السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
كنت أراها ، مورِدةَ الوجنتين ، مُزهرة الجبين
حوراء دعجاء العينين ، زجّاء الحاجبين
باسمة الثّغر ، فاحمة الشّعر ، تسرُّ النّاظر و تُنير المناظر
يجري الشباب في أركانها و تسرح الحياة في أوطانها
معتدلة القدِّ ، كأنها غصن البان أو قضيب الخيزران
و كانت تُّشَدُّ إلى خِبائها الرِّحال و تُقتحم لرؤيتها الأهوال
لها في كل شيء حديث كالغيث يروي أسماع الواردين مناهلَ العرفان
يؤوب من عندها الواردُ و المُورَدُ بِغُرَر الفوائد و نوادر الشّوارد و اللّطائف و الأوابد
درب عامر و نفع غامر
دُرَرٌ كالموج المتلاطم ، تصغرُ لمرآها نفس المُتعاظم
حتى حدث ما لم يكن في الحسبان ، و نعقت بالبين الغربان
أجدب السّهل الخصيب و اشتد العاصف و الحصيب
فاقفرت الدّار و جفّت الأنهار و أبان الصّبح نيّة الإزوِرَار
إمّحت تلك المحاسن و خلت تلك المساكن
إلا من عواء الذِّئاب و نُباح الكلاب
و قلّ الوارد و تشعبت الموارد
و رُفعت الموائد .
خيمة الجلفة ، حسناء المنتدى ، و اللّحاف المُرتدى
ألم تكن مواضيعك نوادٍ ، فأمست كرملٍ بِوادٍ
و كانت كخلية النّحل و مثابرة النمل و مواقع النّبل
فصرت ترى ما سُطِر منذ لياليَ و أيام ، لا يزال في واجهة الخيمة
بعد أن كانت الصّفحة تطوى على مرقومٍ رُقن منذ ساعة ، من كثرة الشّارين و الباعة
و هذا من عوارض الداء و استفحال البلاء
بل إنّ مَن كان مِن أعمدة هذا الخباء و من نَسَجَةِ هذا الوِطاء ،
صار قلمُه غير مِعْطاء ، أم أنه من مَدِّنا براء ، أم أنه أضحى من جملة البخلاء ،
لكننا نأبى إلاّ أن نقول : إننا لرحيق أقلامك فقرآء
فلنصلِّ صلاة الإستسقاء ، لغيث هذه الخيمة الجدباء
عسى أن يُعشِب الوادي ، و يبتهج النّادي ، و يكثُر الرّائح و الغادي
و أعتقد جازما أن قُرّاء خيمتنا الأوفياء افتقروا إلى أميرٍ حرٍّ يقود جمعهم
و الى غيث عميم يُشبع النَّبت قطر النّدى و يُورث القحط أحمال الرّدى
عمّال الخيمة الأوفياء فلْتلِدْ ألبابكم لهذه اللّذغة ترياقا
يُحيل خيمتنا أبهى من غيضة العروس و أزهى من حُلّة الطّاووس
لمَّا تَبَدَّلَتِ المَجالسُ أوجُهًا *** غيرَ الذينَ عَهِدتُ مِنْ عُلمائِهَا
ورأيتُها محفوفةً بِسِوَى الأُلَى *** كَانُوا وُلاةَ صُدُورِهَا وفَنَائِها
أنشدتُ بيتًا سائرًا متقدمًا *** والعينُ قدْ شرَقَت بجَارِي مائِها
أما الخيامُ فإنَّها كخيامهِم *** وأَرَى نِساءَ الحَيِّ غيرَ نِسَائِها
هذا ما أرّقني و الشّكر لمن صدّقني
و بصنائعه طوّقني
من عبرات مَأْقى قلم : المهاجر
إلى الله السُّلمي