بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين.
و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين
إن الباطل لا يقبله الناس إلا إذا حسنه لهم شياطين الإنس و الجن فلا يزالون بك حتى يصورون لك الباطل حقا و الحق باطلا.
و لو أن كل إنسان آتاه الله نورا يعرف به حقيقة المعصية و البدعة لما عصى الله أحد. من قبح ما يرى من منها. و لذا فلا ياتيك الشيطان إنسيا كان أو جنيا
إلا مزينا لك الشهوات مزخرفا لك الشبهات.
روى أبو نعيم في الحلية بسنده عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَشْجَعَ ، قَالَ : سَمِعَ النَّاسُ بِالْمَدَائِنِ أَنَّ سَلْمَانَ فِي الْمَسْجِدِ ، فَأَتَوْهُ فَجَعَلُوا يَثُوبُونَ إِلَيْهِ حَتَّى اجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَحْوٌ مِنْ أَلْفٍ ، قَالَ : فَقَامَ فَجَعَلَ ، يَقُولُ : " اجْلِسُوا اجْلِسُوا " ، فَلَمَّا جَلَسُوا فَتْحَ سُورَةَ يُوسُفَ يَقْرَؤُهَا ، فَجَعَلُوا يَتَصَدَّعُونَ وَيَذْهَبُونَ حَتَّى بَقِيَ فِي نَحْوِ مِائَةٍ ، فَغَضِبَ ، وَقَالَ : " الزُّخْرُفَ مِنَ الْقَوْلِ أَرَدْتُمْ ، ثُمَّ قَرَأْتُ عَلَيْكُمْ كِتَابَ اللَّهِ فَذَهَبْتُمْ "
فهذا الصحابي الجليل علم حال هؤلاء و عرف ما ينتفعون به. وأن الأحاجي و الحكايات و التقعر في الكلام و البهرجة و التنميق لا فائدة منها.
و القرآن العظيم فيه أحسن القصص فاكتفى به.
و قد روى حديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في سبب نزول هذه السورة
عن سعد بن أبي وقاص في قول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} الآية [يوسف: 3]؛ قال: "أنزل الله القرآن على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فتلاهُ عليهم زمانًا، فقالوا: يا رسول الله؛ لو قصَصْتَ علينا! فأنزل الله تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} الآية [يوسف: 1 - 2] فتلاهُ عليهم زمانًا. قالوا: يا رسول الله؛ لو حدَّثْتَنَا! فأنزل الله: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} الآية [الزمر: 23]، كل ذلك يؤمرون بالقرآن.
زاد خلّاد -[أحد رجال الإسناد]-: وزادني فيه غيره: قالوا: يا رسول الله؛ لو ذكّرتنا! فأنزل الله: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد: 16].
أثر حسن. أخرجه البزار كما في "البحر الزخار" وابن أبي حاتم في "تفسيره" وابن جرير الطبري في " تفسيره" و غيرهم.
هذا أثر عظيم؛ يبيُّن أن الدين قائم على الشرع والوحي المنزّل، لا على الأهواء والآراء، ولا على ما تستحسنه العقول، وتحبه النفوس وتميل إليه.
و اليوم مع انفجار الفتن و ظهور المفوهين الفاتنين. الذين يفتنون الناس بحلاوة كلامهم تزداد الحاجة إلى التحذير من هؤلاء
و بيان خطورة الاستماع إليهم بما ياتونه من الشبهات التي لا مناعة للعوام بل للخواص منها.
فإن المرء لا يأمن على نفسه الفتنة و إن كان من كان.
و يروى عن ابن سيرين رحمه الله أنه أبى ان يسمع حتى القرآن من مبتدع فلما سئل عن ذلك ذكر أن هذا المبتدع لعله يريد الاستدلال على بدعته
بالآية. فأبى أن يسمعها منه.
و هذا الصحابي الجليل قد اكتفى بتلاوة القرآن و في ذلك دلالة على حسن الاستغناء بالقرآن و السنة و شروحهما من العلماء الربانين. عن القصص و التهريج.
و من هؤلاء بعض الذين يظهرون في قنوات معروفة. و قد فتنوا الناس و حاربوا السنة.
و يكفي أن تعلم ان امثال هؤلاء لو سمعت له عشر سنوات ما دلك على التفريق بين شرك و توحيد, ولا علمك قواعد يحسن بها معتقدك و يستوي بها سبيلك. بل هم مخلطون مخبطون ملبسون على الناس أمر دينهم.
قال ابن أبي زمنين
لم يزل أهل السنة يعيبون أهل الأهواء المضلّة ، وينهون عن مجالستهم ، ويُخوِفون فتنتهم ، ويُخبرون بِخَلاقِهم ولا يرَون ذلك غيبة لهم ولا طعن فيهم ) المصدر: أصول السنة.
روى ابن بطة حديثا عَنْ عِمْرَانَ , قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ سَمِعَ مِنْكُمْ بِخُرُوجِ الدَّجَّالِ , فَلْيَنْأَ عَنْهُ مَا اسْتَطَاعَ , فَإِنَّ الرَّجُلَ يَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ , فَمَا يَزَالُ بِهِ حَتَّى يَتْبَعُهُ لِمَا يَرَى مِنَ الشُّبُهَاتِ " . قَالَ الشَّيْخُ : هَذَا قَوْلُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ , فَاللَّهَ اللَّهَ مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ , لا يَحْمِلَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ حُسْنُ ظَنِّهِ بِنَفْسِهِ , وَمَا عَهِدَهُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِصِحَّةِ مَذْهَبِهِ عَلَى الْمُخَاطَرَةِ بِدِينِهِ فِي مُجَالَسَةِ بَعْضِ أَهْلِ هَذِهِ الأَهْوَاءِ , فَيَقُولُ : أُدَاخِلُهُ لأُنَاظِرَهُ , أَوْ لأَسْتَخْرِجَ مِنْهُ مَذْهَبَهُ , فَإِنَّهُمْ أَشَدُّ فِتْنَةً مِنَ الدَّجَّالِ , وَكَلامُهُمْ أَلْصَقُ مِنَ الْجَرَبِ , وَأَحْرَقُ لِلْقُلُوبِ مِنَ اللَّهَبِ , وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَمَاعَةً مِنَ النَّاسِ كَانُوا يَلْعَنُونَهُمْ , وَيَسُبُّونَهُمْ , فَجَالَسُوهُمْ عَلَى سَبِيلِ الإِنْكَارِ , وَالرَّدِّ عَلَيْهِمْ , فَمَا زَالَتْ بِهِمُ الْمُبَاسَطَةُ وَخَفْيُ الْمَكْرِ , وَدَقِيقُ الْكُفْرِ حَتَّى صَبَوْا إِلَيْهِمْ .
والله نسأل ان يحفظ لنا ديننا و يصلح دنيانا و يحسن عاقبتنا.