قال احدهم
حدثني صديقي المتزوج حديثا أنه لم يعد سعيدا في زواجه اليوم كما كان في بداية الزواج قبل ثلاثة أشهر، ويقول إن حالة الانبهار التي بدأ بها قد صارت إلى خفوت وفتور.
ومن جملة ما قال إنه اندهش من عصبية زوجته وسرعة غضبها بخلاف ما كانت قبل الدخول بها يقول إنها كانت وقتها في قمة "الرومانسية" والذوق ومراعاة المشاعر.
وتناسى صديقي أن كلاهما كان يتجمل ويبدي للآخر أفضل ما عنده قبل الزواج، أما الآن فقد صارت بينهما حياةٌ كاملة بكل تفاصيلها وخلافاتها.
ضربتُ له مثالا عن ذلك الطفل الذي ملأ الدنيا صراخًا من أجل لعبة، فلما اشتراها أبوه ولعب بها أيامًا؛ خف وهجها في نفسه، ولم يعد لها ذلك البريق والأهمية كالذي كان في الماضي قبل أن يمتلكها، بل إنه قام بتفكيكها ليعرف كيف تعمل، ثم أصبحت من المهملات.
وهكذا هي سنة الله الكونية في البشر وهي التي يطلق عليها الاقتصاديون مصطلح (المنفعة الحدية) وهي أن استهلاك السلعة أو الحصول على منفعة ما، يقل تدريجيا مع استهلاك وحدات إضافية، وتعني أيضا أن الشيء قبل الحصول عليه يكون في مرتبة عالية من الأهمية.
كان صديقنا يحلم بحياة لا تتحقق إلا في جنة الخلد، تلك الفتاة التي كلما أتاها عادت بكرا كما كانت، الفتاة التي لا تغضب، وإذا غضب زوجها احتوته وقالت له لن يغمض لي جفن قبل أن ترضى عني.
إصلاح الموجود خير من طلب المفقود
هناك نوع من الرجال كان وما زال وسيظل طوال عمره يبحث عن أنثى لا توجد إلا في مخيلته، وكأنه الظمئان يجري وراء السراب، والشيطان يزين له ذاك السراب ويرسم له أحلامًا وردية؛ حتى إذا بلغ ذلك الموضع لم يجده شيئًا، واصطدم بواقع قاسٍ، إنه مجرد سراب.
يا صديقي إنها مجرد دنيا لا تكاد تكتمل فيها متعة، فإن كرهت من زوجتك خلقًا رضيت منها آخر، وتذكر كم مرة طلبت فيها رضاك، وكم مرة ضحت معك وصبرت على شظف العيش والمكاره، فإذا استحضرت لها من المواقف المشرفة في حياتك ما يجعلك تحرص عليها، فتذكر قول نبيك صلى الله عليه وسلم: "وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ , فَقَالَ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ".
إن من أشد أنواع الفتن فتنة التزيين، لقد أقسم إبليس على ذلك وجعلها رسالته في هذه الدنيا "رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ" من معانى التزيين أن يكون الشئ ليس حسنا من الأساس، فيقوم المزين بوضع الزينة عليه حتى يصير حسنًا ما ليس بالحسن.
لم يكمل من نساء العالمين إلا أربع، تخيل أن النساء منذ بداية الخلق وحتى تقوم الساعة لم يتصفن بصفة الكمال سوى أربع نساء هن"مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد" ومع ذلك يطلب الواحد منا الكمال كله في زوجته، فيطلبها أعقل النساء وأذكاهن وأحلمهن وأصبرهن وأكثرهن أنوثة وجاذبية... إلى آخر تلك القائمة الطويلة التي تختلف باختلاف الأذواق والثقافات.
لماذا نطلب من نساء الدنيا صفات نساء الجنة؟
إن الله جل في علاه يكافئ عباده في الجنة فينزع من نساء الدنيا سوء الأخلاق، وينزع منهن جميع الصفات السيئة، ولا يبقى فيهن سوى الخلق القويم الجميل؛ ولأن المؤمن لا يتلذذ التلذذ الكامل إلا بنساء الدنيا، فقد أكمل الله له النساء المؤمنات اللاتي استقمن على الدين وأدخلهن الله الجنة، فهن في الجنة خير وأجمل من الحور العين، وهن أجمل أخلاقًا من الحور العين، بل إن الحور العين خدم لهن، فالحورية في الجنة تكون خادمة للمؤمنة من نساء الجنة، قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} الحجر:47.
وعلى مستوى العلاقة الزوجية فنساء الجنة مطهرات عن كل منغصات الدنيا، كلما جاءها زوجها رجعت بكراً كما كانت مرة أخرى والله وحدة أعلم بكيفية حدوث ذلك، والمقصود أن لذة الجديد تظل، فلا فتور ولا ملل، فهي الجنة "لا يبغون عنها حولا"، إنها الثواب الحسن، فلا تطلب ذلك في دار الاختبار والابتلاء.
انظر إلى نفسك..
وصاحب العقل السليم والنفس السوية، ينصف ولو من نفسه، فإذا شطحت نفسه وازدرى رفيقته، أو بدأ الشيطان يتلاعب به فيجمع له محاسن مختلف النساء ليتمناها جميعا في واحدة تناسب ظروفه وواقعه، فعليه أن ينظر إلى نفسه.. هل هو رجل كامل؟.. هل جمع بين حسن الأخلاق ويُسر الحال، ورجاحة العقل وخفة الظل وسعة الأفق والتقوى والورع ما يجعله متطلّبا لاجتماع ذلك في زوجته؟..
هل خلا من العيوب ليطلبها خالية منها؟..
أليست به طباع جُبل عليها متعبة للطرف الآخر؟.. ونقص وقصور في أمور شتى؟..
ومن ناحية أخرى..
إذا طلب المرء حبًا فليعطه أولا..
إذا طلب احتراما وتقديرا وتفهما.. فليمنحها ذلك..
إذا أراد زوجته جميلة مهتمة بمظهرها فليمدحها ويثني عليها ويبدي اهتماما بها.. وسيجد مردودا كبيرا ورائعا، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.