موضوع في الثقافة العامة مهم جداً
إنهيار أسعار البترول والأزمة الاقتصادية
يعتبر البترول موردا حيويا ناضبا ومصدرا للدخل القومي بالنسبة للعديد من الدول في العالم، بحيث هو مرتبط أساسا بالأمن الوطني للدولة وقوتها وهيبتها، خاصة تلك الدول التي يرتبط دخلها العام بما تجنيه من ضرائب ودخل قومي عام يعتمد على عائدات البترول، والتي يؤدي انخفاضها إلى إختلالات في اقتصاد تلك الدول بما يهدد وحدة كيانها وسيادتها.
وقد كان من الضروري إنشاء منظمة تعنى بالمصالح النفطية للدول المصدرة لهذا المورد والتي عرفت باسم "منظمة الأوبك" كجهاز محافظ على مصالح الدول المنتجة، وكذا الدول المستوردة له، ولتحديد العلاقة بين الشركات البترولية الكبرى والمنتجين لهذه المادة. لكن بعد تطور هذه العلاقة وبروز دور منظمة الأوبك في التسعير وتأثيره على ارتفاع الأسعار، ترتب على ذلك مجموعة من التأثيرات على الإقتصاد العالمي، كان من بينها الصدمة النفطية المعاكسة أو كما عرفت بالصدمة النفطية الأولى سنة 1986م التي كانت نتائجها وخيمة خصوصا على إقتصاديات الدول المنتجة للبترول. ونظرا للأهمية البالغة التي يتحلى بها البترول باعتباره مادة خام حيوية للبشرية ومصدر استراتيجي للدولة المصدرة، فإن تأثير العوامل السياسية كان بشكل أكبر وأوسع من العوامل الإقتصادية، كما سعت كل دول الأوبك إلى الحفاظ على استقرارها الإقتصادي لما له من تأثير مباشر على استقرارها السياسي.
والجزائر باعتبارها واحدة من الدول المنتجة للبترول، فقد لعب قطاع المحروقات فيها دورا بارزا ومهما في بناء وإرساء قواعد إقتصادها الوطني وكذا في تمويل مشاريعها التنموية.
كما أن الجزائر ومنذ تأميمها لقطاع المحروقات مع بداية السبعينات مثلت صادرتها النفطية أكثر من 95 بالمائة بالرغم من تركيزها على الصناعة في تلك الفترة، ما ساهم في زيادة الإيرادات من العملة الصعبة، إلا أن التبعية الكلية للاقتصاد الجزائري للبترول أصبحت نقمة عليه وذلك منذ الانخفاض التدريجي لأسعار النفط مع بداية الثمانينات وصولا إلى الإنهيار التام للأسعار سنة 1986م، ما أدى إلى انهيار الإقتصاد الجزائري واختلال هيكلي مزدوج في الميزانية وميزان المدفوعات، كما أدى هذا الإنهيار إلى ارتفاع نسبة الديون الخارجية، والأهم من كل ذلك ما ترتب عنه من آثار اجتماعية و سياسية.
و انطلاقا مما تقدم نطرح الإشكالية التالية:
إلى أي مدى يمكن اعتبار أن تقلبات أسعار البترول بعد سنة 1986 قد ساهمت في تحقيق الإستقرار الإقتصادي في الجزائر أو الإخلال به؟
الأسئلة الفرعية:
ولدراسة جوانب هذه الإشكالية ارتأينا طرح التساؤلات الفرعية التالية:
- ماهي أهم آثار الصدمة النفطية لسنة 1986م على الإقتصاد الجزائري؟.
- ما مدى أهمية قطاع المحروقات في إنعاش الإقتصاد الجزائري واستقراره؟.
- ما مستقبل البترول في الجزائر؟ وهل هناك مصادر اقتصادية بديلة عنه؟.
فرضيات الدراسة:
بغية الإجابة على إشكالية البحث، ارتأينا وضع الفرضيات التالية كإجابات مبدئية عن الأسئلة الفرعية :
انخفاض أسعار البترول بعد الصدمة النفطية لسنة 1986م أدى إلى إختلالات هيكلية في إقتصاد معظم دول الأوبك المصدرة للبترول و منها الإقتصاد الجزائري.
الجزائر استطاعت تصحيح إختلالاتها الهيكلية في إقتصادها بفضل ارتفاع أسعار البترول في نهاية التسعينات.
يعتبر كل من قطاع الفلاحة وقطاع السياحة أهم المصادر الإقتصادية البديلة عن قطاع المحروقات في الجزائر.
أدبيات الدراسة:
إن موضوع تقلبات أسعار البترول وعلاقته بتحقيق الإستقرار الإقتصادي في دول منظمة الأوبك لم يحظى بالإهتمام اللازم لذلك فإن معظم المراجع جاءت شحيحة من حيث الإحصائيات الحديثة، وخاصة عن الدور الذي تلعبه أسعار البترول في التأثير على المؤشرات الكلية للدول المصدرة له، وعلى العكس فإننا نجد عدة مصادر تبرز أهمية النفط للدول وبالأخص الدول العربية.
دراسة إكرام مياسي، تحت عنوان: الإندماج في الإقتصاد العالمي وانعكاساته على القطاع الخاص في الجزائر، الجزائر: دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع،2011م، والتي تطرقت للواقع الإقتصادي في الجزائر طيلة فترة الإصلاحات الإقتصادية سواء الخاصة بالمؤسسات الإقتصادية الدولية أي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أو البرامج الوطنية المتبناة منذ سنة 2001م، لكنها لم تطرق إلى الصدمات النفطية وانعكاساتها على الجزائر، ما دفعنا إلى البحث في تأثير الصدمات النفطية على الجزائر وذلك منذ سنة 1986م كمنطلق أساسي لدراستنا.
