الإغتسال بماء الدُّموع

[أبو عاصم مصطفى السُّلمي]

أحس بوهنٍ شديد و خَوَرٍ أشدّ ، و رأى أن جيوش المشيخِ قد غزت أركان وجهه و جسده ، فبادر مرآتَه مستفسرا ، فقالت أتريد أن ترَ الظاهر أو الباطن ، فقال أشيري عليّ ،فقالت : عليك برؤية الباطن ، فإنني لم أر بناء بني على ظاهرٍ من الأرض ، مالم يُنقّب له عن باطنها،فقال : صدقتِ ، و بالحق أشرتِ
فقرّب منه مرآتَه ، و صوّب فيها نظراتِه ، فبدا له منها ما لم يكن يحتسب ، و رأى أن قد أدركه ما كان يجتنب ، و أذهله ذاك عن أن ينتحب .
فسآءلها مستغربا : ما هكذا كانت سحنتي بالأمسِ ؟! ، فما لها كأنّما انتُشلت من رمسِ ؟! ، أم أنّه من فعلتِ الحرِّ و الشّمسِ ؟! أصدُقيني ، فقد حزّ هذا في الخاطر و النّفس .
فقالت : ما تراه اليوم هو حقيقتك من غير سترٍ و لا حجاب ، و ما عوّدتَ نفسك أن تراه ، فهو انعكاس لصورة الطينة و التّراب .
هذا أنت يا صاحبي عارٍ عن كلِّ تصنُّعٍ و زينة ، هذا أنت يا صاحبي عارٍ عن البرقع و اللثام ، هذا أنت يا صاحبي كما يراك أولوا النهى و الأبصار ، و هذا ما لم تره عن نفسك و اللئام و الأشرار ، خفافيش العيون و الأبصار .

لسانٌ أسود ، و رأسٌ أجرد ، و ذقنٌ أمرد ، جلدٌ مُرقّط ، و جبين مُخطّط ، و وجهٌ مُنقّط
أعينٌ حمراء ، و وجنةٌ صفراء ، كأنّني من سلالة الشّياطين ، أو أُصبتُ بلعنةِ السّلاطين ، أو غُمستُ في ردغةٍ من طين .
فقالت : ذاك قولك الفُحش و الزُّور ، و سماعك اللهو و الفجور ، و أكلك السُّحت و الخمور ، و دعواك الويل و الثّبور ، افتقدتك المساجد ، و ألِفَتْكَ النوادي و المعاهد ، صاحب غيبة ونميمة ، باذل لكل سجيّة ذميمة ، ملتحفٌ بالزّهو و التَّيَهان ، متدرِّع بالكبر و العصيان .
فعميت عيناك ، و صُمَّت أذُناك ، و أصابك البكم ، و أدركك الشلل ، عن كل صنيعة للخير ، و مَرضاة للرّبّ ﷻ ، و اهتداء بالرّسول ﷺ .
قال : أنبئيني ما العمل ؟ فلستُ أرضى أن أكون مع الرِّعاع و الهَمَل .
قالت : هذا أول الصّواب ، فاعقِلَنْ عني فحوى الخطاب ،

اغتسل بماء الدّموع ، و اجتنب تلك الجموع ، و دِن لربِّك بالذُّلّ و الخضوع .
عوِّد نفسك البذل ، و زُمَّها عن الهزل ،
فلتكحل عيناك بالنظر إلى كتاب الله ، و رطب لسانك بذكر مولاك ، و شنِّف أسماعك بحديث رسول الله ﷺ ، عفِّر جبينك و مرِّغ أنفك في التراب ، تذلُّلا و خضوعا لربِّ الأرباب . حُثّ الخُطى إلى المساجد ، اندم و ابكِ خطاياك و عاهد ربك الإقلاع عنها ، و اعزم بفؤادك عدم العَودِ إليها .
باب التوبة مفتوح ، و الوُلوج لقارعه مسموح ، و العفو من ربّه ممنوح .
و اعلم أن الله تعالى لا يقبلُ عملا إلا بشرطين اثنين ، و هما : إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له . و هو ما تدلّ عليه شهادة أن لا إله إلا الله و تدعو إليه
و الثاني : تجريد المتابعة لرسول الله ﷺ و هو ما تدل شهادة أنّ محمد رسول الله ﷺ .
قال ﷻ : ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف (110)]
يا صاحبي أنت اليوم فوق الأرض ، و بعد حين تحتها ، و كما دخلتَ المقابر حاملاً ، ستدخُلها يوما محمولاً ، فأعدّ لما علمت .
فإن الموت لا بدّ يدركك ، و لا بدّ من زَوْرةٍ يزورُكَها ملك الموتِ عيه السّلام .
فمن كان اليوم غافلاً ، فسينتبه هنالك ، و لكن ولاتَ حين مناص .

