كراهة السلف للسمر بعد العشاء
لا ريب أن الأوائل قد أبلَغوا في الجهد في التحذير من هذه الآفة العظيمة، مشافَهة ومكاتَبة، ولم يألوا في ذلك نصحًا، ولا ادَّخروا وُسْعًا، كما التزموا تجاهها الاتباع والأدب كما يَفرضهما الدِّين.
وسأسوق في حديثي الآن جملةً من الأمثلة على هذا الألفاظ التي ضِيمَتْ عند كثيرين، وأُهمِلَت عند آخرين؛ حتى يكون فيها مَنبَهةٌ لما أريده.
قال ابن رجب:
"رُويَت كراهة السمر بعد العشاء عن عمرَ وحذيفةَ وعائشة رضي الله عنهم، وغيرِهم"[1].
وقال ابن عبدالبر:
"وعن إبراهيمَ وعطاءٍ وطاووس ومجاهد[2] وسعيد بن المسيب "أنَّهم كانوا يَكرهون النوم قبلها والحديث بعدها"[3].
وقال:
"واتفق مالكٌ والشافعي على كراهة النوم قبل العشاء الآخرة والحديثِ بعدها"[4]. وذكَر أن مذهب الحنفية: "الترخيص في الحديث بعدَها فيما لا مأثمَ فيه"[5].
أقوال السلف:
عمر رضي الله عنه:
قال سُليمان بن ربيعة الباهلي رحمه الله: "كان عمر يتجدَّب لنا السمر بعد العتمة".[6][7]
وقال سلمان - يعني: ابن ربيعة -: قال لي عمر: "يا سلمان، إني أذمُّ لك الحديثَ بعد صلاة العتمة".[8]
وعن أبي رافع رضي الله عنه: كان عمرُ رضي الله عنه ينشُّ الناس بدِرَّته بعد العتمة؛ يقول: "قوموا لعلَّ الله يرزقكم صلاة".[9][10]
وعن أبي سعيد مولى الأنصار قال: كان عمرُ رضي الله عنه لا يدَع سامرًا بعد العشاء، يقول: "ارجعوا، لعل الله يرزقكم صلاة أو تهجدًا".[11]
وعن خرَشة بن الحُر قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب الناس على الحديث بعد العشاء، ويقول: "أسَمرٌ أولَ الليل، ونوم آخرَه؟!".[12]
عائشة رضي الله عنها:
وعن عَمرة رحمها الله أن عائشة رضي الله عنها كانت إذا سمعَت أحدًا من أهلها يتحدث بعد العشاء، قالت: "أريحوا كُتَّابكم".[13][14]
وعن مالكٍ أنه بلغه أن عائشة رضي الله عنها زوجَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت تُرسل إلى بعض أهلها بعد العتمة، فتقول: "ألا تريحون الكتَّاب!".[15]
حذيفة رضي الله عنه:
وعن أبي وائلٍ وإبراهيم، قالا: "جاء رجل إلى حُذيفة رضي الله عنه فدقَّ الباب، فخرج إليه حذيفة، فقال: ما جاء بك؟! فقال: جئتُ للحديث، فسفق[16] حذيفةُ الباب دونه، ثم قال: إنَّ عمر جدَب لنا السَّمرَ بعد صلاة العشاء".[17]
ابن عباس رضي الله عنه:
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: "ما أحبُّ النوم قبلها، ولا الحديثَ بعدها".[18]
سلمان الفارسي رضي الله عنه:
قال سلمانُ رضي الله عنه: "إياكم وسَمرًا أولَ الليل؛ فإنه مَهذَبة - أو مَذهَبة - لآخرِه؛ فمن فعل ذلك فليصلِّ ركعتين قبل أن يَأوي إلى فراشه".[19]