دراسة أيان رتليدج، ترجمة مازن الجندني، تحت عنوان: العطش إلى النفط، ماذا تفعل أمريكا بالعالم لضمان أمنها النفطي؟، بيروت: الدار العربية للعلوم، 2006م، والتي توصلنا من خلال هذه الدراسة إلى الأهمية الإستراتيجية للنفط كمورد حيوي دولي، وكذا أهم الإستراتيجيات الأمريكية للسيطرة على النفط في مختلف مناطق العالم.
دراسة محمد الرميحي، تحت عنوان: النفط والعلاقات الدولية وجهة نظر عربية، الكويت: سلسلة عالم المعرفة، العدد 52، أفريل 1982 م، وقد توصلنا من خلال هذه الدراسة إلى أن الساحة النفطية تساندها الآلة الإعلامية لشركات النفط الكبرى، ومصالح الدول الغربية التي تستفيد من استنزاف هذه المادة لصالحها، وكذا إعلان دول الأوبك عن زيادة أسعار النفط في بداية السبعينات وما تبعها من تطورات جديدة على الساحة الدولية وداخل تلك الدول وفي علاقاتها الدولية وتأثرها بالإقتصاد العالمي الذي جعل منها محط أنظار العالم.
منهج الدراسة:
لمعالجة الموضوع وللإجابة عن إشكالية بحثنا وإثبات صحة أو نفي الفرضيات، اعتمدنا على المنهج الوصفي الذي يتجلى في الجانب النظري للموضوع، من خلال التطرق لمختلف جوانبه من تعريف للنفط ومنظمة الدول المصدرة له، وذكر أهم سياساتها الإقتصادية والتنموية.
كما اقتضت منا الدراسة استعمال المنهج الإستقرائي بأداته التحليل في جانب دراسة حالة واقع الإقتصاد الجزائري، للوقوف على واقع تأثير أسعار البترول على هيكل إقتصاد الدول المصدرة للبترول. وكذلك المنهج التاريخي الذي يتماشى وطبيعة سرد الحقائق عن منظمة الأوبك وعرض السياق التاريخي لتطور هذه المنظمة وكذا تفسير الأحداث الواقعة في تلك الفترة أي بعد 1986م.
كما استعملنا المنهج الإحصائي الذي يتجلى من خلال تقديم إحصائيات رقمية عن منظمة الأوبك ودولها وكذا الإحصائيات الخاصة بالإقتصاد الجزائري.
وأخيرا منهج دراسة الحالة الذي تم التركيز فيه على حالة الإقتصاد الجزائري، وعلى أهمية قطاع المحروقات في الجزائر ودوره في دفع عملية التنمية، وكذا جمع البيانات والمعلومات الكافية عن مدى تأثر الإقتصاد الجزائري بتقلبات أسعار البترول وكيفية مواجهتها، والتطرق إلى أهم القطاعات البديلة عن قطاع المحروقات في الجزائر.
للإجابة على هذه الإشكالية يتم التطرق للمحاور التالية:
المحور الأول: السياسات الإقتصادية والتنموية للدول المصدرة "الأوبك".
المحور الثاني: أهم الصدمات النفطية بعد سنة 1986.
المحور الثالث: وضع الإقتصاد الجزائري في ظل تقلبات أسعار البترول بعد سنة 1986.
المحور الرابع: مستقبل الإقتصاد الجزائري بعيدا عن قطاع المحروقات.
الخاتمة.
المحور الأول: السياسات التنموية لمنظمة الدول المصدرة "الأوبك".
أولا: تعريف النفط
النفط يعتبر من أهم مصادر الطاقة وأكثرها انتشارا وهو عبارة عن سائل أسود كثيف سريع الإشتعال، ويكون من خليط من المركبات العضوية والتي تتكون أساسا من عنصري الكربون والهيدروجين وتعرف باسم الهيدروكربونات وتتراوح نسبتها في بعض أنواع النفط بين 50بالمائة و 98بالمائة .
وكلمة بترول هي كلمة عربية للأصل اللاتيني petroleum وهي تتكون من مقطعين الأولPETRO ومعناه الحجر أو الصخر، والثانيOLEUM ومعناه زيت، وعليه فإن كلمة بترول تعني زيت الصخر نظرا لأنه دائما ما يتواجد في أماكن صخرية في باطن الأرض. والبترول أو زيت الصخر يوجد منتشرا في باطن الأرض في حالته السائلة، أو قد يكون في شكل غازي، أو في شكل مادة صلبة أو شبه صلبة.
وقد انقسم الباحثون في تفسيرهم لأصل تكون البترول إلى قسمين:
1- نظرية التكون غير العضوي للبترول: إن أول من نادى بهذه النظرية - في العصر الحديث – هو الكيميائي الروسي (( مندليف)). وقد افترض بأن تكوين الهيدروكربونات ( أي الزيت الأسود السائل) جاء نتيجة لتفاعل كميات هائلة من كربيد الحديد في باطن الأرض مع المياه الجوفية تحت درجات عالية جدا من الضغط والحرارة، وكذلك تفاعل كربونات الكالسيوم المكونة للحجر الجيري مع كبريتيد الهيدروجين الموجود في الغاز الطبيعي.
