منذ مساء الاثنين والحسرة تملأ قلبي ، تلازمني أينما حللت أو نزلت !،
..مساء ذلك الاثنين الذي ماتت في فيه أمّي ، حينها بدأ يجتاحني غضب كبير على فقدانها ،
كثيرا ما أختبأت ، وبكيت حرقتي عليها وحدي ، دون أن يراني أحد،
ابتعدت عن الجميع ، اشتعلت نار محرقة في قلبي ، تزداد كلّما ازدادت بي السّنون والأعوام ،
رغم أنّني ابن الخمسين وقتها ،
..كنت قد جلست برفقتها ليلة قبل ليلة وفاتها من يوم بعد الغد ، ربع ساعة على أكثر تقدير ،
كانت متّكئة على بساطها ، مقابلة الباب الخارجي للمنزل ، ترى من يدخل ، ومن يخرج..،
ما زلت أذكر تلك اللّيلة ، حيث عيناها لم تخطأ في النّظر اليّ، كأنّها تدفئ ليلي ، تقصّ عليّ قرب موعد رحيلها بنظراتها ، بينما أسرق أنا بعضا منها ،
..ثمّ نهضت ، استودعتها الله ، وتركتها ممدّدة على فراشها..، لست أدري كيف سرقني النّوم ليلتها ، وبعده واجب العمل ، !،
فلم أر ابتسامتها بعد تلك اللّيلة ، ولم أرى خيالها، الاّ وهي من بين الرّاحلين عنّي ، أو صورة معلّقة على جدران غرفتها ، ومن ليلتها وأنا أكره النّوم، بل أحاذر أن يسرق منّي آخرون أحببتهم بصدق واخلاص ، أو أن يسرق منّي نفسي على حين غفلة ، وهي لا زالت لم تتب بعد الى الله.. !؟
..بعد أن ودّعنا الأقارب والأحباب ،والأهل والأصحاب ، ومنذ ذلك الحين وأنا أنتظر اللّيل ، ليس حبّا في النّوم، وانّما ليطلع عليّ صباح فجر جديد ، !؟،
..واذا أتى اللّيل ، أبقى أنتظر النّهار الجديد ، لعلّه يأتي بالجديد،أو ربّما ستحيى فيه أو من بعده أمّي !؟
..وها أنا ذا أكمل الطّريق وحدي ، أسير على أثرها، أذكرها ما بين الفينة والأخرى ،
فكم كنت حريصا طوال كلّ الأوقات كي أستطيع النّوم ليلا، لكنّ الشّوق الجارف لها يبعده عنّي ، يسرقه منّي ، أصبح يتهرّب منّي ، رغم تعوّذي من الشّيطان الرّجيم ، وقراءة بعض الآيات ،وبعض من فنون الذّكر لصلوات ربّي وسلامه عليه ،
..لقد عاهدتهاألاّ أضايق أحدا من العالمين ، وألاّ أشكو بثّي وحزني الاّ لله ،وألاّ أعرّض نفسي لأيّ مكروه باذن الله ، ولكن فما بال القوم من بني جلدتي ينهالون عليّ جلدا صبحا وعشيّا؟ !،
..آه ، لقد تعبت، وأتمنّى لو أستريح" في رأسي " ، فدائما أحاذر الانفجار ببكائي أمام الملأ الاّ وحدي ، فتخرّ دموعي، ويعلو صوتي انتحابي ،.. ومنذ رحيلها وأنا أحاول أن أرمي بجسدي وروحي ودموعي على فراشي ، وأن أغمض عينيّ راغبا في اللّحاق بها ، لكن النّوم في كلّ مرّة يهرب منّي .. ، والخوف من الموت يبعدني عنه ، والله يقول على لسان نبيّه صلّى الله عليه وسلّم :
*..اذا أحبّ العبد لقاء الله أحبّ الله لقاءه ، واذا كره لقاء الله كره الله لقاءه..* ، أستغفر الله ولا حول ولا قوّة الاّ بالله ،
..ربّما أكون كاذبا فيما قلت ،أو ربّما قد أحسست بلوعة الحسرة على فراقها، لكن كونوا أنتم صادقين فيما سمعتم ، لو مازالت لكم آباء وأمّهات على قيد الحياة..اللهمّ اغفر لي ولوالديّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب. !!
الله المستعان وعليه وحده التّكلان