( إن المناصب لا تـدوم لواحـد .. . . !!! )
عجباً لبعض بني البشر ما أن يتولى الواحد منهم منصباً مرموقاً في إحدى الدوائر التي تعنى بشؤون الناس حتى يسدل الحجب على مكتبه ويتواري عن الأنظار , وينتقي سكرتيراً يجيد المراوغة والدهاء لتصريف المراجعين ولا يسمح بدخول أحد إلى هذا المسؤول الهمام الا المهنئون من الاقارب والأحباب ليعرض عليهم قصة كفاحه المرير الذي أوصله إلى هذا الكرسي , ونسي هذا المسكين أن هذا الكرسي لا يدوم لأحد , فرياحه العاتية قد أطاحت بهامات من كان قبله من المسؤولين . فالدنيا غرارة خدّاعة . إذا حَلت أوْحلت , وإذا كست أوْكست , وإذا جَلت أوجْلت . ونحن نهمس في أذن هذا المسؤول بأنك لم ترشح لهذا المنصب الا لخدمة الناس وقضاء حوائجهم فيما يخص إدارتك , فإن تولي المناصب تكليف أكثر مما هو تشريف ليت كل مسؤول يعلم حقيقة هذا الأمر . إن التشريف يزيد وينقص وربما يتلاشى , والمعيار الحقيقي للتشريف هو ما يقدمه المسؤول من جهود لخدمة الناس بمختلف طبقاتهم وجنسياتهم وتذليل العقبات التي تواجههم وحل مشكلاتهم وتقبل وجهات نظر الآخرين والأخذ بأحسنها بما تقتضيه المصلحة العامة , وبذلك ينال كل مسؤول مخلص شرف المنصب وتحظى جهوده وإنجازاته بالرضى والقبول بإذن الله في الدنيا والآخرة , وهذه الأمنية لا ينالها الا المخلصون ونحمد الله عز وجل بأن بلادنا تزخر من هذه النماذج المشرّفة . وأما أولئك الانتهازيون الذين يتخذون من مناصبهم سلماً يرتقون عليه لقضاء مصالحهم وحوائجهم دون بذل أي جهد يذكر لرفع مستوى الأداء العاملين في إداراتهم والعمل الجاد لتذليل العقبات وتقديم أفضل الخدمات للمراجعين . فهذا الصنف من المسؤولين ماتت ضمائرهم وطغت عليهم الأنانية وحب الذات فلم يستشعروا بعظم المسؤولية التي على عواتقهم , فسوف تكون هذه المناصب حسرة وندامة عليهم في اليوم الموعود يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم . وصدق القائل :
إن المناصب لا تــدوم لواحـد إن كنت في شـك فأين الأول ؟
فأزرع من الفعل الجميل صنائعاً فإذا عـزلت فإنها لا تعـزل
كم من ميت هو حي بأعماله وكم من حي هو ميت بخموله وإهماله