2- نظرية التكون العضوي للبترول: تقوم هذه النظرية على أساس أن هناك مصدرا أساسيا يمثل مادة أولية لتكوينه، وأن زيت البترول تكون من بقايا المواد العضوية للنباتات والحيوانات – التي تحللت في عصور قديمة وسحيقة – المكونة من الكربون والأيدروجين، وأن زيت البترول يحتوي على البوروفيرين والنيتروجين اللذين يوجدان في المواد العضوية.
ثانيا: تعريف منظمة الأوبك:
هي هيئة دولية حكومية للبلدان المنتجة للنفط تأسست ببغداد بين 10-14 سبتمبر 1960م، وقبلت كمنظمة متخصصة في الأمم المتحدة سنة 1962م بموجب القرار6363. وهي تضم اثنتي عشرة دولة، و تعتمد على صادراتها النفطية اعتمادا كبيرا لتحقيق دخولها ويقدر إجمالي مساحة الدول المشكلة لمنظمة الأوبك ب 11,854,977 كيلو متر مربع، وعدد السكان لهذه المنظمة بحوالي438.440 مليون نسمة، أما معدل سعر البرميل فبلغ 78,92 دولار للبرميل في نوفمبر 2014م كما جاء في تقرير توقعات النفط العالمية لمنظمة الأوبك سنة 2014م.
يعتبر الرئيس العراقي الأسبق عبد الكريم قاسم بن بكر بن عثمان الفضلي الزبيدي صاحب فكرة تأسيس منظمة الأوبك، أما الرئيس الحالي لمنظمة الأوبك فهو رستم قاسمي و الأمين العام فهو عبد الله البدري.
و يختصر اسم منظمة الدول المصدرة للبترول إلى كلمة أوبك باللغة العربية، وإلى كلمة OPECباللغة الإنجليزية، و OPEP باللغة الفرنسية. ويعمل أعضاء الأوبك لزيادة العائدات من بيع النفط في السوق العالمية بحيث تملك الدول الأعضاء في هذه المنظمة ما يتراوح بين ثلثي و ثلاثة أرباع الاحتياطي العالمي و مقرها في فيينا بالنمسا.
وقد بدأت بخمسة دول مؤسسة وهي الكويت و السعودية و العراق و إيران و فنزويلا، ثم انضمت تسعة دول أخرى وهي: قطر (ديسمبر1961م)، ليبيا (ديسمبر1962م)، الإمارات العربية المتحدة (نوفمبر 1967م)، الجزائر (1969م)، نيجيريا (جويلية 1971م)، إكوادور (1973م ثم علقت عضويتها في 31 ديسمبر 1992م لأنها لم تكن قادرة على دفع رسوم العضوية المقدرة 2 مليون دولار، ثم عادت للمنظمة في أكتوبر2007م)، أنغولا (1 جانفي 2007م)، الغابون (1975 -1994م).
ثالثا: السياسات الإقتصادية والتنموية لمنظمة الدول المصدرة للنفط " الأوبك"
1-السياسات الإقتصادية:
تعقد منظمة الأوبك سنويا اجتماعا دوريا على المستوى الوزاري مرة أو أكثر حسبما تستدعي الحاجة لمراجعة أداء الأسواق والأوضاع الإقتصادية العالمية والتقرير على مستوى سقف الإنتاج، في حين تعقد على مستوى القمة من حين لآخر اجتماعا يحضره قادة دولها، ومنذ تأسيسها وحتى الآن تم عقد ثلاثة اجتماعات.
كان أهمها القمة الثالثة في الرياض سنة 2007م والتي تعتبر قمة متميزة في تاريخ المنظمة، حيث في هذه القمة تم إصدار (إعلان المبادئ الثالث) حيث تم إعادة التأكيد على إعلاني القمة الأولى والثانية واللتين انعقدتا في الجزائر وكاراكاس.
كما قامت منظمة الدول المصدرة للبترول"الأوبك" بوضع نظام مرجعي خاص بها عرف بسلة الأوبك والذي تبنته منذ سنة 1987م. وهو عبارة عن متوسط سبعة خامات قياسية تنتج الأوبك ستة منها وهي: النفط العربي السعودي الخفيف، خام دبي الفاتح، خام الصحراوي الجزائري، خام بوني الخفيف النيجيري، خام ميناس الأندنوسي وخام تيا خوانا الخفيف الفنزويلي بالإضافة إلى خام لا تنتجه وهو أثماس المكسيكي ونظرا لأن السلة هي مزيج من النفوط الخفيفة والثقيلة فإن سعرها هو أقل من سعر "برنت".
لكن اعتبارا من 16 جوان 2005م أصبحت سلة الأوبك تضم إحدى عشر نوعا من النفط الخام بدلا من السبعة خامات السابقة، بحيث تمثل السلة الجديدة خامات الدول الأعضاء مقومة وفقا لأوزان ترجيحية تأخذ في الإعتبار إنتاج وصادرات الدول الأعضاء، ثم أضيف خام غيراسول الأنغولي في جانفي 2007م إلى سلة الأوبك الجديدة، وفي منتصف نوفمبر 2007م أضيف خام أورينت الإكوادوري، وفي جانفي 2009م تم استثناء الخام الإندونيسي من السلة.
