ليوم الجمعة 04 ذو القعدة 1430ه/23 أكتوبر 2009م
الموضوع : الفتن والنجاة منها
الخطبة الأولى :
الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام و أتم به نعمته علينا وفضلنا به عن سائر الأنام من اعتصم بحبله وعمل بشريعته أدخله الجنة دار السلام أحمده سبحانه على ما سن من سنن وما شرع من أحكام وأشكره على ما أولانا من خير وفضل وإنعام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم عليه و على آله وأصحابه الكرام والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد أيها المؤمنون :
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من أشراط الساعة ظهور الفتن العظيمة التي يلتبس فيها الحق بالباطل فتزلزل الإيمان حتى يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا كلما ظهرت فتنة قال المؤمن هذه مهلكتي ويظهر غيرها فيقول هذه هذه ولا تزال الفتن تظهر في الناس إلى أن تقوم الساعة ومن الصحابة رضوان الله عليهم اهتم حذيفة بن اليمان بأحاديث الفتن وكان يقول عن نفسه " إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يسألون عن الخير وكنت أسأل عن الشر مخافة أن أدركه " ونحن في عصر أخذت أمواجها تتلاطم بألوان من الأحوال العجيبة موجات فتن تترى ومصائب تتوالى وتقلبات وتغيرات تلوث العقائد والأفكار والأخلاق تسعر القوم شرا كلما تعاظم الناس فتنة تلتها أعظم منها فتن الشهوات وفتن الشبهات وفتن تضارب الآراء فتن هذا الزمان لا تموج الناس فحسب بل بهم وبأفكارهم فترى الناس في الفتن كالورق اليابس تسفه الريح يمنة ويسرة .نعم للفتن ضحايا تصرعهم وفي ذالك يقول حذيفة بن اليمان :" إياكم والفتن لا يشخص إليها أحد فوالله ما شخص فيها أحد إلا نسفته كما ينسف السيل الدمن " لقد حذر الله الأمة المسلمة إن هي خالفت ربها ونبيها وبعدت عن شريعتها قال الله تعالى :" فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم "هذه الفتنة تشمل مختلف أنواع العقوبات كانتشار الزلازل والبراكين أو ظهور أنواع من الأمراض أو الفقر او الشدة في الحياة إلى غيرذالك .هذه الفتنة إذا نزلت فإنها تعم الجميع فلا يستثنى منها أحد لقوله تعالى :" واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة " يقول المفسرون ف معناه :واحذروا فتنة إذا نزلت بكم لم تقتصر على الظالمين خاصة بل تتعدى إليكم جميعا وتصل إلى الصالح والطالح اما الطالح فهو عقوبة لذنبه واما الصالح فلأنه سكت ولم ينكر على الظالم ظلمه –عباد الله – الفتن خطرها عظيم وشرها مستطير تهلك الحرث والنسل و تأتي على الأخضر واليابس تحير العقلاء وترمل النساء وتيتم الأطفال نار وقودها الأنفس والأموال وأعظم الفتن ما كان في الدين يرى المرء أمامه سبلا متشعبة و فتنا مترادفة لا تزلزل وجدان الإنسان فحسب لكنها تفعل فعلها في جعل حياته تضطرب مهما تحصن ويبقى المرء في حيرة من أمره وخشية من عاقبته هناك من تصيبه حالة من اليأس القاتل وآخرون يحبسون على هامش الحياة وصنف يلعب الشيطان برأسه ويجلب على نفسه الوبال نتيجة فهم قاصر أو نل كاذب أة غرض فاسد أو هوى متبع أو عمى في البصيرة وفساد في الإرادة قال تعالى :" والفتنة أشد من القتل " لذا عنيت الشريعة بموضوع الفتن ووضعت أمام المسلم معالم واضحة يهتدي بها ليخرج غير مسخط ربه عليه يقول الحسن البصر رحمه الله :" الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم وإذا أدبرت عرفها كل جاهل " الفتن سنة ربانية لا تتبدل كما في قول الله عز و جل " أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون" كتبها الله عز و جل على عباده لحكم عظيمة ومنها تمحيص الصف المسلم قال الله تعالى :" وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون " كم من اناس يظن أنهم سيثبتون في الفتن فلا يثبتون وأناس يظن أنهم لن يثبتوا فيثبتون الفتن تنساق لمن يتوقاها إنسياب السيل إلى منحدره يقول عليه الصلاة والسلام " ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي ومن يشرف لها تستشرفه " أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه تجدوه غفورا رحيما .
الخطبة الثانية :
الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرص وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير أحمده سبحانه على ما أسداه و أولاه من الإنعام والإكرام والخير الكثير وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له و أشهد ان سيدنا محمدا عبده ورسوله السراج المنير والبشير النذير اللهم صل وسلم على عبدك محمد وعلى آله وأصحابه
أما بعد عباد الله :على المسلم أن يرمي إلى تبين الأسباب المعينة على مواجهة الفتن ليعد الأمر عدته و يأخد أهبته و يحضن النفس من الإنزلاق ومن ذلك إقبال المسلم على كتاب ربه بقوله و عمله و اعتقاده تعلما وتعليما تلاوة و تدبرا ففيه العصمة لمن اعتصم به وفيه الثبات لمن طلبه قال تعالى :" فإما ياتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى " وقال تعالى :" قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا " وقال عز و جل :" وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك " ولا ينجي من الفتن إلا اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وتحكيمه في أدق الدين جله ظاهره وباطنه عقائده و أعماله حقائقه وشرائعه كما ان اللجوء إلى الله بالدعاء من اهم الأسباب فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عظيم الشعور بالإقتقار إلى ربه كان يكثر في دعائه فيقول:؛" يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " وكان صلى الله عليه وسلم يكثر الإستعاذة من الفتن ويدعوا أصحابه لذالك ويقول:" تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن" .إصلاح النفس وتزكيتها بالطاعة والعبادة من أسباب التثبيت قال تعالى :" ولو انهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم و أشد تثبيتا " لقد وجهنا القرآن الكريم بالصبر والتقوى لمواجهة الكيد والتحصين من الفتن قال الله تعالى : "لتبلون في أموالكم و أنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذالك من عزم الأمور "