هذه الجوهرة من هول الزمن، وما يلبث الداخل إلى بوسعادة أن يشعر بهدوء الصحراء في هذا المكان، فأحياء ومسالك بوسعادة مكللة بالربوات والتلال والكثبان الرملية تزينها أشجار الصفصاف من جانب وتعطرها رائحة النباتات الطبيعية كالديس والشيح والعرعار من الضفة الأخرى، وتبرز هذه المدينة العتيقة لأول وهلة بخصوصية طابعها المعماري الأصيل والمميز، فحاراتها ذات اللون البني والأصفر لم تشيد سوى بالطوب والعرعار والخشب منذ قرون ومازالت تكافح الزمن لحد الساعة.
بوسعادة الجزائرية كرم حار جدا
فرضت مدينة "بوسعادة"، 240 كيلومترًا جنوبًا، نفسها كواحدة من أكثر المدن الجزائرية استقطابًا للسياح وولادةً للمبدعين في الشعر والغناء والإعلام، حتى باتت منافسة في هذا للمحافظات المحيطة بها، بل حتى للـ"مسيلة"، المحافظة التي تتبعها إداريًا.

واحة جبلية يعصرها البرد شتاءً والحر صيفًا، لكنها تمكنت من دخول النفوس والنصوص، إذ نجد ظلالًا لها في أكثر من قصيدة ورواية وقصة ولوحة وأغنية، بل إن بعض الفنانين اختارها مستقرًا له بالنظر إلى جرعة الإلهام القادرة على أن تشحن به زائريها. يأتي في مقدمة هؤلاء الرسام الفرنسي إيتيان دينيه [1861-1929] الذي أعلن فيها إسلامه عام 1913، ويضم متحفه الذي كان بيتَه سابقًا في المدينة 13 لوحة أصلية من لوحاته التي استلهمت روحَ "بوسعادة" والصحراء الجزائرية.
كما أبدعت التشكيلية الأمريكية خوانيتا غوسيون، والتي تزوجت من مواطن "بوسعادي"، في رسم عشرات اللوحات التي رصدت ملامح الإنسان والمكان في هذه المدينة المجاورة لزاوية "الهامل الرحمانية" لمؤسسها محمد بن أبي القاسم الهاملي، وكان لها دور طلائعي في محاربة الاحتلال الفرنسي، وقد اقتنت الشركة البترولية الحكومية "سوناطراك" 174 لوحة من ابنها، وعرضت بعضها للمرة الأولى عام 2008.
يتميز إنسان المنطقة بعفويته وعمقه الإنسانيين في التعامل مع الضيف، فالكرم الذي ورثه عن جده الأول "سيدي ثامر"، مؤسس المدينة، يأتي في طليعة الخصال والقيم التي تغنى بها شعرُه الشعبي الذي يتعاطاه كما يتعاطى الهواء، ويتجلى هذا الكرم في نخبة من الأطباق التي تعد "بوسعادة" رائدة فيها حتى وإن وجدت في مناطقَ أخرى
....................يتبع..................