2-السياسات التنموية:
تتجلى السياسات التنموية لمنظمة الدول المصدرة للبترول من خلال إنشائها لصندوق الأوبك للتنمية الدولية والذي تعرفه المادة الأولى من ديباجة صندوق الأوبك للتنمية الدولية بأنه: " وكالة متعددة الأطراف للتعاون المالي والمساعدة المالية الغرض منه هو دعم التعاون المالي بين الدول الأعضاء في الأوبك والدول النامية الأخرى عن طريق تقديم العون المالي لمساعدة الدول الأخيرة بشروط مناسبة في جهودها الإنمائية ذات الطابع الإقتصادي والاجتماعي"، واختصارا يشار إليه بكلمة "أفيد" والتي هي الأحرف الأولى من الإسم الرسمي الظاهرة في شعاره.
وقد أنشأته الدول الأعضاء في منظمة الأوبك في 28 جانفي 1976م بعد عقد مؤتمر الأوبك بالجزائر في مارس 1975 م، وأضفت عليه الشخصية القانونية الدولية بموجب الإتفاقية المنقحة في 27 ماي 1980م بحيث تكون العضوية فيه مفتوحة لجميع الدول الأعضاء في الأوبك وهو يخضع لأحكام هذه الإتفاقية ولمبادئ القانون الدولي أما المدير العام الحالي للصندوق هو الدكتور السعودي سليمان جاسر الحربش .
وتتجلى وظائفه في تقديم قروض ميسرة الشروط لدعم موازين المدفوعات وتنفيذ مشاريع وبرامج إنمائية، وكذا مساهماته أو تقديمه قروض للوكالات الدولية المستوفية للشروط، كما يمول أوجه نشاط المعونات الفنية.
و لقد بدأت عمليات الصندوق في أوت 1976 م بموارد أولية بلغت قيمتها 800 مليون دولار أمريكي، كما استفاد من المساعدات المالية لصندوق الأوبك للتنمية الدولية 130 بلدا حتى سنة 2011 م منها 50 في إفريقيا، و40 في آسيا، و27 في أمريكا اللاتينية و4 في أوروبا وكذلك دول الكاريبي.
وفي نهاية أكتوبر 2011م، بلغ الإجمالي التراكمي الذي تم التعهد به لدعم 1324 قرضا في القطاع العام مبلغا قدره 9 مليون و481 ألف دولار أمريكي وقام صندوق الأوبك للتنمية الدولية بتنفيذ 16 برنامجا إقراضيا منذ إنشائه حتى سنة 2011م.
أما بالنسبة للمنح، فتقدم المساعدات لدعم العمليات الإنمائية الإجتماعية والإنسانية من خلال ثلاثة برامج منتظمة، وهي المساعدات التقنية، والأبحاث والأنشطة المماثلة والإغاثة الإنسانية في حالات الطوارئ، كما أسس أوفيد حسابات خاصة للمنح من أجل الإستجابة العاجلة إلى الإحتياجات العالمية الملحة، وهي تشمل تلك المنح الخاصة بعمليات مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) والحساب الخاص بفلسطين.
المحور الثاني: أهم الصدمات النفطية بعد سنة 1986 م.
أولا: الصدمة النفطية سنة 1986م:
إذا ما أردنا تحديد مصطلح الصدمة النفطية فلا يوجد أدق عبارة لتفسير هذا المصطلح كعبارة الإنهيار الكبير في أسعار البترول في السوق العالمية، كما أن سنة 1986م تعرف بالعام الأسود بتروليا.
إن ميزان المدفوعات السعودي بدأ منذ سنة 1982م نتيجة للسياسة المعتدلة التي تسير عليها السعودية يتأثر بانخفاض عائدات البترول، وظهر به عجز تمت تغطيته بالسحب من احتياطيات الدولة من النقد الأجنبي، وقد استمر السحب حتى أوائل 1986م لدرجة أن احتياطها النقدي انخفض من 160 مليار دولار إلى ما يقل عن 70 مليار دولار، وبسبب انخفاض حجم الصادرات البترولية في دول الخليج بين 1981م و1985م أعلنت المملكة العربية السعودية عن تغيير سياستها البترولية.
حيث قررت القيام بمشاركة الدول العربية الخليجية باسترداد حقها من السوق العالمية بدلا من التنازل عنه للدول المنتجة الأخرى، وبدأت السعودية في تنفيذ سياستها التي أطلق عليها (حرب الأسعار) والمطالبة بنصيب عادل في سوق البترول العالمي، وكانت السعودية تعرف أن هذه السياسة ستؤدي إلى خفض أسعار البترول بشدة، ولكنها نظرت إلى أثر اتفاقيات التصدير في المدى القصير حيث زادت من إنتاجها بسرعة تفوق انخفاض الأسعار، وإلى أثرها في المدى الطويل نظرا لإمكانية استرداد حصتها من السوق العالمية وهذه السياسة تتمشى مع احتياطيات السعودية الضخمة ومع انخفاض تكاليف الإنتاج التي تحظى به.
فحاولت السعودية في جانفي 1986م التخلي عن عبء تقليص الإنتاج فرفعت إنتاجها إلى خمسة ملايين برميل في اليوم، وعلى الفور هوت الأسعار بأكثر من 50بالمائة وتدهور فجأة سعر الخام العربي الخفيف من 27.53 دولار للبرميل سنة 1985م إلى 12.97 دولار للبرميل سنة 1986م وإلى 8.15 دولار في جوان 1986م.
