السلام عليكم
في موضوعي هذا سأبتعد نوعا ما عن أسلوب الوعاظ والدعاة الذي أكثره ينتهج مخاطبة العاطفة الجياشة في قلوب المسلمين لما يعتقدونه فاعلا في إحداث التغيير على سلوكاتهم مهملين مخاطبة العقل فيهم ناسين أن خطاب العاطفة فاعل في حينه قصير دوامه ..وسرعان ما تخبو ناره وينمحي أثره على خلاف مخاطبة العقل بطيء أثره سخي ثمره ..
مواقف وعبر من سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ..
خرج يوماً على أصحابه فوجدهم يقرؤون القرآن ويتعلمون فكان مما قال لهم: إنما بعثت معلما
وقال أيضا في مناسبة أخرى .
إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً وميسراً
وقال معاوية بن الحكم يصفه .في رواية أبي داود.
فما رأيت معلماً قط أرفق من رسول الله صلى الله عليه وسلم
هو كان كذلك صلى الله عليه وسلم وانتهج في تربية وتعليم صحابته الواقعية في أرقى صورها ..فتنزل اليهم ووخالط انشغالاتهم فلم يترفع وهو على ماكان عليه من عظيم مكانة وهو ماكان عليه من حبهم له واجلالهم وتقديرهم ..وهي تلك كانت صفة المعلم المربي الناجح في أداء رسالته .إنه كان يهدف الى صناعة جيل مدركا عليه أفضل الصلاة والسلام أن ذلك الجيل سيكون على عاتق أفراده توصيل الأمانة الى من لحق من أجيال بعدهم ..فلم يكن معنفا ولا شديدا بل كان رفيقا رقيقا ودودا طيبا كريما .سمحا خلوقا .. وهو الأعلم أن مايُنال باللين عميق تأثيره دائم أثره .. كل مواقفه مع صحابته وحتى مناوئيه مذ بعثته الى أن انتقل الى الرفيق الأعلى حشوها دروس وتوجيهات وإفادة ..
مواقف كثيرة لايمكن حصرها سنمر على ما قدرنا عليه تباعا ..نقف طويلا عند كل منها ..لنعتبر ..ولندرك يقينا عيانا أنه كان عليه الصلاة والسلام ..بعيدا كل البعد عن المثالية والتنظير بل كان واقعيا ..في حركته وسكونه حله وترحاله في بيته ..مسجده ...بين عامة صحابته ..لن أطيل عليكم وسأتناول أول موقف ..
اعتكافه بالمسجد وزيارة أم المؤمنين صفية بنت حيي ..له وهو معتكفا تحادثه وتؤانسه ..فعن صفية أم المؤمنين قالت .. أنها جاءتْ رسولَ الله صلى الله عليه و سلم تزُورُه في اعتكافِه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان فتحدّثتْ عنده ساعة ثم قامت تنقلب، فقام النبي صلى الله عليه و سلم يقلّبُها حتى إذا بلغت بابَ المسجد عند باب أمّ سلمة، مرّ رجلان من الأنصار فسلّمَا على رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقال لهما النبي صلى الله عليه و سلم: على رَسْلِكُمَا إنما هي صفية بنت حيي، فقالا: سبحان الله يا رسول الله و كبُر عليهما، فقال النبي صلى الله عليه و سلم: إنّ الشيطان يبلغ من الانسان مبلغ الدم و إني خشيتُ أن يقذِفَ في قلوبكما شيئاً....رواه الشيخان ..
فماذا نستخلص من هذا الموقف ..من دروس جمة ..فالموقف على قصر زمنه فإنه حبل بكثير من العبر سأمر عليها سريعا ..تاركا لكم مؤنة البحث أكثر فيم قد غاب عني منه من درر ..وأبدأ على بركة الله ..
أولا...
ذهاب أم المؤمنين صفية رضي الله عنها الى الرسول صلى الله عليه وسلم لمحادثته ومؤانسته ..وكان في وضع يعتبر لدى الكثير منا على أقل تقدير أنه أبعد الناس عن أن يُقترب منه ..أو يشوش أحدهم على حبل وصله مع ربه ..وكان أن كان ذلك وممن كان ؟؟؟ إمرأة تلج المسجد ..زوجته أمنا صفية رضي الله عنها فتحادثه وهو في خلوته مع خالقه ..وإنه سيكون عظيم على أي منا لو ولجت زوجة أحدنا مقر عمله ..فقطعت اهتمامه بشغله ..ولو كان لأمر فيه عجلة وصعب تأجيله ..فلتكن المقارنة بين الموقفين ..
مسجد .. مقر عمل .
اعتكاف .. انشغال بأمر من أمور الدنيا ..
ومع ذلك فما كان منه صلى الله عليه وسلم الا الترحيب يعقبه مرافقة زوجته رضي الله عنها الى بيتها ..
فماذا سيكون من أمر أحدنا الا الرد على الزوج باقتضاب والحث على المغادرة والإنصراف ..فهل من معتبر ؟؟؟
الثاني
حين خروجه مع صفية يقلبها ( يعيدها الى بيتها ) رأى عليه الصلاة والسلام رجلين من الأنصار يعجلان الخطو بعد أن ألقيا عليه السلام ..فقال لهما على رسلكما إنها زوج نبيكما ..كان عليه الصلاة والسلام أعلم أنه فوق كل شبهة وأن الصحابيان على يقين من ذلك ..ومع ذلك لم يغض الطرف ..ولم يشح بوجهه عن الأمر ..لأنه علم صلى الله عليه
وسلم أن هناك طرف ثالث يترصد .عزيمته شديدة لايكل ولا يمل مثابر أعطى عهدا لخالقه أنه لن يتوقف عن غواية بني الإنسان ..فلم يترك الرسول صلى الله عليه وسلم الفرصة تسنح فينال إربه ..اللعين ..على رسلكما إنها أمكما ..عبارة قصيرة كانت لطمة قوية سدت باب الظفر للرجيم ..فقالا : سبحان الله يارسول الله .وقد كبر عليهما الأمر ان يظنا به سوءا ..لكنه اكتفى صلى الله عليه وسلم بتعليمهما ما كان قد غاب عنهما دونما أية إشارة منه الى أنه قد وقع منهما ما يكره ..مبيّنا لهما خطورة ما قد يقذفه اللعين في قلب المؤمن .وكيفلا وهو الذي حاز قدرة البلوغ من الإنسان مبلغ الدم ..
لم يكن ليساور الصحابيان غير أن نبيهما فوق كل شبهة ومع ذلك توجبت الوقفة ..وحان موعد الدرس فألقاه المعلم ..
الثالث .
كتبته عجلا مرتجلا أعذروا أخطاء الرقن وتراكيبه ..ويتبع بإذن الله ..