السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
في البداية أتوجه بشكري الجزيل للزميل عبد الله الذي أثار هذا الموضوع ، ليتمكن المعلمون من إبداء آرائهم و انشغالاتهم ، و لينفّسوا عمّا في صدورهم ، لكن ألومه لوما خفيفا على عدم رضاه عن عزوف المعلمين عن المشاركة.
أقول لك زميلي عبد الله أن عدم المشاركة ليس معناه عدم الاهتمام بالموضوع ، لكن ما يحمله الصدر من هموم لا تسعه مشاركة من بضع جمل ، بل يجب أخذ وقت كاف للإحاطة بجوانب الموضوع .
و إذا عدت إلى الموضوع فإني أقول : لا يمكن الحديث عن منهاج اللغة العربية دون التطرق لعملية إصلاح المنظومة التربوية التي أخذتها على عاتقها أعلى هيئات الدولة .
إن من دواعي الإصلاح، عدم تماشي المناهج أو قل البرامج السابقة و متطلبات التقدم العلمي الحاصل في مختلف المجالات ، و لكن ... أيكفي تحديث المناهج و البرامج ، و تحديد ملمح التلميذ الذي يتخرج من المدرسة الابتدائية و المتوسطة و الثانوية ، و تسطير الكفاءات التي يتزود بها لمواجهة متطلبات الحياة ، دون توفير الشروط الكفيلة بتحقيقها ؟ أيمكن تنفيذ مناهج أعدّت لمسايرة الألفية الثالثة و زخمها التكنولوجي بوسائل مدرسية أقل ما يقال عنها أنها بدائية ؟ أيمكن للمعلم أن يضع جانبا كل التقنيات و الآليات التي اكتسبها على مر السنين في إعداد الدروس و تقديمها ، و يعتمد منهاجا جديدا بمحتويات و طرائق جديدة بالنسبة إليه دون تكوين قاعدي " باستثناء الأيام الدراسية التي يدعى إليها في بداية كل سنة ، و تقرأ عليه خلالها أهم الفقرات التي جاءت في المنهاج ، كأنه أمّي لا يقدر على القراءة بمفرده " ؟
بالله عليكم ... قولوا لي كيف يمكن للمعلم أن يعلم للتلميذ وظائف الكمبيوتر و استخداماته و حتى مكوناته منذ السنة الثانية ، و مجالات استعمالات الأنترنيت ، و أغلبهم لم يلمس الجهاز أو حتى لم يشاهدوه ؟ و كيف له أن يصل بهم لإدراك مفهوم المغازل الزمنية، و خطوط الطول و دوائر العرض ، و مكونات الهواء ، و تغيرات حاجات النباتات للأملاح المعدنية ، و غيرها من الدروس العلمية البحتة دون توفر الوسائل الحديثة ؟
إخواني ما زال المعلم في الألفية الثالثة يطالب التلاميذ بإحضار القوارير البلاستيكية و علب الكرتون و البحث عن الصور و وسائل أخرى أكل الدهر عليها و شرب ، و ما زال يعتمد على طريقة الإلقاء و حشو أذهان التلاميذ بالمعلومات المبهمة ، في غياب الوسائل الكفيلة بجعلهم العنصر الأساسي في العملية التعلمية.
إن مقاربة المناهج الجديدة تحتم أن يكون التلميذ فاعلا في سيرورة العملية التعليمية التعلمية ، و ليكون كذلك لابد عليه أن يلاحظ و يستنتج و يناقش و ... و لكن ماذا يلاحظ ؟
و الغريب في الأمر أنه عندما نمعن النظر في كل منهاج ، نجد من الوسائل التي يوصي بها المعلم : الأقراص ، الشرائح ، أجهزة العرض ، الخرائط ، و الصور ... و لكن أين هذه الوسائل ؟ من هو الكفيل بإحضارها و توفيرها ؟
و إذا عدنا إلى اللغة العربية نجد أن المنهاج يعتمد المقارنة النصية في تناول مختلف أنشطتها ، مع التركيز على الإنتاج الكتابي أكثر ، فكما هو معلوم أن المنظومة السابقة اهتمت بالجانب الشفوي دون الكتابي فكانت النتيجة التي تعرفون: تلاميذ غير قادرين على إنتاج مواضيع كتابية في المستوى ، أو هكذا يقولون .
و لكن أقول : لقد حاولوا إصلاح خطإ فوقعوا في خطإ أكبر . إن اعتماد المقاربة النصية منذ السنة الأولى خطأ فادح ، فكيف للتلميذ أن يعبر بلغة عربية انطلاقا من قصة مسموعة ؟ هل له القدرة على فهم ما يسمع ؟ هل بإمكانه الاحتفاظ بما سمعه و إعادة توظيفه في مواقف جديدة ؟ هل هو قادر على تصور أحداث القصة ؟ هل روعي في هذه المقاربة خاصية الطفل الجزائري الذي كان يتكلم في المنزل بالعامية أو بلغة أخرى غير العربية ؟
أترك الإجابة على هذه الأسئلة لمن هو في أحسن موقع ، و لكن أقول أني لم أنجح تماما في هذه الطريقة ، فالتلاميذ في السنة الخامسة لا يعبرون بشكل جيد ، و لا يمتلكون التلقائية في تدخلاتهم ، على خلاف المدرسة الأساسية أين كان التلاميذ في السنة الأولى و بعد مرور الفترة التحضيرية " شهرين " يتكلمون لغة عربية صحيحة : يوظفون الإفراد و التثنية و الجمع ، يميزون بين المذكر و المؤنث ، يصرفون الأفعال بكيفية جيدة ، يمتلكون رصيدا لغويا ثريا ، و خلاصة القول أنهم في نهاية السنة الأولى يستعملون اللغة العربية تعبيرا و قراءة و فهما .
فلماذا لا نتعمد الآن هذه المقاربة " القصص المصورة " ، على أن ندعم النشاط الكتابي للتلميذ ؟ لا بد أن نضع أمام التلاميذ محفزات للتعبير حتى يبدعوا ، و لابد من الإكثار من الوضعيات التعبيرية خلال الأسبوع.
لقد كنا سابقا ننتقد المشاهد التعبيرية أنها جافة و غير معبرة ، و لا تحمل معاني كثيرة للطفل الصغير ، ليفاجئنا المنهاج الجديد بقصص شفوية و صور صغيرة و غير واضحة في الكتب ، لا يجد فيها الكبير ما يعبر عنه فكيف بالصغير .
إن ما يعانيه تلامذتنا من عجز في التعبير الشفوي سببه سوء التحضير في السنة الأولى ، و إذا فقد التلميذ التعبير الشفوي فكيف يعبر كتابيا ؟ و هذا ليس رأيي فقط ، و إنما يشاركني فيه كل معلمي مقاطعتنا .
و المقترح الذي أحمله لهذا المنتدى و الذي أتمنى أن يوافقني عليه زملائي ، هو العودة إلى مقاربة القصة المصورة في السنة الأولى و الإكثار من الوضعيات التعبيرية خلال الأسبوع ، كالتعبير التلقائي و الحواري و تنويع استعمال الصيغ ، ثم يتبع نشاط التعبير بباقي أنشطة اللغة العربية كالقراءة و الكتابة بأنواعها ، مع الاهتمام أكثر بالجانب الكتابي من خلال مختلف النشاطات و المشاريع الكتابية .
في الأخير أدعو كل زملائي و إخواني من رواد هذا المنتدى المبارك ، أن يدلوا بآرائهم و يساهموا في إثراء هذا الموضوع.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.