ومن المعروف أن السيد أحمد زكي يماني وزير البترول السعودي السابق، الذي قاد حملة حرب الأسعار قد أقيل من منصبه في أواخر 1986 م بعد أن تفاقمت الأزمة وتضررت كل الأطراف المعنية، وعين بدلا منه السيد هشام ناظر وزيرا للبترول في السعودية والذي قاد الدعوة إلى العودة لنظام سقف إنتاج الأوبك وحصص إنتاجية أعضائها وسعر رسمي استرشادي مؤقت لصادراتها وكان وقتئذ 18 دولارا للبرميل، بذلك بدأت منظمة الأوبك تستعيد بعض ما فقدته، وبدأت تظهر كمورد أساسي ومستمر، وذلك عن طريق اتخاذ إستراتيجية جديدة للأسعار والتسويق.
وأعلنت منظمة الأوبك بمبادرة من السعودية خطأ سياسة حرب الأسعار، وضرورة نبذها والعودة إلى نظام التقيد بحصص الإنتاج والسعر الرسمي للأوبك، والعمل على امتصاص الفائض من الأسواق بهدف إيجاد توازن دقيق بين كل من العرض والطلب العالميين للمحافظة على استقرار السوق والأسعار، وقد أدى إتباع هذه السياسة إلى تحقيق استقرار ملحوظ في أسواق البترول العالمية، وإلى استعادة الأسعار لبعض قوتها، حيث دارت الأسعار حول 18 دولارا للبرميل بعد أن تدنت إلى ما دون عشر دولارات.
لكن منذ أن قررت منظمة الأوبك الإلتزام بسقف إنتاج قدره 16مليون وثمانية ألف برميل في اليوم، ارتفعت الأسعار بشكل ملحوظ حتى بلغت 13 إلى 15 دولار للبرميل في بداية ديسمبر 1986م، ثم أخذت في الارتفاع التدريجي إلى أن بلغت 18 دولار للبرميل سنة 1987م وذلك عندما أدخلت منظمة الأوبك لأول مرة نظام حصص الإنتاج.
ثانيا: الصدمة النفطية سنة 1998م:
عادت أزمة انخفاض أسعار البترول بالتوازي مع الإنكماش الإقتصادي الآسيوي سنة 1997م، ومع التخطي الكبير لبعض أعضاء منظمة الأوبك-خاصة فنزويلا- حصص الإنتاج المقررة لهم، قررت منظمة الأوبك رسميا رفع مستويات إنتاج النفط، ولكن في مواجهة ركود الطلب العالمي على النفط، ما لبث أن تحول ذلك القرار إلى كارثة، قبل ذلك بمدة طويلة، كان الأمر قد تطور إلى ساحة صراع مفتوحة مع انخراط السعودية وفنزويلا بصورة متصاعدة في حرب أسعار محمومة.
بحيث قامت فنزويلا بزيادة حصص الإنتاج بنسبة 10بالمائة في اجتماع الأوبك في 29 نوفمبر 1997م بحجة مساعدة الإقتصاد العالمي على تخطي آثار الأزمة الآسيوية، وكانت حصة فنزويلا الجديدة من السوق مليونين و583 ألف برميل في اليوم، وبعد زيادة كميات صادرات النفط الفنزويلية تدفقها في السوق الأمريكية، قامت السعودية والمكسيك بهدف حماية حصصها في السوق الأمريكية بخفض أسعار نفطيهما تخفيضا كبيرا.
كما أن الولايات المتحدة الأمريكية بعدما أجازت قرارا يسمح للعراق بشراء قطع الغيار لصناعة النفط والغاز، قامت شركة هالبيرتون الأمريكية والتي كان يترأسها ديك تشيني ببيع معدات إنتاج النفط وقطع غيار للعراق بقيمة 23.8 مليون دولار والذي مكن العراق بعد تجاهل حصة إنتاجه في الأوبك من زيادة قدرة إنتاجه للنفط ورفعها من 1.2 مليون برميل في اليوم سنة 1997م إلى 2.6 مليون برميل في اليوم سنة 2000م، قابله استخدام الولايات المتحدة الأمريكية برنامج النفط مقابل الغذاء لزيادة واردتها النفطية من العراق زيادة كبيرة وصلت حد 795 ألف برميل في اليوم.
نتيجة لهذه التطورات انهار سعر النفط العالمي بين أكتوبر 1997م وديسمبر 1998م، وهبط سعر برميل النفط الأمريكي عند رأس البئر إلى 8.03 دولارات، وعلى الرغم من أن سعر النفط قد استرد شيئا من عافيته في أكتوبر 1998م، إلا أنه عاد إلى السقوط من جديد حتى وصل في 10 ديسمبر إلى 10.73 دولار، و فوق ذلك هبط السعر الفعلي عند رأس البئر، وهو مؤشر أكثر واقعية إلى ما يحصل عليه المنتج إلى 9.20 دولار للبرميل بتكساس في نهاية 1998م.
وفي ظل انهيار أسعار البترول العالمية، اجتمعت الأوبك في 23 مارس 1999 م بفيينا، لمناقشة الحالة السيئة لهذا الإنخفاض الكبير للأسعار، واتفقت على القيام بمزيد من التخفيضات في الإنتاج لإنعاش أسعار النفط العالمية من جديد فأضيف مليون و700ألف برميل في اليوم إلى حجم التخفيضات المتفق عليها سنة 1998 م وهو مليونين و600ألف برميل في اليوم، ومع وعد من المكسيك، النرويج وروسيا والتي هي الدول الغير أعضاء في منظمة الأوبك بالمساهمة في تخفيض الإنتاج بنسبة 400ألف برميل في اليوم، وتم اتخاذ إجراء وهو إعفاء العراق من قيود حصص الإنتاج مع بقاءه بلدا عضوا في المنظمة.
