ماذا لو طبقنا مبدأ "سمعنا وأطعنا" ألن يأتي النصر والتمكين؟ بلى سيتحقق التمكين بسمعنا و أطعنا
سمعنا قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم و قول العلماء الربانيين
و أطعنا في مكرهنا و منشطنا
قال العلامة ابن القيم -رحمه الله -في مراتب جهاد النفس : " فَجِهَادُ النَّفْسِ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ أَيْضًا:
إِحْدَاهَا: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى تَعَلُّمِ الْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ الَّذِي لَا فَلَاحَ لَهَا وَلَا سَعَادَةَ فِي مَعَاشِهَا وَمَعَادِهَا إِلَّا بِهِ، وَمَتَى فَاتَهَا عِلْمُهُ شَقِيَتْ فِي الدَّارَيْنِ.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الْعَمَلِ بِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الْعِلْمِ بِلَا عَمَلٍ إِنْ لَمْ يَضُرَّهَا لَمْ يَنْفَعْهَا.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الدَّعْوَةِ إِلَيْهِ، وَتَعْلِيمِهِ مَنْ لَا يَعْلَمُهُ، وَإِلَّا كَانَ مِنَ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْهُدَى وَالْبَيِّنَاتِ، وَلَا يَنْفَعُهُ عِلْمُهُ، وَلَا يُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.
الرَّابِعَةُ: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الصَّبْرِ عَلَى مَشَاقِّ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ وَأَذَى الْخَلْقِ، وَيَتَحَمَّلُ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلَّهِ. فَإِذَا اسْتَكْمَلَ هَذِهِ الْمَرَاتِبَ الْأَرْبَعَ صَارَ مِنَ الرَّبَّانِيِّينَ، فَإِنَّ السَّلَفَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْعَالِمَ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسَمَّى رَبَّانِيًّا حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ وَيَعْمَلَ بِهِ وَيُعَلِّمَهُ، فَمَنْ عَلِمَ وَعَمِلَ وَعَلَّمَ فَذَاكَ يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ." . ينظر : زاد المعاد 3 / 9 .
ولأن اتِّباع الهوى مدخل من مداخل الشيطان ، لذا على المسلم : [أنْ يَعْلم أنَّ الشّيطان ليس له مدخلٌ على ابن آدم إلا من باب هواه، فإنّه يطيف به من أين يدخل عليه حتى يفسد عليه قلبه وأعماله فلا يجد مدخلًا إلا من باب الهوى، فيسرى معه سريان السّمّ في الأعضاء] اهـ من كلام العلامة ابن القيم.
ولأن اتِّباع الهوى سبب لِخَتْمِ الله على قلب وسمع صاحبه فلا يهتدي للحق أبداً ، قال عز وجل : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) الجاثية:23 ، لذا قال الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه : (إن أخوف ما أخاف عليكم اثنتان: طول الأمل واتباع الهوى، فأما طول الأمل فَيُنْسي الآخرة ، وأما اتباع الهوى فَيَصُدُّ عن الحق) الزهد للإمام أحمد، ص192.
ولأن [الله سبحانه وتعالى جعل متبع الهوى بمنزلة عابد الوثن فقال تعالى: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) الفرقان: 43 في موضعين من كتابه ، قال الحسن: (هو المنافق لا يهوي شيئًا إلا فعله) ] اهـ من كلام العلامة ابن القيم.
ولأنَّ اتِّباع الهوى سبب للوقوع في البدع والمعاصي بكافة أصنافها ، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : [كذلك البدع إنما تنشأ من تقديم الهوى على الشرع ولهذا يسمى أهلها أهل الأهواء. وكذلك المعاصي إنما تقع من تقديم الهوى على محبة الله ورسوله ومحبة ما يحبه] جامع العلوم والحكم، 3/226.
المقصود: فالله سبحانه وتعالى قد ألقى " العداوة بين الشيطان وبين الملك والعداوة بين العقل وبين الهوى والعداوة بين النفس الأمارة وبين القلب وابتلى العبد بذلك وجمع له بين هؤلاء وأمد كل حزب بجنود وأعوان فلا تزال الحرب سجالا ودولا بين الفريقين إلى أن يستولى أحدهما على الآخر ويكون الآخر مقهورا معه .
فإذا كانت النوبة للقلب والعقل والملك فهنالك السرور والنعيم واللذة والبهجة والفرح وقرة العين وطيب الحياة وانشراح الصدر والفوز بالغنائم .
وإذا كانت النوبة للنفس والهوي والشيطان فهنالك الغموم والهموم والأحزان وأنواع المكاره وضيق الصدر وحبس الملك فما ظنك بملك استولى عليه عدوه فانزله عن سرير ملكه وأسره وحبسه وحال بينه وبين خزائنه وذخائره وخدمه وصيرها له " كتاب " الفوائد ص 95 ـ 96 " للإمام ابن القيم رحمه الله
قال الجَُنَيد : والذين جاهدوا أهوائهم فينا بالتوبة لنهدينهم سُبل الإخلاص , ولايتمكن من جهادِ عدوِّه في الظاهر إلاّ من جاهد هذه الأعداء باطنا ,فمن نُصر عليها نُصر على عدوه ,ومن نصرت عليه نُصر عليه عدوه. سير أعلام النبلاء (67/14)