الإلحاد
الرد على من ينكرون وجود الله جل وعلا, ويقولون: إن هذا الكون الفسيح وُجِد بالصدفة, وهو من صنع الطبيعة, ونحن لا نؤمن إلا بالمُشاهَد المحسوس, ولو كان الله موجوداً لأرانا نفسه كى نؤمن به
فنقول وبالله التوفيق: إن هذا السؤال لا يصح من عاقل, فهل يوجد أى شىء فى الكون بدون واجد؟ وهل المصادفة تصنع قانوناً محكماً؟ وإذا كانت الطبيعة هى التى خلقت هذا الكون, فمن أين جاءت بمكوِّناته؟ قال الله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:35] فهل لو حدثكم إنسان أنه رأى سفينة محملة بالبضائع تكونت مصادفة بغير صانع, وسارت فى البحر بغير قائد, أكنتم تصدقونه؟ هل لو طرحتم إناءً كبيراً من الزجاج على الأرض فانكسر, هل يُكوِّن أكواباً صغيرة؟ هل لو سكبتم عدة ألوان على ورقة, أتكوِّن منظراً بديعاً؟ فما ظنكم بهذا الكون المُحكَم البديع, الذى يسير كل شىء فيه بنظام رائع لو اختل لدُمِّرَت الحياة بأكملها؟ إن أحدكم لو سافر إلى الصحراء بمفرده, ونام بعض الوقت ليستريح, ثم استيقظ وهو جائع, فوجد مائدة عليها طعام وشراب, هل سيمد يده ليأكل قبل أن يتساءل فى نفسه: من أحضر هذا الطعام؟ فكيف بالكون كله الذى أُعِدَّ لاستقبالنا قبل أن نولَد, شمسه وقمره ونجومه وأرضه وسماؤه… إلخ, وكل شىء فيه له نظامه وقانونه الذى لا يخرج عنه, ألا يوجد لهذه الأشياء خالق؟ وهل هذه القوانين المحكمة صنعتها المصادفة؟
إننا نؤمن بوجود الكهرباء, ولكن هل نراها؟ نفترض أننا فى مكان ما, والمصابيح مُضاءة والمراوح تعمل, ثم سأل سائل: هل توجد كهرباء؟ ماذا سيكون جواب الحاضرين؟ أمجنون أنت؟ ألا ترى الإضاءة والمراوح وكذا وكذا؟ فقال: أين توجد هذه الكهرباء؟ فقلنا له: إنها فى هذه الأسلاك المُغطّاة, فذهب ليعرى الأسلاك, هل يرى شيئاً؟ ولو وضع يده ليلمسها, ماذا يحدث له؟ إننا نعلم ما أحدثه استخدام الإلكترونيات من ثورة علمية هائلة لم يسبق لها مثيل فى عالم الأقمار الصناعية والحاسبات الإلكترونية والاتصالات الهاتفية والشبكة العنكبوتية (الإنترنت)… إلخ, فهل نرى الإلكترونات؟ هل نرى الجاذبية الأرضية؟ هل نرى المغناطيسية؟ هل نرى أشعة إكس أو الليزر أو الموجات فوق الصوتية؟ أم أننا استدللنا على هذه الأشياء كلها بتأثيرها؟
إن حواسنا التى خلقها الله لنا ليست مُعَدَّة لإدراك كل المخلوقات, فكيف بإدراك من خلقها؟ سبحانه {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:103]
ثم إنكم تطلبون رؤية الله عز وجل, فلو رأيتموه كيف يكون الاختبار إذن؟ إن الإيمان بالغيب من صُلب عقيدة المؤمنين, فإذا كان كل شىء مُشاهَد, فما فائدة الإيمان؟ فهل يقول أحدٌ: أنا مؤمن بوجود الشمس والقمر أو الليل والنهار؟ إن رؤية الله عز وجل نعيم عظيم, بل هى أعظم من نعيم الجنة, فهل يستحقها المشرك والكافر والفاسق والفاجر؟ {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] إنها قاصرة على أهل الجنة يتنعمون بها على قدر منازلهم, فأعلاهم منزلة من يرى الله سبحانه وتعالى بُكرَة وعَشيّاً {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ{22} إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22-23]
ربما تقولون أيها الملحدون: أنتم يا مسلمون تقولون إن كل شىء من خلْق الله, فمن خلَق الله؟
فنقول وبالله التوفيق: إن هذا السؤال لا يُطرَح منكم فقط, ولكن الشيطان يوسوس به لبعض المؤمنين, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الشيطان يأتى أحدكم فيقول: من خلَقَ السماء؟*فيقول: الله, فيقول: من خلَقَ الأرض؟ فيقول:*الله, فيقول: من خلَقَ الله؟*فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل:*آمنتُ باللهِ ورسولهِ” [صحيح الجامع:1656] وقال: “يوشكُ الناس يتساءلون حتى يقول قائلهم: هذا الله خلَق الخلْق, فمن خَلَقَ الله؟ فإذا قالوا ذلك فقولوا: {اللَّهُ أَحَدٌ{1} اللَّهُ الصَّمَدُ{2} لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ{3} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}*ثم لِيَتْفُل عن يسارهِ ثلاثاً وليستعذ من الشيطان” [صحيح الجامع:8182] وقد جاء جماعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا له: إنا نجد فى أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: “وقد وجدتموه؟” قالوا: نعم, قال: “ذاك صريحُ الإيمان” [صحيح مسلم] وليس معنى ذلك أن الوسوسة صريح الإيمان, ولكن معناه أن استعظام هذه الوسوسة, وعدم قبولها, والتحَرُّج منها, وعدم النطق بها هو صريح الإيمان, أما من لم يجد فى صدره حرجاً منها, ورَضِىَ بها, فهو كالمنافق الذى يُبطِن الكفر ويُظهِر الإيمان, وهو مسئولٌ عنها, فقد قال الله عز وجل: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ{9} فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ} [الطارق:9-10] وقال: {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ{9} وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ{10} إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ} [العاديات:9-11]
ولو افترضنا (جدلاً) أيها الملحدون أن أحداً خلَق الله, فستقولون: من خلقه هو أيضاً؟ ثم من خلق الآخر ثم الآخر… وهكذا
ولكن إلى متى؟ إلى ما لا نهاية؟ فلابد أن يدرك العاقل وجود خالق لم يخلقه أحد, أوَّل ليس قبله شىء, وهذا فى عقيدتنا هو الله سبحانه وتعالى الذى خلق كل شىء ولم يخلقه شىء {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ{3} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:3-4]
منقول