ومع أواخر1999م، بدأت أسعار البترول بالارتفاع نتيجة تزايد الطلب العالمي بحيث ارتفع الاستهلاك اليومي العالمي على النفط بأكثر من 11 مليون برميل يوميا من 76.78 مليون برميل إلى 87.99 مليون برميل يوميا مدعوما بطلب متزايد من الصين والهند.
ثالثا: الصدمة النفطية سنة 2008م:
بعد الصدمة النفطية التي ميزت نهاية التسعينيات عادت أسعار البترول للارتفاع من جديد، بحيث مع بداية 2008م كسرت الأسعار حاجز ال80 دولار للبرميل، وفي مارس وصلت إلى 100 دولار للمرة الأولى ووصلت أسعار البترول إلى أعلى مستوياتها في التاريخ في جويلية 2008م فوصلت إلى حوالي 147.27 دولار للبرميل وذلك بعد تصاعد القلق من التجارب الصاروخية الإيرانية.
لكن سرعان ما اتجهت الأسعار نحو الهبوط لتصل إلى حوالي 125 دولارا للبرميل في الرابع والعشرين من جويلية، وذلك بسبب المخاوف على الطلب العالمي بسبب الركود الإقتصادي العالمي والذي كان سببه أزمة الرهن العقاري. فالأزمة المالية العالمية انعكست آثارها على جميع القطاعات الإقتصادية و الإجتماعية في العالم بما في ذلك أسواق البترول التي شهدت تراجعا حادا في الأسعار وذلك بسبب تدني الطلب العالمي، بحيث في أكتوبر 2008م، وصل النفط إلى 60 دولار للبرميل والذي هو أدنى مستوى منذ أكثر من عام حيث يعتبر أكتوبر أسوأ شهر للنفط في سنة 2008م حيث خسر حوالي 32بالمائة من قيمته في أكتوبر فقط، وواصلت أسعار النفط الخام انخفاضها لتصل في 5 ديسمبر إلى 40.50 دولار للبرميل في أقل انخفاض لها طوال أربعة سنوات.
المحور الثالث: وضع الإقتصاد الجزائري في ظل تقلبات أسعار البترول بعد سنة 1986م.
أولا: آثار الصدمة النفطية لسنة 1986م على الجزائر:
1- الآثار الإجتماعية والسياسية:
بعد الإنهيار الكبير لأسعار البترول سنة 1986م وما نتج عنه من آثار سلبية على الإقتصاد الوطني ونتيجة تدهور المستوى المعيشي وارتفاع نسبة البطالة، وكذا نتيجة الممارسات البيروقراطية للإدارة والعجز المتفاقم في السكن الاجتماعي، خرج الشعب الجزائري إلى الشارع وقام بمظاهرات عرفت بأحداث 5 أكتوبر 1988م، والتي شكلت استجابة ورد فعل لمتطلبين أساسين هما أزمة النظام السياسي وضغط البيئة الخارجية للنظام، وشكلت في الوقت نفسه دافعا رئيسيا لإجبار النظام السياسي على إجراء تحول ديمقراطي، وقد أدى ذلك إلى توسيع الفجوة بين الدولة ونظامها السياسي بكل عناصره من جهة، وبين المجتمع وقواه السياسية والإجتماعية من جهة أخرى، ما جعل مؤسسات الدولة تفقد مصداقيتها لدى أغلب الطبقات والفئات الواسعة من المجتمع. هذه الأحداث ومجموعة الظروف الدولية قادتا إلى إجبار النظام السياسي الجزائري القائم على الحزب الواحد آنذاك على البحث عن مخرج، والذي كان بإقرار دستور جديد سنة 1989م قائم على التعددية السياسية والحزبية، ومعلنا عن بدء تحول الجزائر إلى نظام سياسي ديمقراطي.
فمنذ أحداث أكتوبر 1988م وحتى أواخر سنة 1991م، سار النظام السياسي الجزائري باتجاه تدعيم الإصلاحات السياسية التي شرع بها منذ سنة 1989م، غير أن الشروع بالإصلاحات وتكريسها لم يحل دون ظهور انقسامات حادة بين أركان النظام السياسي، بسبب تنامي قوة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وتكرست تلك الإنقسامات في خطين أحدهما إصلاحي والآخر متشدد.
وعمل الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد على تدعيم الاتجاه الإصلاحي مستفيدا من دستور 1989م والصلاحيات الممنوحة له، وفي الوقت نفسه عمل على التقليل من سلطة جبهة التحرير الوطني على الحكومة، فاستبدل قاصدي مرباح بمولود حمروش (الذي عمل على اختيار حكومة من التكنوقراط إذ ضمت الحكومة لأول مرة عددا من المحترفين الشبان يفوق كوادر جبهة التحرير فيها).
و بعد فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية في26 ديسمبر 1991م، وتزايد شعبيتها واتساع قاعدتها التنظيمية، تحول الصراع على النظام على نحو علني بين المتشددين في النظام السياسي الجزائري والجبهة الإسلامية للإنقاذ وهو ما تكشف بوضوح عقب رجحان كفة المطالبين بإلغاء الانتخابات وإيقاف المسار الإنتخابي. فتم إلغاء مسار الانتخابات صاحبه استقالة رئيس دولة الجزائر آنذاك الشاذلي بن جديد في 11 جانفي 1992م، حيث تولى بعده محمد بوضياف رئاسة المجلس الأعلى للدولة يوم 16 جانفي 1992م وتم حل حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ يوم 29أفريل 1992م، وزاد الوضع الأمني والسياسي تدهورا بعد أحداث العشرية السوداء بدءا من سنة 1992م وصولا إلى بوادر الإنفراج السياسي والأمني سنة 1999م مع وصول عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم.