قال أبو إسحاق الإلبيري
تفــت فــــــؤادك الأيام فـتا * * * وتنحت جسمك الساعات نحتا
وتدعوك المنـون دعاء صـدق * * * ألا يا صــــاح أنت أريـــد أنتا
تنام الدهر ويحك في غطـيط * * * بها حتى إذا مــت انتـبهتا
إبك على خطيئتك ، و أغتسل بماء الدّموع ، و اعقد العزم على عدم الرّجوع
إلى تلك القطعان و الجموع ، المستكبرة عن الذُّلّ لربها و الخضوع .

حديث مسرفٍ على نفسه ، مع مرآةٍ ناصحة
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : " الْمُؤْمِنُ مَرْآةُ أَخِيهِ ، إِذَا رَأَى فِيهَا عَيْبًا أَصْلَحَهُ " [الأدب المفرد للبخاري . بَابُ : الْمُسْلِمُ مَرْآةُ أَخِيهِ (231) ]

بقلم : المهاجر إلى الله
السُّلمي

[أبو عاصم مصطفى السُّلمي]

هذه دعوة إلى الإنابة قبل الفوات
اقرإي هذه الحروف ببصرِ الفؤاد ، لا بالحدقة ذات السّواد
هذه توطئة بين يدي شهر الله رمضان
قال ﷻ : ﴿ و يدعوننا رغبا و رهبا و كانوا لنا خاشعين ﴾
أثابك الله و أحسن إليك و بارك فيك

[وَحْـــ القلَمْ ـــيُ]

شكرا على التذكرة اخي المهاجر


الخوف من الله تعالى يجب ان يغلب علينا في الدنيا ودموع الخشية من بين كل الدموع هي الوحيدة التي قد تغير الماضي وتحيي الحاضر وتبني المستقبل
(( وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين ، إذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة ، وإذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة ))



ولا عجب ان تكون هاته العبرات شرطا من شروط التنعم بظل الله يوم لا ظل الا ظله


(ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه )

[اشراقة منارة]

أخي هل بإمكانك إفادتي؟أنا أخاف الوقوع في الرياءوالسمعة أحاول أن أتجنب ذلك قدر استطاعتي أقوم بالمشاركة في المواضيع ثم لاأدري ما أقول ..

[أبو عاصم مصطفى السُّلمي]

استذكري أختاه عند أي قول أو عمل هذا الحديث :
عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ: ( قال الله تبارك وتعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ) [صحيح مسلم 2985]
إذا استحضرتِ أن الرياء و السمعة ستحبطان العمل و قد تؤديان بك إلى الشرك ، يكون هذا دافعا إلى مجاهدة النّفس و مدافعة الشيطان ، لتسلم لك أعمالك و تقع صحيحة مقبولة .
كما و اعلمي أن الرياء و السمعة منافيان للإخلاص الي هو أحد شرطي قبول الأعمال و اللذان هما :
إخلاص العبادة لله و ابتغاء وجهه تعالى وحده بها .
و المتابعة لرسول الله ﷺ في العمل ، فلا نتعبد عبادة لم يتعبدها رسول الله ﷺ لئلا نقع في البدع و الضلالات .
أحسن الله إليك

[أبو عاصم مصطفى السُّلمي]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mofida13

شكرا على التذكرة اخي المهاجر


الخوف من الله تعالى يجب ان يغلب علينا في الدنيا ودموع الخشية من بين كل الدموع هي الوحيدة التي قد تغير الماضي وتحيي الحاضر وتبني المستقبل
(( وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين ، إذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة ، وإذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة ))



ولا عجب ان تكون هاته العبرات شرطا من شروط التنعم بظل الله يوم لا ظل الا ظله


(ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه )

كلام جميل ، مدعم بالنصوص الشرعية النبوية
جزاك الله خيرا

[أم سمية الأثرية]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلام جزل

بارك الله فيكم و جزاكم الله خيرا



أي خطيئاتي ابكي دما *** وهي كثير كنجوم السما
قد طمست عقلي فما اهتدى*** وأورثت عين فؤادي العمى
إنا إلى الله لقد حل بي *** خطب غدا صبحي به مظلما


سؤال

على ماذا اعتمدتم في حذفكم للنون
؟
قولكم :
و هو ما تدلّ عليه شهادة ألا إله إلا الله و تدعو إليه

[طاعة زوجي ..]

السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك على التّذكرة خصوصا ونحن مقدمون على خير الأشهر عند الله تعالى عسى المولى أن يغفرلنا ويتقبّل توبتنا إن شاء الله
كما نرجو أن نكون ممّن قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيهم عينان لا تمسّهما النّار وذكر منهما عين بكت من خشية الله

الاخت إشراقة ذكرت نقطة مهمّة جدّا وهي الرّياء للأسف أحيانا كثيرة أوشك على الوقوع فيه ، كنت قد اشتركت هنا في أفواج حفظ القرأن ولكنّي للأسف توقفت لأنّي لم أرتح للأمر وخفت من الرّياء وعدم الإخلاص لله تعالى ، أو ربّما تكون إحدى مداخل الشّيطان ، وكما هو معروف أنّ الجماعة أحسن من أن يكون الفرد لوحده فهو أكثر عرضة لوسوسة الشياطين والنّفس الأمّارة بالسّوء


جزاك الله خيرا على مواضيعك القيّمة سواءا من حيث المعنى أو المبنى ، لافضّ فوك أخي ، وجعل الله عملك في موازين حسناتك يارب

[أبو عاصم مصطفى السُّلمي]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم سمية الأثرية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلام جزل

بارك الله فيكم و جزاكم الله خيرا

سؤال

على ماذا اعتمدتم في حذفكم للنون
؟
قولكم :
و هو ما تدلّ عليه شهادة ألا إله إلا الله و تدعو إليه

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته و مغفرته
لم أعتمد على شيء أصلا ، بل هو سبق ضغطة زر ، و أنت من نبّهني إليه . فالنون تكتب و لا تُنطق بإدغام النون في اللام .
و قد تم التصحيح
فجزاك الله خيرا و أحسن إليك و بارك فيك
مرور طيب مشكور

[أبو عاصم مصطفى السُّلمي]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة * أم محمد يوسف *

السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كنت قد اشتركت هنا في أفواج حفظ القرأن ولكنّي للأسف توقفت لأنّي لم أرتح للأمر وخفت من الرّياء وعدم الإخلاص لله تعالى ، أو ربّما تكون إحدى مداخل الشّيطان ، وكما هو معروف أنّ الجماعة أحسن من أن يكون الفرد لوحده فهو أكثر عرضة لوسوسة الشياطين والنّفس الأمّارة بالسّوء

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
قد ذكر أهل العلم أنه كما أن العمل لأجل الناس رياء ، فتركه لأجلهم كذلك ، و قد يكون أحد مداخل الشيطان
فاستمري على العمل و جاهدي نفسك و شيطانك و راقبي ربك و مولاك .
أحسن الله إليك و أثابك و بارك فيك

[أبو عاصم مصطفى السُّلمي]

للرفــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ع

[أم سمية الأثرية]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قلتم :فالنون تكتب و لا تُنطق بإدغام النون في اللام

أليس هذا خاصا بالنداء للصلاة ؟

و النون تخفف و تنطق ؟

[أبو عاصم مصطفى السُّلمي]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم سمية الأثرية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قلتم :فالنون تكتب و لا تُنطق بإدغام النون في اللام

أليس هذا خاصا بالنداء للصلاة ؟

و النون تخفف و تنطق ؟

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
لا ليس خاصّا بالصلاة يا أختاه ، و إنما هو مجرى اللسان العربي الفصيح
الذي يخفف ما استثقل ، و أنت تعلمين مواطن الإظهار و الإخفاء و الإقلاب و الإدغام في أحكام التجويد
فكما ننطق بها في النداء للصلاة و الإقامة ، ننطق بها في غير ذلك أيضا
و لا دليل على التّفريق ، و الله أعلم
ثم إنني قد لا حظتُ أنك تتكلّمين بصيغة الجمع في الخطاب
فأحببت لفت نظرك إلى أمر هام طالعي هذا الموضوع :

تنبيهٌ على محلِّ صيغةِ الجمعِ في الخطابِ

[اشراقة منارة]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كنت ألا حظ ذلك في أقوال الكثيرين مثلا هذا القول خاطبتني به أختي وأنا شخص واحد :بورك فيكم على مروركم،حفظكم الله ورعاكم،وفقكم الله أختي شكرا لمروركم...وهي تخاطب الجميع بهذا الأسلوب هل هو صواب؟

[أبو عاصم مصطفى السُّلمي]

طالعي الموضوع ذي اللون الأحمر الموسوم بـ :
تنبيهٌ على محلِّ صيغةِ الجمعِ في الخطابِ
في الموضوع الذي قبل مشاركتك