القطا أشهر الطيور عند العرب.



جاء ذكرُ طائر القطا في الشعر العربي بشكل واضح وجلي ، وخاصة في وروده الماء ثم رجوعه الى مَفْحَصِه بسرعة هائلة !
قال أبو زياد الكلابي : إنَّ القطا تطلبُ الماءَ من مسيرة عشرين ليلة .
وهو طائر صحراوي ، وهو على نوعين :
1 – الكُدْري : غُبْرُ اللَّوْنِ ، رُقْشُ البطون و الظهور ، صُفْرُ الحلوق قِصارُ الأذناب .
2 – الجوني : سُوْدُ بطونِ الأجْنِحةِ والقوادمِ ، وظهرُها أغبرُ أرقطُ تعلوه صُفْرَةٌ ، وهي أكبرُ حجما من الكُدْري . وهي لا تُفْصِح بصوتها إذا صَوَّتَتْ ، وإنما تغرغرُ بصوت في حلقها ، والكُدْرِيَّةُ أفصح تنادي باسمها .
وزاد الجوهري نوعا ثالثاً : ( الغطاط ) .
ومشيُها فيه تَثَنٍّ ! فلذلك شُبِّهَ مشيُ النساء المُنَعَماتِ بمشيها ، وفي الأبيات المنسوبة لهند بنت عتبة – رضي الله عنها – :
نَحنُ بناتُ طارقٍ
نمشي على النَّمارق
مَشْيَ القطا النَّواتِقِ .
وتقصدُ هندُ – رضي الله عنه – بالقطا النواتق أي كثيرات الولادة وهذا مما تُمْدَح المرأةُ به ، ولكنْ في هذا الزمان استجاب المنهزمون أمام الحضارة الغربية وأصبحوا يقلدون الغربَ حتى في تقليل النسل ! ووُجِدَ من الصَّعافقةِ من يُسَمِّي المرأة الناتق : ( فقَّاسة ) استهزاءً وسخريةً !!
وقد ضربَتْ العربُ المثلَ بهذا الطائر :
1 – ( بيضُ القطا يحضنُهُ الأجدلُ ) يُضْرَبُ في الشريف يأوي إليه الوضيعَ .
2 – ( لو تُرِكَ القطا ليلاً لَنَامَ ) يُضَرَبُ لمن حُمِلَ على مكروه من غير إرادته .
3 – ( أقصرُ من إبهام القطا ) .
4 – ( ليس قطا مثلَ قَطِيْ ) أي ، ليس الأكابر مثلَ الأصاغر .
5 - ( أصدقُ من قطاة ) ؛ لأن القطاة إذا صَوَّتَتْ قالت : ( قطا ، قطا ) .
6 - ( أهدى من قطاة ) ؛ فهي تقطع المسافة البعيدة ليلا ؛ لورود الماء ثم تعود الى مفحصها وفراخها دون أن تُخْطِئها !
7- ( أَنْسَبُ من قطاة ) ؛ فهي صادقة الانتساب الى فصيلتها ، فلا تنتسبُ الى غير نوعها ، كما نرى كثيرا ممن يلبسُ لباس العلم وفي يوم وليلة يختلقُ له نسباً وَيَدَّعيه !!
وقد جاء في الحديث الذي أخرجه ابن خزيمة
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
( ومن بنى مسجدا كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة ) !
وَمَفْحَصُ القطاة هو موضعُ بيضها ومَجْثَمِها في الأرض ، فهي لا تبيض على الشجر ولا في رؤوس الجبال بل تَفْحَصُ الترابَ ثم تضعُ بيضَها .
وقد أشار كثيرٌ من أهل العلم الى النُّكْتَةِ في ذكر الرسول – صلى الله عليه وسلم – بناء المسجد مع ذكر مفحص القطاة ؛ لأن القطاة ملازمةٌ للصدق ، وكذلك من أراد بناء مسجدٍ فلا بدَّ من الصدق والاخلاص في ذلك !
ونزيد أيضا نُكْتَةً أخرى أن القطاةَ معروفةٌ بالهداية ( أهدى من قطاة ) فلا بُدَّ في بناء المسجد من الهدي النبوي في ذلك ، والابتعاد عن المخالفات التي حَذَّر منها الرسول الكريم فيما يتعلقُ بالمسجد وبنائه !
---- شريف بن سليمان الترباني ----
*
*
*
قال الشنفرى في لاميته:
وَتَشْرَبُ أسْآرِي القَطَا الكُـدْرُ بَعْدَما*** سَرَتْ قَرَبَـاً أحْنَاؤهـا تَتَصَلْصَـلُ
هَمَمْتُ وَهَمَّتْ وَابْتَدَرْنَـا وأسْدَلَـــتْ ***وشَمَّـرَ مِنِّي فَـارِطٌ مُتَمَهِّـلُ
فَوَلَّيْـتُ عَنْها وَهْيَ تَكْبُـو لِعُقْـرِهِ *** يُبَاشِـرُهُ منها ذُقُـونٌ وَحَوْصَـلُ
كـأنَّ وَغَـاها حَجْرَتَيـْهِ وَحَوْلَـهُ*** أضَامِيـمُ مِنْ سَفْـرِ القَبَائِـلِ نُـزَّلُ
تَوَافَيْـنَ مِنْ شَتَّـى إِلَيـْهِ فَضَمَّـهَا *** كما ضَـمَّ أذْوَادَ الأصَارِيـمِ مَنْهَـلُ
فَعـبَّت غِشَاشَـاً ثُمَّ مَـرَّتْ كأنّـها*** مَعَ الصُّبْحِ رَكْبٌ مِنْ أُحَاظَةَ مُجْفِلُ
وقال في موضع آخرٍ من لاميته :
فَلَمْ يَـكُ إلاَّ نَبْـأةٌ ثُـمَّ هَوَّمَـتْ ***فَقُلْنَا قَطَـاةٌ رِيـعَ أمْ رِيعَ أجْـدَلُ.
وقال قيس ابن الملوح (مجنون ليلى):
بكيت على سرب القطا اذ مررن بي*** فقُلتُ ومثلي بالبُكاء جَديرُ
أسِرْبَ القَطا هَل من مُعيرٍ جَناحَهُ*** لعلّي إلى من قَد هَوِيتُ أطيرُ
وأي قطاة لم تعرني جناحها *** فعاشَتْ بضَيرٍ والجَناحُ كَسِيرُ
وإلاّ فَمَنْ هذا يُؤدِّي تَحِيّة ً*** فأشكره إن المحب شكور