احتدم النقاش بعد رياح* الربيع العربي* حول التيار السلفي* المدخلي* وجذوره الفكرية وحقيقة أهدافه،* بعد تخندقه ضد الثورات العربية ووصفها بالفتنة،* فضلا عن الوقوف في* صف الأنظمة والسكوت عن القضايا المصيرية في* العالم العربي* والإسلامي* وعلى رأسها القضية الفلسطينية*.
ينقسم المتابعون في* تحديد تاريخ ظهور التيار السلفي* المدخلي،* ففي* وقت* يرفض أنصار التيار وأتباعه نسبتهم إلى تاريخ معين بعد زمن النبوة،* فضلا عن تسميتهم بالمداخلة والجامية ملحقين هذه الأوصاف بـ"الوهابية*" التي* أطلقها خصوم أئمّة الدعوة النجدية من أجل التنفير من دعوة التوحيد والزعم بأنّهم دين جديد جاء به الشيخ محمد بن عبد الوهاب،* بينما* يذهب خصومهم بعيدا إلى التأكيد على أنّ* التيار المدخلي* هو في* حقيقة الأمر
امتدادا لما عرف في* التاريخ الإسلامي* بـ"علماء السلاطين*"،* مشددين على أنّ* القوم* ينطلقون من نصوص مبثوثة في* كتب التراث الإسلامي* في* الدعوة إلى طاعة ولاة الأمور وتبديع المخالفين والمنابذين للأنظمة وتثبيط الناس عن نصرة المستضعفين في* فلسطين وغيرها باسم حرب الفتنة ودعاتها*.
*"التنظير للدماء قبل التّمكين وللطاعة العمياء بعد التمكين*"
فريق آخر* ينظر إلى أنّ* التيار المدخلي* هو امتداد* "سلبي*" للحركة الوهابية ولا* يمكن بحال الفصل بين هذا وذاك،* مشددين على أنّ* الدعوة السلفية الوهابية ومنذ انطلاقها قبل قرنين اعتمدت على أسلوبين متناقضين في* الترسيخ لهيمنتها،* وهي* الشدة مع المخالفين لها واستعمال أقصى وأعنف الأساليب لمواجهتهم مع اختيار ألينها وأكثرها تهوينا لمخالفات الحكام في* سبيل الحفاظ على شرعيتهم،* وهذا ما جمعه البعض في* قوله* "الوهابية قبل التمكين نظّروا للدماء وبعد التمكين للدولة السعودية قعّدوا للطاعة العمياء*".
انقسامات وصراعات*
* أمّا الفريق الرابع فيعطي* للتيار المدخلي* أطر زمانية ومكانية ساعدت على ظهوره وانتشاره وأكثرهم* يرفض ربط ما* يرونه انحرافا في* التيار بالدعوة السلفية للشيخ محمد بن عبد الوهاب،* مستدلين ببقاء الكثير من العلماء والدعاة والجماعات متمسكين بنهجه الأول بعيدا عن التيار المدخلي* والمنظرين له،* أمّا عن تاريخ الظهور فهو حسبهم* يعود إلى أعقاب حرب الخليج الثانية،* وما تبعها من ردّات فعل ساخطة على موقف النظام السعودي* والسلطة الدينية في* المملكة حيال الاحتلال الأمريكي* للخليج العربي،* فقد برز في* ذلك الوقت مجموعة من طلبة العلم،* خاصة منهم ممن احتمى ببعض قيادات الحركة الإسلامية كمحمد قطب وعلي* جريشة،* وعلى رأسهم سفر الحوالي* وبشر البشر وسلمان العودة الذين رفضوا التدخل الغربي* في* العراق،* وطالبوا بدل ذلك بحلول إسلامية ـ إسلامية لرد العدوان العراقي* على الكويت*.
وهذه كانت بدايات ظهور الفكر السلفي* المدخلي* كمجموعة من طلبة العلم المناهضين لتوجهات ما عرف حينها بدعاة الصحوة،* واصفين إيّاهم بالفتنة وأنّهم* يسعون إلى بث القلاقل في* المجتمع برفضهم للتدخل الغربي* ضد العراق،* هذه المدّة وإن لم تعرف تنظيرا محكما للتيار المدخلي،* خاصة بعد رفض كبار علماء السعودية حتى من أفتى بجواز الإستعانة بالكافر على الكافر كالشيخ عبد العزيز بن باز بالطعونات التي* برزت في* المدينة النبوية ضدّ* عدد من الدعاة الرافضين لفتوى التدخل وكانت عبارته* "حذّروا ممن* يحذّر من هؤلاء*" أي* من* يحذر من سفر وسلمان وغيرهم محور تهدئة للوضع،* إلا أنّه وبصدور الأمر الملكي* السعودي* بسجن هؤلاء الدعاة انتقل التيار المدخلي* إلى مرحلة التنظير وترتيب أوراقه ومعرفة حجمه وأهم الشخصيات التي* تتبنى فكره،* وكان القرعاوي* ومحمد أمان الجامي* وتلاميذهم فالح الحربي* وربيع المدخلي* أهم من شكّلوا شبه جماعة مستقلة* غايتها حسبهم الحفاظ على"دولة التوحيد من الدعوات الوافدية التي* تريد بث الفتنة والتحريض على ولاة الأمور*"*.
ومن هنا انطلقت حملة الكتابات في* أهم المنظرين والجماعات الداعية للتغيير وفق طروحات لا تتوافق والنهج السلفي* المدخلي،* فكان أهم من بدؤوا به بعد الدعاة في* داخل المملكة سيد قطب وحسن البنا وجماعة الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ،* باعتبارهم أهم الوافدين على* "دولة التوحيد*" حسب وصفهم،* ولأنّ* التيار المدخلي* وضع مجموعة من القواعد واللبنات الأولى لتحديد المتمسكين بالكتاب والسنة على فهم سلف الأمّة حسب قراءاته فإنّه بقدر ما بدأت تنظيراته تتجاوز حدود المملكة إلى عدد من الدول التي* تعاني* توترات كالجزائر والسودان واليمن في* تسعينات القرن الماضي،* حيث انضم إليهم عدد من الدعاة الرافضين لسلوكيات الإسلاميين في* تلك الدول كعبد المالك رمضاني* من الجزائر وحسن المأربي* من اليمن وغيرهم فإنّ* الدعوة السلفية المدخلية عرفت بدايات فرز داخلي،* حيث ظهرت إنقسامات حادة مع بداية الألفية بين كل من ربيع المدخلي* وتلميذه أيمن حداد وقرينه فالح الحربي* والطامحين في* كل دولة إلى مناهج أكثر اعتدالا كالمغراوي* في* المغرب والعيد شريفي* في* الجزائر و حسن المأربي* في* اليمن وأنصار الدعوة المحمدية في* السودان والسبت في* الإمارات والحلبي* في* الأردن انتهت بانقسام الحركة إلى مجموعة متطاحنة* يبدع بعضها بعضا وكل منها ترى أنّ* الحق عندها دون سواها*.
...............يتبع بإذن الله