2-الآثار الإقتصادية:
لقد كانت أهداف المخطط الخماسي (1985-1989م)، ترمي إلى دعم وتوسيع الإنتاج من أجل تلبية حاجيات السكان، والتحكم في التوازنات الخارجية وعليه تم تخصيص مبلغ قدره 550 مليار دينار جزائري للاستثمارات في هذا المخطط، أما نسبة النمو التي كانت متوقعة باستثناء المحروقات هي 7 بالمائة، وإنشاء180.000 منصب شغل عمل سنويا، وتخفيض حجم الديون وتحقيق فائض في ميزان المدفوعات.
لكن الظروف السيئة منذ سنة 1985م، قد أثرت سلبا على توقعات هذا المخطط نتيجة لانخفاض
الإيرادات البترولية بمقدار 20بالمائة بسبب انهيار أسعار البترول التي انخفضت من 60بالمائة إلى 70بالمائة، مما أصبحت الجزائر عاجزة عن تمويل مشاريعها التنموية.
فالصدمة البترولية سنة 1986م كشفت عن هشاشة و ضعف المنظومة الإقتصادية في الجزائر بحيث أصبتها إختلالات هيكلية سواء في الميزان التجاري أو في ميزان المدفوعات، حيث وصل حجم التضخم إلى 42بالمائة، و انخفضت طاقة المصانع إلى ما دون 50بالمائة، كما تدهورت المؤسسات العمومية الإقتصادية الجزائرية، من حيث ضعف الجهاز الإنتاجي كما وكيفا وأصيب الإقتصاد الجزائري بحالة من الإنكماش والركود الإقتصادي، حيث انخفض معدل النمو الإقتصادي سنتي 1986م و1987م إلى معدل 1بالمائة بعدما كان 3.5بالمائة في سنة 1985م، ونقص مستوى الاستهلاك العائلي بنسبة 0.4بالمائة، مع انخفاض الإستثمار ب4.2بالمائة، وتدني المخزون من المواد الإنتاجية بنسبة 159.6بالمائة، وهبوط الواردات بنسبة 16.4بالمائة، وانخفاض عدد مناصب الشغل الجديدة من 122 ألف إلى 74 ألف منصبا أي بنسبة 40بالمائة.
كما أدى إلى ارتفاع حجم الدين العمومي خاصة منه المديونية الخارجية، بحيث انتقلت نسبة خدمة المديونية من الناتج المحلي الخام من 8.27بالمائة سنة 1986م إلى 21.7بالمائة سنة 1991م، مما كان له الأثر السلبي على مدى قدرة الدولة على الاستمرار في تحمل السياسة المالية و العجز الموازني آنذاك، كما انهارت عوائد الصادرات بأكثر من 42,13بالمائة ووصلت إلى 7.430مليار دولار سنة 1986م.
و برزت أدنى قيمة في عجز الميزان التجاري سنة 1986م ، ثم عجز آخر نهاية سنة 1989م بسب الأوضاع المالية السيئة التي كانت تعيشها الجزائر، و خاصة فيما كان يتعلق بتراكم المديونية وحلول مواعيد الإستحقاق، إضافة إلى عدم قدرة إجمالي الصادرات على تغطية الواردات الكلية.
أما العملة المحلية فعرفت أيضا تدهورا في قيمتها خاصة وأن سعر الصرف كان يحدد إداريا أثناء فترة الثمانينات، حيث ارتفع سعر الصرف من 1دولار =4,31 دينار سنة 1981م إلى 7.60 دينار سنة 1989م. كما تميزت هذه الفترة بظهور سوق موازية للعملات الأجنبية، فاق سعر صرف الدينار بها نظيره في السوق الرسمية، إضافة إلى إنخفاض الإحتياطيات من الصرف الأجنبي بنسبة 66بالمائة ما بين سنتي 1985م و 1989م وهو ما زاد من الضغط على قيمة الدينار الجزائري.
إن التذبذب في سوق النفط في سنة 1986م زاد من المديونية الخارجية الشيء الذي ساهم في إعادة جدولة الديون الخارجية مع المؤسسات المالية الدولية سنة 1995م، والتي أدت إلى تقليص معدلات الإستثمار، حيث كانت إيرادات الجزائر تقدر ب12 مليار دولار أما نسبة خدمة الدين فقدرت ب86بالمائة ويعد هذا من بين الأسباب التي خفضت الإستثمار، وهذا ما أدى إلى تذبذب في معدلات النمو.
ثانيا: آثار الصدمة النفطية لسنة 1998 على الجزائر:
أدى إنخفاض أسعار البترول خلال سنة 1998م إلى ضعف ميزان المدفوعات وعجز في حساب رأس المال وبالتالي تطبيق مجال الإستدانة الخارجية، مما أدى إلى فقدان الإحتياطي الدولي وبالتالي زيادة الضغط على الدينار مما دفع بالسلطات إلى الإبقاء على سعر فائدة مرتفع مع عدم التدخل عند إنخفاض الدينار. كما أدى هذا التراجع الكبير في أسعار البترول إلى انخفاض الإيرادات النفطية لتصل إلى 46 مليون دولار بدلا من 50 مليون دولار لسنة 1997م، ومن ثم إلى حدوث انخفاض كبير في الإيرادات العامة يقدر بـ 2.871 مليون دولار لتصل إلى 13.181 مليون دولار مقابل 16.057 مليون دولار سنة 1997م. في المقابل بلغت النفقات 15.027 مليون دولار مما سبب عجزا في الميزانية العامة قدر بـ 1.849 مليون دولار، بلغت نسبة هذا العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي بـ 3.89بالمائة.
