![]() |
|
القسم الاسلامي العام للمواضيع الإسلامية العامة كالآداب و الأخلاق الاسلامية ... |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]() بسم الله الرحمن الرحيم تغريــب المدرســة . انطبع في أذهان كثير من التَّغريبيِّين فكرةٌ غريبةٌ، وهي أنَّ إقحامَ مادَّةِ التَّربية الإسلاميَّة في المنظومة التَّعليميَّةِ هو السَّببُ في نموِّ ظاهرةِ العنف والإرهابِ، وعابوا على المدرسة الجزائريَّة مثلَ هذا الإدراج، ورأَوْا أنَّ الإصلاحَ في الاستغناءِ عن مثل هذه المادَّةِ بالكلِّيَّةِ، أو في التَّقليل من حجمها السَّاعي والتَّهوين من شأنها والوضع من معاملها في الامتحانات؛ وأن في مادة التربية المدنية عوضا عنها، مع تغليبِ اللُّغةِ الفرنسيَّةِ؛ وهم بهذا يرمون إلى تغريب المدرسة و(عَلْمَنَتِها). إنَّ وظيفةَ المدرسةِ ـ كما يظهر لنا ـ: هو العملُ على تكوين التِّلميذِ عقليًّا ومعرفيًّا وحتَّى بدنيًّا، فإن كانت مُمارَسَة الرِّيَّاضة البدنيَّة حتمًا لازمًا، فليسَ من الحكمة أبدًا أن نُغفِلَ تكوينَه الرُّوحيَّ الَّذي ينبغي أن يكونَ مواكبًا لتكوينِه البَدَني؛ لأنَّه إذا بلغَ مرحلةَ المراهقَة حيث تثور النَّزواتُ وتندفع الغرائزُ والشَّهواتُ لا يمكنُ تهذيبُها ولا دفعُ غوائلِها إلاَّ إذا زوَّدْنا التِّلميذَ بمعارفَ دينيَّةٍ تُرسِّخُ في نفسه شرفَ العلم والفَضيلة، وجمالَ العفَّة والحياء؛ وأنَّ له ربًّا يطَّلع عليه ويراقبُه؛ كما أنَّ هذهِ المعرفةَ الدِّينيَّةَ الصَّحيحةَ الَّتي يتلقَّاها في مدرستِه تجعله في صيانة عن المعاني الفاسدة والتَّأويلات الباطلة الَّتي يمكن أن يتلقَّاها من جهاتٍ أخرى، وتُكوِّنُ عنده جدارَ حمايةٍ سميكًٍا يمنَعُ من أن يتسلَّلَ إلى قلبه أفكارُ الإرهاب والتَّكفيرِ والغُلوِّ الَّتي تموج بها وسائطُ الاتِّصال وشبكةُ الإنترنت. فالدَّرسُ الدِّينيُّ عاملٌ أساسٌ في تكوين شخصيَّةِ التِّلميذِ المتكاملة، ويُتيح له فرصةَ امتلاك الأدوات الَّتي تساعده على فَهْمِ الحياة ووُلوجِ غِمارِها وخوضِ خُطوبِها دون خوفٍ أو تردُّدٍ؛ لأنَّه مسلَّحٌ بالعلم والإيمان. وعلى هذا؛ لا أظنُّ أنَّ ناصحًا أو مُصلحًا يُريد الخيرَ للبلادِ والعبادِ يدعونا إلى أن نجعَلَ التَّربيةَ الدِّينيَّةَ مادَّةً ثانويَّةً بالإمكان تجاوُزُها أو الاستغناءُ عنها، ولو أنَّ هؤلاء التَّغريبيِّين اتَّهموا المنهجَ المقرَّرَ بأنَّ فيه نقصًا أو خللاً، أو اتَّهموا المدرِّسَ في علمِه أو فهمه، لكان اتِّهامُهم وجيهًا؛ وأمَّا أن يتعسَّفوا ويوجِّهوا أصابعَ الاتِّهام إلى مادَّةٍ هي من أهمِّ موادِّ الهويَّةِ فهو عينُ الظُّلم والإساءة. وإنَّنا نعتََقد أنَّه لو أخذ التِّلميذُ الدَّرسَ الدِّينيَّ من المعلِّم المؤَهَّل وَفقَ منهجٍ سليم مبنيٍّ على فهمٍ صحيحٍ، لنَشَأَ عندنا جيلٌ متينُ الأخلاق، قويُّ العَزيمَة، صحيحُ الدِّين؛ صالحٌ في نفسه، ومُصْلحٌ لغَيره؛ ونرى اليوم أنه مع قيام مادة التربية الدينية في مدارسنا إلاَّ أنَّه لم يسلم شبابنا من رياح الشَّهوات والشُّبهات الَّتي تعصف به من كلِّ جانبٍ فأضعفت دينَه وقلَّلت حياءَه وأضاعَت عليه كثيرًا من قِيَمِه، فباتَ يعاني الانفصامَ في الشَّخصيَّةِ والتَّذبذبَ في الهويَّةِ، والسَّيرَ في دُروب الحيَاةِ على غير معالم واضحة، فكيف إذن لو أهملنا هذه المادة، ولم يأخذ التلميذ حاجته منها لتحفظه من هذه المزالق والمهالك؟ فلو تكاتفت جهود المهتمِّينَ بالشَّأن التَّربوي على ترسيخ المعاني الدِّينيَّةِ الصَّحيحةِ في نفوس النَّاشئة عبر مراحل التَّعليم، ما وُجِدَ بيننَا أطبَّاءُ يخونون مرضاهم، ولا مُهندِسون يَغُشُّون في مشاريعهم، ولا مسؤولون يختلسون أموالاً ليست لهم وهلمَّ جرًّا... في سلسلةٍ من نكباتٍ أخلاقيَّةٍ رهيبةٍ تُعاني منها الأمَّةُ عناءً شديدًا. ذلك؛ لأنَّ النُّفوسَ إذا ترسَّخت فيها معاني الإيمان امتلأت جوانبُها بخشية الله والخوفِ منه ومراقبته في السِّرِّ والعَلَنِ وأثمر ذلك إتقانَ العمل والإحسانَ إلى الخلق والبُعدَ عن كلِّ أنواع الفساد في الأرض، والسَّعيَ في كلِّ ما يعود بالخير والنَّفعِ على الوطن والمجتمع، وهي ملامح الشَّخصيَّة الَّتي تطمح المؤسَّساتُ التَّربويَّةُ الحديثةُ في إيجادها. إنَّ منهجَ التَّربيةِ والتَّعليم لكلِّ أمَّةٍ إذا لم يُبْنَ على مقوِّماتِ شخصيَّتِها من دينٍ ولغةٍ ووطن، ولم يُرَاعِ معالِمَ هويَّتِها، فهو يسير في اتِّجاهٍ مُغايِرٍ لمصلحة الأمَّةِ، ويُقدِّمُ خدمةً جليلةً لأعدائها؛ نعم؛ ليس عيبًا أن نستَفيد من تجارب الأمَمِ الَّتي تقدَّمت في التِّكنولوجيا والمعرفة والتَّنظيم وطُرُقِ التَّدريس، لكن ليسَ على حساب الثَّوابت والأصُول؛ فإنَّ الجيلَ الَّذي لا تُغرَس فيه أهمُّ مقوِّمات شخصيَّةِ أمَّتِه ينشأُ نشأةً عَرْجَاءَ، فقَد ينال علومًا ومعارفَ مُختلفةً؛ لكن لا نأمن معه أن يَفشُوَ فيه الإلحادُ والخيانةُ، ويكثُرَ فيه الإجرامُ والانحرافُ، ويَسهُلَ عليه الإفسادُ والعُدوان؛ لأنَّ الرَّادِعَ ـ وهو الوازع الدِّيني ـ قد أُهمل في العمليَّة التَّربويَّة. أمَّا طموحُنا وطموح الآباء جميعًا من التَّربيةِ والتَّعليم أن يتكوَّن عندنا جيلٌ مُعظِّمٌ لدينِه وعقيدتِه، مفتَخرٌ بلسَان قومِه، حريصٌ على نَفْع وطنِه، يحمِلُ نظرةً صحيحةً للحياة؛ ومُتحلِّيًّا بالفَضائل والأعمال الصَّالحات. وههنا أمرٌ مهمٌّ يجبُ التَّنبُّه له وهو أنَّه جميلٌ أن نسمَعَ أصواتًا مطالبةً على إبقاء النُّصوص الشَّرعيَّةِ (آياتٍ وأحاديث) في الكتب، والتَّنديدَ بحذف شيءٍ منها؛ لكن ما أَحسَنَ أن ترتفع الأصواتُ مطالبةً بألاَّ تُصرَفَ معاني هذه النُّصوصِ إلى معانٍ جديدةٍ لم يعرفْهَا أهلُ العلم قديمًا ولا حديثًا، حتَّى لا يتلقَّى الطُّلابُ فهمًا للدِّين منكوسًا ومحرَّفًا مقلوبًا على غير مُرادِ الله ـ عزَّ وجلَّ ـ ومرادِ رسوله صلى الله عليه وسلم؛ إذ يعتَقد بعضُ القَائمين على أمر التَّعليم من المغلوبين فكريًّا والمهزومين ثقافيًّا