من تلك الصفحات الغارقة في الدمع الخجل..
امتدت أمامه. . شوارع مفروشة بالدم والخطيئة. . . الصرخات المكبوتة تنحدر به من ضياع إلى ضياع. . على عتبات طويلة مهترئة . .
يتساقط العمر المغدور في الجبل الأسود الغامض كأوراق خريفية كئيبة . . يتفتح على مدينة زجاجية هائمة ، كئيبة ، رهيبة. .
ثلاث سنوات من الركض في العتمة بلا ظل . . بخوف ، برهبة . . يتأبط زمن البندقية الفاجرة -يذكر أنه حملها بحماس- . . تتأبطه القضية المجنونه . . تبصم بتعاريج نحاسية باردة قبلات الوداع مع كل صوت . . أو بلاصوت . . لايهم . .
يداهمه الفجر الضبا بي كل صباح . . يخبو الحماس للبندقية والقضية شيئا فشيئا ، يعتليه الضيق من ضيق المدينة الزجاجية القلقة الأرجاء . . تترجاه الكلمات أن تخرج من حنجرة خرساء بحت أحبالها ، من أعماق مظلمة تتساءل . . أين أنا ؟ بين الروابي الخائفة . . التي هجرتها فراشاتها مندحرة . .
ثلاث سنوات ينقل خطوات مبعثرة بين أرجاء المدينة الرهيبة . . لم يعد يتطلع إلى غد ، كل يوم ينعي إلى نفسه شيئا من نفسه . . حتى استحال قسا من زمن التفتيش يبسط مشرحة عتيقة للضحكة والبسمة . . يشنق على حبال الحقد المستعر كل الذكريات الجميلة عن صبح وضحى وليل يحتفي بنجومه في المدن المجاورة -زجاجية هي أيضا- . .
ينشر أكاليل الخوف والرهبة . . يحيا بلا نبض ولا قلب ولاعرق أبيض للجبين الصدء . .
. . وكان لابد للضمير أن ينتحب في صحراء من الرمل الأسود البارد . . حتى في مدينة القلق المستمر كان لابد لمسننته أن تغرز دبابيسها في العمق . . تتوارى عن لوحة أفتى رسامها بمزج الألوان القانية البشعة . .
دون رحمة استيقظت كوابيس مثقلة بالوجوه المشوهة والرؤوس المجدوعة . . تصرخ فيه الرؤى . . تقدف نومه الأبيض إلى براثين الهذيان . . يصرخ . . يهذي . . يهذي ، وحيدا سممه حقد البندقية الفاجرة . .
استجمع ما بقي من قليل . . رائحة القبر تزكمه . . لاشيء يغري بالبقاء . . يرسل نظرات مستعطفة إلى . . . مدينة الخيبات . . مدينته التي تمرد عليها منذ ثلاث سنوات -ماتزال زجاجية كما تركها- . . حمل أثقال الضمير . . دخلها ذليلا طالبا عفوها . .
أغلق المحضر . . كتب تحته بالأحمر . . ارهابي تائب . .
************************************************** ***********************
قيل . . ان كان بيتك من زجاج فلا تقدف الناس بالحجارة. .
من فترة غير طيبة ألفنا قدف أنفسنا بالحجارة