وقد شهدت الصادرات انخفاضا بحوالي 34بالمائة عما كانت عليه سنة 1997م، ويعود هذا الانخفاض خاصة إلى هبوط قيمة الصادرات النفطية نتيجة انخفاض الأسعار العالمية للنفط، أما الواردات فقد واصلت اتجاهها التصاعدي منذ سنة 1995م رغم الجهود لتقليصها، فارتفعت بنسبة 10.9بالمائة خلال سنة 1998م.
فانخفاض الصادرات وارتفاع الواردات أثر على الميزان التجاري، بحيث تقلص فائض الميزان التجاري بنسبة 82بالمائة سنة 1998م، مقارنة بسنة1997م.
وقد سجلت مكونات ميزان المدفوعات تراجع سنة 1998م مقارنة مع سنة 1997م، مثلا تحول الفائض الموجود في ميزان الحسابات الجارية في سنة 1997م والبالغ 3,450 مليون دولار، إلى عجز في سنة 1998م بلغ 1,220 مليون دولار، ونفس الشيء بالنسبة لميزان السلع والخدمات وميزان الخدمات والدخل الصافي.
إن الوضع الكلي لميزان المدفوعات الذي تميز بالعجز انعكس على مستوى الاحتياطات الرسمية، حيث انخفضت خلال سنة 1998م بحوالي 15بالمائة ومن تم تراجعت تغطية هذه الأخيرة للواردات لتصل إلى 2,9بالمائة مقابل 11,9بالمائة سنة 1997م.
انعكس هذا الانخفاض على حصة إنتاج الجزائر ضمن منظمة الأوبك، إثر سياسة خفض الإنتاج لإعادة توازن الأسعار، ومن ثم انخفضت عوائد الصادرات من النفط، حيث أن إنتاج الجزائر من النفط ضمن منظمة الأوبك، قد انخفض بنسبة 3,3بالمائة سنة 1998م لتصل إلى 818 ألف برميل يوميا، وبنسبة 11,4بالمائة أي 749,6 ألف برميل يوميا سنة 1999م، مقارنة مع سنة 1997م، وهذا بسبب منظمة الأوبك بشأن خفض سقف إنتاجها بـ 2600 برميل يوميا، وذلك لامتصاص الفائض الموجود في السوق، وإعادة توازن قوى العرض والطلب.
ثالثا: آثار الصدمة النفطية لسنة 2008م على الجزائر:
تزامن الإنخفاض الكبير في أسعار البترول سنة 2008م مع الأزمة المالية العالمية التي مست معظم الدول، بحيث تأثر الإقتصاد الجزائري بذلك، ما أدى إلى تراجع قيمة الصادرات بمعدل46,60 بالمائة حيث قدرت خلال السداسي الأول لسنة 2009م ب 20,7 مليار دولار مقابل 38,6 مليار دولار تم تحقيقها في نفس الفترة لسنة 2008م، في المقابل استمرت الواردات في الإرتفاع حيث بلغت قيمتها 19,7 مليار دولار مقابل 18,9 مليار دولار للسداسي الأول لسنة 2008م أي بمعدل 4,04بالمائة و ترتب على ذلك تراجع فائض الميزان التجاري إلى المليار دولار في نهاية جوان 2009م بعدما وصل إلى 19,75 مليار دولار لنفس الفترة سنة 2008م. أما معدل النمو فقد قدر سنة 2009م بنسبة 2,2بالمائة حسب تقرير صندوق النقد الدولي حول الآفاق الإقتصادية العالمية، والذي يعتبر مستوى غير كاف لإمتصاص البطالة وتنفيذ مختلف البرامج المسطرة، أما الواردات الجزائرية فقد ارتفعت إلى حوالي 38 مليار دولار سنة 2008م بسبب زيادة مستويات التضخم في الأسواق العالمية ومن مظاهر ذلك: ارتفاع أسعار المواد الغذائية ب 8,6بالمائة، ارتفاع أسعار المواد الزراعية ب 4,1بالمائة، ارتفاع المنتجات الغذائية الصناعية ب 13,5بالمائة.
أما بالنسبة للإستثمارات الأجنبية المباشرة فقد سجلت انخفاضا في سنة 2009م بنسبة 60بالمائة، وذلك بصفة خاصة في القطاع غير الهيدروكربوني، كما لعبت الإجراءات التي اتخذتها الحكومة إلى جانب تراجع العائدات البترولية دورا هاما في جعل مناخ الأعمال غير جذاب وأهمها وضع سقف أقصى على المشاركة الأجنبية في رؤوس أموال شركات الأعمال ب49بالمائة.
إن تراجع نسب الإستثمار الأجنبي في الجزائر خلال الفترة بين 2003م و2009م بالرغم من برامج الإصلاح الوطنية الممثلة في برنامج الإنعاش الإقتصادي وبرنامج دعم النمو الوطنيين مراده تقلبات أسعار البترول التي ظلت في ارتفاع مستمر حتى سنة 2007م لتسجل انخفاضا رهيبا في أكتوبر 2008م بسبب الأزمة العالمية.
المحور الرابع: مستقبل الإقتصاد الجزائري بعيدا عن قطاع المحروقات.