أمام حضارة الغَرب أنَّ سَبَب نكسَتِنا وضعفِنا هو التَّمسُّكُ بالإسلام على فهم السَّلفِ وعلماء الأمَّة؛ وأنَّ المخرَجَ للَّحاقِ برَكْب الحضارة هو في إعادةِ صياغة الإسلام صياغةً جديدةً وتفسيرِه تفسيرًا حداثيًّا مُتوافِقًا مع العلمانيَّةِ ومفاهيم اللائكيَّةِ. وهؤلاء التَّغريبيُّون أُتُوا مِن جهةِ أنَّ عقولَهم مُشبَعةٌ بثقافَةٍ غريبةٍ عن مجتَمعِهم، وألسنَتَهم لا تُحسنُ لغةَ قومِهم، وهو ما يحجُبُهم عن إدراكِ عَظَمةِ الإسلام، والوصولِ إلى حقَائقِ شريعتِه النَّاصعَة، فضلاً عن التَّلذُّذِ بكلامِ الله تعالى والشُّعورِ بكماله وحِكمَتِه وتذوُّقِ بلاغتِه العربيَّة، لذا لا يجدون حرجًا في الطَّعنِ في هذا الموروثِ المُعظَّمِ؛ والتَّهوينِ من شأن لُغتِه العربيَّة، مع أنَّ اللُّغةَ ـ كما يقول الإبراهيمي رحمه الله ـ: «هي المقوِّم الأكبَر من مقوِّمات الاجتمَاع البَشري، وما من أمَّةٍ أضاعَت لُغَتَها إلاَّ وأضاعَت وجودَها، واستتبعَ ضياعُ اللُّغَة ضياعَ المقوِّمات الأخرى» [«الآثار» (1/134)]؛ فمَن اعتاد النَّظرَ إلى دينِه ولغتِه بأعيُنِ أعدائِه، أفرَزَ عقلُه مثلَ هذه الأطروحاتِ المشينةِ الَّتي تظنُّ ظنَّ الجاهليَّةِ أنَّ شريعةَ الإسلام تجاوزَها الزَّمنُ وغير موائِمَة للحضَارة الحديثةِ، وفي ذلك مساسٌ فظيعٌ بأعظم ثوابتِ الأمَّةِ، والعبث به يعني مسخ الهويَّة بكاملها. أمَّا المدرسَةُ الَّتي أشرفَ عليها العلماء؛ كابنِ باديس رحمه الله وأمثالِه، فعملت على تثبيتَ مقوِّمات الهويَّةِ من دينٍ ولغةٍ ووطنٍ؛ شعارها: الإسلامُ ديننَا، والعربيَّة لغَتنَا، والجزائر وطننَا؛ وهو ما ساعد على نشوء جيل تحرَّكت فيه الغَيرةُ الدِّينيَّةُ فقام مدافعًا عن ثوابتِه في وجه العدوِّ المستَعمِر وردَّه من حيث أتى خائبًا مدحورًا، وما أظنُّ أنَّه فعَل ذلك إلاَّ لأجل أن تواصِلَ المدرسةُ الَّتي وضع لبناتِها ابنُ باديس مسيرتَها آخذةً بعين الاعتبار المتَغيِّرات، دون إخلالٍ بالثَّوابت؛ فالتَّزحزُحُ عن خطِّ هذه المدرسةِ يعني الحَيْدَةَ عن الجادَّةِ والبُعدِ عن الصَّوابِ، والارتماء في المجهول، ونكون كمَن استبدلَ الَّذي هو أدنى بالَّذي هو خير. وفي الأخير؛ يجب أن نَعِيَ أنَّ التِّلميذَ إنسانٌ يحمل بين جَنبَيْه روحًا، وهو بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى تربية دينيَّةٍ مَرجِعُها الوَحيُ المنزَّلُ، تُحيي فيه الواعظَ القَلبي، وتُرسِّخ في وعيه أنَّ شرفَه وعزَّه وكرامتَه بقَدر تمسُّكِه بدينِه؛ حتَّى لا تجرفَه حبائل الشَّيطان المحيطة به، ويواصل حياتَه العلميَّةَ والعمليَّةَ دونَ أن تنهار عندَه الثَّوابت، أو تتميَّع عنده المعايير، وبهذَا نكون قد نجحنا في تكوين إنسانٍ صالحٍ قد حاز خيرَي الدُّنيا والآخرةِ؛ واللهُ الهادي إلى سواءِ السَّبيلِ. الشيخ توفيق عمروني حفظه الله تعالى
الكلمة الشهرية لمجلة راية الاصلاح
|
||||
![]() |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc